batolali

شارك على مواقع التواصل

تأخرت شيرين مرة أخرى ووجدت كريم يقف أمامها بسيارته ويعرض عليها أن يوصلها ويعدها بأنه لن يخبر أحدا ... مرت بضعة أشهر واستمر هذا الأمر واعتادت عليه شيرين ، بل إنها أصبحت تنتظر كريم بفارغ الصبر لكي يأتي ويوصلها كما يفعل في الآونة الأخيرة.
أوقف كريم سيارته أمامها فصعدت على الفور بجواره وانطلق بسرعة قبل أن يراهما أحد .
-"لماذا تفعل معي كل ذلك؟ ما هو الهدف الذي تسعى إليه من وراء انتظارك لي وايصالي إلى منزلي في كل مرة أتأخر بها؟"
سألته شيرين بجدية لتتحول ملامحه من الهدوء إلى التوتر ... هدأ من سرعته وصف سيارته ثم أطفأ المحرك ونظر لها مطولا قبل أن يردف بسرعة ودون تفكير:
-"لأنني معجب بكِ".
رفعت إحدى حاجبيها بتعجب وهي تلتفت له غير قادرة على استيعاب ما سمعته للتو وهتفت قائلة بتوجس:
-"ماذا قلت؟! أعد ما قلته مرة أخرى".
هتف بتوتر وهو يفرك يده:
-"أنا مغرم بكِ شيرين ... وقعت في حبك عندما رأيتك في الحفل ... حاولت أن أتجاهل هذا الشعور ولكن لم أقدر على ذلك".
صاحت به قائلة بغضب وهي لا تزال غير قادرة على تصديق ما سمعته:
-"هل جننت؟! كيف تتجرأ وتقول هذا الكلام لخطبية صديقك المقرب؟ أنت شخص ..."
قاطعها ببرود بعد أن رمى نظره غاضبه تجاه المحبس الذي يزين بنصر يدها اليمني:
-"كفي عن الصراخ والتأنيب ... أنتِ كنتِ تعرفين جيدا بأنني معجب بكِ وأريد التقرب منكِ ولم تمانعي ... أنا أعلم جيدا بأنك تبادليني هذا الشعور وإلا لما كنت ستقبلين عرضي وتصعدي بجواري في سيارتي كل مرة".
كادت تتحدث ولكنه سبقها:
-"أنتِ لا تحبين إياد ... ارتباطك به ليس سوى شيئا تقليديا أو كما يسمونه بزواج الصالونات ... أنتِ لا تحبين أحدا سواي وأنا أيضا أحبك وأريد أن نكون سويا ... اتركي إياد وتزوجيني وأعدك بأنك لن تندمي".
توسعت عيناها بدهشة ، ولم تفكر مرتين قبل أن تخرج من السيارة وتركض بخطى مسرعة حتى وصلت إلى منزلها.
دلفت إلى الشقة وتوجهت على الفور إلى غرفتها قبل أن تراها والدتها ... تدثرت جيدا في فراشها ووضعت يدها على قلبها وهي تتذكر كل ما قاله لها في السيارة ... نهضت من فراشها وتوجهت نحو المرآة وظلت تنظر لنفسها بضع دقائق قبل أن تتمتم:
-"هو محق أنا لا أحب إياد ووافقت على الخطبة فقط لأنها رغبة والدي ... لا يمكنني أن أخدع نفسي أكثر من ذلك ... أنا أحب كريم".
نظرت إلى خاتم الخطبة مطولا قبل أن تنزعه وتضعه جانبا وتابعت:
-"كريم أفضل من إياد في كل شيء ... هو الأوسم والأغنى ويمكنه أن يحقق لي جميع الأحلام التي تمنيتها دوما".
صدع صوت رنين هاتفها ورأت أن المتصل هو إياد فتجاهلت الاتصال وهي تقول بنبره جامده وخاليه من المشاعر:
-"أنا أسفة إياد ، سأتركك وأتبع قلبي الذي يخبرني بأن أكون مع كريم".
▪▪▪▪▪▪▪
استيقظت مبكرا وهي تشعر بالنشاط والسعادة فقد عقدت العزم على أن تتحرر اليوم من جميع الروابط التي تقيدها وأولهم هو ارتباطها بإياد ... جلست على مائدة الطعام وانتظرت والدها حتى انتهى من صلاته ، وجلست بجواره ، وهتفت قائلة بابتسامه:
-"حرما بابا".
ابتسم رأفت بلطف وقال:
-"جمعا إن شاء الله".
فركت أصابعها بتوتر شديد فهي لا تعرف كيف ستخبره بأنها تريد أن تترك إياد وتقطع علاقتها به ... لاحظ والدها توترها فباغتها بسؤاله وهو يهتف:
-"أخبريني حبيبتي ... ما الشيء الذي تريدين قوله لي؟"
أغمضت عينيها بقوة وأردفت بسرعة ودون أن تتمهل في حديثها:
-"أريد أن أترك إياد ... أنا لم أستطع أن أحبه أو أن أعتاد عليه ... أرجوك بابا ساعدني فأنا لا أتصور أن تكون حياتي القادمة برفقته ... أعلم بأنك ستغضب من حديثي ولكن لا يمكنني أن أستمر هكذا معه ... أشعر بأني أختنق وكأن أحدهم يلف حبلا حول عنقي ويخنقني به".
أفرغت كل ما في جعبتها وبدأت بالبكاء ... نظر لها رأفت بحزن وربت على كتفها بحنو وقال:
-"هل أنتِ متأكدة بأنك لا تريدين الزواج من إياد؟"
أومأت له برأسها وأردفت من بين شهقاتها:
-"أجل بابا ... أنا لا أريده أن يكون شريك حياتي".
تنهد والدها بحزن فقد رأى بأن إياد هو الشخص المناسب ليكون زوجا لإبنته وكان سعيدا للغاية عندما وافقت شيرين على الإرتباط به ... لم يفكر كثيرا قبل أن يتخذ قراره فهو لن يضحي بسعادة صغيرته مهما كان ثمن ذلك.
ملس على شعرها وأردف بهدوء:
-"أحضري كل الأشياء التي أهداها لكِ إياد ودعي الأمر لي وأنا سأتكفل بكل شيء".
اتسعت ابتسامتها وهي تقفز وتضحك بسعادة وعانقته بقوة وهتفت قائلة وهي تقبل رأسه:
-"أنت أفضل أب في هذا العالم ... شكرا لك بابا".
توجههت شيرين إلى غرفتها وخرجت منها بعد دقائق وهي تمسك في يدها جميع الهدايا التي أحضرها لها إياد.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
-"ماذا فعلتِ أيتها المجنونة؟!"
صاحت بها انجي بدهشة بعدما أخبرتها شيرين أنها انفصلت عن إياد ... لم تبالي شيرين بذهولها وهتفت بنزق:
-"ماذا هناك انجي؟! لست أول فتاة تترك خطيبها لأنها لا تحبه".
احتدت نبرة انجي وهي تقول:
-"ولكنكِ كنتِ سعيدة للغاية عندما تمت الخطبة منذ بضعة أشهر ... أخبريني الحقيقة ما الذي تغير خلال هذه الفترة وجعلكِ تريدين ترك إياد؟"
ارتشفت شيرين بضع قطرات من الماء قبل أن تخبر انجي بأنها تحب كريم وبأنه يبادلها هذا الشعور ... تطلعت إليها انجي بوجوم وهتفت:
-"أنتِ أغبى فتاة قابلتها في حياتي ... إن كنت تعتقدين بأن حياتك ستكون سعيدة برفقة هذا الوغد فأنتِ مخطئة ... الشخص الذي يخون صديقه المقرب ويتعدى على حرمته لا يستحق أن يثق به أحد ... كوني واثقة بأنه سيأتي اليوم الذي سيضحي بك من أجل فتاة أخرى كما ضحى بصديقه من أجلك".
نظرت لها شيرين بغضب وصاحت في وجهها بغيظ:
-"لا أصدق بأن كريم كان محقا بشأنكِ ... أنتِ تغارين مني لأنني عثرت على الشخص الذي سيحبني بصدق أما أنتِ فكنتِ تتبعين سرابا ووهما طوال عامين ولم تجني من ورائه سوى العذاب والألم".
حملت شيرين حقيبتها وانصرفت وهي غاضبة بينما نكست انجي رأسها لأسفل وهي تبكي بمرارة وأمسكت مفكرتها وبدأت تكتب ما تشعر به من ألالام وأحزان.

هل تعتقدين بأني أحقد عليكِ يا صديقتي؟ هل تظنين بأنني أغار منكِ ولا أتمنى لكِ الخير؟ كيف يمكنكِ أن تصدقي بأن كريم على حق؟ متى أصبح قلبكِ متلبدا وقاسيا لهذه الدرجة التي تمكنكِ من السخرية من خطأي في الماضي؟ ليتني أستطيع أن أثبت لكِ حقيقة هذا النذل الذي اخترتيه ليكون شريك حياتكِ ... أتمنى أن تعودي إلى صوابك قبل أن يأتي يوم لا ينفعك فيه الندم
▪▪▪▪▪▪▪
زفر أنفاسه بغضب وهو يتذكر عندما اتصل به والد شيرين وأخبره بأن يريد مقابلته لأمر هام ... كلماته لا تزال تصدع في رأسه بقوة وتأبى أن تهدأ.
-"كل شيء قسمة ونصيب".
جملة لا زالت عالقة في ذهنه منذ ذلك اليوم المشؤوم ... نظر إلى محبس الخطبة بحزن عميق وتذكر عندما ذهبا معا لشرائه.
-"إنه خفيف جدا ولا يلائمني".
هتفت بها شيرين بتأفف وهي تزيل هذا الخاتم الذي اختاره لها إياد.
شعر بالحزن ولكنه هتف بلطف محاولا أن يخفف حدة الموقف:
-"افعلي ما تريدينه ... إذا كان المحبس لا يعجبك اختاري غيره".
نظرت شيرين حولها وانتقت في النهاية محبسا ثقيلا وذو لمعة براقة وقالت:
-"سأختار هذا ، فهو جذاب للغاية ويلائم أصابعي".
زفر بعمق عندما لفحته تلك الذكرى ووضع المحبس جانبا وهو ينظر إلى ساعة يده .
خرج من منزله وقرر الذهاب إلى منزلها ومواجهتها لكي يعلم السبب الذي دفعها لتقوم بتركه بهذه الطريقة.
أوقف دراجته النارية أمام منزلها وصعد الدرج حتى وصل إلى شقتها ... طرق عدة طرقات خفيفة على الباب قبل أن تفتح له ... نظرت له بضيق وصرخت به قائلة:
-"ماذا تريد مني؟ لقد أخبرتك بأني لا أريد أن نكون سويا ، هل سمعتني؟ لا أريد رؤية وجهك مجددا".
دفعها إلى داخل الشقة ثم دلف إليها وأغلق الباب خلفه وصرخ في وجهها بغضب:
-"كاذبة ... أعلم بأنكِ تكذبين عليَّ".
قاطعته وهي تهتف بعنف:
-"ومن أنت لتقرر إن كنت أريد الزواج بك أم لا أريد؟ أنت لست سوى خطيبي السابق الذي تركته وقطعت علاقتي به نهائيا".
نظر لها بصدمة ولكنها لم تعبأ لصدمته وتابعت قائلة بقسوة:
-"إن كنت تتحلى ولو بمقدار قليل من الكرامة فابتعد عني ولا تجعلني أراك مرة أخرى".
سألها بنبرة مهتزة:
-"لماذا؟ ما الذي فعلته لأستحق منكِ هذا؟"
أجابته وهي تتنهد ببرود:
-"أنا لا أحبك ... حاولت ولكن لم أستطع ... عقلي لا يمكنه أن يتقبل بأن تكون زوجي ... قلبي يصرخ بأنه لا يريدك".
لم تشفق عليه وهي ترى نظرات الانكسار في عينيه التي لطالما أخبرتها مرارا كم يعشقها وتحدثت بغرور وهي تجلس على الكرسي:
-"أنت لست الشخص الذي يناسبني لأنك لا يمكنك أن تحبني كما أريد وتحقق لي أحلامي التي تمنيتها".
صاح بتهكم وابتسم بسخرية:
-"ومن هو سعيد الحظ الذي دعت له والدته في ليلة القدر وسينال شرف حبك العظيم ويحقق أحلامك المستحيلة؟"
نظرت له بحنق وهتفت بسخط وبرود:
-"هذا ليس من شأنك ، والآن هلا سمحت وغادرت منزلي لأنه لا يجوز أن تكون هنا في هذا الوقت".
ابتلع اهانتها بألم وحزن وغادر المنزل وأقسم بأنه لن يعود إليه مرة أخرى وبأنه سينسى حبها ويكمل حياته وكأن شيئا لم يكن.
ذهب إلى ركنه المنعزل عند البحر ليشكو إليه أوجاعه ولكنه تفاجأ عندما وجد فاطمة تجلس هناك وترسم إحدى لوحاتها.
وضعت فرشاة الرسم جانبا عندما انتبهت لوجوده ونظرت له بتمعن قبل أن تهتف بهدوء:
-"الأمر سيكون مؤلما في البداية ولكنك مع مرور الوقت ستعتاد هذا الألم وسيصبح في النهاية جزئا منك".
عقد حاجبيه بتساؤل لتهتف:
-"لا تنظر لي هذه النظرة ... أعلم بأن شيرين تخلت عنك وتركتك".
صاح بها هادرا بتعجب:
-"كيف علمتِ بهذا الأمر؟! هل أصبحتِ تراقبيني؟"
همست فاطمة بنبرة استفزازية:
-"كنت أعلم بأنها ستفعل هذا منذ البداية ... هل تكرمت عليك وأخبرتك السبب الذي جعلها تتركك؟"
جلس على الرمال وهز رأسه نافيا لتبتسم بسخرية وهي تتنهد وتفكر.
العشق كالخنجر المسموم ... إذا نجوت من طعنته فلن تنجو من سمه ... لم يعبأ بعشقها وتركها من أجل تلك المراهقة الرعناء وها هو الآن يجلس أمامها ويضع رأسه بين كفيه.
-"هل تتزوجيني فاطمة؟"
سألها ثم نهض من مكانه ووقف أمامها ... لقد أقسم بأنه سيكمل حياته وها هو يفعل ... رمقته بسخرية وهي تعود لرسم لوحتها وقالت:
-"هل تظنني لعبة بين يديك؟ إن كنت تعتقد بأنني سأكون مسكنا لتضميد جراحك فأنت مخطأ".
حملت لوحتها وكادت تغادر ولكن استوقفها صوته وهو يهتف بحزم:
-"لم أسمع جوابك فاطمة ... هل ستتزوجيني؟"
رفعت حاجبيها بتعجب وهي تلتفت له وصاحت بجدية جعلته ينظر لها بدهشة:
-"لن أفعل قبل أن أتأكد بأنك نسيت تلك الشمطاء وأنه لا يوجد سواي في قلبك".
ابتسمت وأكملت طريقها وتركته خلفها ينظر إلى أثرها بشرود.

نهاية الفصل
#batol

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.