victorhero

شارك على مواقع التواصل

استيقظ احمد على صرخات زوجته، كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة صباحًا بدقائق، رآها تتململ في رقدتها، بطنها المنتفخ عاليًا كالقبة فوق جسدها، غمغم وهو لا يزال بين اليقظة والنوم: مالك يا سماح؟
قالت سماح بصوت متقطع: يظهر المرة دي الحكاية بصحيح يا احمد!.
استدار بوجهه إلى الحائط وهو يقول: ما تعقلي يا سماح، الدكتور قال لسه بدري
لا يا احمد، المرة دي غير المرة اللي فاتت
لا فائدة من النقاش، لن يستطيع أن يقنعها أن موعد الوضع لم يقترب، وأن الولادة لن تتم إلا بعد أسابيع
قال وهو يتقلب، ويواجهها بعينيه نصف المغلقتين: وإذا كان لسه يا بنت الناس؟
ردت عليه سماح بصرخة طويلة، تمامًا كما حدث منذ أسبوع، أيقظته في منتصف الليل، وظلت تصرخ وتصيح وتتوجع حتى غادر البيت، وسار مشوارًا طويلًا، من البيت المدفون في حارة عبد المنعم إلى الميدان الذي يصل إليه الراكب بعد خمس دقائق، وهو يومها لم يركب، لم تكن هناك مواصلات، فسار، وفرد ساقيه بكل ما فيهما من طول، وجرى خطوات، وعثر على بائع سجائر مازال يبيع لزبائن آخر الليل، ومن هناك تحدث مع الطبيب في التليفون: إلا بتولد؟ .. طبعًا يا دكتور دي حالتها وحشة جدًّا....
وصدقه الطبيب، وجاء بعد دقائق، كانت سماح مازالت تصرخ، وكشف عليها ضغط بيديه على بطنها، عبث بأصابعه في جسدها، ثم هز رأسه وقال: لسه بدري، لسه تلات أسابيع على الأقل.
غرق احمد ليلتها في عرق الخجل، لم يرد، فماذا يقول للطبيب الذي غادر البيت دون أن ينطق بكلمة؟
كان غاضبًا ولا شك.. دلع ستات.. وسماح نامت بعد ذلك، ولم تتوجع، ولم تلد..
يا احمد المرة دي بصحيح.
يا شيخه اعقلي.. نامي.. نامي. لكنها لم تنم.. ظلت تتوجع، وتصرخ، وتصيح.. وهو حائر.. هل ينادي الطبيب، أم يصبر قليلًا؟! المشكلة بالنسبة إليه عويصة.. عويصة جدًّا.. إنه ليس طفلًا، وليس شابًّا غريرًا مندفعًا.. والطبيب ليس لعبة في يده، تعال يا دكتور، روح يا دكتور.. الساعة الثالثة صباحًا.. هل يوقظه من النوم؟!.. غير معقول..
سماح تصرخ، تزداد صرخاتها، المصيبة أنهم غرباء، ليسوا في بلدهم، لا أهل لهم في العاصمة ولا حتى قريب، وليست عندهم خادمة قالوا له: خدامين مصر ماشيين على كيفهم، ومنذ أن نقل من بلده إلى القاهرة، منذ عام وأكثر قليلًا، وهو متردد، هل يجازف، يستدعي الطبيب ويحدث ما حدث في المرة الماضية، أم يصبر قليلًا حتى يتضح الأمر أكثر؟
كان رأيه في البداية أن يستدعيه، لذلك نهض من الفراش، وربت على كتف سماح، وتمطى، ثم خرج إلى الصالة وأضاء النور.
تعلقت عيناه بساعة الحائط، والتي أهداها له أبوه، كانت الساعة بالضبط بالضبط الثالثة وتسع دقائق، وكان العقرب يروح ويجيء إلى اليسار وإلى اليمين، لا يستقر على وضع أبدًا، منذ أن وعى وهو يراقب هذا العقرب، تيك تاك.. تيك تاك، هل يستدعي الطبيب، أم ينتظر حتى يتضح الأمر أكثر؟
العاقل من صبر، والطائش من اندفع.
- آآآه… يا احمد، الحقني.
اندفع إلى الحجرة في قفزة
- ما لك يا سماح؟
- تعبانة.. تعبانة يا احمد
في عينيها نظرة مخيفة، فيها توسل وألم، فلماذا ينتظر
- حالًا يا حبيبتي.. حالًا.
وغادر الحجرة مسرعًا، مر بالساعة ولم ينظر إليها، لتكن الثالثة أو الرابعة، هذه وظيفة الطبيب، إنه يتقاضى أجرًا عن عمله هذا، ليس هناك مجال للتردد إذن.
وضع رأسه تحت الصنبور، وترك المياه تتسلل إلى شعره ووجهه، وأفاق، واختطف الفوطة ولف بها رأسه، وغادر الحمام.
في طريقه إلى الحجرة، مر بالصالة، وفي منتصف الصالة، وقف كعادته يجفف رأسه ووجهه، أمام الساعة التي كانت تشير إلى الثالثة واثنتي عشرة دقيقة بالضبط بالضبط بالضبط، والعقرب يروح ويجيء ولا يستقر على حال.
ماذا لو استدعى الطبيب كما حدث في المرة الماضية، هل يحتمل نظرة الاستنكار التي رماه بها وهو يغادر البيت؟ هل يثور عليه لو فعلها اليوم؟ هل يلقنه درسًا في الأخلاق والرحمةو؟ ولكن الطبيب لم يفعل شيئًا، إنها مجرد نظرة، أين الخطأ؟ وأين الصواب؟
شيء محير حقًّا، جلس على المقعد وتعلقت عيناه بالعقرب، تيك تاك، تيك تاك، لا، لا يجب أن يطاوعها، قال الطبيب في المرة الماضية إنها لن تلد قبل ثلاثة أسابيع، ولم يمر سوى أسبوع أو أقل من أسبوع، لا، لتصرخ نصف ساعة، ثم تنام كما نامت المرة الماضية، وستخجل من نفسها لأنها أيقظته في تلك الساعة.
المفروض أن يستأجر خادمة، في وقت كهذا كان يستطيع أن يترك معها الخادمة، لكنه الآن لا يستطيع أن يخرج، كيف يتركها وحدها في البيت وهي في هذه الحالة.
- يا احمد.. يا احمد اتحرك شوية.. أنا خلاص.
انتفض واقفًا، ودخل عليها الحجرة، ثم قال لها وهو يرسم على شفتيه ابتسامة: مش نستنى شوية يا سماح، يعني لو...
ولم يكمل كلامه حتى عادت إلى الصراخ من جديد، كان وجهها شاحبًا شاحبًا جدا وعيناها واسعتين، أوسع مما كانتا دائمًا، ولكن هذا حدث في المرة الماضية، تمامًا نفس الصرخات ونفس الشحوب، وقال الطبيب: دي شوية تقلصات بسيطة، إنما مافيش وضع، لسه بدري، لسه ثلاث أسابيع.
- الدكتور قال المرة اللي فاتت إن..
وعادت تقاطعه بصرخاتها.. كانت تتلوى في الفراش.
- انده لي حد يا احمد.. شوف لي حد
هذا هو الحل، لماذا لا يوقظ جيرانهم، ويطلب من رضوان أفندي أن يرسل زوجته لتقف معها، إن رضوان أفندي أب لخمسة أولاد، وضروري ضروري ضروري أن تكون زوجته ذات خبرة في مواضيع كهذه.
- حاضر يا سماح، حاضر..‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
غادر الحجرة، وكالعادة، كالعادة فقط تعلقت عيناه بالساعة، كانت الثالثة والربع تمامًا تمامًا تمامًا، الثالثة والربع يعني قبل الفجر بساعة على الأقل، فهل يوقظ الناس من نومهم؟! مشكلة
مشكلة لأنه منذ أن جاء إلى القاهرة ومنذ أن سكن هذا البيت، ومنذ أن رأى رضوان أفندي لم تتعد علاقته به سلام عليكم عليكم السلام، فقط، حتى العائلات لم تتزاور، كانت أمه تقول له إن ستات مصر لهن طابع خاص، متحررات، مكشوفات، و ، وياما البيوت بتلم بلاوي.
لم يكن عنده مانع من أن يزوره رضوان أفندي مع الست حرمه، ولم يكن عنده مانع من أن يأخذ سماح ويعبر بها الدهليز الصغير، ثلاث خطوات أو أربع، ويصبح في مسكن رضوان أفندي، والجار للجار مهما كان، ولكن لنفرض أن الست حرم رضوان أفندي كانت مثلًا مثلًا مثلًا، لتاتة، من ذلك النوع الذي يقول: فلانة قالت وعلانة عملت، وما له هو وهذه المشاكل؟ حقًّا لم يحدث من هؤلاء الناس شيء منذ أن جاورهم، ولكن من يضمن له أن البيوت لا تلم بداخلها البلاوي؟
هل يوقظ الناس من نومهم في مثل هذا الوقت؟!، وماذا يقولون عنه سيقولون: لما احتاج لنا جه يزحف ويقول في عرضكم، ولنفرض يعني لنفرض أن رضوان أفندي رماه بنظرة كالتي رماه بها الطبيب ماذا؟
انقطع حبل أفكاره، قطعته صرخة سماح الحادة كالسكين، ومازال العقرب يتردد، تيك تاك، تيك تاك، لا يستقر على حال
- يا احمد.. يا احمد
عاد إليها مرة أخرى، نفس الشحوب، لكن في العينين نظرات مختلفة، فيها خفوت، فيها ذبول، إذن ستنام، كان معه حق.
- احمد أنا دايخة يا احمد، أنا تعبانة.
اندفع نحوها بقلب متمزق، اندفع كالمجنون وأحاطها بذراعيه، جسدها ساخن، ساخن جدًّا.
- ما لك يا سماح؟
- الحقني يا احمد.. الحقني بالدكتور..
هذا هو الحل.. ليس هناك حل سوى هذا..
- حاضر يا سماح.. حالًا..
خلع البيجامة.. وألقاها على طرف الفراش، وفي ثوان كان يرتدي القميص والبنطلون.. ويدس قدميه في الحذاء.. ويعبر الصالة كالصاروخ دون أن ينظر للساعة.. ويفتح الباب.. ويغلقه وراءه.. ويهبط الدرج مسرعًا.. ويندفع إلى الحارة.. ومنها إلى الشارع الموصل إلى الميدان، ويفتح ساقيه بكل مافيهما من طول ويعدو عدة خطوات، ثم يسير مسرعًا تارة.. قافزًا تارة.. ويقترب من الميدان.. وبائع السجائر مازال يبيع لزبائن آخر الليل.. والتليفون موجود .. وسيوقظ الطبيب، سيقول له: المرة ديه بصحيح يا دكتور.. الحالة وحشة جدًّا.. والله العظيم وحشة!.. ولكن..
ولكن.. ماذا يفعل لو رفض الطبيب؟
تسمر احمد في مكانه.. بينه وبين التليفون عدة خطوات.. وهو مقتنع تمامًا بأن هذا هو عمل الطبيب.. ومقتنع بأن زوجته سماح تتألم.. ولكن.. ماذا لو زال الألم فجأة؟ ألا يصبح موقفه محرجًا؟ هل يصدقه الطبيب في المرة القادمة؟! ستكون ولادة بحق وحقيق، ولنفرض لنفرض لنفرض أن الطبيب رفض الحضور.. ماذا يفعل؟
في التأني السلامة.. وفي العجلة الندامة.
الميدان خال ليس به أحد.. الأنوار كثيرة تضيء كل شبر في الأرض.. السماء مظلمة وساكنة.. واحمد ليس طفلًا، وليس شابًّا أرعن.. يجب عليه أن يأخذ جانب الصواب دائمًا.. ولكل حقيقة وجهان.. ولكل وجه ملامحه الخاصة.
هل كان مصيبًا عندما وافق على الزواج؟!
الغريب أنه لم يعرف الجواب حتى الآن.. أحيانًا كان يشعر بأنه أخطأ، فما له هو والخوف من الخادمات، ومن زيارات الجيران؟! وماله هو والحمل والولادة؟
وأحيانًا كان يشعر بأنه كان على صواب.. سماح جميلة، ولطيفة.. وتحبه.. حقًّا تحبه رغم أنها لم تره إلا عندما أخذه أبوه - عنوة - إلى بيت نسايبه ليخطبها.. ورغم أن فارق السن بينه وبينها كبير، عشر سنوات تقريبًا.. لكنها تحبه.. ولكن، من يدريه أنها تحبه!
ربما كان ذلك تظاهرًا، وربما كان رضا بالأمر الواقع.. لكنها دائمًا تقوم على راحته، ولا ترفض له طلبًا.. أحيانًا كانت تقبله بعنف، وتقول له: أنا من غيرك ولا حاجة.. أنا بحبك يا احمد.. إنت بتحبني ؟
وكان يحتار أيضًا.. هل هو يحبها؟! طبعًا طبعًا طبعًا كان يقول لها: طبعًا بحبك يا سماح.. مش مراتي! لكنه بينه وبين نفسه - في الحقيقة في الحقيقة - لم يكن يدري ما هو الحب
-بترت أفكاره صيحة جندي البوليس، آها..أطلقها من طرف الميدان وهو يسدد إليه نظرات الشك.. هذه هي النتيجة.. لقد وضع نفسه موضع الشك، اكتشف أنه مازال واقفًا في مكانه يحملق في التليفون والوقت متأخر.. كم الساعة الآن؟! ربما كانت الثالثة والنصف، وربما كانت الرابعة.. وسواء أكانت هذه أم تلك فالعقرب لا يستقر على حال.. تيك تاك.. تيك تاك.. يكاد يراه مجسمًا بخياله.. وليس له أمامه الآن سوى الابتعاد عن هذا المكان، حتى يستقر على رأي، هل يحدث الطبيب أم لا؟ لقد مضى وقت كاف لتهدأ سماح.. تمامًا كالوقت الذي مضى في المرة الفائتة.. ما كاد يعود إلى البيت، حتى جاء الطبيب، وحتى هدأت سماح تمامًا.. هذا هو الحل.. يعود إلى البيت إذن.. وزيادة في الحيطة، يستمع من وراء الباب.. فإذا كانت لا تزال تصرخ، يعود فيحدث الطبيب، وإذا كان الهدوء شاملًا، يدخل، ولن ينسى أن يؤنبها عندما يطلع الصبح.
الشوارع الخالية لها جمال خاص.. كم أتمنى أن يسير في مثل هذا الوقت وحيدًا في الشوارع، تمنى ذلك من أعماق نفسه، لكنه لم يفعلها.. فماذا يقول عنه الناس إذا رأوه؟! وماذا يقول عنه جندي البوليس مثلًا؟
ذات مرة راودته هذه الرغبة.. فارتدى ملابسه، وغادر المسكن وهبط السلم.. ثم وقف على عتبة البيت.. يخرج أم لا يخرج.. يخرج أم لا يخرج.. كان قد نظر إلى الساعة قبل أن يغادر البيت، وكانت تشير إلى الثانية وعشر دقائق صباحًا.. والعقرب يتردد تيك تاك.. تيك تاك.. وظل مسمرًا في مكانه، حتى مر جندي البوليس، و .. واقف كده ليه يا أفندي؟!.. لم يرد عليه، فماذا كان يقول؟! شيء محرج جدًّا.. استدار في سكون ودخل البيت، وصعد السلم وعاد إلى الشقة..‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
- ‫ وها هو البيت يقترب.. لا صراخ ولا توجع.. إذن فكل شيء على ما يرام والحمد لله.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
هبط السلم.. وأنصت
لا شيء.
وقف دقائق في قفل الباب.. ودخل.
لا شيء.
لا شيء سوى صوت العقرب.. تيك تاك.. تيك تاك، لقد نامت وهدأت.
امتدت يده إلى زر نور الصالة.. لكنه لم يضئه.. تعلقت أصابعه بالزر هل يضيئه أم لا؟ ربما إذا أضاءه استيقظت من نومها.. ولكن لنفرض أنها كانت متعبة.. فماذا يفعل؟!.. لا بد أن يراها وأن يطمئن عليها.. تيك تاك.. تيك تاك.. يترك الظلام أم يبدده؟ يضيء أم لا؟ انتشلته شهقة سماح من ورطته.. فأضاء النور.
- إزيك دلوقت يا سماح
كانت ممدودة على الفراش.. هادئة في غاية الهدوء.. هذا ما توقعه.. الحمد لله أنه لم يستدع الطبيب.
- سماح.. إزيك دلوقت
لا ترد إنها نائمة.. في عز النوم ليتركها تستريح إذن.. ولن ينسى في الصباح أن يؤنبها.
جلس على حافة الفراش كعادته عندما يبدأ في خلع ملابسه.. إنه دائمًا يخلع حذاءه أولًا.. وضع ساقًا فوق ساق.. وامتدت أصابعه إلى رباط الحذاء.. و.. وتنبه لشيء
الفراش مبتل؟! أم هو العرق؟
ليست مشكلة على أي حال.. ليتأكد بنفسه.
وضع كفه على الفراش.. فغرقت في سائل.. نور الصالة هو المضاء، ونور حجرة النوم مازال مطفأً، والنور الخارجي يلقي على الفراش ظلالًا كانت تخفي الدماء التي أغرقت الفراش.
- سماح.. سماح.. سماح.. كان يصرخ كالمجنون
- سماح.. سماح.. سماح ففتحت عينيها.. ورمته بنظرة.. مجرد نظرة سريعة فيها أشياء كثيرة.. ثم أغمضتهما مرة أخرى.. بلا تردد هذه المرة - فالأمر لا يحتاج لتفكير وقد بان الصواب -اندفع إلى الخارج.. ما كاد يفتح باب المسكن، حتى قفز الدهليز الذي يفصله عن باب مسكن رضوان جاره.. راح يهوي بيديه على الباب.. ويضغط بأصبعه على زر الجرس.. أكثر من هذا، كان ينادي في توسل: يا رضوان أفندي.. يا رضوان أفندي.
ويضاء النور في الداخل.. ويفتح الرجل الباب وهو لايزال نائمًا.. خير يا احمد خير.
- الست.. الست تعبانة.. والنبي الجماعة يروحوا لها لحد ما أجيب الدكتور.
لا يهم الآن عسكري ولاظلام ولا ناس.. قفز السلم قفزًا، واندفع إلى الطريق اندفاعًا.. وجرى في الحارة والشارع جريًا.. ووصل إلى محل السجائر الذي يبيع الزبائن أول النهار.. وانقض على التليفون.. وأدار القرص
بذعر وبسرعة.. الجرس يرن، لا بد أن يستيقظ الطبيب: الحالة خطرة، خطرة جدًّا، فيه دم يا دكتور، دم مالي السرير.
- حالًا يا استاذ احمد .. خمس دقائق بس، مش هغيب أبدًا.. اطمئن.
ألقى السماعة.. ونسي أن يعطي الرجل ثمن المكالمة.. عاد يجري ويجري ويجري.. ويصعد السلم قفزًا.. البيت كله صاحٍ.. النور يملأ السلم.. مسكن رضوان أفندي مضاء.. ومسكن الجيران الذين يسكنون الطابق السفلي.. وعلى باب مسكنه.. يقف رضوان أفندي.. في الداخل، زوجة الرجل تبكي بحرقة وهي تردد.. يا خسارة شبابك يا بنتي.. يا خسارة شبابك
وصرخ: سماح.. مراتي.. سماح.
ورضوان أفندي يمنعه.. يضمه إلى صدره بحنان غريب، كأنه أب.. ويربت عليه، وتدمع عينا الرجل.. معلش يا ابني، البقية في حياتك.. لازم تتشجع.. ده أمر ربنا.
تيك تاك.. تيك تاك.. العقرب مازال يدق، وهو لا يبكي، لا يصرخ.. ينهار على أول مقعد، وجار يأتي لاحول ولا قوة إلا بالله: البقية في حياتك يا احمد افندي.. والبيت يمتلئ بالناس.. بالسيدات، كلهن يبكين.. من هؤلاء؟! كيف جاءوا.. جيران.. الجار للجار.. والطبيب.. الطبيب يأتي بالبيجامة.. يهرول إلى الداخل، ولا يمكث سوى دقائق.. يخرج بعدها وفي عينيه نظرة.. نظرة رهيبة.
- من إمتى كانت تعبانة؟
- من ساعتين.
- وليه ما ندهتليش من ساعتها؟
ولم يرد.. لم يرد.. بكى والعقرب يتردد.. تيك تاك.. تيك تاك.
عندما جاء الضحى.. كان كل شيء قد أعد.. كان رضوان أفندي قد قام بكل ما يحتمله الموقف.. لم يقل له متشكر، كان سارحًا في أمر غريب، عيناه معلقتان بالساعة، تروحان وتجيئان مع العقرب.
بعد ساعة سوف يحضر أبوه وأمه.. وسوف يحضر أبوها وأمها.. وكل عائلة ستطلب أن تدفن سماح في مقبرتها الخاصة.. فماذا يفعل؟ أين الصواب؟ وأين الخطأ؟.. موقف محير.. محير جدًّا.. الناس يتهامسون.. لاحول ولا قوة إلا بالله.. الراجل مذهول
والعقرب يدق.. تيك تاك.. تيك تاك.. تيك تاك..
2 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.