دخل والدا ليل الأوعية الكانوبية دون حفل وداعٍ كبير. رأيتُهما قُبَيل دخولهما فيها مُباشرة
حينما مرَّا بمنزلي أنا وليل ليُقبِّلاها قُبلة الوداع ويتمنَّيا لها حظٍّا طيبًا.
بينما كانت ليل ووالدتُها تُودِّعُ إحداهما الأخرى بمرَحٍ مُوجِع وأدَبٍ وقفتُ أنا وتوم
جانبًا في ارتِباك.
«. إذن، لقد قرَّرتُما تعليق حياتكما مؤقَّتًا » : حدَّثتُ توم قائلًا
«. أجل. لقد أخذتُ النُّسخة الاحتياطية هذا الصباح » : رفع أحدَ حاجِبَيه قائلًا
قبل أن يأتيا ليُودِّعا ابنتَهما، أخذا نُسَخَهما الاحتياطية، وبعدما يَستيقِظان، سيكون
هذا الحدَث وكل الأحداث التي تلَتْ عملية النَّسخ الاحتياطي، كأنها لم تحدُث على الإطلاق
بالنسبة لهما.
يا إلهي! لقد كانا وَغدَين!
سألته مُحافِظًا على التعبير الهادئ الذي يتَّسِم به أفراد طاقم العمل مُخفِيًا اشمئزازي
«؟ متى ستعودان » : بعناية
سنأخُذ عيناتٍ شهريٍّا، مُجرَّد مُلخَّصٍ بالأحداث سيُفرَّغ في ذاكرتنا. حينما تبدو »
ولوَّح بإصبَعِه في وَجهي قائلًا: «. الأمور مُثيرةً للاهتمام بما يكفي، سنعود مرَّة أخرى
«؟ سأراقِبُك أنت وليليان، عامِلْها بلُطف. هل سمِعت »
«. سنفتَقِد وجودكما هنا بكلِّ تأكيد » : أجبتُ قائلًا
لن تُلاحِظ حتى غيابَنا. هذا عالَمُكم الآن، نحن فقط نبتعِد عن الطريق » : قال مُتأفِّفًا
لفترةٍ من الوقت لنُتيح لكم الانطلاق نحوَ التحدِّيات. لم نكن لننسَحِب لو لم يكن لدَينا
«. إيمان بقُدراتِكما
قبَّلتْ ليل ووالدَتُها إحداهما الأخرى لمرَّةٍ أخيرة. كانت والدتُها أكثر عاطفية من أيِّ
وقتٍ مضى، حتَّى إنَّ عَينَيها أدمعتا قليلًا. هنا، في هذه اللحظة التي يتلاشى فيها الوعي،
كان يُمكنها أن تكون أيَّ شخصٍ تريد؛ إذ إنها تعلم أنها حينما تستيقظ في المرة التالية،
لن يُهِمَّ الأمر.
جوليوس، ثَمَّةَ أوقاتٌ رائعة في انتظارِك؛ فما بين » : قالت وهي تأخُذ يَديَّ وتَعتصِرُهما
كانت هادئة وحَنونةً بلا حدود، «. ليل والمُتنزَّه ستَحظى بتجربة رائعة، أنا أعلم ذلك يَقينًا
وكنتُ أعلم أن ذلك لا يُعَوَّل عليه.
استقلَّا سيارتَهما وهما لا يزالان يبتسِمان وانطلقا بعيدًا ليأخُذا الحُقنة القاتلة، ليصيرا
مُجرَّد وعيٍ هائم بلا جسد، ويَفقِدا آخر لحظاتٍ قَضَياها مع ابنتِهما العزيزة.
لم يكونا سعيدين بعودتِهما من الموت. كانت أجسادُهما الجديدة يافِعة وبالِغة ومليئة
بالهرمونات وكئيبة بشكلٍ لا يُصدَّق، ومُصمَّمة وفقًا لأحدث صيْحات الموضة. وفي صُحبة
كيم وزملائها، كوَّنوا جميعًا كُتلة صُلبة من جوِّ المُراهَقة المشحون بالغضب.
«؟ ماذا تظنُّ نفسك فاعلًا بحقِّ الجحيم » : دفعتْني ريتا بقوَّةٍ فيصدري وسألتْني قائلة
تراجعتُ إلى الوَراء وهوَيتُ وسط غُباري المُتناثِر بعناية، مُثيرًا سحابةً من الغُبار.
اذهب بعيدًا يا جوليوس. أفعالك لا يُمكن » : لاحقتْني ريتا ولكن توم منعها وقال
«. تبريرُها على الإطلاق. أبقِ فمك مُطبَقًا واذهب بعيدًا
رفعتُ يدي وحاولتُ تجاهُل كلامه وفتحتُ فمي لأتحدَّث.
«. لا تنطِق بكلمةٍ واحدة. اذهبِ الآن » : سبقَني قائلًا
لا تبقَ هنا ولا تعُد مرَّة أخرى، » : قالت كيم وقد ارتسَمَتْ على وجهها نظرة شرِّيرة
«. أبدًا
لا، لا بحقِّ الجحيم، لا. ستسمَعون ما سأقوله ثُمَّ سأذهب لإحضار ليل وأتباعِها » : قلت
«. وسيدعمونني. هذا أمر غير قابلٍ للتفاوُض
حدَّق بعضنا في بعض عبر الرَّدهة المُظلِمة. عبثَتْ دِبرا بشيءٍ ما فأضاءت الأنوار
بالكامل وبقوة. تلاشىالظلام المُصمَّم بحِرفِية لتُصبِح مُجرَّد غرفة مُترِبة بها مِدفأة زائفة.
عقدَتْ ريتا ذِراعَيها ورمقتْني بنظرةٍ غاضبة. «. دَعُوه يتحدَّث » : قالت دِبرا
لا يُمكنني تبرير تلك الأفعال، ولا أطلُب منكم أن تَغفروها، » : قلتُ رافعًا رأسيوأراقِبهم
ولكن هذا لا يُغيِّر من حقيقة أننا قد وضعنا قلوبنا وأرواحنا في هذا الرُّكن من العالَم ولا
يَصِحُّ أن تأخذوه منَّا. ألا يُمكن أن نَحتفِظ بمكانٍ واحدٍ ثابتٍ مُستقرٍّ في هذا العالم، مكان
نَقي يَظلُّ كما هو للأشخاصالذين يُحبُّونه على هذه الشاكلة؟ لماذا يعني نَجاحُكم فَشَلَنا؟
«؟ ألا تَرَون أنَّنا نواصِل عملكم؟ أنَّنا نرعى الإرثَ الذي تركتموه لنا
«؟ هل انتهيت » : سألتْ ريتا
أومأت.
هذا المكان ليس مَحميَّةً تاريخية يا جوليوس. إنه لُعبة. وإذا كنتَ لا » : أردفتْ قائلة
تفهَم ذلك، فأنت في المكان الخاطئ. ليس خَطَئي أنك قد قرَّرْتَ أن ينوب غباؤك عنِّي، وهو
«. ما لا يجعل الأمر أقلَّ غباءً. كلُّ ما فعلتُه هو تأكيد أسوأ مَخاوِفي
يا لك من غَبيٍّ وأحمق » : سقط قِناع الحِيادِيَّة الذي كانت ترتديه دِبرا وقالت بنعومة
مُضلِّل، تترنَّحُ جَيئة وذهابًا شاكيًا باكيًا حادثة مَقتلِك التافِهة ومشاكلك الصحية التافِهة
— نعم سمعتُ بها — وولَعَك التافِه بالإبقاء على الأشياء كما هي. أنت تحتاج إلى منظورٍ
جديد يا جوليوس. أنت بحاجةٍ للابتِعاد عن هنا: عالم ديزني لا يُناسِبك ولا شكَّ أنك لا
«. تُجديه نَفعًا أيضًا
كان الأمر سيُصبِح أقلَّ إيلامًا لو أنَّني لم أتوصَّل إلى نفس النتيجة بنفسي في وقتٍ ما
عبرَ الطريق.
وجدتُ أعضاء فريق العمل بمُخيَّم حِصن البرية يجلسون حول النار ويُغنُّون ويتعانقون
ويضحكون. إنه حفل الانتصار. دخلتُ إلى الدائرة بتثاقُلٍ بحثًا عن ليل.
كانت تجلسعلى قِطعة حطبٍ تُحدِّق بالنيران فيشُرودٍ تام. يا إلهي! بدَتْ جميلةً وهي
قَلِقة. وقفتُ أمامها هُنيهة، وكانت تُحدِّق خلالي مباشرة حتى نقرتُ على كتِفها. أطلقَتْ
صيحةً قصيرة حادَّة لا إراديٍّا ثُمَّ ضحكتْ على نفسها.
ثم توقَّفْت. أردتُ أن أقول: لقد عاد والداك وانضمَّا إلى الجانب الآخَر. «. ليل » : قلت
نظرَتْ إليَّ بوَداعةٍ لأول مرَّةٍ منذ وقتٍ طويل جدٍّا حتى إنها ابتسمَتْ. ربَّتَتْ على قطعة
الشجر التي بجانبها في إشارة لي بالجلوس. فجلستُ وشعرتُ بحرارة النار على وَجهي
وبِحرارة جسدِها إلى جانبي. يا إلهي! كيف أفسدتُ هذا الأمر؟
وضعَتْ ذِراعيها حولي واحتضنَتْني بقوَّةٍ دون سابِق إنذار، فاحتضنتُها بدَوري.
واضِعًا أنفي في شعرها، لأستنشِق رائحةَ دُخان الخشب المَحروق والشامبو والعرَق؛ هَمَسَتْ
ولكن في داخلي كنتُ أقول: لا لمْ نفعل. «. لقد نجحْنا » : بحماس
«. ليل » : تراجعْتُ للوراء ثم قلتُ مرةً أخرى
كانت ثَمِلة؛ انتبهتُ إلى ذلك الآن. «؟ ماذا » : قالت وعيناها تلمَعان
«. لقد عاد والداك. لقد قَدِما إلى القصر »
كانت تبدو مُرتبِكة ومُنكمِشة. ولكنِّي واصلتُ الضغط.
«. إنهما مع دِبرا »
سقطتْ إلى الخلف وكأنِّي صفعتُها.
«. لقد أخبرتُهما أنني سأحُضِرالمجموعة كلها لنُناقِش الأمر »
طأطأت رأسَها واهتزَّ كتِفاها، ووضعتُ ذِراعي حولَها بتردُّد، فأزاحَتْها بعيدًا وجلسَت.
«. سأجعلهم يُرسِلون عبَّارة » : كانت تبكي وتضحك في الوقت نفسه وقالت
جلستُ في مؤخِّرة العبَّارة مع دان بعيدًا عن أعضاء طاقم العمل الغاضبين المُرتبِكين. كنتُ
أجُيب على أسئلته بإجابات مُقتضَبة لا تتجاوَز الكلمة الواحدة ما جعله يَستسلِم. جلسنا
صامِتين، في حين كانت الأشجار الواقِعة على حَوافِّ بُحيرة البحار السبعة تتمايَل بعُنف
للأمام وللخلف وكأنَّ عاصفةً على وشْك الهُبوب.
اتَّخذ عضو فريق العمل المسئول عن القيادة طريقًا مُختصرًا عبر موقف انتظار
السيارات الغربي وقطَع شوارع الأرضالحدودية الهادئة بقلقٍ وكأنه مَوكب جنائزي جعل
مُوظفي الحراسة الليلية يتسمَّرون في أماكنهم.
حينما اقتربْنا من ساحة الحرية، رأيتُ أضواء العمل مُتوهِّجة وكانت مجموعات عمل
كبيرة من أعضاء طاقم عمل دِبرا تتنقَّل من القاعة إلى القصر، يُصلحون ما أفسدْناه في
عملهم.
كان توم وريتا والِدا ليل يَعملان معهم جنبًا إلى جنب، مُشمِّرين أكمامهما وقد برزت
من سواعِدِهما العضلات الجديدة المشدودة. تسمَّرتِ المجموعة في مكانها وذهبتْ ليل إليهما
وتعثَّرت في الرصيف الخشبي.
توقعْتُ مُعانقات، ولكن لم يكن ثَمَّةَ أيٌّ منها. وبدلًا من ذلك وقف الوالدان والابنة
يُحدِّق بعضهم إلى بعض ويُعدِّلون وضعَ أجسادِهم ليتتبَّع بعضهم بعضًا مُحافِظين على
مسافةٍ كبيرة ثابتة بينهم.
لم تُخاطِب أمَُّها وهو ما فاجأني، «؟ ماذا تفعلون بحقِّ الجحيم » : قالت ليل أخيرًا
ولكنه لم يُفاجئ توم.
«. نحن نعمل » : خطا إلى الأمام وكان صوت تبديل قدمَيْه عاليًا في الليل الهادئ، وقال
«. لا، إنكم لا تعملون. إنكم تُدمِّرون، توقَّفوا عن ذلك » : قالت ليل
تقدَّمَت والدة ليل لتقِفَ إلى جانب زَوجها ولم تقُل أيَّشيء، مُكتفِيةً بالوقوف هناك.
رفع توم الصندوق الذي كان يحمِله دون أن ينبِس ببِنت شفة واتَّجه نحو القصر.
أمسكَتْ ليل بذِراعه وأخذتْ تَهزُّها حتى وقَع منه الصندوق على الأرض.
«. ألا تَسمع؟ القصرمِلكنا. توقَّف عن ذلك »
أنا سعيدة » : أخذَتْ ريتا يدَ ليل بِحنانٍ وأزاحَتْها بعيدًا عن ذِراع توم وأمسكتْها قائلة
«. بشغَفك للأمر يا ليليان. أنا فَخورة بالتزامِك
حتى وأنا على بُعد عشر ياردات منها تمكنْتُ من سَماع بكاء ليل المُختنِق، ورأيتُها
تنهار. أخذَتْها أمُُّها بين ذِراعيها وأخذَت تُهدهِدها. شعرْتُ وكأنَّني مُتلصِّص، ولكنَّني لم
أستطعْ أن أشُيح بوجهي بعيدًا.
اهدئي، » : قالت الأم بصوتٍ هامِسٍيتماشىمعصوت حَفيفالأوراق على شجرة الحرية
«. اهدئي، ليس بالضرورة أن نكون على نفس الجانب كما تعلمين
تعانَقَتا طويلًا دون حَراك. انتصبَتْ ليل واقفةً ثم انحنتْ مرةً أخرى والتقطتْصندوق
أبيها وحمَلَتْه إلى القصر. وتقدَّم باقي أعضاء طاقم العمل التابِع لها واحدًا تلوَ الآخَرِ إلى
الأمام وانضمُّوا لهم.
هكذا يصِل المرء إلى الحضيض. تستيقظ في غرفة صديقك بالفندق وتُشغِّل جهازك اليدويَّ
ولكنه يرفض تسجيل الدخول، تضغط على زرِّ استدعاء الِمصعد فيُصدِر لك أزيزًا غاضبًا
في المُقابل، تصعَدُ الدَّرَج لتتَّجِه إلى الرَّدهة فلا ينظر إليك أيُّ شخصٍ وهم يَصطدِمون بك
أثناء مُرورِهم إلى جانبك.
باختصارٍ تَصير نَكِرة.
كنتُ خائفًا ومُرتجِفًا حين صعدتُ الدَّرَج إلى غرفة دان وطرقتُ الباب بشكلٍ أعنفَ
وبصوتٍ أعلى ممَّا كنتُ أقصد، طرقةً مذعورة.
فتح دان الباب ورأيتُ عينَيه تتحوَّلان لفحْص شاشته الذهنية ثم عاد ونظر إليَّ مرة
«! يا إلهي » : أخرى وقال
جلستُ على حافَةِسريري ووضعتُ رأسيبين يدَي.
«؟ ماذا؟ ماذا حدَث؟ ماذا حدَث لي » : قلت
لم تعُد جُزءًا من اللجنة المسئولة ولا من نِظام الووفي. لقد بلغتَ الحضيض » : أجاب
«. تمامًا
هكذا يصِل المرء إلى الحضيض في عالم والت ديزني، يَسكن فندقًا يَسمَع فيه صفير
القِطار الكهربائي المُعلَّق وتَنْسلُّ عبر نافِذته أشعَّةُ الشمس، وحرارة المُحرِّكات البُخارية
التي تسير على السكك الحديدية والعُواء البعيد لصوتِ الذئاب المُسجَّل القادِم من القصر
المسكون. يتلاشى العالم تدريجيٍّا ويتراجَع حتى لا تُصبِح إلَّا بُقعة صغيرة، ذرَّة غُبار في
قلبِ العَتمة.
كنتُ أتنفَّس بصعوبةٍ وأشعُر بالدُّوار. أبطأتُ من تنفُّسي عَمْدًا ووضعتُ رأسي بين
رُكبَتَيَّ حتى ذهبَ الدُّوار.
«. خُذني إلى ليل » : قلت
وبينما كُنَّا نقود معًا، وكان دان يُشعِل السيجارة تلوَ الأخرى وينفُث دُخانها في وجهي،
تذكرتُ الليلة التي أتى فيها إلى عالَم ديزني حينما أوصلتُه بسيارتي إلى مَنزلي — منزل
ليل — وكم كنتُ سعيدًا ومُطمَئنٍّا في ذلك الوقت.
كان هذا كافيٍّا. وجدْنا ليل «. إنها أيام غريبة » : نظرتُ إلى دان وربَّتَ هو على يدي قائلًا
في إحدى غُرَف الاستراحة تحت الأرضوكانت غافِيةً بهدوءٍ على أريكةٍ مُهلهَلة. كان رأسها
مُستريحًا على حِجر توم وقدَماها على حِجر ريتا. غطَّ ثلاثتُهم في النَّوم مُصدِرين شخيرًا
هادئًا، بعد ليلةٍ طويلة مُرهِقَة.
هزَّ دان ليل حتى استيقَظَت. تَمطَّتْ وفتحت عينَيها ونظرَت إليَّ بنُعاس، فشحَب
وجهُها.
«. مرحبًا يا جوليوس » : قالت بفتور
كان توم وريتا قد استيقظا أيضًا في تلك اللحظة. ونهضت ليل.
هل كنتِ ستخبرينَني؟ أم فقط كنتِ ستطرُدينَني وتتركينَني أكتشِف » : سألتُ بهدوء
«؟ الأمر بنفسي
«. كنتَ محطتي التالية » : أجابت
إذن فقد وفَّرتُ عليكِ بعض الوقت. أخبِريني بالأمر » : جذبتُ كرسيٍّا وأردفتُ قائلًا
«. كلِّه
ليس هناك ما يُقال، أنت مَطرود. كان عليك أن تعلم أنَّ » : ردَّتْ ريتا في غضبٍ قائلة
«! هذا هو ما سيحدُث، بربِّك، لقد كنتَ تُدمِّر ساحة الحرية
كيف تعرفين ذلك؟ لقد كنتِ نائمةً » : سألتُها وأنا أصارِع من أجل الحِفاظ على هدوئي
«! لعشر سنوات
لقد كنَّا نحصُل على تحديثات، ولهذا السبب عُدنا، لم يكن من المُمكن أن » : ردَّت ريتا
«. ندَع الأمور تستمرَّ على ما كانت عليه. ونُدين بذلك إلى دِبرا
«. وليليان » : قال توم
«. وليليان » : قالت ريتا دون تفكير
على الأقلِّ كان هناك شخصٌ «. أنتِ لستِ مُنصِفة حِيالَه » : جذَب دان لنفسه مقعدًا وقال
يُسانِدني.
لقد كُنَّا أكثرَ من مُنصِفين، وأنت تعلم ذلك أكثر من أيِّ شخصٍيا دان. لقد » : قالت ليل
غفرْنا له مرةً واثنتَين وثلاثًا، والتَمَسْنا جميع الأعذار. إنه مريضويرفُضتناوُلَ العِلاج. لا
«. يُمكِننا أن نفعل أيَّشيءٍ له أكثر مما فعلنا
أصابَني الدُّوار مرةً أخرى وتَهاويتُ في «. كان يُمكنك أن تكوني صديقته » : ردَّ دان
مقعدي مُحاولًا التحكم في تنفُّسي وفي دقَّات قلبي المذعورة.
كان يُمكنك أن تُحاولي تفهُّم الأمر، أن تُحاوِلي مُساعدَتَه. كان يُمكنك أن تُسانِديه كما »
«. ساندْتِني. لا داعيَ لأن تَطردُيه بهذه القَسوة
سأحصُل » : كان لدى ليل من الأخلاق ما جعلها تبدو شاعِرةً بالقليل من الخِزي، فقالت
له على غرفة لمدَّة شهر في كيسيمي، بأحد الفنادق الصغيرة. سأستعيد له إمكانية الوُلوج
«؟ إلى شبكته. هل هذا مُنصِف
لماذا كانت تكرهُني كلَّ هذا الكره؟ لقد كنتُ بجوار «. إنه أكثرُ من مُنصِف » : قالت ريتا
لا أعتقِد أنَّ هذا مكفول. » . ابنتِها ولم تكن هي موجودة، آه. ربَّما يفي ذلك بالغرَض، حسنًا
«. يُمكنك الاهتمام به يا سيِّدي إن شِئت، ولكن هذا ليس من شأن عائلتي
«؟ دَعوني أتولَّ الأمر. اتَّفَقْنا » : تَوهَّجت عَينا ليل وقالت
واندفعَتْ خارجةً من الغرفة بغضب. «. افعلي ما تُريدين » : وقفتْ ريتا فجأةً وقالت
لمَ أتيتَ هنا لطلَبِ المُساعَدة؟ تبدو مُؤهَّلًا » : قال توم الذي كان دَومًا صوت العقل
«. لذلك بما يكفي
سآخُذ حُقنةً قاتِلة في نهاية الأسبوع، بعد ثلاثة أيام. إنه أمرٌ شخصي، ولكنك » : ردَّ دان
«. سألت
هزَّ توم رأسه. كان واضحًا لي أنه كان يقول لنفسه: إنَّ لدَيك أصدقاء حقيقيِّين
يَهتمُّون بك؟
«؟ بهذه السرعة » : سألتْ ليل بغُصَّة
أومأ دان.
وقفتُ كأني داخلضجَّةٍ في حُلمٍ وتجوَّلتُ بالخارج في أنفاق المرافق وعبر ساحة انتظار
السيارات الغربية المُخصَّصة لأعضاء طاقم العمل، ثم انصرفت.
تجوَّلتُ عبر لعبة جولة حول العالم المهجورة المرصوفة بالأحجار، على كلِّ حجرٍ حُفِر
اسم عائلة من العائلات التي زارتِ المُتنزَّه قبل قرنٍ من الزمان. مرَّتِ الأسماء أمامي كنُقوشٍ
على شواهِد القبور.
كانت شمس الظهيرة قد انتصفَت كَبِد السماء وكنتُ أدور حول مُنحنى الشاطئ
المَهجور الذي يقَع بين مُنتجَع جراند فلوريديان وبولينيزيان. كنتُ أنا وليل نتردَّد كثيرًا على
هذا المكان لنُشاهد غروب الشمسمن أرجوحة شبَكيَّة مُعلقة يُطوِّق كلٌّ منَّا الآخَرَ بذِراعَيه،
ويمتدُّ المُتنزَّه بطوله أمامنا كأنه قرية لُعبة مُضاءة.
كان الشاطئ الآن مهجورًا وجناح الزفاف صامتًا. شعرتُ بالبرد فجأةً على الرغم من
أنَّني كنتُ أتصبَّبُ عرَقًا بغزارة. كان بردًا شديدًا.
سرتُ في البُحيرة، وكأنِّي في حُلم، والمياه تملأ حِذائي وتُثقِلسِروالي؛ كانت دافئة بدرجة
حرارة الجسم، دافئةً على صدري، وعلى ذَقني، وعلى فمي، وعلى عينيَّ.
فتحتُ فمي واستنشقتُ بعُمق، حتى ملأ الماء رِئتي، شاعرًا بالاختِناق والدِّفء في
آنٍ واحد. بصقتُ في البداية، ولكنَّني كنتُ مُتحكِّمًا في الأمر الآن، واستنشقتُ مرة أخرى.
لمعت المياه على عيني، ثم حلَّ الظلام.
استيقظتُ علىسرير الدكتور بِيت بالمَملكة السحرية والقيود تُكبِّل مِعصمي وكاحلي وأنبوب
في أنفي. أغلقتُ عَينيَّ للحظةٍ ظانٍّا أنني قد استُرجِعتُ من النسخة الاحتياطية وحُلَّت جميع
المشاكل وذهبَتِ الذكريات طيَّ النسيان.
أدماني الحُزن حينما أدركتُ أن دان ربما كان مَيتًا الآن وذهبَتْ ذكرياتي معه إلى الأبد
بلا رجعة.
أدركتُ تدريجيٍّا أنني كنتُ أفكر على نحوٍ غير منطقي. فقد كانت حقيقة أنَّني تذكرتُ
دان تَعني أنني لم يُعَد تحميلي من نُسختي الاحتياطية، وأن عقلي الخَرِب لا يزال موجودًا،
يتحرَّك في اضطِراب في عُزلة.
سعلتُ مرةً أخرى فآلمَتْني ضُلوعي وأخذَتْ ترتجِف بتناغُمٍ مع دقَّات رأسي، فأمسك
دان بِيدي.
«؟ أنت مَصدر متاعِب. أتعلَم ذلك » : قال مُبتسمًا
«. آسِف » : قلتُ مُختنقًا
بالطبع أنت كذلك. من حُسن حظِّك أنهم عَثروا عليك، لو كانوا قد تأخَّروا » : أجاب
«. دقيقةً أو اثنتين لكنتُ أدفنُكَ الآن
فكرتُ في نفسي مُرتبكًا: لا. كانوا سيسترجِعونَني من النُّسخة الاحتياطية. ولكنَّني
تذكرتُ فجأة أنني قد سجَّلتُ رفضي رسميٍّا للاستِرجاع من النُّسخة الاحتياطية، بعد
التَّوصية باللجوء إليه من قِبَل طبيب مُتخصَّص، وبالتالي لم يكن أيُّ شخصٍسيسترجِعُني.
كنتُ سأصير مَيتًا حقٍّا وبلا رجعة. بدأت أرتعِد.
هوِّن على نفسك. اهدأ. كل شيء على ما يُرام الآن. يقول الطبيب إن ضِلعًا » : قال دان
«. أو اثنَين قد انكَسَرا جرَّاء عملية الإنعاش القلبي الرئوي، ولكن لا يُوجَد تلَفٌ دِماغي
لا يُوجَد تلف دِماغي » : ظهر الدكتور بِيت في مجال رؤيتي وقال على سبيل التصحيح
ارتسم على وجهه ذلك التعبير الِمهَني الهادئ المُفترَضعند التعامُل مع المرضىوهو «. إضافي
ما طمأنَني، رغمًا عنِّي.
صرَف دان بعيدًا واتَّخذ مقعده، وبمُجرَّد مُغادَرة دان للغرفة أضاء أنوارًا في عيني
حسنًا يا جوليوس، ما المُشكلة بالضبط؟ » . وتفحَّصأذُني، ثم جلسمرَّةً أخرى ونظر لي مليٍّا
يُمكننا أن نُحضِرلك حُقنة قاتلة إذا كان هذا ما تُريده، ولكن إغراق نفسك بِبُحيرة البحار
«؟ السبعة ليس مقبولًا. في الوقت نفسه، هل ترغَب في التحدُّث عن الأمر
كان جزءٌ منِّي يرغَب في البصق في وجهه. لقد حاولتُ التحدُّث عن الأمر بالفعل وقال
لي أن أذهب إلى الجحيم، والآن يُغيِّر رأيه؟ ولكنَّني كنتُ أرغب حقٍّا في الكلام.
«. لم أكن أريد أن أموت » : قلت
«. أوه لا! أعتقِد أن الأدلَّة تُفيد بعكس ما تقول » : ردَّ قائلًا
ماذا؟ لقد كنتُ أحاول «… لم أكن أحُاوِل أن أنهيَّ حياتي. لقد كنت » : اعترضتُ قائلًا
… الهروب. الهروب من الخضوع لعملية إعادة التحميل دون اختيار، ومن فُقدان ذِكريات
آخِر سنةٍ من حياة صديقي المقرَّب. كنتُ أحاوِل إنقاذ نفسي من الحُفرة النَّتِنة التي دُفِنت
فيها دون أن أمْحُوَ دان معها. هذا كلُّشيء، هذا كلشيء.
لم أكن أفكر، كنتُ أتصرَّف فحسْب. كانت نوبةً أو ما شابه. هل هذا يعني أنني »
«؟ مجنون
ربما، ولكن دَعْنا نقلَقُ حِيال كلِّشيء على حِدة. يُمكنك » : ردَّ الدكتور بيت دون تفكير
أن تموت إذا كنتَ ترغب في ذلك، هذا حقك. أما إذا كنتَ تريد معرفة رأيي، فأنا أفُضِّل أن
تظلَّ على قيد الحياة، وأعتقِد أنني الشخص الوحيد الذي يُفضِّل ذلك. إنها نقاط الووفي
اللعينة. إذا كنتَ ترغب في أن تظلَّ على قيد الحياة، فأنا أودُّ أن أسُجِّل هذا فقط من باب
«. الاحتِياط. لدَيْنا نُسخة احتياطية منك مُسجَّلة بالمَلف، سأكرَهُ أن أمحُوَها
كان هذاصحيحًا؛ «. أجل، أجل، أودُّ أن أسُتَرجَع إذا لم يكن يُوجَد أي خيار آخر » : أجبت
فلم أكن راغبًا في الموت.
حسنًا إذن، إنها موجودة بالملفِّ وأنا سعيدٌ بذلك. والآن، هل أنت » : قال الدكتور بيت
مجنون؟ ربما، قليلًا. ولكنه ليسشيئًا يَستعصيحلُّه على جلسات المَشورة النفسية وعملية
«. الإزالة وإعادة التثبيت، إذا كنتَ تُريد رأيي. يُمكنني أن أجِدَ لك مكانًا ما إذا كنتَ ترغَب
«. ليس بعد. أقُدِّر عرضك، ولكنَّ ثمة شيئًا آخر لا بدَّ أن أفعله أولًا » : أجبتُ قائلًا
أعادَني دان إلى الغُرفة مرة أخرى ووضعني بالسرير وعلى بشرتي لاصقة تحتوي على مُنوِّم
ينتقَّل عبر الجلد جَعلتني أفقِد الوعي لباقي اليوم. وحينما استيقظت، كان القمر ساطعًا
فوق بُحيرة البحار السبعة وكان القِطار الكهربائي المُعلَّق صامتًا.
وقفتُ بالشُّرفة لبعضالوقت وأنا أفكر في كلِّ الأشياء التي كان يَعنيها لي هذا المكان
لأكثر من قرنٍ من الزمان: السعادة، والأمان، والجدارة، والخيال. ذهب كل هذا أدراج
الرياح. قد حان الوقت لأترُك المكان. ربما سأعود إلى الفضاء، وأعثُر على زِدْ وأرى إذا كنتُ
سأتمكن من إسعادها مرة أخرى. أي مكان دون هذا. بمجرَّد موت دان — يا إلهي! أخيرًا
بدأت أستوعِب الأمر — يُمكنني أن أستقلَّ إحدى الألعاب المُتَّجهة إلى كاب لتناوُل الغداء.
هكذا سألني دان وهو يقِفخلفي، فجفَلْت. كان يرتدي ملابسه الداخلية «؟ فيم تفكر »
ويبدو رفيعًا مَمشوق القوام ومُشعِرًا.
«. أفكر في الرحيل »
«. كنتُ أفكر في فِعل الشيء نفسه » : ضحك بصوتٍ خافتٍ قائلًا
لا ليس بهذه الطريقة، فقط أفكر في الانتِقال إلى مكانٍ آخر، والبدء من » : ابتسمت
«. جديد والابتِعاد عن كلِّ هذا
«؟ هل ستقوم بعملية إعادة التحميل »
«. لا، لا أعتقِد أنني سأفعل » : أشحتُ وَجهي بعيدًا قائلًا
قد لا يكون الأمر من شأني، ولكن لماذا لا بحقِّ الجحيم؟ يا إلهي يا جوليوس! » : قال
«؟ ممَّ تخاف
«. لستَ بحاجةٍ لأن تعرِف السبب »
«. سأحكم أنا على ذلك »
«. دعنا نحتسِشرابًا أولًا »
«. حسنًا، سأحُضِرزُجاجتَين من الكورونا » : أدار دان عينَهُ لوهلةٍ مُستنكرًا ثم قال
بعد أن غادر الروبوت المعني بخِدمة الغُرف، فتحْنا زجاجات الجِعة وجذبْنا كرسِيَّين
إلى الشُّرفة.
«؟ هل أنت مُتأكِّد من أنك ترغَب في معرفة هذا » : سألتُه قائلًا
«. بالطبع » : أمال زجاجته نحوي وقال
«. لا أرغب في القيام بعملية إعادة التحميل؛ لأن هذا يعني فُقدان آخِر سنة »
«؟ تقصِد آخر سنة من حياتي أنا. أليس كذلك » : أومأ قائلًا
أومأتُ واحتسيتُ الشراب.
اعتقدتُ أنَّ الأمر كذلك. أنت شخصية مُركَّبة يا جوليوس، ولكن من الصعب معرفة »
أنك لستَ كذلك. لديَّ شيء لأقوله لك قد يُساعِدك على اتِّخاذ القرار. إذا كنتَ تُريد سَماعه،
«. فليكن
هكذا قلتُ وفي خيالي كنتُ قد استقللتُ بالفعل مكوكًا «. بالطبع » ؟ ما الذي قد يقوله
مُتَّجِهًا إلى الفضاء بعيدًا عن كل هذا.
«. لقد قتلتُك، طلبتْ دِبرا مِنِّي ذلك ودبَّرْتُ أنا الأمر. لقد كنتَ محقٍّا طوال الوقت » : قال
انفجر المكوك في صمتٍ وتحرَّك ببطءٍ في الفضاء وانحرفتُ بعيدًا عنه. فتحتُ فمي
وأغلقتُه.
دِبرا هي من اقترَح ذلك. كنا نتحدَّث عن الناس » : كان دَور دان ليُشيح بوجهه بعيدًا
الذين قابلتُهم حينما كنتُ أقوم بعملي التبشيري، المَهووسين بالعالم القديم الذين كان عليَّ
أن أطرُدَهم بعد أن عادوا للانضمام إلى مجتمع الروعة. تَبِعَتني واحدة منهم، فتاة من جبل
الشايان، حتى هنا وظلَّتْ تترُك لي العديد من الرسائل. أخبرتُ دِبرا وحينئذٍ واتَتْها الفكرة.
كانت الفكرة أن أحُضِر الفتاة لتُطلِق النار عليك ثم تختفي، على أن تُعطيَني دِبرا
أكداسًا من نِقاط الووفي، ويَحذو فريقها حذْوَها، وبذلك أختصِرأشهرًا وأقترِب من هدَفي.
«. لم يكن بإمكاني التفكير فيشيءٍ آنذاك إلا ذلك، حسبما تتذكر
رائحة التجدُّد واليأس في منزِلنا الريفي الصغير، ودان يتآمَر لقتْلي. «. أتذكر » : أجبت
خطَّطنا للأمر، ثم خضعَتْ دِبرا لعملية إعادة تحميل من نُسختِها الاحتياطية، فلم »
«. يعُد ثمَّةَ ذكرى للحدَث غير نقاط الووفي التي حصلتُ عليها
خُطة ناجحة: تُخطِّط لجريمة قتل، تقتُل نفسك، ثم تُعيد تحميل نفسك «. نعم » : أجبت
من نُسخة احتياطية صُنِعت قبل إعداد الخُطة. كم مرةً فعَلَت دِبرا أشياء بَشِعة ثم مَحتْها
من ذاكرتها بتلك الطريقة؟
أجل. نحنُ من فعلناها، أشعُر بالخِزي وأنا أقول ذلك. يُمكنني إثبات » : وافقَني قائلًا
«. الأمر أيضًا؛ لديَّ نُسختي الاحتياطية، ويُمكنني أن أحُضِر جانين لتَروي ما حدَث أيضًا
هذه خُطتي. غدًا سأخُبِر ليل وذَويها وكيم ورِفاقها، وجميع » : واحتسىجِعته ثم أردفقائلًا
«. أعضاء اللجنة؛ هدية وداعٍ من صديق سيئ
كنتَ تعلم » : كان حَلقي جافٍّا وكأن عضلاته مشدودة. احتسيتُ المزيد من الجِعة وقلت
«. ذلك طوال الوقت، وكان يُمكنك أن تُثبِته في أيِّ وقتٍ تشاء
«. هذا صحيح » : أومأ قائلًا
ولكن «… لقد تركتْني أتحوَّل إلى » ، كنتُ أبحث عن الكلمات المُناسِبة «… لقد تركتني »
لم تواتِني.
«. نعم فعلت » : أجاب قائلًا
طوال هذا الوقت. كان هو وليل، يقِفان فيشُرفتي، يُخبرانني أنني أحتاج إلى المساعدة.
والدكتور بيت يُخبرني أنني أحتاج إلى إعادة تحميلي من نُسخة احتياطية، وأنا أرفُضذلك
تمامًا؛ لأنني لم أرغَب في أن أفقِد آخر سنةٍ قضيتُها مع دان.
لقد فعلتُ العديد من الأشياء السيئة في حياتي، ولكن هذا أسوَؤها على » : قال دان
الإطلاق. لقد ساعدْتَني وأنا خُنتُكَ. أنا مُمتَنٌّ حقٍّا لأنني لا أومِن بالله، كان ذلك سيجعل ما
«. أنا مُقدِمٌ على فعله أكثر رُعبًا
«. دان » : كان دان سيقتُل نفسه في غضون يَومين. صديقي وقاتلي. قلتُ بصوتٍ أجش
لم أقوَ على فَهْم ما يدور بعقلي. إن دان يرعاني، ويُساعِدني، ويُدافع عنِّي، ويحمل هذا
الشعور المُريع بالعار معه طَوال هذا الوقت، وهو الآن يتأهَّب للمَوت ويُريد أن يُريح ضميرَه تمامًا.
وكان هذا حقيقيٍّا. «. لقد سامحتُك » : قلت
نهَض.
«؟ إلى أين أنت ذاهِب » : سألته
سأذهب للبحث عن جانين، الفتاة التيضغطتْ على الزناد. سأقابِلك في قاعة الرؤساء »
«. الساعة التاسعة صباحًا
دخلتُ عبر البوابة الرئيسة وأنا لم أعد عضوًا من أفراد طاقم العمل، مُجرَّد زائر بالكاد لدَيه
ما يكفي من نقاط الووفي للدخول، واستِخدام نافورات المياه والوقوف في الطابور. وإذا
كنتُ محظوظًا، فقد يعطيني أحد أفراد طاقم العمل الشوكولاتة بالموز، ولكنه على الأرجح
لن يفعل.
وقفتُ في الطابور المُصطفِّ لدُخول قاعة الرؤساء. تفقَّد الزوار الآخرون رصيدي من
الووفي ثم أشاحوا بنظرِهم بعيدًا. حتى الأطفال. قبل عام من الآن، كانوا يَتَجاذَبون معي
أطراف الحديث ويسألونني عن عملي هنا بالمملكة السحرية.
جلستُ في مقعدي بقاعة الرؤساء، أشاهِد الفيلم القصير مع باقي الناس، جالسًا في
صبرٍ وكان الآخرون يهتزُّون في مقاعِدهم جرَّاء تأثير عملية نقل البيانات عن طريق التخليق
السريع. أمسك أحد أفراد طاقم العمل بالميكروفون الجانبي للمسرح وشكر الحضور
لمَجيئهم، ثم فُتِحَت الأبواب وكانت قاعة الرؤساء خالية، إلَّا منِّي. نظرتْ إليَّ إحدى أفراد
طاقم العمل بإمعان، وحينما تعرَّفَت عليَّ، أدارت ظهرَها لي وذهبتْ لتُدخِل المجموعة التالية.
لم تدخُل أيُّ مجموعة، بدلًا من ذلك دخل دان والفتاة التي رأيتُها في إعادة عرْض
شريط مَقتلي.
«. لقد أغلقْناه لفترة الصباح » : قال
كنتُ أحُدِّق إلى الفتاة، مُسترجعًا ابتسامَتها وهي تضغط على الزناد الموَجَّه نحوي.
الآن أرى على وجهها الخوف والندَم. كانت مُرتعِبة منِّي.
«. أنا جوليوس » . نهضتُ وصافحتُها «. لا بُدَّ أنك جانين » : قلت
كانت يدها بارِدة، وسَحبَتْها ثم مَسحتْها على سِروالِها.
اجلسي أرجوكِ. لا تقلقي، سيكون » : سيطرت عليَّ فِطرة أفراد طاقم العمل وقلتُ لها
كنتُ على وشْك أن أعرِضعليها كوبًا من الماء ولكني «. كلشيء على ما يُرام. لاضغينة حقٍّا
توقَّفت.
فقد انطلق صوتٌ داخلي مُتعجرِف في رأسي يقول: هوِّن عليها الأمر، وبهذا ستشهَدُ
بشكلٍ أفضل، أو اجعلْها مُتوتِّرة ومُثيرة للشفَقة وستنجَحُ هذه الطريقة أيضًا؛ إذ ستجعل
دِبرا تبدو أسوأ.
أخبرتُ هذا الصوت الداخلي أن يصمِت، وأحضرتُ لها كوبًا من الماء.
حينما عدتُ كانت العِصابة كلها قد حضرت بالفعل: دِبرا وليل وأتباعهما وتيم. فقد
صارت عصابة دِبرا وعصابة ليل فريقًا واحدًا الآن. سيتفرَّق عمَّا قريب.
قبل أحد » : اعتلى دان المسرح واستخدَم الميكروفون الجانبي للمسرح ليَسمَعَه الجميع
عشر شهرًا، أتيتُ بفعلةٍ شنْعاء. لقد تآمرتُ مع دِبرا لقتل جوليوس واستخدمتُ صديقةً
كانت مُشوَّشة قليلًا في ذلك الوقت لقتلِه. كانت فكرة دِبرا أن مَقتل جوليوس سيتسبَّب في
«. فَوضىكافية تُمكِّنها من الاستيلاء على قاعة الرؤساء، وقد كان
ضجَّتِ القاعة بالحديث. نظرتُ إلى دِبرا ووجدتُها جالسةً في هدوءٍ وكأنَّ دان قد
اتَّهمها لِتوِّه باختِلاس قطعةٍ إضافية من الحلوى. كان والدا ليل يَجلِسان على جانِبَي دِبرا
ويَبدُوان أقلَّ ارتياحًا منها. كان فكُّ توم مُطبَقًا ويبدو غاضبًا، وكانت ريتا تتحدَّث بغضبٍ
إلى دِبرا. كان هيكوري جاكسون بقاعة الرؤساء القديمة يقول: سأشنُق أوَّلَ رجلٍ أضعُ
يدي عليه على أول شجرةٍ سأتمكن من العثور عليها.
أعادت دِبرا تحميل نفسها من نُسخة » : مضى دان في حديثه وكأنَّ لا أحد يتحدَّث
احتياطية بعدما خططنا للأمر. كان من المُفترَض أن أفعل مثلها، ولكنَّني لم أفعل. لديَّ
نُسخة احتياطية في دليلي العام، ويُمكن لأيِّ شخصٍ أن يتفحَّصها. والآن أودُّ أن أدعو
«. جانين على المسرح، فهي ترغَب في أن تقول شيئًا
ساعدتُ جانين لتعتلي المسرح. كانت لا تزال ترتجِف، وكان أعضاء اللجنة يُثرثِرون
باتِّهامات مُضادَّة بلا أدنى مَشاعر، ولكنَّني كنتُ مُستمتِعًا بالأمر رغمًا عنِّي.
كان لها صوتٌ ووجه جَميلان. تساءلَتْ ما إذا كان «. مرحبًا » : قالت جانين بنعومة
يُمكننا أن نُصبِح أصدقاء بعد أن ينتهي كلُّ ذلك. كانت لا تهتمُّ كثيرًا بالووفي على الأرجَح،
بشكلٍ أو بآخَر.
أرجوكم! هل يُمكن أن نُظهِر » : استمرَّ النِّقاش، فأخذَ منها دان الميكروفون وقال
«؟ بعضالاحترام لضَيفتِنا؟ أرجوكم يا رفاق
خفتَت الجلَبة شيئًا فشيئًا، وأعاد دان الميكروفون إلى جانين، فقالت مرةً أخرى:
اسمي جانين. أنا من قتلتُ » . وجفَلْتُ منصوتِها الذي رنَّ في أرجاء قاعة الرؤساء «. مرحبًا »
جوليوس السنة الماضية. طلب دان منِّي ذلك فنفَّذتُه. لم أسأله عن السبب، لقد وثقتُ به.
أخبَرَني أن جوليوس سيصنَعُ نُسخةً احتياطية قبل دقائق من إطلاقي النار عليه، وأنه
كان بها قدْر من عدَم «. يُمكنه أن يُخرجَني من المُتنزَّه دون أن يُقبَضعليَّ، أنا حقٍّا آسِفة
التوازُن؛ شكل من أشكال التشوُّش في وقفتِها وكلماتها يَجعلك تُدرِك أنها لم تكن حاضرة
الذِّهن بالكامل. النشأة في الجبال قد تفعل ذلك بك. ألقيتُ نظرة خاطفة على ليل فوجدتُ
شفتَيها مزمومَتَين. النشأة في مُتنزَّهٍ كبير قد تفعل ذلك بك أيضًا.
شكرًا يا جانين. يُمكنك أن تجلِسيالآن. لقد قلتُ » : قال دان مُستعيدًا منها الميكروفون
كلَّ ما أريد قوله، لقد تناقشتُ أنا وجوليوس في الأمر على انفراد. إذا كان هناك أيُّ شخصٍ
«… آخَر يرغَب في الحديث
لم تكد الكلمات تخرُج من فمه حتى انفجَرَ الحضور في الحديث مرةً أخرى وهم
يُلوِّحون بأيديهم. كانت جانين تجلِس جافِلةً إلى جانبي، أمسكتُ بيدِها وصحتُ في أذُُنها
«؟ هل سبق لك تجربة لعبة قراصنة الكاريبي من قبل » : قائلًا
هزَّتْ رأسها نافِية.
وقُدْتُها إلى خارج القاعة. «. ستُحبِّينها » : نهضتُ وجذبتُها لتنهَضهي الأخرى قائلًا