MazagElkotob

شارك على مواقع التواصل

ده مريض....
كلمة تفسيرها للوهلة الأولى إن الشخص اللي بتتوجهله الكلمة دي عنده مرض سواء كان جسدي أو نفسي...
بس في الواقع دلوقتي مش ده المعنى بتاعها بس..
دلوقتي بقينا بنحكم على كل الناس اللي بنشوفهم إنهم مرضى لمجرد بس إنهم مش شبهنا..
للتوضيح أكتر (إنت مش انا)، إذًا إنت مريض...
بص بص شوف فلان ده لابس إي ده مريض..
طب بصي يبنتي البنت بتتكلم ازاي عاملة نفسها كيوت بس هي مش كيوت هي مريضة..
الحق الحق الواد عامل شعره ازاي ده مريض..
إي ده الراجل العجوز ده بيجري في الشارع وبيلعب رياضة ده مريض..
لا والست الكبيرة دي اللي ماشيه تغني في الشارع ومفكرة نفسها سعاد حسني دي مريضة..
شوف البنت دي عاملها شعرها ازاي دي مريضة..
شوف شوف شوف بياكلوا إي؟! دول مرضى..
بقينا بنعطي لقب (مريض/ة) لأي شخص لمجرد إنه بيعمل حاجة عكس اللي احنا بنعملها، أو يمكن حاجة نفسنا نعملها ومش قادرين فبنسلك الطريق السهل، ونقول للي بيعملها إنت مريض...
وبقينا بكده يا عزيزي كلنا مرضى...
تعالوا كده احكيلكوا قصة بسيطة:-
مريم بنت ذكية جدًا متفوقة جدًا في دراستها، تفوقها ده خلاها من أوائل الجمهورية في ابتدائي وإعدادي..
وكمان دخلت الثانوي وجابت تقدير٩٩.٩ والوزير كلمهم لإنها كانت الأولى على الجمهورية، فرحة كبيرة جدًا وده طبيعي، بس القدر كان لي رأي تاني..
والد مريم اتوفى في نفس يوم نجاحها واتحول من أجمل أيام حياتها إلى أسوأ يوم عدى عليها..
ولإن مريم مامتها متوفية وهي لسه مكملتش الخمس سنوات، كانت متعلقة جدًا بوالدها..
بعد وفاته مفضلش ليها إلا أختها إيمان بس، وبسبب تعلقها الشديد بوالدها قررت إنها تعمل كل حاجة كان بيعملها ..
تاكل الأكل اللي كان بيحبه، تمشي مشيته، تلبس لبسه، حتى الطاقية بتاعته قررت إنها هتبقى بديل لشعرها، قررت إن مريم متبقاش مريم...
وبالفعل بعد شوية شهور دخلت الجامعة، وبدأت معاناة جديدة في حياتها..
طالبة جامعية بتلبس قمصان وبناطيل تفصيل وواسعة عليها، والجزمة اللي كانت أوسع من الهدوم، لا والطاقية اللي على دماغها..
كان كل الطلاب بيضحكوا عليها، الولاد شايفين إنها مش بنت..
البنات مش عايزة تقرب منها لإنهم شايفين إنها مش طبيعية..
لإن مفيش بنت عاقلة هتعمل كده في نفسها..
ومن غير ما حد يحاول يتكلم معاها ويعرف لي هي قررت متكملش حياتها كبنت..
قرروا إنهم يطلقوا عليها لقب (مريضة) رسميًا...
اللقب انتشر أوي في الجامعة البت المريضة (البت المجنونة)..
ومش بس كده دول كمان بقوا يتعرضوا ليها بالكلام والأفعال..
فشوية يقولوا يا فطوطة وترتفع الضحكات..
والباقي يقولها يا واد يا بت وبكده تم تحقيق الكوميديا، بغض النظر عن تأثير الكوميديا دي عليها...
مريم تعبت جدًا من المضايقات والكلام وشايفة إنها معملتش حاجة تستاهل إن يحصل فيها كده، بس فصلت مستحملة، ومش شايفة قدامها إلا باباها وبس..
وفي مرة دكتور مريم بينده أسامي الطلبة عشان يوزعهم مع بعض في مشروع دراسي..
فنده كل الأسامي ووزع كل الطلاب في مجموعات..
إلا طالبة واحدة بس..
طبعًا عرفتوا هي مين؟!!
قال والبت المجنونه اللي بيقولوا عليها هتعملي المشروع لوحدك... وطبعًا امتلأ المدرج بالضحك كالعادة..
مريم قررت إنها مش هتنزل الجامعة تاني ودخلت في حالة اكتئاب شديدة... مش بتاكل، مش بتشرب، مش بتكلم حد.. غير نفسها..
أنا مش مريضة، أنا مش مجنونة، سيبوني في حالي..
وفضلت على الحالة دي شهور كانت لا تأكل ولا تشرب إلا اللي يخليها عايشة، وبعد معاناة مع أختها اللي كانت مش عارفة تساعدها ازاي....
قررت مريم في يوم إنها تتخلص من العذاب ده وتقدم الحل النهائي لنفسها، ولأختها، ولزمايلها في الجامعة.
مريم قررت إنها مش هتكمل حياتها وهتروح لوالدها اللي سابها لوحدها ومشي..
بالفعل مريم انتحرت... كمية كبيره من حبوب الاكتئاب اللي كانت بتاخدها كافية إنها تخلص حياتها...
أختها دخلت:
" مريم قومي كلي حاجة وخدي العلاج، يلا يا مريم كفاية نوم، يا مريم بلاش دلع مأكلتيش من امبارح..
مريم.. مريم.. مريم".
صريخ إيمان خلى كل الناس تيجي البيت ويشوفوا بنت ال١٨ اللي قررت إنها تنهي حياتها.. ورغم موتها إلا أنها لم تسلم من كلام الناس، وحكموا عليها إنها غلطت مع شخص ضحك عليها فقررت إنها تنهي حياتها...
وفي وسط الصراخ والكلام والبكاء اللي ملأ الغرفة..
إيمان شافت ورقة على سرير مريم.. وهي آخر كلمات بنت ال١٨ المنتحرة...
(إلى من يهمه أمري، أي إلى أختي إيمان..
لما تقرأي الورقة دي عايزاكي تعرفي إني مكنتش مريضة ولا مجنونة زي ما كانوا بيقولوا عليا....
أنا صغيرة على كل اللي كنت بواجهه وكنت مفكرة إني قوية بس لأ طلعت ضعيفة وضعيفة جدًا كمان..
بعد موت والدي مكنتش عايزة حاجة غير إني أفضل فكراه، ويفضل موجود معايا في كل حاجة في لبسي وشكلي وتصرفاتي، بس محدش كان عايز يعرف إي اللي يخلي بنت زيي تلبس لبس رجالي ولا تتصرف زيهم، ولا حتى احترموا رأيي وسابوني أعيش حياتي زي ما أنا عايزة..
هما استسهلوا وقرروا إني مريضة ومجنونة، بس دلوقتي أنا فرحانة لإن في وقت ما بتقرأي دلوقتي هكون أنا أسعد إنسانة في الدنيا لإني بقيت مع بابا.... سلام يا إيمان).
مريم أنهت حياتها والسبب إن الناس شافت اختلافها معاهم في اللبس والشكل والتصرف جنون ومرض...
ممكن دلوقتي اللي بيقرأ الكلام ده يقول عليا أنا شخصيًا إي اللي هو كاتبه ده؟؟!
ده مريض...
مش صح إن أي حد مختلف عننا نتساهل ونقول ده مريض لمجرد إنه مش زينا..
كل واحد مننا لي شكله الخاص ولبسه اللي هو شايف إن ده المناسب لي..
كل واحد مننا لي أكل بيحبه..
لازم كل واحد فينا يعرف إن كلمة واحدة مهما كان شايفها صغيرة.. ممكن تسبب ضرر نفسي والشخص اللي بيتقاله إنت مريض وهي مش حقيقة هتبقى حقيقة، وهنبقى فعلًا نجحنا إن احنا نحوله من شخص عنده مشكلة صغيرة إلى مريض نفسي بجد....
وكل واحد فينا يعرف إن كلمة بسيطة خارجة منه ممكن تبقى خنجر يتقتل بيها ناس كل ذنبهم إنهم مختلفين...
لازم نعرف إن حكمنا على الناس إنهم مرضى ومجانين لمجرد اختلافهم عننا هيخلي عندنا الآلاف من مريم..
لكن تخيل لو كل واحد فينا احترم رأي الآخر وذوقه وإنه مش لازم يبقى مطابق معاك، مش هنسمع تاني جملة..
ده مريض...
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.