DrMohamedZaki

شارك على مواقع التواصل

كان بروفيسور عدنان يسال نفسه, هل سيظل هو كما كان؟ يقصد هل سيظل وعيه كما هو حين يتحول لذلك المخلوق الجديد, هل ستظل ذكرياته ومعارفه كما هي؟ هل سيكون هو هو أم سيكون شخص أخر, أنه يعلم أن أي شخص يتم تغير قلبه بقلب شخص أخر يتمتع بصفات الشخص الجديد لحد ما, فما بال من يتغير كله وليس من بشر أخر بل من أخطر عدو للإنسان, من خلايا سرطانية. هل حقا سوف يستطيع هو و دكتور راشيل وفريق البحث معهما من التحكم فعلا في تلك الخلايا والسيطرة عليها؟ وكيف سوف يتعامل الجسد القديم؟ هل سوف يتفهم أننا نريد له الخير أم سوف يقاوم ويفسد الأمر برمته؟. لم تكن تجربة سهلة بل كانت تجربة تحمل في طياتها كل المخاطر بكل ما تحمل تلك الكلمة من معاني. كان يقول لنفسه:
- نعم عليك العمل بشكل احترافي في هذا الأمر.
كانت البداية متعثرة للغاية, فمازال الخلاف مستمرا خارج هذا المعمل من حولهم, الخوف بدأ يظهر مرة أخرى في حياة البشر وكان هذا الأمر ينبأ بفشل التجربة أو تحولها لعدو جبار لا يقدر علي البشر التعامل معه. لم يختلف الوضع كثيرا في جسد عدنان. صراع خارجي وداخلي. الجميع خائف وقلق من تلك الخطوة بينما كان مايكل متحمسا. أستمر في التحدث الى جسده والى الخلايا السرطانية. كان عليه أن يحدث تغييرا حقيقا لدى الجميع. المهم بالنسبة له هو الحرب الداخلية القائمة بين خلاياه الطبيعة والخلايا السرطانية وما بين الخلايا السرطانية بعضها بعضا. الجميع خائف وحذر مما سوف يحدث. لكن مايكل كان هادئا, كان يعرف ويفهم ما هو مقدم عليه. حين تنجح تلك التجربة سينتقل البشر فكرا وعقلا وجسدا للإمام ألاف السنين الضوئية. كان يتحدث لجسده الطبيعي ولخلاياه السرطانية عن حلمه وهدفه. لم يخفي شيء. أوضح للجميع حسن نيته. كان على يقين أن الجميع سيستمع في النهاية. أخبر الجميع بأنه لو لم يتضافر معا فان الموت سيكون مصير محتوم خلال فترة وجيزة ولكن لو تفهم الجميع الحقيقة وعمل سويا في حالة من الحب والإخلاص والتفاهم فسوف يتغير كل شيء. كان صراع شديدا بين الجميع ولكن عدنان كان قادرا على إدارة دفة جسده المتناحر داخليا لم يعد يشغله ما هو بالخارج كثيرا. هو شخص على حافة الموت لذلك يجب ألا يهتم بأي أحد أو أي شيء غير تلك التجربة الرائعة. كان التواصل عبر الوعي أمر رائع وأكثر رٌقي بكثير. الوعي البشري هذا لديه طبقات متعددة ولكن الخلايا السرطانية لديها وعي خاص بها مختلف عن الوعي البشري حتى لو كان جزء من هذا الجسد. كان لابد من دمج كل الوعي معا ليصبح وعيا واحدا. كان قمة الوعي البشري هو الوعي المعرفي البشري. هذا الوعي المعرفي هو من صنع هذا الإنسان فلديه كل المعارف التي يحتاجها الإنسان تلك المعارف قد استقاها من الوعي المعرفي الأزلي في البداية. منذ اللحظة الأولى يحدث كل شيء بطريقة احترافية. يختار الوعي المعرفي الحيوان المنوي والبويضة المناسبة وحينها يصبح الوعي المعرفي البشري له وجود حقيقي. يبدأ هذا الوعي بكل شيء في تكوين الجنين من علقة لنطفة ثم إلى جنين مكتمل وهو من يرشد الجنين لكي يترك جسد أمه ليصبح له جسده الخاص. يكون الوعي المعرفي البشري مرتبط بالوعي المعرفي الأزلي بشكل مستمر ولكن الوعي البشري الإدراكي والذي ينمو مع نمو البشر يؤثر على تلك العلاقة بشكل سلبي. لكن رغم ذلك لا يمكن أن ينفصل الوعي المعرفي البشري بالوعي العرفي الأزلي أبدا ون خفت التواصل. كان على عدنان أن يصلح بين وعيه الإدراكي ووعيه المعرفي ثم يقوي علاقته مع الوعي المعرفي الأزلي. من تلك النقطة سيكون التواصل مع الوعي الخاص بخلاياه السرطانية ممكنا وحاسما. هنالك في حضرة الوعي المعرفي الأزلي سيكون التواصل مختلفا تماما. حيث لا صراعات مطلقا بل تفاهم وحسب تفاهم بدون نطق بل تفاهم أرقى من ذلك بكثير.
عمد عدنان على التواصل مع وعيه المعرفي وعلى أصلاح وعيه البشري الإدراكي. كان الطريق طويلا ولكنه نجح. كان يشعر بحالة خاصة حين يتواصل مع وعيه المعرفي. كان يشعر بنوع من الخصوصية. في تلك اللحظة لا يهتم بأي شيء ولا يشغله أي شيء. نجح في إصلاح وعيه البشري والتواصل مع وعيه المعرفي بشكل أفضل أستقى منه معارف لم يكن يتوقعها ووعده وعيه هذا بالمزيد من ذلك. كان التواصل مع الوعي المعرفي الأبدي في تلك اللحظة صعبا للغاية فما زال الوقت أمامه طويلا ولكنه بدأ يشعر به. كان يشعر حين يشعر به بحالة من التوحد والفردانيية. لحظة خاصة لا يضاهيها شيء عرفه من قبل. في تلك اللحظات كان يمكنه التوحيد بين كل أنواع وعيه بل وحتى الوعي الخاص بخلاياه السرطانية. بتلك الطريقة فهم جوهره بشكل صحيح. فهم كل شيء وأصبح مستعدا لما هو قادم جيدا. فالآن يمكنه إيصال فكره لوعي الخلايا السرطانية. كانت لحظة خاصة وتمنى أن يفهم ما هو الوعي المعرفي الأزلي جيدا ولكنه علم أن الوقت لم يحن بعد.
كان لابد من طمأنة الجميع قبل بداية التجارب وتحفيزهم حتى لا تفشل التجربة. أصبح الحديث متواصل بين عدنان وخلاياه السرطانية حول الفكرة. كل منهما يطمأن الأخر ويهدئه ويعطيه ثقة, كان عدنان ينتظر الاجتماع ولكن خلايا السرطان فاجأت الجميع بأن بدأت تتحول لخلايا وظيفية كبدية تماما مثل سابقتها وبدأت تتكاثر بهدوء وتروي لتنتج كبدا, كان هنالك مقاومة من الخلايا القديمة وجدال واسع. الخلايا الأصلية تقول: مازال الكثير منا يعمل ومن الممكن أن يتعافى, لكن خلايا السرطان قالت: لها لا تخافي كل شيء فيك سيكون جزء من الإنسان الجديد سنعيد صياغتك لتصبحي خلايا جديدة لن نهدر شيء منك وفوق ذلك سوف تُمنحي الخلود والأبدية مثلنا. الموت كلمة ساذجة من صنع الإنسان, الكون كله يفهم الحقيقة فيما عدا الإنسان. الموت والوقت خدعة ووهم فقط لدى البشر أما كل ما حوله فيفهم الأمر بشكل صحيح. الجميع يتغير ويتشكل كل حين ليعطي مخلوقا جديدا أكثر صحة وتطور وحكمة.
كان هذا الصراع باديا على وجه وجسد بروفيسور عدنان فقد عاني من الألأم أكثر من الألأم حين كانت الخلايا السرطانية تهاجمه, فالآن هنالك نوعان من خلاياه يتصارعان, كان يصرخ من الألم, طلب من الجميع مغادرة المكان وطلب من بروفيسور راشيل أن تبقى قريبة منه في غرفة مجاورة وطلب منها أن تدخل للغرفة بعد ساعة كاملة لتساعده حين يحتاجها. بقى وحيدا مرة أخرى, نام على الأرض ملصقا جسده بالتراب يبكي ويصرخ من الألم والصراعات التي في داخله, حاول التواصل مع ذاته من الجهتين وحاول تهدئة الجميع كان كلامه, عليكم الهدوء والصبر فحياتنا كلها مرتبطة ببعضا بعضا, لم يكن أحد يستمع له كان يحاول أن يتمالك أعصابه وأن يهدأ من نفسه ولكن دون جدوى, كان مصرا على النجاح كما كان دائما.
كانت بروفيسور راشيل في الغرفة المجاورة تبكي لبكائه وتأن لأنينه وهمت بدخول الغرفة أكثر من مرة ولكنها تذكرت كلامه المحذر من الدخول قبل مرور ساعة, كانت تشعر بأنها تتنازع بين الواجب والحب, مرت الدقائق متثاقلة ولم تدري ماذا تفعل حتى سمعت صوت بروفيسور عدنان يصرخ وينادي عليها, هرعت إلى الغرفة وهي تبكي. جلست بجوار دكتور عدنان مسحت دموعه بيدها وجففت عرقه بمناشف كانت معها, كان شديد التعرق, قال لها:
- لقد سمعت كثيرا عن ألم تكوين الجنين عند الأم, أنه ألم حلو لأن منه سيكون الابن المنتظر, لكن ما عندي ألم مر لأنه لا ينتظر منه الآن ابنا جديدا بل هلاكي تماما, فخلايا السرطان تبني خلايا جديدة والخلايا الطبيعية تهدمها بكل قوة وقسوة. صراع من أجل البقاء في داخلي, ماذا فعلت بنفسي لا يمكنني أن أتحكم فيهما ولا أتواصل معهما, دلكت راشيل بيدها جسد بروفيسور عدنان وقالت سوف يتفهم الجميع الحقيقة بعد قليل لا تقلق, استجمع قواك وحسب وسوف أدلك أنا مواقع الألم لعلها تسكن قليلا ولعل من يتحارب داخلها يهدؤون قليلا, بدا أن ما تفعله دكتور راشيل يُؤتي ثماره فقد هدأ دكتور عدنان قليلا قليلا عندما هدأت الحرب المستعرة داخله, كان لنفس دكتور راشيل الراقية الهادئة تأثيرا جيدا لقد أحسن اختيار من يكون معه في تلك اللحظة استسلم دكتور عدنان للنوم العميق.
بعد بضع ساعات استفاق بروفيسور عدنان من نومه, كان وجه متغيرا, قال لراشيل الجالسة بجواره:
- لقد حدثت المعجزة, تفهم الجميع الموقف وسوف يبدأ الجميع العمل. كانت البداية مليئة بالأخطاء فبعض الخلايا السرطانية التي أُنتجت كانت خلايا غير وظيفية وكانت تهدد التسلسل الموجود, لذلك كانت خلايا الجسد الطبيعية تهاجمها سريعا وتحللها لتكون نواة لخلايا جديدة,.
استمر العمل ثلاثة أشهر نتج كبد جديد تماما كبد يعمل بكفاءة 100% لا يهدده أي مرض أو شيء أخر. استمر العمل بعد ذلك في الأعضاء المجاورة البنكرياس كان شبة هالك, كانت ولادته أصعب من ولاة الكبد ولكنه مع مرور الوقت حدثت المعجزة. تجرأت الخلايا الجديدة على محاربة سرطان الغليظ المنتشر بشدة ودار بينهما حوارات طويلة وحروب أكبر حتى استطاعت في النهاية التحكم فيها وتحويلها لخلايا مفيدة, نقل الدم تلك المعلومات لكل خلايا السرطان في الجسد, منهم من لبى سريعا ومنهم من عصى وقاوم واتحد بعضهم مع خلايا الجسد الطبيعية ليحاربوا سويا هذا الجيل الجديد من الخلايا السرطانية المفيدة. طالت الحرب بينهما وتأثر دكتور عدنان بهذا ولكن وجود راشيل إلى جواره خفف عنه كثيرا وقد ساعدته ساعات التواجد في الطبيعة الرائعة الخضراء والصحراوية من حوله على التعافي وعلى تحسين العلاقة بين الخلايا في جسده. في لحظة ما انتهي الصراع تماما وتصالح الجميع وقبل بخوض هذه التجربة بعدما تأكد الجميع أنه لن يضار ولكن سيصاغ بشكل جديد فيه نفع لنفسه وللإنسان الذي أصبح جزء منه الآن. كانت الطبيعية الصحراوية حول الواحة الخضراء مثالا واضحا لما يحدث في داخله, هنالك صراع يومي بين الصحراء التي تريد التمدد على حساب الواحة وبين الواحة التي تريد أن تحافظ على ذاتها, نجح هو أخيرا في فهم الطبيعة من حوله, الصحراء لا تريد تدمير الواحة الخضراء ولكنها تريد وحسب أن تتمدد, أن تنشر طبيعتها من حولها, مُناخها وطقسها المتغير ولونها الأصفر البديع وحيواناتها ونباتاتها, تريد أن تنشر كل شيء يخصها, كانت تمثل بالنسبة له الخلايا السرطانية, بينما تمثل الواحة الخضراء التي تحاول المحافظة على ذاتها وطبيعتها وكل ما فيها من نبات وحيوان وحتى إنسان. كان يريد أن يتفهم رغبة كل طرف من حوله وكذلك كل طرف داخله, لذلك كان دائم التنقل بين الواحة الخضراء والصحراء لعله يتفهم ما يحدث من حوله وفي داخله.
خلايا القلب لها طبيعة خاصة, فهي خلايا لا تنقسم ولذلك فان نمو خلايا سرطانية فيه هو أمر نادر للغاية, فكيف إذا سوف يُستبدل القلب, كان على عدنان أن يفكر طويلا في ذلك مع راشيل وفريق العمل, كانت هذه النقطة لم ترد على بالهم من قبل كأنهم قد نسوها في زمرة تلك الحروب الطائلة التي كانت تحدث من حوله وفي داخله. لكن تلك المُعضل قد حلت ذاتها بدون تدخل منهم. مجرد تفهم من خلايا القلب للوضع. حيث بدأت بعض الخلايا الموجودة في البطين الأيمن في النمو بشكل مغاير لطبيعتها ومنها كان القلب الجديد فقد سيطرت تلك الخلايا بمساعدة خلايا القلب الأخرى على الانقسامات المختلفة لتنتج قلب جديدا صحيحا تماما. ورث هذا القلب الجديد كل مخزون المعلومات التي كانت لدى القلب القديم مع معارف جديدة تكونت لديه ليصبح قلب جديدا قويا وفتيا وخالدا وأكثر معرفة في آن واحد.
مرت ثلاث سنوات طويلة حتى تغيرت جميع خلايا جسد الإنسان ماعدا الخلايا العصبية, تأخر ذلك لأن الخلايا العصبية والمخ به مخزون المعرفة في الإنسان فكان الطريق هاهنا وعرا للغاية, حيث سيذوب وعيان معا وعيا إدراكيا بشريا ووعيا يحاول الوصول للكمال بطريقة غير صحيحة, بدأت تلك العملية رويدا رويدا حتى وصلت للمخ حينها كان عدنان يشعر أنه لن ينجو أبد, فكان يفقد الوعي وقتا طويلا وكان يرى في نومه أحلاما ورؤى لا يفهمها, كأنه خليط من وعيه ووعي أخر معه أو أكثر من وعي حتى, لم يكن يفهم ما يرى, وكان يخاف للمرة الأولي أن ينتج حقا كائن مخيف يقضي على الجميع, لم يكن هو فقط من يشعر بذلك فأيضا راشيل وكل مجموعة العمل كانت تشعر بذلك فبرغم من أن الإنسان هذا قد احتفظ بشكله العام وتفاصيله إلا أنه أصبح واضحا أنه قوي للغاية, كل عضلاته قوية ومتينة بشكل لا يُصدق ويبدو أنها تمتلك قدرات لم تتح لبشر من قبل, الجميع يعول على المرحلة الأخيرة التي ستنتج إنسان جديدا صديقا للبشر ولكل ما حوله أو عدوا مرعبا مُهلكا للجميع, لذلك جهز المعمل بعد إلحاح شديد من عدنان بفتحات مليئة بمواد سامة مختلفة سوف يستخدمها الفريق لو شعر الفريق بأن الكائن الجديد سيمثل خطرا عليهم, وكذلك بأنواع خاصة من السلاح. لكن تلك الخطوة لم تجد ترحيبا من الخلايا الجديدة لذلك كانت الرؤى والأحلام غريبة لكن في النهاية كانت الرسالة واضحة لو كنت تخاف من هذا الكائن الجديد فاقضي عليه الآن, لأنه لو ولد في تلك الأجواء المحيطة من الخوف والحذر والتوتر والقلق والشر فانه لابد سيموت أو سيتحول وحشا, لابد من استقبال هذا المولود الجديد ككل مولود حقيقي بالترحيب والسعادة والأمل لا بالخوف والحذر والتجهز لقتله.
استجاب بروفيسور عدنان لذلك ووجده كلاما منطقيا وأبقى دكتور راشيل معه في تلك اللحظات واثنان من المساعدين الأكثر تحمسا للمشروع وكانت هنالك كلمة واحدة أننا البشر صنعنا هذا الكائن الجديد نحمل حلما وهدفا راقيا للبشر ولكل الكون ولابد أن هذا المخلوق الجديد الذي سيولد من ذلك الحب سيرد لنا ذلك الحب أيضا فمن أين سوف يأتي الشر فيه لو كان كل ما فيه حبا وخيرا؟.
لم يخيب هذا المخلوق الجديد أمالهم وأمال الكون كله وفي صباح يوم السابع من يوليو ولد إنسان جديد والجميع كان يبكي من السعادة كما فعل المولود الجديد ذاته, لم يكن بروفيسور عدنان يعرف حقيقته الجديدة الكاملة ولكنه سيتعرف عليها بعد حين.
كان الإنسان الجديد هو نفس ملامح الإنسان القديم ولكنه يشعر بنفسه بشكل مختلف يشعر أنه إنسان مميز ومختلف يمتلك ما لم يمتلكه البشر من قبل, الصحة التامة والخلود. لا معنى للمرض ولا معنى للموت, لا معنى للخوف فلو شطر الإنسان نصفين عاد ليلتحم و لينمو من جديد بسرعة كبيرة للغاية ليعود كما كان كأن شيء لم يحدث. يمكن لهذا الإنسان أن يتحكم في كل شيء داخل جسده, يمكنه أن يغير شكله كلما شاء ووقتما شاء, يمكنه أن يزداد طولا وعرضا كما يريد, يمكنه أن يغير أي خلايا في جسده, كان الأهم والأخطر من ذلك أن ذلك الإنسان يمكنه التحكم في كل شيء في جسده, ضربات قلبه وضغط دمه وتنفسه وكل العلميات القائمة في داخله كما يشاء ويمكن أن يُوكل ذلك إلى اللاوعي ويستعيد ذلك في أي وقت يشاء, لقد زال الفاصل بين الوعي واللاوعي تماما, كانت تلك المعجزة مبهرة للجميع ومرعبة في وقت واحد, لا أحد يعرف كيف سيفكر هذا الإنسان في المستقبل. لم يكن قد علم الوعي الثالث جيدا ولكن معرفته بالوعي الأوسط زاد من معرفته وتواصله بذلك الوعي المعرفي البشري.
كانت لحظة غريبة على عدنان حين كاد يكون إنسان جديد, إنسان يتميز عن كل البشر السابقين, يتمتع بما كان ينشده البشر طول حياتهم, الخلود, إن لم يكن معلوما حقا إن كان سيكون خالد لأبد ولكنه على الأقل سيكون موجودا لمئات السنين, كان عدنان يتذكر كل ما كان يقوله البشر عن الإلهة خاصة في مصر الفرعونية ففي الوثائق غير المنتشرة والتي يتجاهلها الكثيرون أنه قبل عصر الأسرات كان هنالك عصر الإلهة كانت مقسمة إلى عصرين, عصر كانت تحكم فيه الآلهة مباشرة. وعصر يحكم فيه أشباه الآلهة أو أنصاف الآلهة ثم جاء عصر البشر فيما بعد, بالرغم من أن البشر كانوا يظهرون ولو قليل من التبجيل والتعظيم للإلهة وإنصاف الإلهة إلا أنهم في الحقيقة لم يكونوا يفعلون ذلك بل على العكس تماما, فقد نسبوا كل الشر لهم, فمنهم آلهة الشر الذين أبدعوا الشر الذي يعيش فيه البشر وليس الملوك ولا البشر هم من صنعوا ذلك, في التراث العالمي أيضا لا تختلف الفكر, فالإلهة في اليونان كانت كذلك سببا للشر في الأرض وهنا يأتي دور نصف الإلهة ابن البشرية والإله معا مثل هرقل, والذي أعاد العدل وحجم الشر في الأرض, ثم أصبح الحكام يلقبون بهرقل ثم اختفي هرقل أيضا وكذلك في حضارات العراق وبلاد فارس وكل العالم. كانت تساور عدنان أحلام كثيرة عن اللحظة المرتقبة, لحظة أن يكون هو كله خالد حين تسيطر الخلايا السرطانية عليه تماما, هل سيكون مثل تلك الإلهة وهل سيكون اله للخير أم للشر, وجاءت على رأسه فكرة غريبة, هل حقا كان هنالك شيء ما من الحقيقة في القصص القديمة؟, هل كانت هنالك مخلوقات مثل ما كان يحكي البشر عن تلك العصور؟. كائنات تحمل صفات أكثر تميزا من البشر, كائنات أقوي وأكبر وأذكي من البشر كانت موجودة ومتحكمة في كل شيء.
ثم ماذا حدث؟.
كيف تخلص البشر من تلك المخلوقات؟.
ومن أين جاءت تلك المخلوقات؟ من خلقها؟.
هل هي خلقت البشر أم العكس هو الصحيح؟.
لقد فكر كثيرا وهو ينتظر أن تسيطر عليه تلك الخلايا في سيناريو معين لم يكن يعرف ما مدى صحة أن تلك المخلوقات كانت من صناعة البشر الأوائل نتيجة تقدم علمي كما حدث الآن ثم أنقلب هؤلاء على البشر وسيطروا عليهم ولكن البشر لم يرضى بذلك فحاربهم بشكل ما ثم أنتصر عليهم وتخلص من تلك الكائنات وعاد ليحكم نفسه بنفسه وحكت الأجيال المتعاقبة القصة بشكل مختلف حتى وجدناها مكتوبة في النصوص القديمة بطريقة معاكسة أن تلك الإلهة خلقت البشر ثم سلمتهم السلطة ورحلت ولكن إلى أين رحلوا؟ ليس هنالك حتى الآن أي مومياء لتلك الكائنات تدل عليهم, لا توجد هياكل عظمية لكائنات أضخم من البشر, لكائنات برؤؤس بشرية وأجسام حيوانية أو رؤوس حيوانية بأجسام بشرية, كل ذلك لم يجده البشر وربما وجدوه فأخفوه أو ربما يجدوه في وقت ما فيما بعد ثم يظهروه أو يخفوه. لقد أصبح مقتنعا أن البشر هم من صنعوا تلك الإلهة القديمة ثم تخلصوا منها لسبب ما.
بدأت الخلايا الجديدة تسيطر على عقله خلية بعد خلية لم يكن ذلك التغير سهلا عليه سواء جسديا أو نفسيا أو ذهنيا, كانت خطوات بطيئة وهادئة ولكنها متعبة مجلجلة, كان يشعر بذلك الخلق تماما, خلايا تُأكل وتُلتهم فيشعر بظلمة كبيرة ثم خلايا تخلق من جديد فيشعر بميلاد نور جديد هكذا مع كل خلية, كان في شوق وفي خوف في آن واحد. بدأ يفكر جيدا في تلك اللحظة الحاسمة كيف ستكون؟ هل سيسيطر هو على هذا الجسد أم أن هذا الجسد هو من سيسيطر عليه ويتحكم به؟. كان ذلك هو النقطة الحاسمة في عملية الخلق لمن ستكون الغلبة والقوة في تلك الحرب. لكنه كان يطرد كل تلك الأفكار سريعا, لابد أن يحسن الظن في نفسه وفي المخلوق الجديد.
قرابة ثلاثة أشهر كانت قد مرت حتى حدث في يوم واحد تحول جذري وبدون تدخل منه ليجد نفسه قد تغير تماما ووقف أمام نفسه ليجد شخصا مختلفا تماما, كائن أخر مختلف تماما بالرغم من أنه كان يشعر أنه مسيطر ولو جزئيا على الوضع ولكنه كان يشعر بوجود وعي وعقل ورح جديدة معه وفي داخله, يستطيع التواصل معهم وفهمهم ولكن بصعوبة بالغة كان يعمل على أن يحسن التواصل معهم لكي يستطيع التفاهم معهم على ما يجب أن يكون في المستقبل من حياة هذا المخلوق الجديد, كيف ستكون العلاقة بينهم وكيف سوف يتصرفون في كل شيء؟ كان يعلم أن التوصل معهم حل واقعي وعقلاني ولكنه لن يكون سهلا ومع ذلك كان على يقين من أنه لابد من ذلك وإلا أصبح نقيضين في جسد واحد, خير وشر ولكن هذا الشر لن يؤذي عدد قليل بل سيكون مدمر لكل الأرض لو رفض الجميع التعاون معه. تجلت اللحظة المرتقبة حين سمعا صوتا داخليا يقول له بوضوح تام:
- أنت دائما كما تريد أن تكون, أنت الخير والشر, الآلة والعبد, الحق والباطل, الذكي والغبي.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.