artherconan

شارك على مواقع التواصل

في الأسبوع الثالث من شهر نوفمبر، في عام ١٨٩٥ ، خيَّمَضبابٌ أصفرُ اللون على لندن، ومن
يوم الإثنين حتى يوم الخميس راوَدَني الشكُّ في أن نستطيع مرةً أخرى رؤيةَ طيفِ المنزل
المقابل لنا من نافذة شقتنا في شارع بيكر. قضى هولمز اليوم الأول في فهرسة المُدخَلات
المتشابِهة في كتابه المرجعيِّ الضخم، أما في اليومين الثاني والثالث فقد شغل نفسه بصبرٍ
بموضوعٍ جعل منه هوايةً له مؤخرًا؛ وهو موسيقى العصور الوسطى. لكن حين رأينا للمرة
الرابعة — بعدما أعدنا مقاعدنا إلى الخلف بعد الانتهاء من الإفطار — الدوامةَ المعتِمة ذات
اللون البني الداكن ما زالت تنجرف نحونا وتتسبَّب في تكثُّف بضع قطرات زيتية على
الألواح الزجاجية للنافذة، لم تستطع طبيعةُ رفيقي النَّشِطة السريعة الضجر تحمُّلَ هذا
الوضع الكئيب أكثر من ذلك؛ فظل يتحرَّك بضجرٍ ذهابًا وإيابًا في غرفة الجلوسفي انفعال
يعبِّر عن طاقة مكبوتة، وهو يقضم أظافره، وينقر على الأثاث، ويعبِّر عن استيائه من حالة
الجمود هذه.
«. ليس في الجريدةشيء يثير الاهتمام يا واطسون » : قال
كنت أعلم أن هولمز يعني بشيء يثير الاهتمام أيَّ شيءٍ له أهمية جنائية؛ فكانت
الصحيفة بها أخبارٌ عن اندلاع ثورة، واحتمال نشوب حرب، وعن تغيير وشيك للحكومة،
لكن هذه الأشياء لا تأتي ضمن اهتمامات رفيقي؛ فلم أرَ أيَّ خبرٍ عن جريمة، وهو ما كان
أمرًا غير عادي ولا طائلَ منه. تمتم هولمز بعباراتِ استنكار، وواصَلَ تحركاتِه التي تنمُّ عن
الضجر.
لا شكَّ أن المجرمين في » : قال بصوتٍ شاكٍ يشبهصوتَ اللاعب الذي لم يُوفَّق في مباراته
لندن يتَّسِمون بالغباء. انظر يا واطسون خارج هذه النافذة؛ انظر كيف تلوح الأشكال في
مغامرة مخططات بروس بارتينجتون
الأفق، وتبدو خافتة، ثم تمتزج مرةً أخرى مع السُّحب المتكدسة. يستطيع اللصأو القاتل
التجولَ في شوارع لندن مثلما يتجول النمر في الغابة، لا يراه أحد إلا حين انقضاضه، ولا
«. تراه إلا ضحيتُه
«. وقع العديد من السرقات التي لا قيمةَ لها » : قلت له
أصدر هولمز صوتًا يعبِّر به عن استيائه.
إن هذه الظروف الرائعة والكئيبة تستحقُّ أكثر من هذا. من حسن حظ هذا » : ثم قال
«. المجتمع أني لستُ مجرمًا
«! أجل، بالفعل » : قلت بحماس
افترضأني كنت من عائلة بروكسأو وودهاوس، أو أي من الرجال الخمسين الذين »
لديهم سببٌ وجيه لإنهاء حياتي، إلى متى كنت سأنجو من ملاحقتي؟ فمجرد استدعاء، أو
موعد زائف كان كافيًا ليُودِيَ بحياتي. من حسن الحظ أن البلدان اللاتينية لا يُخيِّم فيها
الضباب لأيام — وهي بلدان الاغتيالات. يا إلهي! ها قد أتى أخيرًا شيءٌ من شأنه أن يكسر
«. هذه الرتابة القاتلة
كانت الخادمة ومعها برقية، فتحها هولمز وانفجر ضاحكًا.
«. حسنًا! حسنًا! ما التالي؟ أخي مايكروفت قادم إلينا » : قال
«؟ وما الغريب في هذا » : سألته
ما الغريب؟! إنه أشبه بعربة ترام تسير في طريق ريفي. إن مايكروفت لديه طريقه »
الخاصالذي يسير عليه. سكنه في شارع بول مول، ونادي ديوجينز في شارع وايت هول؛
هذه هي دائرته. ولمْ يأتِ إلى هنا إلا مرةً واحدةً فقط. ما الاضطراب الذي يمكن أن يكون
«؟ قد دفعه إلى تغيير مساره
«؟ ألَمْ يوضِّح في البرقية »
أعطاني هولمز برقية أخيه:
لا بد أن أراك بشأن كادوجان ويست. سأحضرعلى الفور.
مايكروفت
«. كادوجان ويست؟ لقد سمعت بهذا الاسم من قبل »
لا يستحضر شيئًا في ذهني. لكنْ أنْ يأتيَ مايكروفت بهذه الطريقة الغريبة! فقد »
«؟ يخرج أحد الكواكب عن مداره بالمثل. بالمناسبة، هل تعلم ماذا يعمل مايكروفت
.« مغامرة المترجم اليوناني » كنت أذكر قليلًا بعضالشرح الذي قدَّمَه لي في قضية
«. لقد أخبرتَني أنه يدير مكتبًا صغيرًا تابعًا للحكومة البريطانية »
ضحك هولمز.
لم تكن معرفتي بك وطيدةً في هذه الفترة. وعلى المرء التزام التحفُّظ حين يتحدَّث »
عن الشئون العليا للدولة. وأنت محقٌّ في اعتقادك في أنه كان يتبع الحكومة البريطانية،
«. وستكون محقٍّا إلى حدٍّ ما أيضًا إن قلتَ إنه أحيانًا يمثِّل الحكومة البريطانية
«! يا عزيزي هولمز »
لقد ظننتُ أني قد أفاجئك؛ فمايكروفت يكسب أربعمائة وخمسين جنيهًا في السنة، »
ويظل تابعًا وليس له طموح من أي نوع، ولن يحصل على تكريم ولا لقب، ولكنه يظل
«. أكثر رجل لا يمكن الاستغناء عنه في الدولة
«؟ لكن كيف هذا »
حسنًا، إن وظيفته فريدة من نوعها؛ فقد صنعها بنفسه، فلم تكن ثمة وظيفةٌ »
مثلها من قبل، ولن يظهر مثلها مرةً أخرى. إنه يتمتع بأكثر عقل حصيف ومنظَّم، مع
أكبر قدرةٍ على تخزين الحقائق قد يتمتع بها شخصٌ ما. إن القدرات ذاتها التي وجَّهتُها
أنا إلى اكتشاف الجرائم استخدمها هو في عمله الخاص؛ فالتقارير النهائية لكل وزارة
تُعرَضعليه، فهو مركز التبادل، ودار المقاصة التي تجري الموازنة. جميع الرجال الآخرين
متخصصون، لكن تخصُّصه واسع المعرفة. سنفترضأن أحد الوزراء يحتاج إلى معلومات
عن نقطة تتعلق بالبحرية والهند وكندا والسبائك ذات المعدنين؛ يمكنه الحصول على
نصائح متفرقة من العديد من الإدارات بشأنِ كلٍّ منها، لكن مايكروفت وحده يمكنه
الجمع بينها جميعًا، ويقول مرتجلًا كيف يمكن لكل عاملٍ التأثيرُ في الآخَر. لقد بدءوا
باستخدامه أسلوبًا مختصرًا، مريحًا، والآن جعل من نفسه عاملًا أساسيٍّا. في عقله الرائع
هذا كلُّ المعلومات مرتَّبة، ويمكنه استرجاعها في لحظة. وقد كان لكلمته في مراتٍ عديدة
دورٌ كبير في تحديدِ السياسة القومية. إنه يعيش داخل كل هذا؛ فلا يفكر في أي شيء آخَر
إلا عندما يسترخي، كنوعٍ من التدريب الذهني، حين ألجأ إليه وأطلب منه مساعدتي في
إحدى قضاياي الصغيرة. لكن لا بد أن شيئًا ما حدث في الكون اليوم. فماذا يمكن أن يعني
«؟ هذا؟ مَن كادوجان ويست، وماذا يعني لمايكروفت
لقد حصلتُ عليها! أجل، أجل، » : صِحْتُ وأنا أقتحم كومةَ الأوراق المكدَّسة على الأريكة
هذا هو، بالتأكيد! كادوجان ويست كان هو الشاب الذي عُثِر عليه ميتًا في المترو صباحَ يوم
«. الثلاثاء
جلس هولمز منتبهًا، وهو يضع الغليون في فمه.
لا بد أن هذا أمرٌ خطير يا واطسون؛ فحادثةُ الوفاة التي تدعو أخي إلى تغيير عاداته »
لا بد أنها حادثةٌ غير عادية. ماذا يمكن أن تكون علاقته بها؟ لقد كانت قضيةً دون ملامح
مميَّزة على ما أذكر؛ فقد كان من الواضح أن الشاب سقط من القطار وتُوفيِّ؛ فلم يتعرض
«؟ للسرقة، وليس هناك سبب محدَّد للشك في وجود عنف مستخدَم. ألَمْ يكن الأمر كذلك
لقد أجُرِي استجوابٌ وظهرت عدة حقائق جديدة. بالنظر إلى بعضٍ منها عن » : قلت
«. كثب، يمكنني القول بالتأكيد إنها قضيةٌ مثيرة للاهتمام
نظرًا لتأثيرها على أخي، لا بد لي من الاعتقاد بأنها قضية ذات طبيعة استثنائية »
«. والآن يا واطسون، لنستعرضالحقائق » : ارتاح في جلسته على مقعده الوثير، وقال «. للغاية
اسم هذا الرجل آرثر كادوجان ويست، وكان يبلغ من العمر ٢٧ عامًا، ولم يكن »
«. متزوجًا، وكان يعمل كاتبًا في ترسانة وولويتش
«! موظف حكومي، لاحِظِ الصلةَ بينه وبين أخي مايكروفت »
ترك وولويتش فجأةً مساءَ يوم الإثنين، وآخِر مرة شُوهِد فيها كان مع خطيبته؛ »
الآنسة فيوليت ويستبوري، التي تركها فجأةً في الضباب في الساعة السابعة والنصف
تقريبًا ذلك المساء. لم يحدث شجار بينهما ولم تحدِّد هي أيَّ دافع لتصرُّفه هذا. ولم يُسمَع
عنهشيءٌ بعدَ هذا إلا حين عُثِر على جثته على يد عامل في السكك الحديدية يُدعَى مايسون،
«. خارج محطة ألدجيت في نظامِ خطوطِ أنفاق لندن
«؟ متى »
عُثر على الجثة في الساعة السادسة منصباح يوم الثلاثاء. كانت ممدَّدةً على القضبان »
الحديدية على الجهة اليسرى من السكة الحديدية في اتجاه الشرق، في بقعةٍ قريبة من
المحطة، في نقطةِ خروجِ خط السكة الحديدية من النفق الذي يسير القطار بداخله. كان
الرأس محطَّمًا بشدة — وهي إصابة ربما أحدَثَها السقوطُ من القطار. كانت تلك هي
الوسيلة الوحيدة التي أتى بها الجسد إلى هذا الموضع، فإنْ كان قد حُمِل من أي شارع
مجاور، كان لا بد من المرور على حواجز المحطة؛ حيث يقف محصِّلٌ طوالَ الوقت. هذا
«. الأمر لا جدالَ فيه
جيد جدٍّا، القضية واضحة بما يكفي. هذا الرجل، إما سقط وإما قُذِف من القطار، »
«. حيٍّا أو ميتًا. هذا هو الواضح لي، أكمِلْ
القطارات التي تسير على خطوط السكة الحديدية التي تمر بجانب مكان العثور على »
الجثة هي المتجهة من الغرب إلى الشرق، فبعضها قادم بالتأكيد من العاصمة، وبعضها
من ويلسدن والمناطق النائية المتصلة بها. ويمكن الجزم بأن هذا الشاب حين لقي حتْفَه
كان مسافرًا في هذا الاتجاه في ساعة متأخرة من الليل، لكنْ يستحيل التكهُّنُ بالوقت الذي
«. استقلَّ فيه القطار
«. لا بد أن يتضح هذا من تذكرته »
«. لم يكن يحمل تذكرةً في جيبه »
لم تكن معه تذكرة! يا للهول يا واطسون! هذا غريب للغاية؛ فمن خبرتي يستحيل »
الوصول إلى رصيف قطار خط ميتروبوليتان دون إظهار المرء لتذكرة. وهكذا إذن نفترض
أن هذا الشاب كانت لديه تذكرة. هل أخُِذت منه بغرض إخفاء اسم المحطة التي ركب
منها؟ هذا أمر وارد. أم وقعَتْ منه في العربة؟ هذا واردٌ أيضًا. لكن هذه النقطة مثيرةٌ
«؟ للفضول. هل أفهمُ من كلامِك أنه لم يكن ثمة أثرٌ لسرقة
على ما يبدو: لا، ثمة قائمة هنا بمقتنياته. كانت محفظته تحتوي على جنيهين »
و ١٥ بنسًا، وكان معه أيضًا دفتر شيكات صادر من بنك كابيتال آند كاونتيز فرع
وولويتش، وعن طريق هذا عُرِفتْ هُويَّته. كان يحمل أيضًا تذكرتَيْن لمقعدَيْن في الشرفة في
«. مسرح وولويتش، بتاريخ هذه الليلة. وكذلك كانت معه حزمة صغيرة من الأوراق الفنية
صدرت من هولمز صيحةٌ تنمُّ عن الرضا.
أخيرًا توصَّلْنا للعلاقة يا واطسون! الحكومة البريطانية، وولويتش، ترسانة، أوراق »
فنية، أخي مايكروفت، هكذا اكتملَتِ السلسلة. لكن ها هو قادم، إن لم أكن مخطئًا، ليتحدَّث
«. بنفسه
بعد هذا بلحظة دخل علينا الغرفةَ رجلٌ طويل وبدين، هو مايكروفت هولمز. كان
ضخمَ البنية وممتلئَ الجسم بشكل أوحى بكسلٍ بدني غريب في هذه الهيئة، لكن فوق
كل هذه البنية الضخمة كان يوجد رأسٌ تبدو على جبهته علامات الهيبة، وتشعُّ اليقظةُ
ممَّا به من عينين صارمتين رماديتَي اللون، ويبدو الحزم في شفتيه، والغموضفي تلاعُبه
بتعبيرات الوجه، حتى إنَّ المرء مع النظرة الأولى إليها ينسى الجسم الضخم ولا يتذكر إلا
العقل المسيطر.
في أعقاب مايكروفت دخل صديقنا القديم ليستراد، من سكوتلانديارد، بجسده
النحيف وطبعه المتجهم. أوحَتِ الجدِّيَّةُ على وجهَيْهما بخطورةِ المهمة التي جاءا من أجلها.
صافحَنا المفتشُ دون أن ينبس بكلمة، أما مايكروفت هولمز فقد كافح ليخلع معطفَه
واستقرَّ في مقعدٍ وثير له ذراعان.
هذا أمر مزعج للغاية يا شيرلوك؛ فأنا أكره للغاية تغيير عاداتي، لكن » : ثم قال
أصحاب السلطة لا يقبلون أيَّ رفض. وفي ظل الوضع الراهن في سيام من الغريب أن
أترك مكتبي. لكن هذه أزمة حقيقية؛ فلم أرَ من قبلُ رئيسَ الوزراء بمثل هذا الانزعاج. أما
بالنسبة إلى الأميرالية، فهي في حالةِ اضطرابٍ مثل خليةِ نحلٍ انقلبت رأسًا على عقب. هل
«؟ قرأت عن القضية
«؟ لقد فعلنا هذا للتو. ماذا كانت الأوراق الفنية »
آه! هذه هي النقطة! لحُسْن الحظ، لم يتسرَّب هذا الأمر؛ فقد كانت الصحافة »
ستضطرب إن حدث هذا. فالأوراق التي كان يحملها هذا الشاب المسكين في جيبه كانت
«. مخطَّطات الغواصة بروس بارتينجتون
تحدَّثَ مايكروفت هولمز بوقارٍ عبَّرَ عن مدى اهتمامه بالموضوع، وجلست أنا وأخوه
في حالةِ ترقُّب.
«. بالتأكيد سمعتَ عنها، أليس كذلك؟ أظن أن الجميع سمع عنها »
«. الاسم فقط »
لا يمكن التعبير عن مدى أهميتها؛ فهي أكثرُسرٍّحكومي تُشدِّد الحكومة على حمايته. »
ولك أن تثق في كلامي إنْ قلتُ لك إن العمليات الحربية البحرية تصبح مستحيلةً في نطاقِ
محيطِ تشغيلِ بروس بارتينجتون؛ فمنذ عامين حدث تهريبٌ لمقدارٍ كبيرٍ من المال عبر
تقديرات الحكومة، وأنُفِق في سبيل الحصول على احتكارٍ للاختراع، وبُذِل مجهود جبَّار
لإبقاء الأمرسرٍّا؛ فالمخططات، المعقدة للغاية، تحتوي على نحو ٣٠ براءة اختراع منفصلة،
كلٌّ منها أساسيةٌ في عمل الغواصة بالكامل، محفوظة في خزينةٍ مُحْكَمة في مكتب سري
بجوار الترسانة، له أبواب ونوافذ حصينة ضد اللصوص؛ فلا يمكن إخراج هذه المخطَّطات
من المكتب تحتَ أيِّ ظرف ممكن. وإن أراد كبيرُ البنَّائين في البحرية الرجوع إليها، فعليه
هو أيضًا الذَّهاب إلى المكتب في وولويتش حتى يطَّلِع عليها. ومع ذلك، نجد هذه المخطَّطات
«. في جيب موظَّف صغير مُتوفىٍّ في قلب لندن. من الناحية الرسمية هذا أمر مريع
«؟ لكنكم استعدتموها، أليس كذلك »
لا يا شيرلوك، لا! هذا هو المأزق. لم نحصل عليها؛ فقد أخُِذت عشر أوراق من »
وولويتش، ولم نعثر إلا على سبعة منها في جيب كادوجان ويست. أما الثلاث الأكثر
أهميةً فقد اختفت؛ سُرقت. عليك أن تترك كل شيء يا شيرلوك. لا تكترث بألغازك التافهة
المعتادة الخاصة بمحاكم الشرطة. فعليك حل هذه المشكلة الدولية البالغة الأهمية. لماذا
أخذ كادوجان ويست الأوراق المفقودة؟ وأين هي؟ وكيف تُوفيِّ؟ وكيف وصل جسده إلى
المكان الذي عُثِر عليه فيه؟ وكيف يمكن إصلاح هذا الخطأ الجسيم؟ اعثرْ على إجاباتِ كلِّ
«. هذه الأسئلة، وستكون قد أدَّيْتَ خدمةً كبيرةً لبلدك
«. لماذا لا تَحُلُّها بنفسك يا مايكروفت؟ فأنت لديك من القدرات مثلي تمامًا »
ربما يا شيرلوك، لكن المسألة تتعلق بالحصول على التفاصيل. أعطني ما لديك من »
تفاصيل وأنا أستطيع أن أقدِّم لك من مقعدي الوثير هذا رأيَ خبيرٍ رائعًا. لكني لا أستطيع
الركضَ هنا وهناك لاستجواب الحرَّاس في السكة الحديدية، وأنبطح على وجهي مُمسِكًا
بعدسة على عيني؛ فهذه ليست حرفتي. لا، فأنت الوحيد الذي يمكنه استيضاح ملابسات
«… هذه المسألة، وإنْ كنتَ تتوهم رؤيةَ اسمك ضمن قائمة الشرف التالية
ابتسم صديقي وهزَّ رأسه.
أنا أمارس اللعبة من أجل المتعة فقط، لكن هذه المشكلة بالتأكيد مثيرة » : وقال
«. للاهتمام، وسيسعدني كثيرًا العمل عليها. أرجو إعطائي مزيدًا من الحقائق
لقد دوَّنتُ بعض الحقائق الأساسية في هذه الورقة، مع بعض العناوين التي ربما »
تستفيد منها. إن المسئول الرسمي عن حماية هذه الأوراق هو الخبير الحكومي الشهير،
السير جيمسوالتر، الذي تملأ أوسمته وألقابه الثانوية سطرَيْن من أي كتاب مرجعي. لقد
قضىعمره في عمله، وهو رجل نبيل، وضيفمفضَّل في أكثر المنازل رُقِيٍّا، وفوق كل هذا، هو
رجل وطنيته فوق مستوى الشبهات، وهو أحد اثنين معهما مفتاح الخزينة. وأضيف أيضًا
أن الأوراق كانت دون شكٍّ داخلَ المكتب في أثناء ساعات العمل في يوم الإثنين، وأن السير
جيمس ذهب إلى لندن في نحو الساعة الثالثة وأخذ مفتاحه معه. كان في منزل الأدميرال
«. سنكلير في ميدان باركلي طوال المساء حين وقعت الحادثة
«؟ هل تأكَّدت من هذه الحقيقة »
أجل، فقد شهد أخوه، الكولونيل فالنتاين والتر على مغادرته وولويتش، كما شهد »
الأدميرال سنكلير على وصوله إلى لندن؛ وعليه فإن السير جيمس لم يَعُد طرفًا مباشرًا في
«. القضية
«؟ من الرجل الآخَر الذي يملك المفتاح الثاني »
كبير الكتَّاب والرسَّامين، السيد سيدني جونسون، وهو رجل في الأربعين من عمره، »
متزوِّج ولديه خمسة أطفال. وهو رجل هادئ وعَبُوس، ولكنْ لديه بوجهٍ عامٍّ سجلٌّ ممتاز
في الخدمة العامة. ليست لديه شعبية كبيرة بين زملائه، لكنه مجتهد في عمله. وبناءً على
روايته، التي لم يُؤيِّدها إلا كلام زوجته، فقد كان في المنزل طوالَ مساء يوم الإثنين بعد
«. ساعات العمل، ولم تترك مفاتيحُه قطُّ سلسلةَ الساعة المعلقة فيها
«. أخبِرْنا عن كادوجان ويست »
يعمل في الخدمة منذ عشر سنوات، وأبلى بلاءً حسنًا في هذه الفترة. شاع عنه أنه »
سريع الغضب ومتغطرس، لكنه رجل مستقيم وأمين. لا يوجد لدينا شيء ضده، وكان
يعمل بجوار سيدني جونسون في المكتب. وأدَّتِ المهامُّ المُوكَلة إليه إلى تعامُله بشكلٍ يومي
«. وشخصيمع المخطَّطات، ولم يكن ثمة شخصٌآخَر يتعامل معها
«؟ مَن أغلق الخزينة على المخطَّطات في هذه الليلة »
«. السيد سيدني جونسون، كبير الكتَّاب »
حسنًا، من الواضح بالتأكيد مَن الذي أخذ المخططات؛ فقد عُثِر عليها مع هذا الموظَّف »
«؟ الصغير، كادوجان ويست، وهذا يحسم الأمر، أليس كذلك
بالفعل يا شيرلوك، ومع ذلك ثمة أمورٌ كثيرة لا تفسيرَ لها. في المقام الأول، لماذا »
«؟ أخذها
«؟ أعتقد أنها ذات قيمة، أليس كذلك »
«. بإمكانه الحصول على عدة آلاف نظيرها بسهولة كبيرة »
«؟ هل يمكنك اقتراحُ أيِّ دافعٍ لأخذ هذه الأوراق للندن عدا بيعها »
«. لا، لا أستطيع »
إذن، علينا بناء عملنا على هذه الافتراضية؛ فقد أخذ ويست الشابُّ الأوراقَ، والآن لا »
«… يمكن له فعل هذا إلا باستخدام مفتاح مزيَّف
«. العديد من المفاتيح المزيفة؛ فقد كان عليه فتح المبنى والغرفة »
إذن، لا بد أنه كان لديه الكثير من المفاتيح المزيفة. وقد أخذ الأوراق إلى لندن ليبيع »
سرَّها، معتزمًا دون شكٍّ إعادةَ المخططات ذاتها إلى الخزينة في صباح اليوم التالي قبل
«. اكتشاف اختفائها. وبينما كان في لندن في هذه المهمة الغادرة لقِيَ حتفه
«؟ كيف »
«. لنفترضأنه كان عائدًا إلى وولويتش حين قُتِل وألُقِي من مقصورة القطار »
ألدجيت، التي عُثِر على الجثة فيها، بعد محطة لندن بريدج بكثير، التي هي طريقه »
«. إلى وولويتش
ثمة مجموعة من الظروف يمكن تخيُّلُها أدَّتْ به إلى تجاوُز محطة لندن بريدج. على »
سبيل المثال، ربما كان معه شخصفي العربة يُجرِي معه حوارًا استرعى تركيزَه بالكامل،
وهذا الحوار أدَّى إلى مشهدٍ عنيف أدَّى إلى فقدانه حياته. وربما حاوَلَ ترك العربة، فوقع
على خط السكة الحديدية، وهكذا لقِيَ حتفه؛ فأغلق الشخصُالآخر الباب؛ فقد كان الضباب
«. كثيفًا، ولم يكن من الممكن رؤية أيشيء
لا يمكن إعطاء تفسير أفضل من هذا في ظلِّ ما لدينا من معلومات في الوقت الحالي، »
ومع ذلك يا شيرلوك فكِّر في كمِّ الأشياء التي لم تتطرَّق إليها. سنفترض جدلًا أن الشاب
كادوجان ويست اعتزم إحضارَ هذه الأوراق إلى لندن، كان لا بدَّ له بطبيعة الحال أن يأخذ
موعدًا من العميل الأجنبي ولا يرتبط بأي موعدٍ في هذه الليلة. بدلًا من ذلك، فقد حجز
«. تذكرتين للمسرح، وذهب مع خطيبته إلى منتصف الطريق، ثم اختفى فجأةً
«. تمويه » : قال ليستراد، الذي جلس يستمع بنفادِ صبرٍ لهذا الحوار
تمويه غريب للغاية؛ هذا اعتراضيالأول. أما الاعتراض الثاني، فَلْنفترض أنه وصل »
إلى لندن وقابَلَ العميل الأجنبي، لا بدَّ له من إعادة الأوراق قبل الصباح وإلا فسينكشف
اختفاؤها. لقد أخذ عشرأوراق، ولم يُعثَر إلا على سبعٍ في جيبه. ماذا حدث للأوراق الثلاث؟
بالتأكيد لم يتركها بإرادته الحرة. ثم مرةً أخرى، أين ثمن خيانته؟ فكان من المتوقَّع العثورُ
«. على مبلغٍ ضخم من المال في جيبه
يبدو الأمر واضحًا تمام الوضوح، وأنا لا أشك أبدًا فيما حدث. فقد أخذ » : قال ليستراد
الأوراق ليبيعها، والتقى بالعميل، فلم يتفقا على السعر، واتجه عائدًا إلى بيته مرةً أخرى،
لكن العميل ذهب معه. وفي القطار قتله العميل، وأخذ أهم الأوراق، وألقى الجثة من العربة،
«؟ وهذا من شأنه تفسير كلشيء، أليس كذلك
«؟ لماذا لم يكن يحمل أي تذكرة »
كانت التذكرة ستشير إلى المحطة الأقرب إلى منزل العميل، وعليه فقد أخذها من جيب »
«. القتيل
جيد يا ليستراد، جيد جدٍّا، فنظريتك متماسِكةُ الأركان، لكن إنْ كان هذا » : قال هولمز
صحيحًا، فإن القضية قد انتهت عند هذا الحد. فمن ناحيةٍ، قد مات الخائن. ومن ناحيةٍ
أخرى، ذهبَتْ مخططات الغواصة بروس بارتينجتون بالفعل إلى أوروبا، فما يمكننا فعله
«؟ الآن
أن نتصرَّف يا شيرلوك، أن نتصرَّف! أنا » : صاح مايكروفت، وهو يقفز على قدميه
أعترض بكل حواسي على هذا التفسير. استخدِمْ قدراتك! اذهبْ إلى موقع الجريمة! قابِلِ
الأشخاص المَعْنيِّين! لا تتركْ بابًا دون طرقه! طوال حياتك المهنية لم تحصل على فرصة
«. لخدمة بلدك مثل الآن
حسنًا، حسنًا! هيا بنا يا واطسون! وأنت يا ليستراد، » : قال هولمز، وهو يهز كتفيه
أيمكنك أن تتفضَّل بمرافقتنا لساعة أو ساعتين؟ فنحن سنبدأ تحرياتنا بزيارة محطة
ألدجيت. إلى اللقاء يا مايكروفت. سوف أقدِّم لك تقريرًا قبل حلول المساء، لكني أحذِّرك
«. مقدمًا بألَّا تتوقع الك
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.