Darebhar

شارك على مواقع التواصل

في مستقبل غير بعيد...
رن المنبه فأخرسته، ثم خلعت بطاريته كي يكف عن الإلحاح، تجدبت ثم انقلبت على جانبي الأيسر؛ فتخلل فتحات أذني صوت طنينٍ؛ كوني بدينًا وأصدر الكثير من ثنائي أكسيد الكربون يجعلني مطمعًا لكثيرٍ من البعوض، ولكني أعلم لماذا ينجذب الناموس لي تحديدًا؛ لأن طعم دمي له نفس مذاق الكراميل المملح للبعوض الجائع لا هو حلو.. ولا هو مملح! لحظات وهبطت ناموسه على وجهي اللعينة حاصلة على المركز الأول برقمٍ قياسي كأكثر الكائنات الحية فتكًا على وجه الأرض، رغم ذلك تركتها تأخذ غرضها وأنا أسب ذكر الناموس في سري؛ اللعين يترك زوجته تخرج لجلب الدماء لتطوير بيضها وينعم هو بحائط المنزل وحده، لا يشغل بالي إن كانت الناموسة تريد دمائي لكي تتغذى، ولكن تريد دمائي كي تنتج المزيد من الناموس في العالم، هذا ما لا أسمح به مطلقًا!
صفعت وجهي وفوقه الناموسة، ثم مسحت دمها على وجهي كي أجدد روحي، اعتدلت على السرير أقاوم سكرات النوم، قمت بثقلٍ مقداره مائة وخمسة وثلاثون كيلو جرامًا فتحت عيني جزئيًا، ملقى على سريرٍ معدني في زاوية غرفة ذات سقفٍ خشبي طلاؤها أزرق سماوي، يتوسط سقفها مروحة بدأ الصدأ في التهام طلائها الأبيض، أغلقت عيني ثم فتحتها كليًا، أزلت الغطاء عن جسدي، هبطت بقدمي على الأرض، كانت جرداء بدون سجادٍ، سرت في جسدي رعدة مفاجئة كأنما مسني تيارٌ كهربي! قمت عن السرير بحثت عن الشبشب فلم أجده؛ تذكرت أنني خلعته أمام الغرفة أمس، سرت نحو الباب وضعت يدي على مقبضه أتحسس برودته، فتحت الباب فصفع وجهي نسيم الفجر، قفزت في الشبشب ثم سرت نحو الحمام، أسقطت السروال ثم جلست القرفصاء؛ كي أتوغط. عيب الريف أنه لا يوجد به مرحاض أفرنجي، تركت العنان للروائح الكريهة للخروج من شرجي، كوني أرتدي دومًا ملابس داخلية ضيقة غير قطنية يزيد من تعرقي وحدوث التهاباتٍ في مؤخرتي، رفعت وجهي لسقف الحمام أتأمله؛ مجرد عيدان غاب جافة يتخللها قش أرزٍ تتناثر أسفله خيوط العناكب، انتهيت من توغطي غسلت مؤخرتي عندما انتهيت، التقطت نظرة إلى برازي؛ يأخذ شكل الكتل الصلبة المنفصلة التي تشبه براز الأغنام؛ نتيجة إمساك شديد، التقطت قطعةً منه على طرف إصبعي، يأخذ اللون الأسود.. ماذا تناولت أمس؟
آه تذكرت، في الصباح توت وفي المساء ثلاث أقراصٍ من الإسبرين، يظهر اللون الأسود سببًا لذلك.
رفعت بنطالي ثم سكبت المياه على برازي مودعًا إياه في رحلته نحو بئر الصرف، خرجت من الخلاء متجهًا نحو طرمبة المياه القاطنة في منتصف المنزل، ضغطت على ذراعها المعدني فلم أجد ماء، ذهبت مرة أخرى إلى الحمام وجلبت كوب ماءٍ من البرميل؛ كي أسحب المياه الجوفية.
سكبت الماء في الطرمبة ثم ظللت أحرك ذراعها لأعلى ولأسفل حتى توقف ذراعي عن النبض من شدة الحركة، دقائق وحضرت المياه، لونها متسخ مختلط بالصدأ، أظنها لم تتخطى الثمانية عشر مترًا؛ لأن مياهها مختلطة بمياه الصرف! غسلت وجهي ثم توجهت نحو المطبخ؛ بحثت عن شيءٍ قابل للأكل فلم أجد، فتحت الثلاجة فوجدت برتقالة حزينة تقف بمفردها، لا تحزني مطلقًا سآكلكِ حتى تتخلصي من الوحدة.
أزلت القشرة عنها حتى أصبحت عارية، قسمتها ثم ألقيت فصين في فمي، ثوانٍ وشعرت بحركة بسيطة داخل فمي، أخرجت الفصين أتفحصهما؛ وجدت الكثير من الديدان تتحرك ذيولها في غنج! أفرغت ما في معدتي من بقايا طعامٍ وأحماض ثم اتجهت ثانيةً للطرمبة أنظف فمي. انتهيت ثم توجهت إلى المطبخ والتقطت زجاجة مياهٍ، ارتديت حذائي ثم تمشيت في وسط البيت، عبرت فوق خراء عزوز.. جذبنى إسهاله! انحنيت إليه أتفحصه، التقطت جزءًا منه على طرف إصبعي؛ لونه أصفر مخضر مسحت إصبعي أرضًا ثم نهضت عازمًا أن آتي له بدواءٍ. أكملت سيري حتى أدركت الباب، جذبته ثم خرجت كل شيءٍ مغلف بضبابٍ رائق خفيف، كأني أقف على حافة النهاية، لم أكن لأرى شيئًا لولا شعاع ضعيف من القمر أزال لي بعض الظلمة، أمام منزلي قناة صغيرة كانت تأتي بالمياه من ترعة الإسماعيلية في الستينات، أطلق عليها السكان اسم الخليج، ومع نهاية التسعينات أصبحوا في غنى عنها جفت وأصبحت مكبًا للنفايات، على حافتيها توجد أشجار توت مذكرة تقف شامخة أوراقها، وعلى الطريق الكائن أمام منزلي يوجد الكثير من الزجاج المهشم، نظرت إلى يميني فكان هناك فراغٌ موحش، وعلى يساري مكان فاق جزيرة ديسبشن وحدةً، أفضل شيءٍ حدث لي مطلقًا أنني أقطن وحيدًا بعيدًا كأني في نهاية العالم، ملأت رئتيَّ بشهيقٍ نظيف ثم سرت بحذرٍ أتخطى الزجاج المهشم، هبطت إلى حقل برسيمٍ يبعد عن منزلي ببضع أمتارٍ، الهواء منعش فتان صفعتني نسمة هواءٍ فأخذتني الجلالة وقررت الركض؛ سأركض قليلًا كي أحرق بعض الدهون المتراكمة على جانبي، سأركض لتسعة كيلو متر.
على بعد تسعة أمتارٍ وقفت ألتقط أنفاسي، فكرة الجري ليست صائبة تمامًا.. سأتمشى قليلًا، رفعت سروالي حتى ركبتي ثم تمشيت وسط الحقول؛ كي أنعم بكل قطرةٍ من ندى الصباح، ذاك هو سبب مجيئي إلى الريف.
تعرضت منذ أسبوعين إلى حروقٍ من الدرجة الثانية في كلتا قدمي، نصحني الطبيب بغسل المنطقة المصابة بماءٍ فاتر لمدة ربع ساعة؛ حتى يتوقف الألم، ونظرًا لم توافر المياه النقية في المدن وعدم قدرة الفلاتر الحديثة على فلترة المياه، خاصةً بعد اكتشاف نفايات مشعة بكمياتٍ كبيرة مدفونة على جانبي النيل والتي تسببت في قتل مليون وربع مصري، اضطررت للنزوح إلى الريف.. منبع الحياة.
بعد ربع ساعة من المشي، وقفت التقط أنفاسي تجرعت ثلث زجاجة المياه؛ مياه الصرف أفضل من المياه المشعة. قبل أن أكمل المشي شعرت بحركةٍ قريبة مني؛ الفراغ الموحش المختلط بالضباب جعلني أوجس في نفسي خيفةً، حاولت التقدم فاقترب الصوت مني أظنه كلبًا، أو ذئبًا؛ إن كان كلبًا فالمصيبة عظيمة، وإن كان ذئبًا فالمصيبة أعظم! ظللت ساكنًا أسترق صوت الصمت حتى خدشته أقدامه وهي تضرب الأرض استعدادًا للركض، إن كان سيركض فلن أستطيع مجاراته، في تلك الحالة لا يوجد سوى حلٍ واحدٍ.. صرخت حتى يصل صوتي إلى أذن أحد العابرين فيغيثني، سمعت صوت زمجرةٍ من خلفي، ألقيت زجاجة المياه وهرولت وأنا أصرخ، لا أعلم اتجاهي ركضت وأنا أرجو أن أجد مكانًا أحتمى به مثلما احتمت العذراء يومًا في مصر، ما زال ذلك الصوت يركض ورائي، خربت كل ما أمامي من زرعٍ حتى خرجت من الحقول وأصبحت بجوار مصرف. نظرت يمينًا ويسارًا فلم أجد أحدًا، أكملت الركض نحو اليسار وما زال ذلك الصوت خلفي، ظللت أركض لخمس دقائق بفعل تلوث دمائي بالأدرينالين، لم أنتبه إلى روث البهائم الملقى في الطريق، تعثرت فيه ثم سقطت على ظهري، حاولت النهوض فهجم عليَّ ذلك الكائن.. يشبه الثعلب! يوجد أجزاء على وجهه باللون الأبيض، لون عينيه عسلي وأنفه مدبب، قدماه الأماميتان ذوات لونٍ أسود، ركب فوقي أمسك بأنيابه ملابسي يسحبني نحو الحقول، أمسكت بيدي فروه كي أبعده عني؛ فروه خشن لونه أصفر مائل للبني، سحبني بقوةٍ نحو الحقل ولم أستطع مقاومته، ثم سودًا داكنًا كلون ذيله.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.