batolali

شارك على مواقع التواصل

مر شهرين قبل أن تتم خطبة شيرين وكريم رغم معارضة والديها إلا أنه أمام اصرارها وافقوا على طلبها.
كانت تشعر بالسعادة وبأنها حصلت على كل شيء كلما رأت نظرات كريم المحبة لها.
تذكرت صديقتها انجي التي لم تحضر إلى الحفل وأخبرتها بأنها مريضة ... كزت شيرين على أسنانها بغيظ فقد تأكدت الآن بأن كريم محق وأن انجي تغار منها ولا تتمنى لها السعادة.
مرت بضعة أشهر وانتهت شيرين من امتحانات الثانوية العامة والتحقت بكلية الحقوق ، أما انجي فالتحقت بكلية الآداب.
أصبحت علاقة انجي وشيرين سطحية للغاية حتى أتى ذلك اليوم الذي انقطعت فيه تماما.

-"أقسم لكِ بأني رأيته في المول برفقة فتاة وقام بتقبيلها".

هدرت بها انجي بعصبية من غباء صديقتها التي تتغاضى وتصم آذانها عن كل كلمة تقال في حق كريم ... صرخت شيرين في وجهها بغضب وألقت على مسامعها الكثير من الكلمات المهينة بحقها وانتهى الأمر عندما صفعتها شيرين على وجهها ، وانصرفت انجي وهي تبكي.
أصبحت شيرين كالمغيبه تماما ولم تعد ترى في حياتها سوى كريم الذي استطاع أن يجعلها خاتما في اصبعه ، وصدقت بأن الجميع يغار منها لأنها وجدت من يعشقها ويفعل المستحيل من أجلها.
حاول والدها مرارا وتكرارا أن يقنعها بترك كريم لأنه لا يناسبها ولكنها لم تقبل وانتهى الأمر في عدة مرات بالشجار الحاد.
انتهى الفصل الدراسي الأول فاستغل كريم هذا الأمر وطلب من والد شيرين أن يعقد قرانه عليها ، وأمام اصرارها أذعن والدها للأمر واتفقوا على أن الزفاف سيكون بعدما تنتهي شيرين من امتحانات أخر العام.

-"زواج مبارك إن شاء الله".

ابتسمت عندما سمعت هذه الجملة من الشيخ الذي عقد قرانها وبدأت تتلقى التهاني من أقربائها الذين قالوا لها:

-"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير".

أهملت شيرين دراستها في الفصل الدراسي الثاني وذلك بسبب كثرة خروجها للتنزه برفقة كريم الذي بدأ يزرع في رأسها فكرة أنه لا داعي لإكمال دراستها ، فهو في النهاية من سيتكفل بالمصروفات الخاصة بهما.
••••••••••••
مر عام منذ أن تركته شيرين واستطاع أن ينساها وساعده على ذلك معرفته بأن كريم اقترن بها.
ابتسم بسخرية وهو يحتسي كوب قهوته فهما حقا يستحقان بعضهما فهي أنانية وهو حقير .
-"أراهن بأن حياتكما ستكون مثالية".
تمتم بها ساخرا بصوت منخفض ليجفل فجأة عندما سمع صوتها من خلفه وهي تقول بذهول مصطنع:
-"لا أصدق بأنك أصبحت تكلم نفسك من شدة سعادتك".
جلست قبالته وهي تضحك ليبتسم وسألها محاولا تغيير مجرى الحديث:
-" لما تأخرتِ؟ ... أنا أنتظرك منذ ساعة".

-"الأمر يحتاج إلى بعض الوقت حتى أستطيع أن أنتقي هدية مناسبة فأنت مزاجك متقلب ويصعب ارضائك".
عقد حاجبيه باستغراب ولكنه سرعان ما فهم الأمر عندما أخرجت من حقيبتها ذلك الصندوق الصغير وأعطته له وهي تقول:
-"كل عام وأنت بخير".
فتح الصندوق ليجد بداخله ساعة أنيقة فابتسم وهتف:
-"ومن قال بأنه يصعب ارضائي؟! أنا لا أهتم بالهدية أكثر من اهتمامي بمن أهدتني إياها".
أشار إلى النادل ليأتي وطلب منه أن يحضر لهما كوبان من العصير وعندما ابتعد هتفت شيرين بمشاكسة:
-"وأخيرا طلبت لي شيئا أشربه ... لو لم أكن أعرفك لظننتك بخيلا للغاية".
ضحك بشدة وقد فهم مغزى حديثها ، فهي دائما تعاتبه لأنه يبذر المال ويصرفه بسخاء.
أحضر النادل العصير وانصرف ليتنهد بهدوء ويردف بجدية:
-"لقد مر عام وأنا أنتظرك فاطمة ... ألم يحن وقت موافقتك؟"
نظرت له بتردد قبل أن تومئ بابتسامة دافئة فقد تأكدت بأنه لم يعد يحب شيرين وذلك بعدما تعمدت بأن تنقل له أخبارها لترى منه نظرات عدم الإكتراث.

اتسعت ابتسامته لا يصدق بأن ابنة عمته وافقت أخيرا على الزواج فموافقتها هذه هي أفضل هدية أعطتها له في عيد مولده على الإطلاق.

تزوجا بعد شهر وسط فرحة كبيرة من عائلتيهما ، واكتملت سعادتهما عندما حملت فاطمة بطفلهما الأول.
••••••••••••
لم يتبقى سوى عشرة أيام ويتم زفافهما.
ذهبت برفقته لشراء فستان الزفاف والذي كان مناسبا تماما لأحدث صيحات الموضة.
مرت الأيام سريعا حتى أتى يوم حنة العروس ... كانت تجلس وسط نساء وفتيات عائلتها وهن يقمن بالرقص والغناء ويحاولن اشراكها معهن في رقصهن .
انتبهت إلى هاتفها الذي أضاء عدة مرات ، وابتسمت بسعادة عندما رأت اسم "حبيبي" يزين الشاشة ... أمسكت على الفور بالهاتف وابتعدت قليلا عن الضجيج قبل أن ترد على الإتصال وتقول بابتسامة حالمة:
-"يبدو أنه لا يمكنك أن تكمل اليوم قبل أن تسمع صوتي".
أردف وهو يبتسم بمشاكشة ويغمز بعينه وكأنه يراها أمامه:
-"يبدو أن زوجتي أصبحت تعرفني أكثر من نفسي".

اكتسى وجهها بحمرة الخجل وأغمضت عينيها بقوه وزفرت أنفاسها عدة مرات محاولة أن تتغلب على خجلها قبل أن تعترف له:
-"أنا أحبك أكثر من أي شيء في هذا العالم ... لقد ظهرت نتيجتي اليوم صباحا وتقديراتي كانت سيئة للغاية ولكنني لم أهتم لأنه لا يوجد شيء يهمني أكثر منك كريم".
ابتسم كريم بخبث فقد سهلت بحديثها عليه المهمة التي سعى لأجلها الأشهر الماضية وأردف قائلاً وهو يصطنع الحزن:
-"أنا لا يمكنني أن أراكِ حزينة حبيبتي ، فأنا أشعر عندما أرى دموعك بأن أحدهم قد طعنني بخنجر في صدري".
ابتسمت كالبلهاء عندما سمعت كلماته المعسولة التي يمطرها بها دائما ولكنها عقدت حاجبيها في دهشه عندما سمعته يقول بحزم:
-"لن تكملي دراستك شيرين ... أنا لن أحتمل رؤيتك حزينة كل عام عندما تظهر النتيجة".
حاولت مقاطعته ولكنه استطرد قائلاً:
-"أنتِ لن تحتاجي لشهادتك لأنني سأوفر لكِ كل ما تحتاجين إليه".
أردفت بتردد:
-"ولكن بابا يريد أن ...".
قاطعها قائلاً بهدوء:
-"والدك لا يريد سوى سعادتك ... أنتِ فقط قومي بإخباره بأنك لا تريدين إستكمال دراستك ودعي الأمر لي".
أومأت برأسها قائلة بقلق:
-"سأخبره بالأمر عندما يبدأ حفل الحنة".
أخبرت شيرين والدها بالأمر ولم يكن يحتاج إلى من يخبره بأن كريم قد لعب بعقل ابنته ... كز على أسنانه بغيظ وهو ينظر إلى كريم الذي يجلس بجوار شيرين ويهمس في أذنها بشيء جعلها تبتسم.
-"انتظر فقط حتي تنتهي الحفلة وسأريك ماذا سأفعل بك يا عديم الرجولة".
تمتم بها بغضب وهو يكور يده بعصبية ... ربتت زوجته على كتفه وهي تقول:
-"اهدئ قليلا وانتظر حتى ينتهي الحفل وسوف نناقش الأمر رأفت".
-"انظري إليه هدى ... لقد وعدني الحقير بأنه سيدعها تكمل دراستها بعدما يتم الزواج ولكنه الآن خلف وعده ويستغل حب شيرين له ليحصل على ما يريد".
تنهدت هدى بحزن فقد ابتلى الله ابنتها بلعنة العشق التي تجعلها كالمغيبة تماما عندما ترى كريم أمامها ... لا تعرف ما الذي رأته شيرين بكريم حتى تحبه لهذه الدرجة.

انتهى حفل الحنة واجتمع رجال العائلة برفقة كريم وشيرين لكي يصلوا إلى حل تلك المشلكة.
هدر رأفت بغضب وهو ينظر إلى كريم الذي يجلس بهدوء وكأن الأمر لا يعنيه:
-"لقد اتفقنا بأن شيرين ستكمل جامعتها بعدما يتم الزواج".
مط كريم شفتيه ببرود وقال:
-"وما ذنبي أنا؟! هي من قررت بأنها لن تكمل دراستها وأنا لن أجبرها على شيء لا تريده".

كور رأفت يده بغيظ لو كان الأمر بيده لطرد كريم من منزله وتخلص من وجوده الذي يزعجه ولكنه يحتمل كل هذا لأجل صغيرته التي لا يمكنه رؤية دموعها. هتف رأفت بهدوء مريب عكس ما تظهره ملامحه:
-"لماذا غيرتِ رأيك وقررتِ فجأة ألا تكملي دراستكِ؟"
أردفت شيرين بتلعثم وهي تنظر أرضا:
-"لأنني مللت ، وأيضا لن أحتاج للشهادة والوظيفة لأن كريم سيلبي جميع احتياجاتي".

صاح رأفت هازئا وهو يرمق كريم بنظرات غاضبة:
-"هذا ما أخبرك به إذن ... لقد أثبت لي بأني كنت محقا بشأنك وبأنك لست رجلا يعتمد عليه ... أعطيتني وعدا وكلمة الرجل سيفا على رقبته حتي يفي بها ... أنت ثعبان ماكر تقربت من شيرين وجعلتها تحبك وعندما عقدنا القران ظهر لونك الحقيقي ... لن أدعك تأخذ ابنتي أبدا فأنت لست سوى حقير مخادع وأنا لن أسلمها إلا لرجل يحبها ويقدرها ويفي بكلمته".

نظرت له شيرين لبرهة قبل أن تستوعب ما ألقاه على مسامعهم ... لا يمكنه أن يفرق بينها وبين كريم ... لن تستطيع أن تعيش من دونه .
نطق كريم بحزم:
-"شيرين لن تكمل جامعتها بعدما نتزوج".

تقدم منه رأفت وضحك هازئا:
-"ومن قال بأنني سأدع ابنتي تتزوجك يا حقير؟!"

نظرت له شيرين بصدمة وهتفت بتلعثم ودموعها تهطل بغزارة على وجهها:

-"ماذا تعني بابا؟"

اقترب منها رأفت وربت على كتفها بحنو قبل أن يقول:

-"هذا الوغد لا يستحقك ... أنتِ تستحقين رجلا يصونك ويتمنى لكِ الخير أما هذا الحقير فهو لا يريدك سوى جارية له وعندما يمل منك سيتركك ويذهب إلى غيرك".
هدر كريم بغضب فهو لن يسمع اهانات رأفت له ويظل صامتا:
-"لا تتجاوز حدودك معي ولا تنسى من أكون ... شيرين ستأتي معي ولن تتركني".

كان عم شيرين ينظر إليهم بوجوم قبل أن يتدخل فقد وجد أنه يجب أن يتصرف فقد طفح كيله من هذه المسخرة التي تحدث أمامه الآن والتي حتما ستخلف ورائها فضيحة كبرى .
هتف قائلاً وهو يصوب نظره نحو شيرين:

-"بما أن والدك وزوجك اختلفا فالقرار سيكون لكِ ... ماذا تريدين شيرين؟"

سكتت ولم تنطق ليستطرد قائلاً:
-"أمامك خياران ... إما أن توافقي على ما يقوله والدك أو تذهبي مع زوجك".
مد رأفت يده لها وقال:
-"هيا شيرين ، دعينا نعود لمنزلنا".
نظرت له شيرين بتردد قبل أن تحسم أمرها وتقف بجانب كريم وتقول:
-"سأذهب مع زوجي".
ابتسم كريم بسخرية وهو ينظر إلى وجه رأفت الذي اعتلته معالم الصدمة وخيبة الأمل .
لقد تخلت عنه ابنته من أجل كريم الحقير ... تركته بعد كل ما قدمه لها لكي تنال رضا حبيب لن ينال قلبها منه سوى العذاب والألم ... ابتلع غصة مريرة في حلقه وهتف قائلاً بحزم:
-"هيا بنا هدى ... سنعود للمنزل".
نظرت له هدى بتعجب وهتفت:
-"ولكن رأفت لا يمكننا ترك ابنتنا برفقة ..."
قاطعها صارخا في وجهها:
-"ليس لدينا ابنة لقد ماتت اليوم وإذا بقيتي هنا الآن ستكونين طالق بالثلاثة".
خرج من منزل شقيقه وهو غاضب ... نظرت هدى إلى شيرين بعتاب قبل أن تلحق برأفت الذي أقسم عليها يمين الطلاق لأول مرة منذ زواجهما.

أخذت تبكي بقوة بعدما غادر والديها وكلما تذكرت بأن والدها تبرأ منها واعتبرها ماتت زاد بكائها ... اقترب منها كريم وربت على كتفها وهو يحتضنها وهتف بلطف:
-"لا تقلقي شيرين سيسامحك والدك قريبا فهو يحبك ولن يبقى غاضبا منكِ"

أخبرها بأن كل شيء سيكون بخير ولكنه كذب ... مرت عشر سنوات ووالدها لم يسامحها بعد ... أما زوجها الذي فعلت من أجله المستحيل تركها لتبكي دموع القهر والندم كلما تذكرت خطأها الفادح.

نهاية الفصل
#batol

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.