Darebhar

شارك على مواقع التواصل

أحسست في نفسي فزعًا حينما رأيتها، نظرت نحو الدكتور مختار فطمأنني. سار فسرت وراءه بحذرٍ، اقترب من أمين الشرطة المنتصب أمام الباب، ألقى عليه التحية؛ فكشف أمين الشرطة عن أسنانه بابتسامةٍ غامضة، أخذ الدكتور مختار جانبًا وبدأ يتحدث معه بصوتٍ مهموس ويلقي إليَّ نظرة كل بضع ثوانٍ، دقائق وجاءتني البشرى:
- فيه كشف مستعجل عند مأمور البلد.
ذهب عني الورع حينما لفظ تلك الكلمات.
- واللي عنده كشف برضه يبعت البوكس كده!!
- بلاش تتكلم في السياسة كتير.
غمز لي مبتسمًا، ثم أردف:
- ها قلت إيه؟
- في إيه؟
- هتيجي معايا؟
- وأنا مالي.. مش أنت الدكتور.
- أنا بستنى يوم الكشف في دوار المأمور بفارغ الصبر.
هززت رأسي جاهلًا كلماته.
- غدوة حلوة وفلوس أحلى.
استفهمته:
- هاجي معاك بصفتي إيه؟
- المساعد بتاعي.
- بس أنا مش هعرف أعمل حاجة.
- هتشيلي الشنطة.
دارت كلماته في رأسي ثم هززتها موافقًا، ابتسم ثم دلف إلى المنزل، ترك الفطور والتقط حقيبته ثم خرج متعجلًا.
وفي البوكس جلسنا في الخلف، مرت عليَّ عشر دقائق أتابع فيها الخلق؛ فئة يعملون في حقولهم، وآخرون يسبحون في المصرف، مررنا من أمام حقلٍ واسع مليء بالموز، أعجبني منظر الموز المتدلي، ابتسمت وأنا أنظر تجاهه، انحرف البوكس يسارًا بجوار حقل الموز ثم توقف، هبطنا منه على أرضٍ صخرية.
التفت للأمام فوجدت دوارًا عريقًا يوجد بجوار الحقل، ألوانه زاهية كريش الطاووس، هوى الدكتور مختار من البوكس ووقف جانبي. لاحظ نظراتي للقصر، تنهد قائلًا:
- مش بقولك بستنى اليوم ده.
هززت رأسي مباركًا كلماته.
- يلا.
استوقفته:
- أنت مقولتيش هتعمل إيه؟
- المأمور عنده بهايم كتير.. بس مبيحبش يقول أو يخرجهم عشان الحسد.. كل شهر باجي أطعمهم واتغدى معاه وآخد اللى فيه النصيب وأمشي.
- هو عنده أد إيه؟
- بتاع 49 جاموسة وكام جمل.
- أوووه.
أتى على كلمتي أمين الشرطة، نظر لي بدناءة كأنني التهمت إرث والدته، طلب من الدكتور مختار أن يأتي معه مفردًا. توشوش الدكتور مختار في أذني وهو يلتقط حقيبته بأن أبقى هنا، سارا معًا وتركاني مع العسكري. استضحكت له ابتسامه صفراء، تركته جالسًا في السيارة وابتعدت نحو حقل الموز، خطوطه كانت عريضة بين الخط والآخر يوجد مجرى مائي كبير نسبيًا، هطبت إليه وبدأت أسير بين أشجار الطلح المنضود، المكان كان هامدًا، أكملت سيري حتى تعثرت في برازٍ آدمي! سقطت أرضًا سببت الديانة في سري ثم اعتدلت، قمت عن الأرض وأنا أنظف يدي من الطين، التفت ورائي فوجدت شبحًا يختبئ أسفل جلباب أسود؛ صرخت وسقطت أرضًا! تبللت عرقًا وحاولت الهروب بظهري، اقترب مني وأنا مرتعب على الأرض، كشف عن وجهه غزال في بداية العشرين كانت، بروز ذقنها يدل على قوة شخصيتها، حورية من الفردوس تختبئ أسفل نقابٍ، تلك الفتاة صاحبة الوجه الصغير المستكين الذي تحتل معظمه عينان بنيتان غاضبتان متحفزتان، قالت بلهجةٍ حادة:
- بقى أنت بقى اللي بتعمل كده؟
هززت رأسي جاهلًا كلماتها.
- بعمل إيه؟
- بتيجي تسرق الموز وعامل الأرض حمام!
- أنتِ فاهمة غلط.
اجتاحني الحرج، حاولت القيام عن الأرض ففوجئت بنبوتٍ يعانق مقدمة رأسي، صرخت متألمًا أتى على صراخي العسكري، أخبرها أنني مع الدكتور مختار الذي يعالج البهائم، احمر وجهها خجلًا لما فعلته، ساعدتني على النهوض مع العسكري، خطونا خارج الحقل رأسي كانت تنزف؛ أدخلتني القصر بمساعدة العسكري تركتني على الأرض؛ كي لا أدنس الكراسي بطيني، هرعت نحو المطبخ وجلبت لي بُنًا وضعته على رأسي قائلةً:
- آسفة جدًا.
أجبتها بصوتٍ متقطع.
- ما أنا قلت لك فاهمة غلط.
- قلت آسفة.
قالتها -بنت الرفضي- بحِر، جاء المأمور على صوتها؛ كهلٌ ذو شعر أشيب، يمتلك شارب ستاليني، نحيف كعود القصب، مصبوغ بالشحوب، خلع نظارته واقترب من العسكري القائم:
- ماله ده؟
- فدا الست الصغيرة يا بيه.
حدجني بنظرةٍ كريهة.
- مدخلينه هنا إزاي بالقرف ده؟!
- الهانم هتحط له بن وهنرميه بره سعادتك.
رفعت حاجبي مندهشًا وأنا أحترق غيظًا، طلبت عكازي أسرع العسكرى ليأتيني به، اتكأت عليه ودلفت نحو الخارج، وجدت الدكتور مختار خارجًا مع الأمين، بُهت حينما رآني.
- حصلك إيه؟
- أنا عايز أمشي.
جلست في البوكس وتركت الدكتور مختار خارجه، ذهب نحو المأمور وغاب قليلًا، أقبل نحوي ثم تحركنا، طوال الطريق لم أتفوه بكلمة، ألقتنا السيارة أمام المنزل وتحركت عائدة.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.