hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

) دب الكهوف )
في تلك الأيام، عندما هرَبت أودينا وأوج-لومي من قبيلة أويا نحو جبال ويلد المكسوَّة
بأشجار التنُّوب، عبر غابات الكَستَناء الحلو والأرض الطباشيرية المكسوَّة بالحشائش،
واختبآ أخيرًا في شِعب النهر بين الجروف الطباشيرية، كان البشرقليلين وأماكن مَعيشتِهم
مُتباعِدة؛ فكان أقرب البشرإليهم هم رجال القبيلة، الذين يبعدون عنهم مسيرة يوم كامل
أسفل النهر، ولم يكن يوجد أيُّ بشر أعلى الجبال. كان الإنسان في واقع الأمر وافدًا جديدًا
على هذا الجزء من العالم في هذا الزمن السَّحيق؛ إذ كان يتقدَّم ببطء على طول الأنهار، جيلًا
بعد جيل، من مكان معيشة لآخر، متَّجهًا نحو الجنوب الغربي. ولم تكن الحيوانات التي
تحتل الأرض: فرس النهر ووحيد القرن في أودية الأنهار، والخيول في السهول العُشبية،
والغزلان والخنازير في الغابات، والقُرود الرَّمادية على الأغصان، والماشية في المُرتفَعات؛
تخشى الإنسان إلا قليلًا، فضلًا عن الماموث في الجبال والأفيال التي كانت تَعبُر الأرض في
وقت الصيف قادمةً من الجنوب. فلمَ عساها تَخشاه؛ إذ لم يكن يَملك من الأسلحة إلا
الصوَّان الخَشِن المُقطَّع الذي لم يتعلَّم وضع مقبض له، ولم يكن يَرميه بمهارة، والرماح
السيئة المصنوعة من الخشب المدبَّب، في مقابل الحوافر والقرون والأنياب والمخالب؟
لم يرَ أندو، دبُّ الكهوف الكبير، الذي عاش في الكهف أعلى الشِّعب، إنسانًا قطُّ طوال
حياته الحكيمة والمُحترَمة، حتى رأى في منتصف الطريق في إحدى الليالي، عندما كان
يتجوَّل أسفل الشِّعب على طول حافة الجُرف، وهَج نارِ أودينا فوق الحافَة الصَّخرية،
وكانت أودينا متورِّدة اللون ولامعة، وأوج-لومي، بظلِّه الهائل الذي يُحاكي حركاته على
الجُرف الأبيض، يتحرَّك ذهابًا وإيابًا، يهزُّ شعرَه المُلبَّد، ويُلوِّح بفأسه الحجرية — أول
فأسٍ من الحجارة — وهو يتغنَّى بقتل أويا. كان دُب الكهوف بعيدًا أعلى الشِّعب، ورأى
هذا الشيء مشوَّشًا ومن مسافة بعيدة. كان مندهشًا للغاية لدرجة أنه وقَف هادئًا تمامًا
على الحافَة، يشمُّ رائحة احتراق السَّرخس الجديدة عليه، ويتساءل ما إذا كان الفجر يَبزغ
في المكان الخطأ.
كان دبُّ الكهوف سيد الصخور والكهوف، تمامًا كما كان شقيقه الأصغر حجمًا،
الدبُّ الأشهب، سيد الغابات الكثيفة في الأسفل، وكما كان الأسد المرقَّط — إذ كان الأسد
في تلك الأيام مرقَّطًا — سيد الأجمات الشوكية وأحواضالقصب والسهول المفتوحة. كان
أضخم الحيوانات الآكلة للحم، فكان لا يَعرف الخوف، ولم يكن أيُّ كائن آخر يَفترسه،
ولم يكن يَتعارك مع أيِّ كائن آخر، ولم يكن يفوقه قوةً إلا وحيد القرن. فحتى الماموث
كان يتجنَّب مِنطقته. أربكه هذا الغزو؛ فقد لاحظ أن هذه الوحوش الجديدة تُشبه القرود،
قرد وخنزير صغير؛ ربما لا » : وخفيفة الشَّعر مثل الخنازير الصغيرة. قال دبُّ الكهوف
يكون شديد السوء، لكن هذا الشيء الأحمر الذي يَقفز، والشيء الأسود الذي يقفز معه
«. هناك! لم أرَ مثل هذا قطُّ في حياتي من قبل
تقدم ببطء على طول حافة الجُرف نحوَهما، وتوقف ثلاث مرات ليشمَّ ويُحدِّق،
وازدادت قوة الدخان المُتصاعد من النار. كانت بعضُالضباع أيضًا منشغلة بما يَجري في
الأسفل، حتى إن أندو، الذي تسلَّل بهدوء ونعومة، اقترب منها كثيرًا قبل أن تَشعر بوجوده.
أجفَلت الضباع وهي تلوم نفسها وانطلقت خلسة. وبعد أنصارت على بُعد مئات الياردات،
يا-هاه! مَن الذي » : التفَتت إليه وبدأت في الصياح وتوجيه السباب إليه لمُباغتتِه لها.صاحت
فحتى في تلك «! لا يستطيع حفر جُحره؟ من الذي يأكل الجذور مثل الخنزير …؟ يا-هاه
الأيام كانت الضباع بذيئة تمامًا مثل حالها في عصرنا هذا.
وهو يُحدِّق فيها في ظلمة منتصف «؟ ومَن الذي يُجيب على الضباع » : تمتَم أندو قائلًا
الليل، ثم ذهب لينظر إلى حافة الجُرف.
وهناك كان أوج-لومي ما يزال يحكي قصته، والنار يَنخفِض لهيبها، وكانت رائحة
الاحتراق ساخنة وشديدة.
وقف أندو على حافة الجُرف الطباشيري لبعض الوقت، يَنقل وزنه الهائل من قدم
إلى أخرى، ويُحرِّك رأسه جَيْئة وذهابًا، وفمه مفتوح وأذناه مُنتصبتان وترتعشان، ويشمُّ
بفتحتي أنفه الكبير الأسود. لقد كان دبُّ الكهوف فضوليٍّا للغاية، أكثر فضولًا من أيِّ دبٍّ
يعيشحاليٍّا، كما أن النار المشتعلة والحركات غير المفهومة للإنسان، فضلًا عن التطفُّل على
مِنطقته التي لا جدال فيها، كل هذا حرك بداخله شعورًا بأن ثمَّة أحداثًا جديدة وغريبة.
كان سيُلاحق ابن الظبي الأحمر في تلك الليلة؛ فقد كان دبُّ الكهوف صيادًا متنوعًا، لكن
هذا جعله يَحيد تمامًا عن مَهمته.
«! يا-هاه! يا-هاه-هاه » : صاحت الضباع من خلفه
عندما حدَّق أندو فيضوء النجوم، رأى آنئذٍ ثلاثةَ أو أربعةضباع تتحرَّك جَيْئة وذهابًا
سيظلُّون يَتسكَّعون حولي طوال الليل حتى أقُتل. » : على منحدر التل الرَّمادي. قال أندو
وحتى يُضايقهم بالأساس، قرَّر أن يواصل مراقبة الضوء الأحمر الخافِق في «! حثالة العالم
الشِّعب حتى بزوغ الفجر حتى يَدفع الضباع الحثالة إلى منازلها. اختفت بعد فترة، وسمع
أصواتها كما لو كانت تُقيم حفلة عشاء، بعيدًا في غابات الزان. ثم أتَت تتسلَّل بالقرب منه
مرةً أخرى. تثاءب أندو وتقدَّم على طول الجُرف، وتبعتْه الضِّباع، ثم توقَّف وعاد أدراجه.
كانت ليلة رائعة، مُرصَّعة بمجموعات نَجمية متلألئة؛ لقد كانت النجوم نفسها، لكن
ليس المجموعات النَّجمية التي نَعرفها، ففي تلك الأيام كان لدى النجوم متسع من الوقت
لتَنتقِل إلى أماكن جديدة. وفي مكان بعيد وراء المساحة المفتوحة، حيث كانت الضباع
الرشيقة الجسم والمكتنزة الكتفين تَسير مُتباطئة وهي تعوي، كانت توجد غابة الزان
والمُنحدَرات الجبلية ترتفع من خلفها، كلُغزٍ مُعتِم، حتى تظهر قممها المغطاة بالجليد
بيضاء وباردة وواضِحة، عندما لمسَتها الأشعة الأولى للقمر الذي لم يَظهر بعد. عم السكون،
باستثناء عُواء الضِّباع التي كانت تقطع هذا السلام من آنٍ لآخر، أو أصوات وقع أقدام
الفِيَلة الوافدة حديثًا التي تسير أسفل التلال فيَحملها النسيم الخافت. وفي الأسفل الآن،
تضاءَل الوميضالأحمر وأصبح ثابتًا، وظهَر بلونٍ أحمر داكن أكثر، وكان أوج-لومي قد
انتَهى من قصته ويستعدُّ للنوم، وجلسَت أودينا تَستمع إلى الأصوات الغريبة لوحوش غير
معروفة، وتُراقب ضوء القمر وهو يتلألأ مبدِّدًا ظلام السماء من جهة الشرق. وفي الأسفل
كان النهر يتحدَّث إلى نفسه، والأشياء غير المرئية تتحرَّك جَيْئة وذهابًا.
بعد بعضالوقت ذهَب الدبُّ بعيدًا، لكنه عاد مرةً أخرى في غضون ساعة. ثم، استدار،
كما لو كانت ورَدت إليه فكرة، وصعد إلى أعلى الشِّعب …
انقضىالليل، واستمر أوج-لومي في النوم. وارتفع القمر المُحاق وأضاء الجُرفالأبيض
الكئيب في الأعلى بضوء شاحب وغير واضح. ظل الشِّعب في الظل، وبدا أكثرَ ظلمة من
ذي قبل. ثم بالتدريج جاء الصباح متسلِّلًا ليحلَّ محل ضوء القمر الشاحب. شرَدت عينا
أودينا نحو حافَة الجُرف من فوقها مرة، ثم مرةً أخرى، وفي كل مرة كانت ترى الحافَة
حادَّة وواضحة تحت السماء، ومع ذلك كان لديها شعور غامض بأن شيئًا يختبئ هناك.
أصبح اللون الأحمر للنار داكنًا أكثر فأكثر، وأصبح يَتصاعد منها لونٌ رَماديٌّ، وأصبح
العمود الرأسي من الدخان أكثر وضوحًا، وفي أعلى وأسفل الشِّعب أصبحت الأشياء الخفيَّة
أكثر وضوحًا في ضوء النهار الأبيض. ربما غلبها النُّعاس.
تنبَّهت فجأة من وضع القرفصاء الذي كانت تجلس عليه، وانتصبت يَقِظَة، وراحت
تتفحَّصالجُرف من أعلى وأسفل.
لم تُصدر أيَّ صوت يُذكر، وأوج-لومي أيضًا، استيقَظ على الفور من نومه الخفيف
مثل الحيوانات، وأمسك بفأسه وتسلَّل إلى جانبها دون أن يُصدر صوتًا.
كان الضوء لا يزال خافتًا، والعالم كله الآن مُغطٍّى باللونين الأسود والرَّمادي، وظلت
نجمة واحدة باهتة متخلِّفة في السماء. كانت الحافَة الصخرية التي يجلسان عليها مساحة
عشبية صغيرة، ربما يُقدَّر عرضها بست أقدام، وطولها بعشرين قدمًا، وتنحدر في اتجاه
الخارج قليلًا، وبالقرب من حافَتها كان يَنمو القليل من نبتة القديس يوحنا. وفي أسفلها
كانت الصخور البيضاء الناعمة تَنحدِر إلى الأسفل في مُنحدَرٍ حادٍّ يَبلغ نحو خمسين قدمًا
حتى يصل إلى شجيرات البُندق الكثيفة التي تُحيط بحافَة النهر. وفي اتجاه النهر يَزيد
انحدار هذا المُنحدَر، إلى أن يحتلَّ خطٌّ رفيع من الحشائش الضفة اليمنى حتى يصل إلى
قمة المُنحدَر. وفي الأعلى، يوجد نتوء من الحجارة يَبلغ أربعين أو خمسين قدمًا في الكُتَل
الضخمة المُميِّزة للطباشير، لكن في نهاية الحافَة قطع أخدود — فتحة شديدة الانحدار
من الطباشير العديم اللون — واجهة الجُرف، وأعطى أساسًا لإنبات وعر، كانت أودينا
وأوج-لومي يسيران عليه صعودًا وهبوطًا.
وقَفا صامتَين مثل غزال مذعور، بينما تأهَّبت كلُّ حواسهم. لبرهة لم يَسمعا شيئًا، ثم
جاء صوت الهَواء من أسفل الأخدود وصوتُ حفيف أوراق الشجر.
أمسك أوج-لومي بفأسه وذهب إلى طرَف الحافَة؛ إذ كانت نتوء الطباشير في الأعلى
تُخبِّئ الجزء العلوي من الأخدود؛ فرأى على الفور، بانقباضفجائي في قلبه، دُب الكهوف
يقف في منتصف الطريق بينهما وبين حافة المُنحدَر، ويَتراجع خطوة إلى الخلف بحذر
شديد بقدمِه الخلفية المسطحة. كانت قدماه الخلفيتان في اتجاه أوج-لومي، وكان يُطبق
مخالبَه على الصخور والشجيرات حتى بدا مسطحًا على الجُرف. لم يَبدُ عليه إلا هذا؛
فمِن أنفه اللامع حتى ذيلِه القصير المُمتلئ بدا في حجم أسدٍ ونصف، في طول رجلَين طولَيِ
القامة. نظر للخلف فاتحًا فمه الضخم وكأنه يَلهث من جهد رفع جسده الهائل عن الأرض،
وأخرَج لسانه …
اعتدَل واقفًا وتقدَّم إلى أسفل، واقترب ياردة واحدة.
وهو يَستدير وقد ابيضَّوجهه من الرعب. «! دُب » : قال أوج-لومي
إلا أن أودينا كانت تُشير إلى أسفل الجُرف، والخوف يملأ عينيها.
فغَر أوج-لومي فاه؛ فتَحْتَهما كان ثمَّة كتلة أخرى ضخمة لونها بُني يميل إلى
الرَّمادي، كانت الدبَّة الأنثى، تقف رافعة قدمَيها الأماميتَين على صخرة. لم تكن في حجم
أندو، لكنها كانت كبيرة بما يَكفي لإخافتهما.
ثم فجأة أصدر أوج-لوميصيحة، والتقط حفنة من أوراق وأغصان السَّرخسالمُبعثَرة
أيتها النار الشقيقة! أيتها » : على الحافَة الصخرية، وقذَفها في الرماد الشاحب للنار. صاح
أيتها النار الشقيقة! » ؛ وفعلت أودينا، التي بدأت تتحرَّك، الأمر نفسه «! النار الشقيقة
«! ساعدينا، ساعدينا! أيتها النار الشقيقة
ما تزال حمراء من الداخل، لكنها تحولت إلى اللون الرَّمادي « النار الشقيقة » كانت
لكنها زفَرت ورحلت، ولم يبقَ منها إلا «! أيتها النار الشقيقة » : مع بعثرتهما لها. صاحا
الرماد. ثم رقص أوج-لومي في غضب وضرَب الرماد بقبضته. إلا أن أودينا بدأت تَطرق
الحجر الناري بحجرِ صوَّان. وكانت عينا الاثنين تتحوَّلان مرارًا وتَكرارًا إلى الأخدود حيث
«! أيتها النار الشقيقة » . كان أندو يتسلَّق إلى الأسفل
فجأة ظهرت قدما الدب الخلفيتان الهائلتان المكسوَّتان بالفرو، من وراء النتوء
الطباشيري الذي أخفاه. كان لا يزال يتسلَّق بحذر بالغ إلى أسفل السطح شبه العمودي.
ورغم أنه لم يكن من المُمكِن رؤية رأسه، فإنهما كانا يستطيعان سماعصوته وهو يتحدَّث
«. خنزير وقرد، لا بد أن يكون هذا جيدًا » : إلى نفسه. قال دبُّ الكهوف
استطاعت أودينا إشعالشرارة ونفخَت فيها؛ فاشتد الضوء الصادر منها ثم انطفأت.
عندها ألقت الحجر الصوَّان والحجر الناري على الأرض وبدأت تَفرك يديها. كان وجهها
غارقًا في الدموع، ثم قفزَت واندفعت مذعورة بضع أقدام أعلى الجُرف فوق الحافَة
الصخرية. أنا لا أعرف كيف استطاعَت التعلُّق ولو للحظة بهذا المكان؛ فقد كان الطباشير
عموديٍّا ولا يستطيع القرد التعلق به. وفي غضون بضع ثوانٍ انزلقت مرةً أخرى إلى الحافَة
الصخرية ويداها تنزفان.
كان أوج-لومي يتحرَّك حركات مُندفعة هائجة؛ فكان يذهب إلى طرف الحافَة
الصخرية، ثم إلى الأخدود؛ فلم يكن يعلم ماذا يفعل، ولم يكن يستطيع التفكير. بدَت
الدبَّة أصغر من رفيقها — بكثير. فإذا اندفَعا نحوها معًا، فربما يعيش أحدهما. قال دبُّ
والتفت أوج-لومي مرةً أخرى ورأى عينيه الصغيرتين تُحدِّقان من أسفل «؟ إيه » : الكهوف
«. ابتعدا! فأنا سأقفز إلى الأسفل » : النتوء الموجود في الطباشير. قال الدب
بدأت أودينا، التي انكمشت مُرتعدَة في نهاية الحافَة الصخرية، في الصراخ مثل أرنب
مقبوضعليه.
في خضمِّ هذا اعترى أوج-لومي نوعٌ من الجنون، وبصيحة هائلة أمسك بفأسه وبدأ
في التسلُّق إلى أعلى الأخدود للدُّب. لم يتفوَّه بكلمة ولم يُطلِق صيحة، أما الوحش فقد أصدَر
صوتًا بأنفه من المفاجأة. وفي لحظة كان أوج-لومي يتعلق بشجيرة أسفل الدب مباشرةً،
وفي لحظة أخرى أصبح متعلِّقًا بظهره المكسو بالفرو، مع تعلق إحدى قبضتَيه بالشعر
الموجود أسفل فكه. كان الدب مذهولًا من هذا الهجوم الغريب فلم يفعل أكثر من التشبُّث
السلبي. ثم نزلت الفأس، أول فأس على الإطلاق، على جمجمته.
الْتوَى رأسُالدُّب من جانب لآخر، وبدأ في إصدار زمجرة توبيخيةشَرِسة؛ فقد ارتطمت
الفأس به على بُعد بوصة واحدة من عينه اليسرى؛ فأعمى الدم الساخن هذا الجانب لديه.
عندئذٍ زأر هذا الحيوان المُتوحِّشمن المفاجأة والغضب، وصرَّبأسنانه على بُعد ست بوصات
من وجه أوج-لومي. ثم نزَلت الفأس، التيضربت عن قرب، بقوَّة على جانب الفك.
أعمَتِ الضربة التالية الجانب الأيمن، وجعلته يُزمجِر، هذه المرة من الألم. رأت أودينا
القدم الضخمة المُفلطَحة وهي تُفلت وتَنزلق، وفجأةً قفز الدبُّ قفزة خرقاء على الجانب،
كما لو كان يُريد الوصول إلى الحافَة الصخرية. ثم اختفى كلُّ شيء، وسُحِقت شجيرات
البندق، وتعالى صوتُ الأنين من الألم والجلَبة التي كانت مزيجًا من الصُّراخ والزمجرة من
بعيد في الأسفل.
صرخت أودينا وركضت إلى الحافَة وأمعَنت النظر. للحظة كان الرجل والدُّبَّان كتلة
واحدة معًا، كان أوج-لومي في الأعلى، ثم قفَز بعيدًا عن الدبين، وبدأ يتسلَّق الأخدود مرةً
أخرى، بينما كان الدُّبَّان يتدحرجان ويصطدم كلٌّ منهما بالآخر بين شجيرات البندق.
إلا أنه ترَك فأسه في الأسفل، وكانت ثمَّة ثلاثة خطوط حمراء تُشبه نهايتها شكل المقبض
وفي لحظة كانت أودينا تسبقه إلى قمة الجُرف. «! فوق » : تَنزف من أسفل فخذِه. صاح
في نصف دقيقة كانا على القمة، وكان قلباهما يَخفقان بشدة، بينما كان أندو وزوجته
بعيدًا وعلى مسافة آمنة من تحتهما. كان أندو جالسًا على مؤخِّرته، ويستخدم مخلبَيه
الاثنين، محاولًا بحركات حانقة سريعة مسح الدم الذي يُعمي عينيه، ووقفَت الدبَّة على
أطرافها الأربعة غير بعيدة عنه، وقد انتفَش فرْوها وتُزمجر بغضب. أما أوج-لومي فقد
ألقى نفسه على العُشب، وراح يلهث وينزف واضعًا وجهه بين ذراعيه.
ظلَّت أودينا لثوانٍ تَنظر إلى الدبَّين، ثم عادت وجلست بجواره، وهي تنظر إليه …
مدَّت الآن يدها برفقٍ ولمسَته، ونطقت باسمه بصوتٍ خافت. استدار إليها ورفع نفسه
على ذراعه. كان وجهُه شاحبًا، مثل وجه شخصٍ خائف. نظر إليها بثباتٍ لدقيقة، ثم
«! وااه » : ضحكَ فجأة، وقال مبتهجًا
وهو حوار بسيط لكنه مُعبِّر. «! وااه » : فقالت هي
بعد هذا جاء أوج-لومي وركَع بجوارها، وأمعن النظر وهو راكع على يدَيه وركبتيه
من فوق الحافَة وفحَصالأخدود. أصبح نفَسه مُنتظمًا الآن، وتوقف الدم الذي كان يسيل
على رجله، رغم أن الخدوشالتي أحدثَتها الدبة كانت مفتوحة وواسعة. رفَع يدَيه من فوق
الأرض، وجلس يُحدِّق في آثار أقدام الدب الضخم التي تقترب من الأخدود؛ فقد كانت في
عرض رأسه وفي ضِعف طوله. ثم قفَز إلى أعلى عند واجهة الجُرف حتى استطاع رُؤية
الحافَة الصخرية؛ عندها جلَس لبعضالوقت يُفكِّر، بينما كانت أودينا تُراقبه.
نهضأوج-لومي أخيرًا، كما لو كان شخصًا اتَّخذ قراره. عاد في اتجاه الأخدود، وأودينا
بالقرب منه، وتسلَّقا معًا إلى الحافَة الصخرية. أخذا الحجر الناري والحجر الصوَّان، ثم
هبط أوج-لومي إلى أسفل الجُرف بحذرٍ بالغ، وعثر على فأسه. عادا إلى الجُرف الآن بهدوء
بالغ قدرَ الإمكان، وهما يُديران وجهَيهما ويَنظُران بثبات نحو منبع النهر ويَنطلِقان
في مشي سريع. لم تَعُد الحافَة الصخرية منزلًا لهما بعد الآن، مع وجود هذين الزائرَيْن
في الجوار. حمل أوج-لومي الفأس وأودينا الحجر الناري؛ فقد كان الانتقال في العصر
الحجري القديم بسيطًا للغاية.
اتَّجها نحو منبع النهر، رغم أنه ربما يؤدِّي إلى عرين دبِّ الكهوف؛ لأنه لم يكن يوجد
أيُّ طريق آخر يُمكنهما الذهاب فيه؛ ففي اتجاه النهر توجد القبيلة، وماذا لو أن أوج-لومي
لم يَقتُل أويا وفاو؟ وكان لزامًا عليهما البقاء بالقرب من النهر، بسبب الشرب.
من ثم واصَلا السير، عبر أشجار الزان، وظلَّ الشِّعب يزداد عمقًا حتى جرى النهر
سريع الزَّبَد أسفلَهم بنحو خمسمائة قدم. وبين كل الأشياء المُتغيِّرة في هذا العالم المتغيِّر،
كانت مجاري الأنهار، في الوديان العميقة الأقل تغيُّرًا. كان هذا نهر واي، الذي نعرفه في
عصرنا الحالي، وسارا في الأماكن نفسها التي توجد فيها حاليٍّا مدينتا جيلدفورد وجودالمينج
الصغيرتان، فكانا أول بشر يَصِلُ إلى هذه الأرض. ذات مرة سَمِعا صوت قردٍ رَمادي ثم
اختفى الصوت، وعلى طول حافة الجُرف، الواسعة والمستوية، امتدَّ أثرُ دبِّالكهوفالضخم.
بعد هذا انحرف أثرُ الدبِّ بعيدًا عن الجُرف؛ مما أظهَر — على حدِّ ظن أوج-لومي —
أنه جاء من مكانٍ ما إلى اليسار، ومع استمرارهما في السير على حافة الجُرف، وصَلا
الآن إلى نهايته. وجَدا نفسَيهما يُطلان على مساحة هائلة شبه دائرية في الأسفل سبَّبها
انهيار المُنحدَر الصخري؛ فقد تحطَّم المنحدر عند منتصف الشِّعب تمامًا، حاجزًا المياه عند
مصبِّ النهر داخل بركة كانت تَفيض في منحدر النهر. حدث الانهيار منذ فترة طويلة؛
فقد غطَّت عليه الأعشاب الآن، لكن واجهة المُنحدَر التي كانت توجد أمام شبه الدائرة هذه
كانت لا تزال تبدو جديدة وبيضاء تمامًا مثلما كان شكلها بالتأكيد في اليوم الذي انكسر
فيه المُنحدر الصَّخري وانزلق إلى الأسفل. وتحت سفح هذا المنحدر كانت توجد مداخل
العديد من الكهوف مكشوفة تمامًا وسوداء اللون. وبينما كانا واقفَين هنا، يَنظران إلى هذه
المساحة، ولا يَرغبان في اختراقها لأنَّهما كانا يَعتقدان أن عرين الدِّبَبة يقع في مكانٍ ما على
اليسار في الاتجاه الذي يتحتَّم عليهما سلوكه، شاهَدا فجأة أول دبٍّ ثم تبعه اثنان تصعَد
جميعها المُنحدَر العُشبي على اليمين وتَسير عبر المساحة الخضراء نحو كهوفها. كان أندو
في المقدمة، وكان يَميل قليلًا على قدمِه الأمامية، وكان مظهرُه كئيبًا، وجاءت الدُّبة من خلفه
تسير بخُطًى قصيرة وبطيئة.
تقهقرَت أودينا وأوج-لومي دون إصدار أيِّصوت من المنحدَر حتى لم يعد بإمكانهما
رُؤية الدببة إلا من فوق الحافَة. ثم توقَّف أوج-لومي. جذبت أودينا ذراعه، لكنه التفت
إليها في إيماءة تدلُّ على الرفض، فسقطَت يدها. وقف أوج-لومي يُراقب الدببة، والفأسفي
يده، حتى اختفت داخل الكهف. زمجر بهدوء، ولوَّح بالفأس على أقدام الدبَّة المُتقهقِرة.
ثم ما سبَّب الرعب لأودينا أنه بدلًا من أن يَزحف مُبتعدًا معها، استلقى ممدِّدًا على الأرض
وزحَف إلى الأمام في وضعٍ يستطيع منه رؤية الكهف. لقد كانت دِبَبة، وكان يتصرَّف كما
لو أنه يُراقب أرانب!
استلقى هادئًا، مثل قطعة من لحاء الشجر، منقطة بأشعة الشمستحت ظل الأشجار.
كان يُفكِّر، وقد تعلَّمت أودينا، حتى عندما كانت طفلةصغيرة، أن أوج-لومي عندما يُصبح
هادئًا هكذا، ويَضع عظام فكه على قبضته، تبدأ أشياء جديدة على الفور في الحدوث.
مرَّتساعة قبل أن ينتهي من التفكير، وبحلول الظهيرة عثَر هذان الهمَجيَّان الصغيران
على طريق العودة إلى حافَة الجُرف الذي يَعلو كهف الدِّبَبة. قضيا طوال فترة بعد الظهيرة
في القتال باستماتة مع حجرٍ ضخمٍ من الطباشير؛ حيث كانا يُدحرِجانه دون استخدام
أيِّ شيء، بخلاف عضلاتهما القوية، من الأخدود الذي كان يتدلى فيه مثل سنٍّ على وشك
السقوط، في اتجاه قمة الجُرف. كان مُحيطه يبلغ ياردتَين كاملتَين، وكان يصل في ارتفاعه
إلى خصرأودينا، وكان مُتعرِّجًا وبه سنون من حجر الصوَّان. وعندما غربت الشمس كان
الحجر مُستقرٍّا، على بُعد ثلاث بوصات من الحافَة، فوق كهف دبِّ الكهوف الكبير.
وفي الكهف، فتَر الحوار في فترة بعد الظهيرة؛ فغفَت الدبة عابسة في ركنها — فقد
كانت مشغولة بالتفكير في الخنزير والقرد — وكان أندو مُنشغلًا بلعق جانب مِخلَبه
وتبليل وجهه حتى يُخفِّف ألم جراحه والتهابها. بعد هذا ذهب وجلس على مقربة من
مدخل الكهف، يَرمش بعينه السليمة وهو ينظر إلى شمس بعد الظهيرة، ويُفكِّر.
أنا لم أشعر بمثل هذه المفاجأة في حياتي من قبل. إنها أعجب الحيوانات. » : قال أخيرًا
«! تهجم عليَّ
«. أنا لا أحُبهم » : قالت الدبة من الظلام في الخلف
إنها أضعف أنواع الكائنات التي رأيتُها على الإطلاق، فلا يُمكنني تخيُّل ما سيئول »
«؟ إليه العالم. أرجلُهم نحيلة وهزيلة … أتساءل كيف يُدفئون أنفسهم في الشتاء
«. على الأرجح لا يفعلون » : قالت الدبة
«. أعتقد أنهم نوعٌ من القِرَدة به خطأ ما »
«. إنه تغيُّر » : قالت الدبة
ثم سادَت فترة صمت.
إن الأفضلية التي حصَل عليها كانت مجرَّد صدفة، فهذه الأشياء تَحدث » : قال أندو
«. أحيانًا
«؟ أنا لا أفهم، لماذا ترَكته » : ردَّت الدبة
كانت هذه المسألة قد خضعَت للمناقشة مِن قبلُ وسُوِّيت؛ ولذلك ظلَّ أندو — لكونه
دُبٍّا له خبرة — صامتًا لفترة. بعد ذلك واصَل الحديث في جانب آخر من الموضوع؛ فقال:
إن لدَيه مِخلَبًا، مِخلَبًا طويلًا بَدا أنه ظهر أولًا في أحد كفَّيه، ثم في الآخر. مِخلَبًا واحدًا »
فقط. إنها كائنات غريبة للغاية؛ والشيء المُضيء أيضًا، الذي يبدو أنه يوجد لدَيهم — مثل
الوهج الذي يظهر في السماء في أثناء النهار — غير أنه يَقفِز في جميع الأنحاء، إنه يَستحق
«. فعلًا المشاهَدة. إنهشيء له جذر أيضًا، مثل العُشب عندما يكون الجو عاصفًا
«. هل يعضُّ؟ إذا كان يعضُّفإنه لا يُمكن أن يكون نباتًا » : سألت الدبة
«. لا، أنا لا أعرف. لكنه أمرٌ مُثيرٌ للفضول على أيِّ حال » : قال أندو
«. أتساءل إذا كان طَعمُهم جيدًا » : قالت الدبة
كان دبُّ الكهوف، مثل الدب القطبي، آكلًا للحم «. يبدو عليهم ذلك » : رد أندو بنهم
على نحوٍ لا يُمكنه أن يبرأ منه؛ فهو لا يَتناول الجذور أو العسل.
استغرَق الدُّبان في التأمل لفترة، ثم واصَل أندو علاجه البسيط لعينه. اشتدَّ ضوء
الشمس على المنحدر الأخضرأمام مدخل الكهف دفئًا في لونه وحرارته، حتى أصبح لونه
كالكهرمان الأحمر.
إنه شيء مُثيرٌ للفضول، النهار، أعتقد أنه يستمر لفترة طويلة » : قال دبُّ الكهوف
للغاية. وهو غير مُناسب تمامًا للصيد، إن الإضاءة الشديدة تؤلم عيني دومًا، كما أني لا
«. أستطيع الشمَّ جيدًا في النهار
لم تَردَّ الدبة، بل صدر صوتُ مضغٍ مُنتظِم من الظلام؛ فقد عثَرت على عظمة. تثاءب
وسار ببطء نحو مدخل الكهف، ووقَف وأخرج رأسه منه؛ ليَفحص «. حسنًا » : أندو، وقال
المساحة التي تُشبه المسرح الروماني أمامه. واكتشف أنه يتحتَّم عليه تدوير رأسه دورة
كاملة حتى يرى الأشياء التي توجد على جهته اليُمنى. لا شك أن هذه العين ستَتحسَّن في
الغد.
تثاءب مرةً أخرى. وكان ثمَّة نقرٌ فوق رأسه، ثم طارت كتلة كبيرة من الطباشير
من واجهة المُنحدَر، وسقطت أمامه على بُعد ياردة منه، وتكسَّرت إلى عشرات الشظايا غير
المتساوية. روَّعه هذا بشدة.
عندما تعافى بعض الشيء من الصدمة، ذهَب وجعل يشمُّ بفضول القِطَع التي تُمثِّل
تلك القذيفة التي سقطَت. كان لها مذاق مميَّز، يُذكِّره على نحوٍ غريب بالحيوانَين الشاحبَين
على الحافَة الصخرية. انتصب في جلسته وضرب القطعة الأكبر بكفه، ودار حولها عدة
مرات محاولًا العثور على إنسان حولها في مكانٍ ما …
عندما حلَّ المساء نزل إلى أسفل شِعب النهر ليرى إن كان بإمكانه التخلُّص من أيٍّ
من قاطني الحافَة الصخرية. كانت الحافَة خالية، ولم تكن توجد أيُّ علامات على الشيء
الأحمر، لكن لكونه جائعًا لم يتجوَّل طويلًا هذه الليلة، استمر ليُمسك بأيَُّل أحمر صغير.
نسيَ أمر الحيوانات الشاحبة، وعثر على أيَُّل صغير، لكنَّ أمه كانت بالقُرب منه وحاربَت
حربًا شعواء من أجل صغيرها. اضطُرَّ أندو لترك الأيَُّل الصغير، لكن بما أنها كانت مُنفعلة
بشدة قرَّرت المكوث لتشنَّ هجومًا، وفي النهاية وجَّه لكمةً لها بكفِّه على أنفها؛ ومِن ثم أمسك
بها. كان اللحم أكثر لكن طعمه ليسشهيٍّا، وحصلت الدُّبة، عندما خرجت من الكهف، على
حصتها. وفي فترة بعد الظهيرة في اليوم التالي، حدَث أمرٌ غريب بما يَكفي لإثارة الفضول؛
فقد سقط حجرٌ يُشبه الحجر الأبيضالأول وتحطم تمامًا مثل الحجر السابق.
أما تصويبُ الحجر الثالث، الذي سقط في الليلة التالية، فكان أفضل؛ فقد ارتطم
بجُمجمة أندو التي لم تكن تتوقَّع الأمر، وأحدَث صوتًا عاليًا ترَدَّد صداه إلى أعلى المنحدر،
وتبعثَرت الشظايا البيضاء راقصةً في جميع أنحاء الِمنطقة المحيطة. أما الدُّبة التي جاءت
وراءه وظلَّت تشمُّه بفضول، فقد وجدته مُستلقيًا في حالة غريبة، وكان رأسه رطبًا وعلى
غير ما يُرام. كانت الدبة صغيرةً في السن، وعديمة الخبرة، وبعدما ظلَّت تشمُّه لبعض
الوقت وتلعَق جسمه قليلًا، قرَّرت أن تتركه حتى تمر هذه الحالة الغريبة، وذهبَت لتَصطاد
وحدها.
بحثَت في كل مكان عن ابن أنثى الأيَُّل الأحمر التي قتَلاها منذ ليلتَين، وعثرت عليه.
لكنها كانت تَصطاد وحدها دون أندو، وعادَت في اتجاه الكهف قبل بزوغ الفجر. كانت
السماء رمادية اللون وغائمة، وكانت الأشجار أعلى الشِّعب سوداء اللون وغير مألوفة،
وخطَر على تفكيرها النموذجي للدِّبَبة شعورٌ غامض بحدوث أشياء غريبة وكئيبة. رفعَت
صوتها ونادت على أندو باسمه. أعادت جوانب الشِّعب ترديد صدى ندائها.
ومع اقترابها من الكهف رأت في الضوء الخافت، وسمعت، بعضبنات آوى تركض،
وبعد هذا مباشرة سمعت عُواء ضبع، وتبعه صعود عشرات الحيوانات الخرقاء إلى أعلى
المنحدر، وتوقَّفت هذه الحيوانات وصاحَت بسخرية، فحملت الرياح إليها كلماتها الساخرة:
وفجأة أصبح الشعور الكئيب في ذهن الدبة حادٍّا، «! سيد الصخور والكهوف — يا-هاه »
فدلفت عبر المساحة التي تُشبه المسرح الروماني.
«! يا-هاه » : وأعادتها «! يا-هاه » : قالت الضباع
لم يكن دبُّ الكهوف مُستلقيًا على الحالة التي كان عليها بالضبط؛ لأن الضِّباع كانت
مُنهمِكة في الْتِهامه، وظهرت أضلاعه بيضاء في أحد الأماكن. وانتشرت في المرج من حوله
الشظايا المحطَّمة من الكتل الثلاث الضخمة من الطباشير، وكان الهواء يَعبق برائحة الموت.
تسمَّرت الدبة في مكانها، فحتى الآن، كانت فكرة تعرُّضأندو الضخم العظيم للقتْل
فوق قُدرتها على التصديق. ثم سمعت من فوقها مِن بعيد صوتًا، صوتًا غريبًا، يُشبه
قليلًا صياح الضِّباع لكنه رخيم وأقل حدة. نظرت لأعلى بعينيها التي أعماها إلى حدٍّ ما
بزوغ الفجر، ولم تكن رُؤيتها واضحة، وبدأ أنفها تَرجف. هناك، فوق حافة المنحدر،
فوقها بكثير تحت الفجر الوردي المُشرِق، كان ثمَّة شيئان أسودان أشعثان مُستديران؛
رأْسا أودينا وأوج-لومي، يَصيحان في سخرية. لكن رغم عدم قُدرتها على رؤيتهما، كان
باستطاعتها سماعهما بوضوح، وبدأت تَفهم على نحوٍ خافت، ودبَّ في قلبها شعورٌ جديد
بشرورٍ وشيكة.
بدأت تفحص الأجزاء المحطَّمة من الطباشير التي توجد حول أندو. وقفت ساكنة
لفترة من الوقت، تَنظر حولها وتُصدر صوتًا مُنخفِضًا مُتواصِلًا أشبه بالنُّواح. بعد ذلك
عادت مُتشكِّكة لأندو لتُحاول لآخر مرة إيقاظه
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.