batolali

شارك على مواقع التواصل

دموع ساخنة وألم حارق يفتك بقلبها وهي تنظر إلى ورقة الطلاق التي أرسلها لها صباح اليوم ... لقد تركها وتزوج بأخرى ولم يفكر بما سيحدث لها ولأطفاله.
أُغرقت عينيها بالدموع وهي تبكي بقهر ومرارة ... أليست هي من ضحت من أجله بعائلتها وصديقتها الوحيدة وأيضا بالرجل الذي أحبها كي تكون معه؟
مرت عشر سنوات على زواجهما لم تخلو من الذل والإهانة ولكنها تحملت من أجل أطفالها ليأتي هو في النهاية ويخبرها وهو يبتسم ببرود بأنه يحب امرأة أخرى وسيتزوج بها.
صرخت بجزع وهي تستند بحافة الكرسي كي لا تنهار وهمست بنبرة مهتزة:
-"وأطفالك هل ستتركهم؟"
-"بالطبع لن أفعل ... سأتي لزيارتهم كل فترة وأطمئن عليهم".
هتف بها وهو يهز كتفه غير عابئا بشهقاتها التي ارتفعت ودموعها التي ازدادت ... رفع حاجبيه بملل وتأفف فهو ليس لديه وقت لها ... أومأت له تتلألأ مقلتيها بدموع أبت تحريرها هامسة بغصة:
-"وماذا عني؟"
لم يتأثر بنبرة الترجي في صوتها ولا بنظرات الانكسار في عينيها وأردف بحده ينهي المناقشة كعادته مجبرا إياها على سماع ما يقوله:
-"سأطلقك ، فرزان لن تقبل بأن تشاركها امرأة أخرى في زوجها".
كفكفت دموعها وهي تتذكر كيف كانت حياتها سعيدة منذ عشر سنوات قبل أن تراه ... عادت بذاكرتها إلى هذا اليوم الذي تغيرت فيه حياتها.

كانت الأضواء تلمع بشده داخل هذا المنزل والزينة معلقه في كل أركانه ، فاليوم هو حفل خطبة ابنتهم الغالية "شيرين" ... تعالت الزغاريط من جهة النساء عندما ألبسها "إياد" خاتم الخطبة في إصبعها ... كان يشعر بالسعادة فأخيرا تحقق حلمه وتمت الخطبة ، وليس هذا فقط بل تم عقد قرانهما أيضاً ... تلقى التهاني من جميع الأقارب والأصدقاء وأثناء انشغاله بالحديث مع شيرين ، لمح صديقه المقرب الذي دلف إلى الحفل للتو ... اتسعت ابتسامته وتوجه نحوه
معانقاً إياه بحراره قائلاً:

-"لا أصدق أنك أتيت يا رجل ... متى عدت من ألمانيا؟"

ابتسم كريم قائلاً:

-"عدت البارحة ، فأنا لا يمكنني أن أفوت حفل خطبة صديقي المقرب ... اشتقت إلى أيام الجامعة عندما كنا دائما معا".

تنهد إياد براحه وقال:

-"أنا أيضا اشتقت إلى تلك الأيام ... كنت أقضي أكثر الأوقات برفقتك أنت وباقي أصدقائنا".

نظر كريم حوله إلى الأضواء والزينة وهو يخطو عدة خطوات إلى الداخل وهتف قائلاً بتساؤل:
-"ألن تعرفني على خطيبتك؟! أريد أن أرى من هي تعيسة الحظ التي أوقعت بك وقريبا ستجعلك تدخل القفص الذهبي؟!"

لكزه إياد بخفة في كتفه وأردف وهو يجره خلفه ويتوجه نحو شيرين:

-"ألن تكف أبدا عن هذا المزاح؟ يبدو لي أنك لم تتغير كثيرا طوال السنوات الماضية".

صافح كريم شيرين وهو يفكر كيف تعرف إياد على هذه الفتاه الرائعة؟

شعر كريم بالحسد الشديد تجاه صديقه وتمنى لو أنه هو من قام بخطبتها وعقد قرانه عليها ... لاحظت شيرين نظرات كريم الموجهة نحوها فشعرت بالتوتر ولكنها تجاهلت الأمر ، واعتقدت بأنها تتوهم .

اتسعت ابتسامتها عندما أقبلت نحوها صديقتها المقربة "انجي" واحتضنتها وهي تهتف قائلة بسعادة:

-"لا أصدق بأنكِ ستتزوجين قريبا شيري ... أتمنى أن تكون حياتك مع إياد مليئة بالسعادة وأن يرزقكما الله بالذرية الصالحة التي تجلب لكم الفخر".

ابتسمت شيرين وأردفت وهي تحتضن انجي:

-"أنا محظوظة جدا لأنه لدَّي صديقة رائعة مثلك ، وأتمنى أن يرزقك الله بالزوج الصالح".

استطاعت انجي أن تكبح دموعها التي تتسابق لتسقط على وجنتيها ... ليتها تستطيع أن تنساه وتبدأ حياتها من جديد.

أغمضت عينيها بمرارة وهي تتذكر عندما كان يغدق عليها بعبارات الغزل ، وعندما يرى خجلها واحمرار وجنتيها كان يقول لها:

-"كفِّي عن هذا الخجل فأنتِ في النهاية ستصبحين زوجتي".

شعرت بدموعها تنحدر على وجنتيها فتوجهت بسرعة إلى المرحاض لتغسل وجهها قبل أن يلاحظ أحد .

نظرت إلى وجهها في المرآة بحسرة فمن يراها الآن لن يصدق بأنها في الثامنة عشر من عمرها ، فوجهها شاحب وتكسوه أثار وعلامات الحزن ... خرجت من المرحاض وتوجهت إلى حيث تقف شيرين وظلت بجانبها.

اتسعت حدقتي عينيه وهو يرى ابنة عمته تتقدم نحوه وهي تحاول جاهدة أن تبتسم ... وصلت إلى المنصة حيث يجلس بجوار وشيرين ، ومدت يدها إليه لمصافحته وهي تحاول أن تتماسك وألا تبكي حتى لا تكون علكةً في أفواه النساء اللاواتي لا تكففن عن النميمة والقيل والقال ... ابتلعت غصه مريرة في حلقها وهي تقول:

-"مبارك لك إياد ... أتمنى لك السعادة من كل قلبي".

رمقها إياد بدهشه مستغربا ردة فعلها التي لم يستطع أن يفسرها فمنذ أن علمت بخطبته وهي تتصرف وكأن الأمر لا يهمها ... من يراها وهي تُبارك له بهدوء وتتمنى له السعادة مع غيرها لا يصدق بأنها تعشقه ... هل يعقل أن تكون تجاوزت عشقها له بهذه السرعة؟

صافحها إياد قائلاً باقتضاب:

-"شكرا لكِ فاطمة ... العقبى لكِ".

تقدمت فاطمة من شيرين وهي ترفع رأسها بشموخ وكبرياء وباركت لها ولم تهتم بنظرات شيرين الساخرة والمتهكمة التي ترمقها بها.
عقدت حاجبيها في دهشه غير مصدقه بأن فاطمة لم تهتم بنظراتها وكأن الأمر لا يعنيها ... نظرت شيرين إلى فاطمة التي ابتعدت قليلا عنها وتتحدث مع صديقاتها واتسعت عينيها بدهشه عندما رأتها تضحك بشده ... يبدو أن هذه الفتاه قد جنت بعدما علمت بخطبة إياد!!

لاحظت فاطمة نظرات شيرين الموجهة نحوها فضحكت بشده وهي تتحدث مع صديقتها حتى تثير جنونها ، ولكي تثبت لها بأنها قويه ولن يكسرها شيء كما أنها لن تعطي فرصة لأحد بأن يشمت بها.

اقتربت انجي من شيرين عندما لاحظت ضيقها وهمست في أذنها قائله:

-"ماذا حدث شيرين؟ تبدين منزعجه".

كزت شيرين على أسنانها بغيظ وهي تنظر إلى فاطمة بسخط وقالت:

-"انظري إليها انجي ... تتصرف وكأن الأمر لا يعنيها ... أعلم جيداً بأنها ستقوم بفعل شيء لتفرق بيني وبين إياد".

تنهدت انجي بهدوء وهي تربت على كتفها بحنو وهتفت قائله بهدوء:

-"لا تفكري بهذه الطريقة شيرين ... أنا أعرف فاطمة جيداً وأؤكد لكِ بأنها ليست سيئة كما تعتقدين".

سكتت انجي قليلا ثم استأنفت قائلة:

-"اليوم هو يوم خطبتك شيرين ويجب أن تكوني سعيدة وألا تفكري كثيراً في هذا الأمر".

أومأت شيرين برأسها قائله باقتضاب:

-"أنتِ محقة انجي ... لن أدع فاطمة تعكر صفو يومي".

تنهدت انجي بحنق ، فيبدو أن صديقتها ستظل كما هي ولن تكف عن أفكارها السيئة بشأن فاطمة.

انسلت ابتسامة ساخرة على شفتي فاطمة عندما لاحظت غضب شيرين ، وتمتمت بخفوت وبصوت لم يسمعه أحد:

-"إذا كنتِ تعتقدين بأني أغار منك فأنتِ مخطئة ... أعلم جيدا بأنه سيأتي اليوم الذي سيندم فيه إياد لأنه اختاركِ أنتِ ، وأنا واثقة بأن هذا اليوم سيكون قريبا جدا".

▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪

في صباح اليوم التالي توجهت شيرين إلى المدرسة وتلقت التهاني من زميلاتها اللاواتي لم تستطعن حضور الخطبة ... جلست انجي بجانبها وقالت:

-"ماذا قرر إياد بشأن دراستك؟ هل سيدعك تلتحقين بالجامعة بعدما تتزوجين به؟"

أومأت شيرين برأسها عدة مرات قائلة:

-"بالطبع ... لقد اشترط عليه أبي أن يدعني أكمل دراستي بعد الزواج وهو قبل بالأمر".

ابتسمت انجي قائلة:

-"والدكِ محق ... لا تدعِ زواجك يؤثر على دراستك ، فشهادتك سيكون لها أهميه كبرى في حياتك ، وأنا واثقة بأنك ستحتاجين إليها".

ابتسمت شيرين بخفة وهي تومئ برأسها متفهمة وقالت:

-"أنتِ محقة انجي وأبي أيضا محق فقد أوصاني بألا أدع أي شيء يؤثر سلبا على دراستي".
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪

كانت عبراتها تهطل بغزارة وهي ترسم لوحتها فمشاهد خطبته لاتزال عالقة في ذهنها ... تركت الفرشاة جانبا وتوجهت إلى خزانتها وأخرجت ألبوم صور يجمع صورهما برفقة عائلتيهما.
-"فاطمة لإياد ، وإياد لفاطمة".
جملة سمعتها مرارا وتكرارا طوال حياتها من رجال العائلة الذين حسموا هذا الأمر منذ سنوات طويلة حتى اعتادت على الأمر وتعايشت معه ليأتي هو ويخالف كلمة والده ويتركها بعدما تعلقت بأوهام حبه ... تقسم بداخلها بأنه سيندم وسيحدث ذلك قريبا جدا.
-"شيرين لا يهمها سوى الأموال والمظاهر ... سيكتشف قريبا بأنه أخطأ حين اقترن بها".
همست بها بأمل وهي تكفكف دموعها بعنف وتنظر إلى انعكاس صورتها في المرآة.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪

وضعت شيرين قلمها في مفكرتها وهي تكفكف دموعها التي انحدرت على وجنتيها بغزاره بعدما تذكرت حلمها القديم بأن تكمل دراستها وتلتحق بالجامعة ... على الرغم من أنه قد مر عشر سنوات إلا أنها لا تزال تتذكر أحلامها التي قضت عليها في لحظة غاب فيها العقل ، واتبعت هوى القلب.

ابتسمت بتهكم وهي تبكي بمرارة ، فقد ضحت بكل شيء من أجل عشقها له وهو تركها دون أن يفكر مرتين في الأمر ... حملت حقيبتها وغادرت المنزل لتبحث عن عمل مناسب لها ، تستطيع أن تتدبر من خلاله ما يكفيها ويكفي أطفالها ... ضمت كفيها سويا هامسه برجاء بينما سيطر القلق على قلبها وعقلها:
-"يارب ساعدني!!"
مر عدة ساعات قبل أن تعود إلى المنزل بملامح متهجمة ، فيومها لم يختلف عن الأيام الماضية ، فهي لم تفلح وتعثر على عمل ... هوت على أقرب كرسي تبكي وتلعن حظها العاثر الذي جعلها تفرط في حلمها بأن تمتلك شهادة جامعية ... كانت انجي محقة عندما قالت بأنها ستحتاج إلى الشهادة الجامعية ... بكت بشدة وانكسار وهي تتذكر ما فعلته بصديقتها الوحيدة .

صرخت شيرين بغضب في وجهها بعدما صفعتها بقوه على وجنتها اليسرى:

-"لم أكن أتصور بأن تكونِ حقيرة لهذه الدرجة ... أنتِ حقا أسوء شخص قابلته في حياتي".

وضعت انجي يدها على وجهها موضع صفعة شيرين وهي تنظر لها بذهول ... لا تصدق بأن صديقتها صدقت هذا الحقير واتهمتها بالكذب ... لا تصدق بأن صديقة طفولتها صفعتها على وجهها من أجل ذلك الوغد ... رمقتها انجي بانكسار وعتاب وهي تقول بنبره جامده وخاليه من المشاعر:

-"إذا كنتِ تعتقدين بأني كاذبه ولا أتمنى لكِ الخير ، فمن الأفضل لنا أن ننهي صداقتنا إلى الأبد".

حملت انجي حقيبتها وانصرفت وهي تبكي بحسرة على صديقتها التي خسرتها لتوها ... نظرت شيرين إليها وهي تغادر بجمود ولم تهتم برحيلها ... لم تهتم بشيء سوى أن تنال رضاه.

أغمضت عينيها بقوه علها تنسى هذه الذكريات التي تجعلها تبكي بندم وحسرة ... لقد كانت غبية جدا لأنها لم تكن تفكر إلا في سعادته ونسيت نفسها وحياتها وأصدقائها من أجله ... إن كان هناك شيء تنصح به فهو ألا ترتكب أي فتاه نفس الخطأ الذي ارتكبته هي في الماضي.

نهاية الفصل

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.