batolali

شارك على مواقع التواصل

لوحت شيرين بيدها لتوقف سيارة الأجرة القادمة نحوها ولكن السائق لم يتوقف ... زفرت بضيق قبل أن تقول:

-"لماذا لم يتوقف هذا الأحمق؟! كيف سأعود إلى المنزل الآن وأنا لا أجد سيارة ميكروباص أو تاكسي؟"

شعرت بالغيظ الشديد عندما تذكرت هذا المعلم الذي يتعمد في كل مرة أن يجعل موعد الحصة في وقت متأخر ... قضمت أظافرها بعصبية وغضب وهي تفكر كيف ستعود الآن إلى منزلها.
قطع تفكيرها صوت بوق السيارة التي توقفت أمامها ... عقدت جبينها بتعجب عندما رأت كريم ينظر لها من نافذة السيارة ويشير لها بأن تصعد ... ظلت واقفة محلها ولم تحرك ساكنا ، وهي تنظر له بجمود وتعجب ، وتتسائل ما الذي أتى به إلى هذه المنطقة وما الذي يفعله؟
زفر كريم أنفاسه بضيق وشعر بالغضب ولكنه تمالك نفسه وهتف بهدوء بلطف:

-"لماذا تقفين عندكِ شيرين؟ يجب أن تصعدي معي الآن لأنك لن تجدي سيارات أجرة ولن تستطيعي العودة إلى المنزل إذا لم تأتي معي".

زفرت شيرين أنفاسها بغضب وشعرت بالغيظ الشديد وهي تسب وتلعن هذا المعلم الذي أوقعها في هذا المأزق ، فهي لا يمكنها أن ترفض عرض كريم بأن يوصلها إلى المنزل ، ولا يجوز لها أن تقبل بهذا العرض لأنها تعلم بأن إياد سيغضب بشدة عندما يعلم بهذا الأمر.
نظر لها كريم واستطاع بسهولة معرفة ما تفكر به وأن يستشف ذلك من معالم وجهها ... ارتفعت زاوية ثغره بمكر وهو ينظر إليها قبل أن يقول:

-"لا تقلقي شيرين فأنا لن أخبر أحدا بأني قمت بتوصيلك إلى منزلك ، كما أنني سأتوقف في مكان قريب من منزلك وليس أمامه مباشرة كي لا يراكِ أحد من عائلتك".

أردفت شيرين بتلعثم:
-"ولكن لا يجوز أن ..."

قاطعها كريم قائلاً بلطف:
-"أنت خطبية صديقي المقرب شيرين ، ولا يمكنني أن أتركك وحدكِ هكذا في منتصف الطريق وأدير ظهري لكِ فهذه ليست أخلاقي".

فكرت قليلا قبل أن تومئ له برأسها موافقة على حديثه وتصعد بجواره في السيارة ولم تنتبه إلى عيناه التي لمعت بتلك اللمعة الشيطانية قبل أن يدير المحرك .
مر بعض الوقت قبل أن يصل كريم إلى وجهته وأوقف السيارة بالقرب من منزلها ... خرجت شيرين من السيارة وشكرته بخفوت وهي تتوجه بسرعة إلى منزلها قبل أن يراها أحد الماره برفقة كريم.

وصلت أخيرا إلى منزلها وأخرجت مفتاح الشقة وفتحت الباب ... انتبهت لها والدتها عندما دلفت إلى الشقة فسألتها ومعالم القلق تكسو وجهها:

-"أين كنتِ شيرين؟ ولما تأخرتِ؟"

أمسكت شيرين بدروق المياه وارتشفت منه القليل قبل أن تجيب قائلة:
-"تأخرت قليلا بسبب الحصة وعندما خرجت لم أجد سيارة أجرة أو ميكروباص".

عقدت والدتها حاجبيها في دهشة غير مصدقة ما سمعته من شيرين وقالت:

-"كيف حضرتِ إلى المنزل وأنت لم تجدِ وسيلة مواصلة؟"

ابتلعت شيرين ريقها بصعوبة وهتفت بتلعثم:

-"لقد وجدت سيارة في النهاية ولكن بعد أن انتظرت طويلاً".

حركت والدتها رأسها عدة مرات دليلاً على تفهمها للأمر وقالت:
-"حسنا ... اذهبي إلى غرفتك وغيري ملابسك وأنا سأجهز لكِ الطعام كي تأكلي".

ابتسمت شيرين لوالدتها بخفه وهي تتجه إلى غرفتها ، وبدلت ملابسها بسرعة قبل أن تخرج من الغرفة وتتوجه نحو مائدة الطعام.
كانت والدتها تنظر لها وهي تتناول طعامها بشك وريبة فحدثها يخبرها أن شيرين كذبت عليها وبأن هناك شيئا ناقصا لم تخبرها به.
أنهت شيرين طعامها تحت نظرات والدتها المتفحصة لها وغسلت يديها وهي تشعر بالتوتر والقلق ... تمتمت بخفوت وبصوت لم يسمعه غيرها:

-"أتنمى أن يكون كريم صادقا في وعده وألا يخبر أحد بأنه أوصلني".

سمعت صوت رنين هاتفها فدلفت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها ، وأمسكت الهاتف وأجابت على الفور عندما رأت اسم صديقتها ، ليأتيها صوت انجي القلق وهي تقول:
-"لماذا لم تجيبي على اتصالاتي؟"

هتفت شيرين بهدوء عكس ما تظهره ملامحها القلقه:

-"أنا أسفة انجي ... لقد قمت بجعل الهاتف في وضع صامت ولم أنتبه لهذا الأمر إلا منذ دقائق".

لاحظت انجي القلق الذي يظهر في نبرة صوت صديقتها فسألتها بجدية:
-"ماذا بكِ شيرين؟ يبدو أنك قلقة ... هل أنتِ بخير؟"

قصت عليها شيرين كل ما حدث وبعدما انتهت أردفت انجي بضيق:
-"لم يكن عليكِ أن تصعدي معه في سيارته ... لقد رأيته في الحفل ولا أعرف لما لم أطمئن له ... حاولي أن تبتعدي عنه شيرين وتجنبي الحديث معه قدر المستطاع ... أنا لا أفهم ما الذي كان يفعله في هذه المنطقة وفي هذا الوقت".
أردفت شيرين بحيره:
-"لا أعلم انجي ... أنا أيضا اندهشت عندما رأيته أمامي".

غمغمت انجي بابتسامة مغصوبة تحاول تهدئة الوضع:

-"انسي أمره ولا تقلقي فهو لن يخبر إياد بالأمر لأنه يعلم بأنه سيغضب منه".

انتشلها من ذكرياتها صوت ابنتها التي لوحت بيدها أمام وجهها عدة مرات وهي تقول:
-"أريد بعض المال ماما ... هناك بعض الملزمات التي يتوجب عليَّ شرائها".
وضعت شيرين يدها على جبهتها وحاولت أن تتماسك وألا تنهار أمام ابنتها ... أخرجت من خزانتها بعض النقود وأعطتها لابنتها.
أجهشت ببكاء مرير بعدما غادرت ابنتها وهي تنظر إلى الأموال القلية التي بحوزتها.

كيف ستدبر المال من أجل احتياجات أطفالها وهي لم تعثر على عمل ... فكرت بأن تذهب إلى منزل عائلتها ولكنها نهرت نفسها على هذه الفكره ... كيف ستلجأ إليهم ليساعدوها بعدما تخلت عنهم في الماضي؟!

انسلت ابتسامة حزينة على شفتيها عندما تذكرت كيف كان والدها يغدق عليها بالمال.
-"شكرا بابا ولكن أنا لايزال بحوزتي الكثير من الأموال التي أعطيتها لي المرة السابقة".
قالتها شيرين مبتسمة وهي تنظر إلى رأفت الذي يمد يده لها بالنقود ... ابتسم والدها بلطف وهو يربت على شعرها بحنو وقال:

-"لا بأس ... خذيهم وأبقيهم معكِ لعلكِ تحتاجين إليهم فيما بعد".
ذرفت دموع الحسرة والندم من عينيها على ما فعلته في الماضي بوالدها الذي لم يبخل عليها أبدا في أي شيء.
▪▪▪▪▪▪▪
فتح إياد باب سيارته وساعدها لتخرج منها ودلفا إلى منزلهما ... أزاحت يده بلطف وهي تبتسم له بدفء وقالت:
-"لا داعي لكل هذا الاهتمام عزيزي فأنا لا زلت في الشهر الثالث".
بادلها ابتسامتها وهو يحتضتها قائلاً بمشاكسة:
-"سأهتم بكِ دائما وسأكون بجانبك فاطمة".
ابتسمت فاطمة وهي تحاوط عنقه:
-"سأعتاد منك على هذا الدلال ولن أتنازل عنه فيما بعد ، هذه ليست المرة الأولى التي أحمل بها".
ابتسم إياد وهو يحتضنها ويعدها بأنه سيظل دائما بجوارها ، فهذه هي زوجته التي دعمته وظلت بجانبه ولم تتخلى عنه كما تخلت عنه شيرين من أجل صديقه الوغد.
نظر لها وابتسم وهو يردف بمشاكسة:
-"لا تفكري أنك ستستطيعين أخذي معكِ هذه المرة إلى غرفة الولادة".
صمتت لبرهة تتأمل ملامحه قبل أن تمسكه من ياقة قميصه وصاحت بصوت منخفض وهي تدَّعي التفكير:
-"تريدني أن أتركك لتتغزل بك تلك الممرضة السمجة وأدخل غرفة الولادة بمفردي؟!"
ابتسمت بمكر واستكملت بحزم:
-"على جثتي حبيبي ، سترافقني كما فعلت معي المرة السابقة".
صفر قائلاً بإعجاب وهو يقرص خدها بلطف:
-"لا داعي لغيرتكِ زوجتي الجميلة ، سأرافقك وأمري إلى الله".
▪▪▪▪▪▪▪
نظرت بفخر وسعادة إلى كتابها الجديد الذي أقبل الناس على شرائه ... رأتها إحدى المعجبات فذهبت نحوها على الفور وهي تقول بلهفة:
-"هل يمكنني أن ألتقط صورة برفقتكِ سيده انجي؟"
ابتسمت انجي وهي تومأ برأسها وعندما انتهت تلك الفتاة من التقاط الصورة أسرع غيرها نحو انجي لكي توقع لهم ويلتقطوا الصور برفقتها.
مرت بضع ساعات قبل أن تعود إلى منزلها ... دلفت إلى الشقة لتجد الأضواء منطفئة فأضائتها وجلست على الأريكة تفرك جبينها بإرهاق ... أخرجت هاتفها من حقيبتها ونظرت بسعادة إلى صورها برفقة الأصدقاء والمعجبين الذين يستمرون بدعمها يوما بعد يوم ... ها هي الآن أصبحت كاتبة مشهورة وناجحة وخالفت توقعات شيرين وحبيبها السابق ... ابتسمت بسخرية وهي تتذكر هذا الحقير الذي يركض خلفها الآن ويطلب منها الصفح والغفران بعدما تركها في الماضي كخرقة بالية وقد كان يغدق عليها بعبارات الغزل ويعدها بالزواج فهي على الرغم من مرور عشر سنوات إلا أنها لم تنسى أبدا صفعة الخيانة التي تلقتها منه ... كانت تعتقد بأنه ليس هناك شيء أسوء مما حدث لها ولكنها كانت مخطئة فبعد مرور ثلاثة أعوام تخلت عنها شيرين وقطعت علاقتها بها إلى الأبد.
ابتسمت بمرارة وهي تردف بخفوت:
-"حاولت أن أحذرك منه ولكنك لم تستمعِ إليَّ واتهمتيني بالكذب والحقد ... انظري إلى نفسكِ الآن فأنتِ تعيشين أسوأ فترة في حياتك بعدما تركك زوجك وتزوج من امرأة أخرى ... أليس هذا من تحديتي الجميع من أجله؟ انظري إلى ما فعله بكِ يا صديقتي القديمة".
سكتت قليلاً قبل أن تتابع:
-"وأنت أيها الحقير تريدني أن أعود إليك بعدما تركتني أبكي وأتعذب!! أنا لم أتزوج حتى الآن لأنني ناقمة على جنس الرجال والفضل يعود لك".
عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم الذي تحطمت فيه على يديه.
كانت تضحك بسعادة وهي تتحدث مع ابنة خالتها "سميه" وتقص عليها ما قاله لها "عادل" عندما هاتفها:
-"أنا سعيدة جدا يا سميه ... أخبرني عادل أنه سيأتي قريبا إلى منزلي ويخطبني".
نظرت لها سميه بوجوم ولم تعلق لتستكمل انجي:
-"أنا أحبه كثيرا سميه ولا أستطيع العيش من دونه ... سيظل عادل الهواء الذي أتنفسه".
نظرت لها سميه بحزن ... لا تعلم كيف تخبرها بالحقيقة التي ستصدمها وتحطمها ... زفرت سمية بهدوء وهي تمسك يد انجي وقالت:
-"هناك شيئا يجب أن أخبرك به ، ولكن عديني أولا بأنكِ ستظلين هادئة وألا تجزعي بعدما أنتهي".
شعرت انجي بالريبة من حديث سميه ولكنها أومئت برأسها دليلا على أنها ستبقى هادئة.
رمقتها سميه بشفقة قبل أن تهتف قائلة:
-"عندما ذهبت بالأمس إلى زيارة صديقتي يارا أخبرتني بأنه هناك عريسا تقدم لخطبة ابنة عمها مي".
عقدت انجي حاجبيها في دهشة ولم تفهم ماذا تقصد سميه من حديثها ولكن اتسعت عينيها بصدمة عندما سمعت ما قالته لها:
-"لقد وافقت مي وتمت الخطبة قبل يومين وهذا العريس هو نفسه عادل الذي يعدك بالزواج".
صرخت انجي في وجهها بغضب وهي تصيح:
-"أنتِ كاذبة ... أنا أعلم بأنكِ تشعرين بالغيرة لأنك لم تجدي أحدا يحبك كما يحبني عادل".
أغمضت سميه عينيها بقوه قبل أن تلتقط هاتفها وتنقر بضع نقرات على الشاشة ... أمسكتها انجي من ذراعها بعنف وهي تقول:
-"لا تتجاهليني هكذا واتركي هذا الهاتف وأخبريني لما تكذبين عليَّ؟"
نظرت لها سميه بجمود وأعطتها الهاتف لكي تشاهد الصور ... اتسعت عينا انجي وجثت أرضا وأجهشت بالبكاء وهي تقلب في صور خطبة عادل ومي ... اقتربت منها سميه بهدوء واحتضنتها برفق وهي تربت على كتفها وقالت:
-"دموعك أغلى من أن تذرفيها من أجل ذلك الحقير ".
أردفت انجي بمرارة وهي تكفكف دموعها:
-"لقد أحببته كثيرا يا سميه ولكنه خدعني".
أمسكت سميه بوجهها وكفكفت دموعها العالقة في جفونها وأردفت قائلة:
-"أعلم بأنكِ أحببتيه ولكنك أخطئتي ... لا يجوز أن تتحدثي مع شاب وتواعديه دون أن يكون هناك رابطا رسميا بينكما ... عندما يريد الشاب أن يتزوج لا ينظر إلى تلك الفتاة التي واعدته وسلمته قلبها وإنما ينظر إلى تلك التي لم تتحدث معه ولا مع غيره ولم يحصل أحد على نظرة منها".
كزت انجي على أسنانها بغضب وهي تحتضن سميه وأجهشت بالبكاء مرة أخرى وقالت:
-"لقد قمت بخيانة ثقة والداي من أجله ... فعلت الكثير لكي أنال رضاه ولكنه غدر بي".
تذكرت انجي كيف عانت وهي تحاول أن تنساه ، لم تستطع ذلك في البداية ولكنها حاولت ونجحت في النهاية.
ابتسمت بتهكم عندما سمعت رنين هاتفها ورأت أن المتصل هو ذلك الحقير عادل ... تجاهلت الاتصال ثم قامت بحظر رقمه كي لا يقوم بإزعاجها مرة أخرى.

نهاية الفصل
#batol

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.