Fatmaelshreef88

شارك على مواقع التواصل

مقعد آخر يحتمل الجلوس
لمحته من بعيد أول الأمر، لا أصدق أن حارسًا جديدًا قد أتى، بعدما آيست من قبول أحدهم العمل هنا اقتربت ببطء، كان يتفحص المكان بحذر، يمسك بمعطفه، اقتربت أكثر، صرت أستمع أنفاسه تختلط بصوت الريح القادمة، أتفحص ملابسه الأنيقة وحذاءه النظيف، ينظر تجاه الباب الخلفي، أتيت من على شماله حسبته شاردا، فقد انتفض عندما قلت له: هل أفزعتك؟!
التقيت بعينيه اللامعتين في الظلام يبتسم ويحمد الله أنه وجدني في هذا المكان الفارغ هززت رأسي، كنت أشم رائحة الخوف قريبة جدًا، ولكنه نفى كونه خائفًا، جلسنا في تلك اللحظة سألته إن كان الحارس الجديد؟ أخبرني أن هذا اليوم يومه الأول، وأن اسمه "مروان" رحب بي هدأ وأطمئن، سألته هل يشعر بالخوف؟ بدا عليه عدم الاهتمام؛ فأعاد علي نفس السؤال؟ قلت له أخاف من فقدك، فأكون وحيدًا.
أخبرني أحدهم أن هذا المكان مسكون بالعفاريت
وهل تصدق أشياء كهذه يا رجل؟!
إنها ضرب من الخيال والجنون
يقال أن هناك أشباحا تسكن المكان هكذا يتحدثون، وقد أتى قبلك الكثير، لا أحد يستمر لذلك السبب، ولكنك لست خائفا.
منذ زمن وأنا في هذا المكان، عاصرت الحراس القدامى كانت تظهر أشياء غريبة بعض الشيء، مثل أن يظهر كلب ينظر للحارس نظرة توعد وريبة ثم أنه يتضخم ويتضخم، أو أن ينادي أحدهم باسم الحارس الموجود، يلتفت لا يجد شيئا من الممكن أن تجد أواني فارغة، قلت له ربما أواني لأصحاب المزرعة فاستغرب تواجدي رغم ما حكيت، أخبرته أيضا أنني لا أخاف أي شيء، وهذا مكاني وقد تعودت عليه، كل همي أجد من يؤنسني شخص لا يخاف حتى لا أبقي وحيدًا.
تبدو الدهشة على ملامح هذا الرجل وهو يقص لي الحكايات الغريبة هيئته قديمة تدل على أنه أتي من زمن بعيد قبعته وجاكته الأسود يجسد قوته كنت خائفا بعض الشيء، غير أن الخوف تبدد بعد مسامرته لي أخرجني من شرودي سؤاله، لماذا أتيت هنا؟
أفضل الصمت والعزلة لهذا جئت للعمل هنا بلا تردد فابتسم وأعاد على نفس السؤال
ولكنك لست خائفا؟
أريد معرفة أسباب تواجد الأشباح هنا
كان هناك طبيبا خاصا بالمزرعة يدعي "جاسم" شاب في مثل عمرك قتل في حادث كان يحب فتاه جميلة جدا، ابنة صاحب المزرعة يأتي ليلا للقائه، كان حبا عميقا، بينما يجلس جوارها بالقرب من هنا ترقص الأشياء الساكنة وتنبض الحياة بالبهجة وفي أحد الليالي قتل برصاصة من صاحب المزرعة بلا رحمة مزقوا ملابسه قيدوه وتركوه في العراء يصرخ ويستنجد، لم يكفهم رصاصة واحدة أصبحت الدماء في كل مكان وصوته يتردد بالاستغاثة تمزق قلبه بالرصاصة الأخيرة، وأخر ما نطق به أسمها، وجدو جثته في الصباح، لا أحد يعرف حكايته حتى الآن، ومنذ ذلك الوقت وهو يظهر في كل الأشياء، أحيانا ينادي حبيبته أحيانا أخرى يستغيث مثلما كان يستغيث، ولا أحد أغاثه، ثم يصرخ ويصرخ ويصرخ، فامتقع وجه مروان
هل أنت خائف؟
منذ متي والخوف السليط قابع ،بداخلي يسكن كل خلاياي العزلة جنتي، لا بد أن أتخلى عن كل هواجسي لا شيء يخيف على الإطلاق، قاطعني مرة أخرى
هل أحببت من قبل ؟
نظرت في عينه المتوهجة بالحيوية، أدركت أنني لا أعرف إذا كنت أحببت أم لا، فحياتي عبارة عن متتالية من الواجبات والانضباط الزائد عن الحد، أفعل الأشياء لأنني لا بد أن أفعلها، ورأيته صامتًا، ينتظر إجابة ؟!
جئت هنا كي أعمل ما لم أعمله من قبل، فهل تشعر بالخوف يا رجل؟
أخاف من فقدك، لو أنك شعرت بالخوف وفررت من هنا، سأكون وحيدا.
لا أريد أن أكون وحيدًا، اشتد الهواء وسقطت ورقة من أعلي الشجرة المجاورة، أحدثت صوتًا رنانا ارتجف، مروان شعرت بالانتشاء ولذة الظلام، شعرت بالمؤانسة أيضًا، وقد انتظرت عمرًا اللحظة التي يحدثني فها إنسان لا يشعر بالخوف، وأراد مروان أن يسمع باقي الحكايات أخبرته عن الصوت الذي طرق باب المزرعة الخلفي ذات مرة بقوة، وسمعنا صوت يطلب النجاة يريد أحدا يفتح له الباب، وعندما فتح أحد الحراس، لم يجد شيئا سوي دماء.
أخذت أتأمل الرجل الغارق في شروده عندما تذكر قصة الدماء، بدا لي عطوفا، لكن لا أعرف على التحديد ما الذي يخيفني إذا نظرت لعينيه لا شيء يخيف، هذه ليلتي الأولي ولم أر شيئا كل ما قيل محض قصص، سأخبر والدي أنني سأنجح في الاعتماد على نفسي، فقدت الثقة في كل شيء، لم أعد أقابل الناس كنت أظن أن تواجدي في هذا المكان سيمنحني عزلة أكبر لولا تواجد هذا الرجل، ويبدو أن صوتي ارتفع في جملتي الأخيرة، فالتفت بوسامته التي لم يغيرها الزمن
لا تخف أنا معك، وأعطاني كوب شاي.
كوب الشاي الساخن الذي انتظره منذ كثير لا أستطيع شرب الشاي دون مؤانسة والرجل الغريب بجواري ملامحه بريئة، وأظافره ناعمه يذكرني بليلتي الأولي هنا عندما كنت أسير بين الناس، لا أحب إيذاء، غيري ولكنهم هم من بدأوا أولا حتى كدت أنفث سيجارتي في قفا أحدهم، أو أنتزع منه أشياءه وأخفيها وفي النهاية جميعهم يشعر بالخوف، رائحة الخوف قوية جدًا، أستطيع تمييزها، يمكنني الانقضاض علي أحدهم بسبب تلك الرائحة، فلو أنني قابلت رجلا مثل مروان لا يخاف ما فعلت ما فعلته من قبل تعجب مروان عندما شربت كوب الشاي مرة واحدة
ستعتاد هذا.
أخذت رشفه من كوب الشاي كدت أتعجب من تصرفات هذا الرجل الغريب الجالس ،جواري، يحدثني بطلاقة كأنه يعرفني، أخذت ألوم نفسي على انجرافي معه واستماعي حكاياته تدخله في شئوني دون سابق معرفة ليست من عاداتي الوثوق بالغرباء، أخذت أنظر ليده الخشنة التي بها جرح خفيف جاف ،تنهدت لا أريد الاستسلام للشعور بالخوف، يجب أن أتعرف عليه أكثر، فسوف نلتقي كل يوم، ونظرت لعينيه، قبل أن انطق
كان طبيبًا ماهرًا لديه العديد من الطموحات رآه أحد الحرس ذات مرة، يهرول تجاه المزرعة عندما توقف كان الحارس مغشيا عليه.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.