HossamElAgamy

شارك على مواقع التواصل

البداية
رأس غارب 

رفعت : رأيت ذات يوم إعلانا لشغل وظيفة لدى شركة بترول أجنبية على ساحل البحر الأحمر فتقدمت لها و تم قبولي بسبب إجادتي للفرنسية والإنجليزية .

ومرت الأيام و نجحت في وظيفتي بها إلى حد كبير خاصة واني كنت أشعر بالراحة لأن مكان العمل كان في رأس غارب على مسافة تبعد من مائتي كيلو متر عن القاهرة، التي وفرت لي فرصة الابتعاد عن مشاكلي العديدة.

 

صمت رفعت مرة أخري  .

محسن : هل تحب أن نتوقف

نظر رفعت إليه بإبتسامة حزينة : كلا اريد أن أكمل ، تسبب نجاحي الكبير في أن يتم ترقيتي الي وظيفة اعلي وجب معها الإنتقال إلي الفرع الرئيسي بالقاهرة

محسن : شئ جميل

نظر رفعت له بحزن : لكني رفضت الترقية

محسن : و لماذا ؟

 

رفعت : لم يكن سهلا علي أن أعود الي القاهرة و لا أري اختي التي كان يرفض أخيها زيارتي لها أو أن أعود الي العيش مع اخي لبيب مرة أخري خاصة و أنه قد تزوج هو أيضا

محسن : و لكنك برفضك لهذه الوظيفة مؤكد قد عدت للقاهرة

الإسكندرية

 

رفعت : كلا فأثناء عملي بشركتي كنت قد تعرفت علي رجل أعمال سكندري و ربطتني به علاقة وثيقة .

فسافرت إليه بالإسكندرية  وطلبت منه العمل لديه ووافق الرجل لعلمه بمهارتي بالعمل ومن ثم انتقلت  إلى الإسكندرية وارتبطت  بهذا الرجل ارتباطاً وثيقاً و عرفني علي عائلته وشعرت في منزله بدفء الأسرة الذي كنت افتقده، وهناك خفق قلبي بحب “هدى” إبنته الوحيدة و لم يعترض أباها على نمو هذه العلاقة، فقد كان يعتبرني بمثابة إبنه الذي لم يلده

محسن : جيد جدا

 

رفعت مبتسما بحزن : وما هو الجيد ، أنا صاحب توكيل سيئ للغاية ...انتظر واستمع ، فلقد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن ففي أثناء قيامي بمهمة الجرد لفرع الشركة في القاهرة والذي كان يديره رجلا غير أمين فقد قام بترتيب عملية إحتيال خبيثة ضدي انتهت باتهامي بالاختلاس والسرقة بعد أن كدت أن أثبت عليه تهمة استيلائه علي أموال الشركة.

 

وعلى الرغم من أن رجل الأعمال السكندري كان يدرك أنى قد سقطت في فخا محكما، إلا أنه اضطر لفصلي، تجنباً لإجراء أية تحقيقات رسمية.

محسن : عجيب أمره علي الرغم من علمه ببراءتك تخلي عنك وهو صاحب المال

رفعت : لم يكن يستطيع أن يدافع عني أمام الموظفين وكان لابد من فصلي

 

محسن : معني هذا أنه لم يكن يصدقك

رفعت : كلا كان يصدقني حتي إنه توسط لي بالعمل   كمساعد ضابط حسابات، على متن سفينة حورس ثم إنه ..

هب محسن واقفا مقاطعا  : يكفي ، هيا هلم معي يا رفعت

رفعت جالسا وقد بداعلي وجهه الاضطراب: إلي أين؟

محسن ممسكا بذراع رفعت موقفا إياه : هتكمل في الطريق لبيتك

 

سحب رفعت ذراعه ويتردد : ب..بيتي ..!!!مش فاهم

محسن مبتسما : قف...لا تقلق

رفعت : أسنرحل هكذا !!؟؟ بلا نيابة  أو أمر بالإفراج عني

محسن علي ابتسامته : هلم تعال

إنطلق حسن و من خلفه رفعت الي سيارته الموجودة خارج القسم وكان الذهول باد علي رفعت أثناء سيره داخل طرقات القسم .

 

وطوال الطريق إلي السيارة كان رفعت يتلفت من حوله ينظر إلي الضباط و العساكر الذين لم يكلفوا أنفسهم حتي بالنظر إليه  كأنهم لم يكونوا يرونه

ركب رفعت بجوار محسن وهو لا يعرف إلي أين سيذهب به  أو ماذا سيفعل معه لكن الأغرب أنه لم يرد أن يسأله حتي وما إن أشعل محسن محرك السيارة حتي التفت إليه

محسن : ماذا بك  يا رفعت ؟ هيا أكمل

 

ليفربول 

رفعت : ركبت السفينة حورس التي توقفت أثناء رحله لها فى ميناء ليفربول وشاءت الصدف أن ألتقي  داخل إحدى الحانات بــ فتاة إنجليزية ثرية و إسمها “جودي موريس” كانت تشبه حبيبتي بيتي كثيرا وقضينا سويا أياما جميلة و تعلقت بي واحبتني حتي أنها تمسكت بس و طالبتني بالبقاء معها لبعض الوقت لكني لم أكن مستعدا لخسارة وظيفتي أو البقاء في انجلترا بطريقة غير مشروعة.

 

حسن : وتركتها و سافرت ؟

رفعت : كلا ، ألحت و اوضحت لي أن كثيرا من البحارة يقومون بعمل عمليه استئصال الزائدة الدودية وبذلك يتخلفون عن اللحاق بسفنهم وينتظرون إلى أن تعود مرة أخرى كما أن والدها سيساعدني في الحصول على تصريح إقامة ومن ثم أدعيت الألم وأجريت عملية الاستئصال هذه والتي لم أكن اشكو حقيقة منها بأي ألم!

وعقب تماثلي للشفاء التحقت بالعمل لدى والد جودي في الميناء بعد أن رتب لي  تصريحا بالعمل.

حسن : تمام وبعد ذلك

رفعت : سارت الأمور طبيعية بعض الوقت ثم بدأت الأمور تتطور في غير صالحي  فقد أعلنت جودي صراحة رغبتها في الزواج مني، و كرجل شرقي فقد كنت أعلم أنها لا تصلح لي كزوجه لذا إنتهزت أول فرصة عادت فيها  “حورس” إلى ليفربول لأودعها عائدا إلى حياة البحر.

 

فرنسا

عدت إلى مصر في مارس 1950 لأجد نفسي بلا أسرة أو عائلة واخذت ابحث عن فرصة سفر جديدة حتي سنحت لي على متن سفينة فرنسية وبعد أربعة أيام من الإبحار وصلت إلى مرسيليا ومنها انتقلت إلى العاصمة باريس حيث كنت قررت أن أستقر بها إلا أنني  واجهت خطر الترحيل لأني لم اكن امتلك تأشيرة إقامة مما عرضني للكثير من مطاردات  الشرطة إلا أنني إستطعت أن اهرب منها  وهنا لم أجد حلا امامي إلا أن أركب القطار متوجها إلي لندن مرة أخري

 

حسن : وكيف عبرت الي لندن

رفعت : زعمت أن السبب لاستشارة الطبيب الذي أجرى لي  جراحه استئصال الزائدة الدودية و بموجب ذلك حصلت على تأشيرة دخول لمدة أسبوعين وعدت إلى ليفربول لرؤية جودي التي بكت من الفرحة حين رأتني وهي متصورة أني عدت من أجلها .

 

محسن : وطبعا عدت للعمل مع والدها

رفعت : كلا لم أتقبل ذلك و لجأت الي قس مسيحي كنت علي علاقة جيدة معه منذ رحلتي الأولي الي لندن فساعدني في الحصول على وظيفة جيدة في وكالة سفريات تدعى “سلتيك تورز”.

محسن مندهشا : ولماذا ساعدك هذا القس هكذا ؟

رفعت : كنت قد تعرفت عليه في بيت جودي و أثناء ذلك كان هذا القس يدرس علما يسمي مقارنة الأديان فساعدته في ترجمة بعض الكتب الإسلامية و في توضيح بعض المفاهيم الدينية

 

نظر محسن إليه متفاجئا

رفعت مبتسما : لا تندهش سيد محسن ، أنا أعلم جيدا عن ديني يا سيد حسن لا يغرنك ما أقصه عليك

محسن مبتسما : هلم انزل

 

وسط البلد

كان محسن قد توقف بالسيارة  تحت عماره شهيرة  بوسط البلد بالقرب من شارع شريف ثم صعدا الي إحدي الشقق بها.

محسن : اريدك الآن أن تستحم فرائحتك صارت رائحه الفسيخ بالنسبة لها كالعطر ...أما أنا فسأذهب الآن وسأتركك لتستريح وغدا لنا جوله اخري

 

رفعت : ألن نكمل قصتي

أشار محسن إلي رزمه من الأوراق وعدة أقلام موضوعه فوق منضده  : عليك بكتابه قصه حياتك كلها منذ ولادتك حتي الآن  (هب محسن واقفا ) هذه اللفافة بها طعام سيكفيك وستجد بالمطبخ شاي وقهوه وسكر وملابس للنوم بالداخل وهاك علبتي سجائر  ...الوداع يا رفعت

وعند الباب وقبل خروجه.

رفعت : ألا تخاف أن أهرب

التفت إليه محسن مبتسما وبثقه : كلا

رفعت : ولماذا ؟

محسن : اثق بك

فوجئ رفعت بالإجابة ولأول مره خالجه احساس بالامتنان من هذا الرجل الوقور فإبتسم له مودعا واغلق الباب خلفه ثم أخذ ينظر في الشقة ويستطلع غرفها .

 

فهو لأول مرة في حياته ، يصبح له شقه خاصة به حقا لا يملكها لكن شعر بأن له مطلق الحرية فيما سيفعله فيها.

وتمكن منه إحساسا بالأمان والراحة لأول مره في حياته ...ثم قطع استرسال أفكاره بأن مد أنفه مستنشقا رائحته التي لا تطاق

رفعت : يا الله ...غرفه مجاري فعلا ...بارك الله فيك سيد حسن لو كنت مكانك لأطلقت علي الرصاص أو لأحرقتني حيا.

 

حدائق القبة

وبعد نصف ساعه وصل محسن إلي فيلا نائيه بضواحي حدائق القبه يجلس علي بابها خفير وما إن دخل الي مكتبه حتي هب زميله بالغرفة واقفا

الزميل : اخيرا ...خمس ساعات …

 

لخمس دقائق كامله ، جلس محسن صامتا مسترجعا ما مر به مع هذا الشاب وزميله ينظر إليه بتوتر وقلق

الزميل : محسن ..أين ذهبت ؟

التفت محسن إليه : كان لدي كل الحق فالفتي حقا طاقه كبيره  .. إمكانياته تفوق سنه ...مؤهلاته اللغوية وردة أفعاله عالية يا بلبل ...لقد صدقت كل تحرياتك عنه ورأيك فيه أستأذنك سأصلي ونكمل إجتماعنا

 

البداية 

جلس بلبل وحيدا واسمه بالكامل حسن بلبل وهو أحد الضباط المتميزين بالجهاز السري الذي ساهم في تأسيسه كنواه للمخابرات المصريه و أخذ يقرأ التقرير الأول الذي كان محسن ممتاز قد كتبه عن أول تعارف له بهذا الشاب و أخذ يقرأ

إنه في يوم ...إتصل بي أحد أصدقائي من ضباط الشرطة في قسم الحضرة بالإسكندرية

 

الضابط : كيف حالك يا محسن ...معك احمد رشدي ( أصبح وزيرا للداخلية فيما بعد )

محسن : الحمدلله،  كيف حالك يا احمد ؟ ما هذه المفاجأة الجميلة لعله خير

احمد :  لدي هنا في حجز القسم شاب وضعه غريب ( ولخص له موقف الشاب )

 

محسن: ولماذا تتصل بي وتحكي لي عنه ؟

أحمد : هذا الشاب يا محسن خطر جدا ...فإما أنه جاسوس عال المستوي أو شاب  ذو امكانيات كبيره  وفي الحالتين أحسست أن من الواجب علي إبلاغك فإما احتطنا منه أو استفدنا منه

محسن : شكرا يا احمد ...غدا سأكون عندك

 

في اليوم التالي وصلت إلي الأسكندرية وبعد معرفه كافه التفاصيل الخاصة بهذا الشاب وحالة اللافهم المحاط بها و كثرة الشخصيات التي تحوم حوله إلتفت الي أحمد 

محسن : أدخل عليه بعض مخبرينك ليراقبوه جيدا ويرون ما يفعل ثم أحضره الي هنا واعد فتح التحقيق معه مره اخري

احمد : ثم ؟

 

محسن : استخدم معه كل ما تريد ، هدوء ، سب ، ضحك ، كل ما تستطيع حتي الضرب إن أمكن

وبالفعل تم إحضار رفعت ولأكثر من ساعه الا ربع وهو يراوغ فتاره يدعي أنه مواطن إنجليزي و يطالب  بإحضار السفير الإنجليزي وآخري يتحول الي مواطن سويسري بلغه فرنسيه يطالب بالقنصل السويسري.

 و حين أراد العسكري الذي يحرسه أن يضربه بإشارة من رشدي تفاداه بحركة رشيقة وسريعة وكان رد فعله الابتسام كأنه كان يلعب معه

 

ومن خلف باب غرفه تطل علي مكتب رشدي ، وقف فائق يراقب ويدون ملاحظاته عنه وبعد إنصرافه خرجت الي رشدي

محسن : يومين ..تلاته بالكتير وأرسله الي قسم مصر الجديدة

احمد : ثم ؟

وقف محسن : لا شئ،سنرى عندها ونعرف في أي جانب هو.

 

إلي القاهرة 

طوال الطريق إلي القاهره ظللت أفكر في هذا الشاب ..من هو ؟ ماهي جنسيته ؟ ديانته؟

ولم أستطع أن أصبر لليوم التالي فتوجهت مباشرة الي مكتبي وانا أعلم أن رئيسي حسن بلبل قد استلم ورديته والذي ما إن رأني ادخل عليه حتي فوجئ بي.

 

وهنا اغلق بلبل التقرير وأخذ يتذكر حديثهما في هذه الليلة

بلبل : ألم تكن بالإسكندرية ؟ لما لم تذهب الي بيتك لتستريح ؟

محسن بعينين تلمعان  : كنز ...كنز يا بلبل ..

ثم روي له كل ما علمه عن الشاب

بلبل : أراك متحمسا له بشده ...احذر فقد يكون يهوديا أو إنجليزيا

محسن بنوعا من قلق : لكم اتمني أن يكون مصريا ..فنحن نحتاجه مصريا

 

بلبل بهدوء : أعلم أن فكره زرع مصري  بين اليهود في مصر تتملكك لكن اياك والتسرع

محسن بحماس : يهود مصر !!!! لا لا  فلتنسي هذا الأمر

بلبل : لا افهم

محسن : مع شاب كهذا يجب أن يعلو سقف طموحاتنا...

بلبل : فائق ...أفصح كفاك ألغازا

محسن : اريد أن أزرع هذا الفني في إسرائيل ...في قلب العدو ذاته

 

بلبل : لا تتسرع يا فائق

محسن :  لا تقلق سندرس الأمر بعنايه

بلبل : أبلغني حين يصل إلي القاهره واطلعني بكل ما يجري معه ومنه أولا بأول

وتمر الايام ويصل رفعت إلي مصر الجديدة ويظل بالحجز لأربع ايام جديدة تحت أعين رجال فائق يراقبونه و يعدون عليه أنفاسه

محسن : هنعمل ايه مع الولد

 

بلبل : عليك أن تذهب إليه و تعاينه وبعدها سنقرر فإما تركناه ليلقي مصيره أو سلمتك إياه

وحدث ما حدث وهاهو محسن قد عاد من صلاته واقفت أمام رئيسه  يروي له ماحدث مع رفعت

بلبل : ألم تقلق أن يهرب ؟

محسن : كلا ...لن يفعلها

 

بلبل : من أين لك هذا اليقين؟

محسن : احساس لا اكثر ...فكما نبحث عنه ...هو أيضا يبحث عن نفسه

بلبل : لا افهم

محسن : هذا الفتي فعل كل ما تتخيله وعاش حياة قلما يعيشها خمسة رجال و إكتسب خبرات كثيرة في عمر قصير والآن فهو بين مفترق طرق أولهما يعرفه وهو السجن الذي  قرر أن يستسلم اليه دون أدني  حزن أو رغبة منه في الحرية وهو ما رتب نفسه عليه 

بلبل : و الثاني ؟

محسن : الثاني هو نفسه لا يعرفه والآن هو ينتظر ما سأعرضه عليه لعله يكون طوق نجاته الذي يتمناه ( صمت لثوان ) هذا الفتي يعشق التحدي و التجارب الجديدة و بالذات الخطيرة منها لذا فعلينا أن نضعه في تجربه جديده تستفز ملكاته وامكانياته وعندها سيصبح كمن ولد من جديد

بلبل:و انت خير من يقوم بهذا الدور معه يا فائق توكل علي الله

 

شقة وسط البلد

في اليوم التالي ، فتح رفعت باب شقته فإذا به أمام محسن الممسك بلفافه كبيره نوعا ما ملقيا عليه السلام و مزيحا إياه من أمام الباب داخلا الي الشقة

أطال رفعت النظر إليه ثم تقدم مقتربا منه ليجلس بجواره عند المنضدة الموضوعة في منتصف صاله الشقة .

 

محسن : هل تناولت افطارك ( وبدأ يفض الفافه التي احتوت علي افطار ساخن ) ...هيا مد يدك لنأكل معا فأنا لم افطر بعد

رفعت بتردد  : شكرا يا سيد محسن …

محسن : هيا يا رجل ...فأنا لن آكل  لحالي

 

بعد الافطار

محسن : هل انهيت كتابه قصه حياتك كما طلبت منك بالأمس

رفعت متلجلجا : كلا للأسف ...فقد نمت ...كنت مجهدا

لم يرد محسن إلا بعد أن ابتلع طعامه : بعد ذلك عليك أن تؤدي المطلوب منك فور طلبه منك دون تأخير ( بصرامة ) والآن أكمل قصتك كنت قد توقفت عند عملك مع سلتيك تورز

 

وقف رفعت معترضا : لم تكلمني هكذا انا لا اعمل لديك

كان محسن يعرف أن هذا الشاب عاشقا للتمرد وأن عليه أن يحسب خطواته معه جيدا فعليه أن يروضه كأي حصان جامح  و يزرع فيه الطاعة و الإلتزام بالأوامر .

 

كان في نفس الوقت لا يريد أن يفقده حماسه أو يقلل من طاقته بل كان يريد أن يستفيد من طاقة تمرده ويحولها الي قوة دفع داخلية تجعله يكبح تمرده بنفسه و يكتسب الحكمة التي ستمنحه الكثير من الأمان في حال موافقته علي بدء العمل معه .

محسن : رفعت ...انت لا تعمل عندي ...لكن تعمل معي ...كزميل ..أرأسه في العمل

 

ما بين الحرج و الفرح بما يسمعه وقف رفعت لا يدري ماذا يفعل

رفعت : ماذا تقول ؟ أنا ...أنا زميلا لك ..أنا نصاب

محسن : من الذي قال ( أشار له بألا يتكلم ) أنت لست متهما بشئ ولم يثبت عليك شئ كما إن الله قد أرسل لك هذه الفرصة فعليك الإستفادة منها

رفعت جالسا : ولن أضيعها

 

إبتسم محسن وقد أدرك أن قد وصل لبداية الطريق مع رفعت

محسن : إذن منذ الآن كل ما يطلب منك بعد ذلك ينفذ علي الفور ( أومأ له رفعت برأسه  كالتلميذ ) و الآن هيا اكمل قصتك

 

ذكريات

رفعت : أظهرت كفاءة كبيرة في عملي الجديد ونجحت في الحصول على موافقة السفارة المصرية بلندن بأن تتولى “سلتيك تورز” تنظيم سفر الدبلوماسيين المصريين والحاصلين على منح دراسية من وإلى انجلترا وكسبت الوكالة عقد مربح بلغت عمولتي عنه 2000 جنيه إسترليني وهو مبلغ رهيب بالنسبة لهذا الزمن.

وقبل أن تمر خمسة شهور على هذه الصفقة زادت أرباح وكالة السفريات وزادت مدخراتي إلى 5000 جنيه إسترليني وضعتها في بنك أمريكان اكسبريس مقابل شيكات سياحية بنفس القيمة.

 

نيويورك

محسن : ولأول مرة تزدهر حياتك وتعرف النجاح 

رفعت : فعلا ، وفي نشوة النجاح ، خطرت لي فكرة  بتكرار التجربة لكن هذه المرة مع السفارة المصرية في نيويورك وأقتنع رئيسي بالفكرة وسافرت بالفعل على الفور.

 

وهناك ، تلقَّيت عرضا للعمل من صاحب شركة سياحة أمريكية، بدا لي مناسباً للغاية، فقبلته على الفور، ودون تفكير، وقرَّرت الإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية لبعض الوقت، دون تأشيرة عمل رسمية، أو بطاقة ضمان اجتماعي خضراء.

محسن : ولماذا ؟

 

رفعت : الحياة و الأموال و الصفقات كل ذلك لم يجعلني افكر في كل هذه الأوراق و كنت كلما سالت صاحب الشركة يخبرني بأنه جاري العمل علي استخراجها

محسن : ثم

رفعت : لا شئ ، كان الرجل قد طمع في المكاسب التي حققتها شركته و لم يرد أن يدفع لي عمولتي التي باتت تقدر بآلاف كثيرة من الدولارات

محسن : نصب عليك 

 

رفعت مبتسما : بل وأبلغ عني إدارة الهجرة الأمريكية التي بدأت بمطاردتي وتم وضع اسمي فى القائمة السوداء في أمريكا فسارعت بالهرب إلى كندا ومنها إلى فرانكفورت بألمانيا، التي حصلت على تأشيرة ترانزيت بها، باعتبارها مجرَّد محطة، للوصول إلى النمسا لكن ( بخجل ) لعن الله الشقاوة والعبث فذات ليلة سوداء فقدت نقودي وجواز سفري.

 

محسن بجدية : أتحب الجنس الناعم ؟

رفعت مبتسما : أعشق الجمال الذي فيهن ، فلا يمكن أن أري إحدى الجميلات امامي إلا وتعرفت عليها

محسن : حسنا أكمل ( ثم أخذ يقيد بعض الملاحظات)

رفعت بقلق : ماذا تكتب أيها السيد ؟

محسن بجدية : أكمل ما تقول

 

رفعت : في تلك الفترة كان الكثيرون من النازيين السابقين، يسعون للفرار من ألمانيا وفي سبيل ذلك كانوا يشترون جوازات سفر أجنبية .

 ذهبت إلي السفارة المصرية كي أستخرج جوازا جديدا   فإتهمني القنصل المصري بأني قد بعت جواز سفري، ورفض أن يمنحني وثيقة سفر بدلاً منه

محسن مندهشا  : وخرجت هكذا من السفارة  بلا مال أو إثبات شخصي

 

رفعت : لم يطل الأمر فعلي باب السفارة كانت الشرطة الألمانية تنتظرني و تلقي القبض علي وتم سجني لبعض الوقت قبل أن ترحلني قسراً، على متن أوَّل طائرة، عائداً إلى البلد الذي جاهدت للابتعاد عنه ...إلي مصر

محسن : يا لها من جولة كبيرة تلك التي قطعتها

رفعت : نعم جولة كانت نتيجتها أن عدت إلى مصر كما خرجت منها عاطلا ، مفلسا ، بلا جواز سفر ، عدت إليها مشردا بلا مأوى وما زاد الطين بلة أن  تقريرا من السفارة المصرية  في فرانكفورت كان قد سبقني إلي مصر كتب فيه ما حدث معي بألمانيا  وشكوكهم ببيعي لجواز سفري.

 

محسن : وماذا فعلت ؟

رفعت مبتسما : احتجزتني الشرطة بعضا من الوقت ثم قاموا  بإخلاء سبيلي وبعد عدة أيام أثناء جلوسي علي أحد المقاهي لمحت إعلانا عن فرصة عمل في شركة قناة السويس

محسن : لكن أمرا كهذا ستحتاج فيه الي وثائق و اوراق هوية

رفعت : سيد محسن أنا لا أعرف الإستسلام داخل الحجز تعرفت علي جميع انواع المجرمين من بينهم مزورين فنانين حقا لذا  لم يكن أمامي سوي أن أقتحم العالم السفلي وأستعين بهم

 

محسن معجبا  : رائع

رفعت : حصلت علي  جواز سفر باسم (علي مصطفى) وهو مواطن بورسعيدي وتم وضع  صورتي عليه بدلاً من صورة صاحبه الأصلي.. وبهذا الاسم الجديد تسلمت وظيفتي الحديدة .

محسن : واستقر الحال أخيرا

 

رفعت متهكما : هذا ما ظننته فقد قامت ثورة يوليو بعد عام واحد من إلغاء معاهده ٣٦ و زاد قلق البريطانيون الذين كانوا يديرون القناة خاصه مع زيادة عمليات الفدائيين بمنطقه قناه السويس، فأدركوا أن المصريين يتعاطفون مع النظام الجديد وهنا كانت الطامة التي غيرت حياتي من جديد.

 

محسن : ماذا حدث ؟

رفعت : أصدروا أمرا بمراجعة أوراق و وثائق الهويات لجميع المصريين العاملين بالقناة و هنا استشعرت الخطر من أن يكتشفوا تزويري لذا قررت ترك العمل والهرب من جديد

ثم صمت مولعا سيجارة

محسن مبتسما : وبالطبع ذهبت الي صديقك المزة من جديد .

 

رفعت ضاحكا  : يبدو أن سيادتك كنت معي ( مبتسما ) بالفعل حصلت منه مرة أخري على جواز سفر جديد لصحفي سويسري، يُدعى (تشارلز دينون) و قضيت بهذه الشخصية بعض الوقت، في أحد الفنادق الكبرى، ، دون أن ينكشف أمري .

 

محسن : ماذا كنت تعمل ؟ و من أين كنت تتحصل علي المال كي تعيش او تدفع أجرة فندقك  ؟

رفعت مبتسما : مهلا و ستعرف.. لم يكن أمامي سوي أن استخدم الشيكات السياحية التي معي والبالغ قيمتها اثنا عشر ألف دولار أمريكي، فبدأت في أخذ  قروضا مالية من البعض بضمان هذه الشيكات وأكتب لهم بها أرقاما أعلي مما اقترضته منهم. 

 

محسن ضاحكا : وهكذا صرت نصابا ...يا للروعة

رفعت مبتسما : روعه ...أواثق سيادتك انك من البوليس السياسي

محسن بحدة : اكمل ..أكمل

 

رفعت مبتسما : مع بداية عام 1953م ، بدأت التوترات داخل مصر وكان من نتيجتها أن بدأت  الحكومة المصرية في مراجعة أوراق الأجانب المقيمين في مصر وللمرة الثالثة قررت أن أغيِّر هويتي مرة أخرى، فحصلت على جواز سفر جديد وكان هذه المرة رجلا بريطانيا إسمه ( دانيال كالدويل)

 

محسن : لكنك هكذا لم تحل مشكلة قرار مراجعة أوراق الأجانب من الحكومة

رفعت : فعلا فأنا لم أكن أنوي البقاء بمصر و قررت أن أتوجه إلي حدود ليبيا

محسن : ليبيا !!!

 

رفعت : فعلا و سار كل شيء على ما يرام حتى بلغت نقطة الحدود وقدَّمت للضابط البريطاني عندها جواز سفري البريطاني، وانا احدَّثه بلكنة بريطانية صريحة...ولكن للأسف فالأمور لم تكن تسير لصالحي هذه المرة.

محسن : لماذا ؟

 

 رفعت : في تلك الفترة كان الكثيرون من الجنود البريطانيين يفرون من وحداتهم في الإسكندرية ويحاولون عبور الحدود إلى ليبيا ، كما كان العشرات من اليهود يسعون لتهريب أموالهم عبر الحدود نفسها، مما جعل الضابط البريطاني يطالبني بإفراغ كل ما تحتويه جيوبي أمامه...و نفذت الأمر

 

التقط  البريطاني، الشيكات السياحية، وفحصها في اهتمام بالغ وإذا به يحدثني حديثا لا أنساه فقد كان أغبي حديث تحدثت به مع أحد

محسن ضاحكا : غلطة الشاطر ...ماذا قال لك؟

الضابط : ما اسمك ؟

رفعت : دانيال كالدويل سيدي

 

الضابط بحدة : ما الذي يعنيه وجود هذه الشيكات المحرَّرة بإسم السيد ( رفعت الجمَّال ) معك ؟

رفعت : أنها تخصني

الضابط : ومن الذي سيوقع علي هذه الشيكات ؟

رفعت : أنا  بالطبع

الضابط صارخا : إسمك دانيال و ستوقع شيكات بإسم رفعت ( إلتفت بغضب لجنوده ) اقبضوا علي هذا الرجل ، وأعيدوه إلى القاهرة

رفعت :  لماذا ؟

 

الضابط : انت لا تبدو لي مصرياً، أو حتى بريطانياً، وأنا اشك في انك علي الأرجح (دافيد أرنسون) الضابط اليهودي المطلوب للعدالة أو واحدا من كتيبته الهاربة

صمت رفعت

محسن : ثم ؟

رفعت : ثم هانحن معا ....ترحيلات و حجز حتي التقيت بك

البداية

محسن : إذا فقد حان دوري ،هل تعلم من هو دافيد أرنسون ؟

رفعت : كان ضابط يهودي لكن ماهي درجه خطورته ؟ انا لا اعلم

محسن : فعلا هو يهوديا لكن خطورته تكمن في أنه عمل كمستشارً للقائد التركي جمال باشا في دمشق يوماً ما، وكان ضمن شبكة تجسُّس يهودية، انتشر أفرادها في الإمبراطورية العثمانية.

 

ران الصمت علي الصالة لدقائق

رفعت : ما المطلوب مني يا سيد محسن

اعتدل محسن بجلسته : ماذا تعرف عن اليهود ؟

 رفعت : الكثير.. ..منذ طفولتي كان لي جيران يهود وأصدقاء كثيرين بالمدرسة  كما قابلت الكثير منهم في إستوديوهات السينما واعرف الكثير عن سلوكهم وعاداتهم وفي سفرياتي أيضا تعاملت معهم

 

محسن : وما رأيك فيهم ؟

أخذ رفعت يفكر لثوان :  هم شعبا منبوذ من غالبية شعوب العالم فهم لا يحبون أحدا ولا يحبهم أحد و ما إن ظهرت الصهيونية حتي التحقوا بها جميعا إلا القليلين منهم.

محسن : وما الذي يميز هؤلاء القليلين

رفعت : انهم يهود حقا لا يؤمنون بالصهيونية

 

محسن : يبدو أنك مثقف و مطلع علي الكثير ( يبتسم رفعت بلا رد) 

ولعدة دقائق ، أخذ محسن يطالع و يقرأ ما كتبه وإذا برفعت مرة واحدة يهب فجأة واقفا هاتفا

رفعت : أنتم تريدونني في عمل له علاقه باليهود في مصر

محسن محاولا اخفاء إعجابه بحسن تفكيره : إجلس يا رفعت ( وما أن جلس ) إستمع إلي جيدا ، منذ قيام الثورة وهناك رؤوس أموال ضخمة يجري تهريبها من مصر وكثيرين من الأجانب وخاصة اليهود هم الذين يتحايلون لتهريبها، علي الرغم أنهم يمكنهم تحويلها بشكل قانوني  مقابل مبالغ بسيطة فقط إلا أن رغبتهم في إضعاف اقتصاد مصر جعلهم ينظمون فرقاً متخصصة في عمليات التهريب هذه واليهود هم الأكثر نشاطاً في هذا المجال

 

رفعت : وانتم تريدونني أن اكشفهم

لم يستطع محسن منع ابتسامه إعجابه به هذه المرة : فعلا ، نحن نريد أن نزرع بينهم شخصاً ما، يكتسب ثقتهم ويطمئنون إليه وبذا يكتشف حيلهم في تهريب أموالهم إلى خارج البلاد، كما يكشف من وراء ذلك كله ومعرفة كيف تعمل قنوات النقل التي يستخدمونها وكل شيء آخر له أهمية.

 

رفعت : والثمن

محسن بشئ من انفعال: ثمن !! أنا احدثك عن حرب إقتصادية علي بلدك وانت تطلب الثمن

رفعت بهدوء : بالفعل ، فلكل شئ ثمن ، ماذا سأستفيد ؟ سأعرض حياتي للخطر في حال إكتشافهم لي

محسن بنوع من غضب زافرا : سيتم محو كل ماضيك الإجرامي ...كله ...بجوازاتك المزورة وقضاياك المتنوعة

رفعت : ستمحون كل شيء ...كل شئ؟؟

محسن بضيق : نعم كل شئ وفي النهاية سوف تنال مكافأة مالية ..كم يكفيك ؟

رفعت مقتربا منه : سيد محسن ، عندما سألتك علي الثمن كنت أريد أن أعرف قيمتي عندكم ومدي اهميه هذه القضية  ...وكونكم ستمحون الماضي الخاص بي فهذا يكفينني لأعرف أنها قضيه خطيره حقا للغاية وما كنت لأطلب شئ لنفسي أما الأموال فمصر وأمنها عندي بأموال الدنيا ...سيد محسن قد أبدو لك نصابا أو لصا إلا أنني عاشقا لتراب بلدي ( متنهدا ) وما تعرضه لي قد يكون هو أول عرض عمل شريف منذ سنوات أتلقاه فما بالك و كان في صالح بلدي.

 

هدأ محسن ومد يده مربتا علي كتف رفعت علي الرغم من إحساسه أن الشاب تلاعب به  : احسنت يا رفعت ومن الغد سنبدأ التدريبات

رفعت مستفهما : تدريبات عن أي شيء ؟

محسن : كل شيء

 

التأهيل

بدأت فترة التدريبات المكثفة له بداية من تعليمه أهداف الثورة الي فروع علم الاقتصاد وأساليب إخفاء الحقائق بالنسبة لمستحقات الضرائب ووسائل تهريب الأموال

كما تلقي دروساً مكثفة في اللغة العبرية و تعلم تاريخ اليهود في مصر وأصول ديانتهم وعاداتهم و حفظ عن ظهر قلب الشعائر اليهودية وعطلاتهم الدينية و كيف يميز بين اليهود الأشكيناز السفارديم.

 

ثم انتقل الي تدريبات الشرطة السرية كالعمل متخفياً ، أساليب المراقبة سواء كان يراقب أو مراقب في حالة أن كان هو الهدف ثم بدأ في تدريبات كشف اقتحام المنزل فتعلم أن يضع علامات غير مرئية تكشف له نظافة منزله من اي إقتحام. 

وخلال كل هذه الفترة التي استمرت شهورا، تقمص الشاب شخصيته الجديدة كيهودي مع محسن حتي أنه بدأ يتعامل بها مع الناس حول بيته الجديد بعدما تم نقله إلي شقه اخري بمنطقه الفجالة القريبة من حي الظاهر.

 

الميلاد

وأثناء كل ذلك كان أمام محسن طريقين عليه أن يسير فيهما في نفس الوقت.

 أولهما ..إخفاء كل أثر لرفعت الجمال ، شهادات ميلاد ، بطاقات ، اي تاريخ قضائي ، أي تاريخ عملي في جميع الشركات التي عمل بها ، حتي أفلامه التي صور فيها مشهدا أو لقطه ...

 

ثانيهما كان البحث لرفعت عن عائله عن تاريخ واسم ومكان لذا فلقد أطلق رجاله للبحث في جميع السجلات المدنية المصرية بكل محافظات مصر في البحث في اوراق وسجلات اليهود الذين رحلوا عن مصر أو المقيمين بها، لعلهم يجدون ما يبحث عنه و الذي أسفر اخيرا و بعد طول بحث وعناء بما تمناه و أكثر ليبدأ رفعت مهمته ...لكن هذه المرة لن يكون وحيدا .
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.