LoudJeyne

شارك على مواقع التواصل

كان يوما ربيعيا جميلا، الشمس مشرقة في السماء الزرقاء المنعشة ترسل بأشعتها الدافئة إلى الأزهار الملونة الجميلة التي تزين العشب الأخضر النامي من حول الأشجار التي زرعت بمحاذاة بعضها لتعطي مدخل المدرسة طابعا أنيقا و جميلا، كانت شجرة الصنوبر المزروعة قرب نافذة القسم كثيفة الأوراق حيث غطت معظم أشعة الشمس لتخلق ظلا مريحا في المقعد المقابل لتلك النافذة التي كانت تجلس فيه تلميذة شاردة الذهن تتأمل المناظر الطبيعية من حولها و حركة الطيور على تلك الشجرة تتساءل عن نوع الحياة التي ستتمكن من عيشها إن كانت طائرا يتمكن من فرد جناحيه و التحليق إلى أي مكان تريده، كانت الفتاة ذات شعر أسود مجعد لا يتجاوز كتفيها و عينين ناعستين ذات لون بني فاتح ترتمي عليهما رموش طويلة لتعطي منظرا مبهرا و بشرة متوسطة ناعمة خالية من العيوب، لكن سرعان ما استفاقت الفتاة من أحلام يقظتها عندما سمعت المعلمة و هي تنادي اسمها: "جيهان! يا جيهان!"
استدارة جيهان نحو المعلمة و استقامت في جلستها بسرعة.
"ما الذي كنت تحدقين به بدل التركيز على الدرس؟"
ارتبكت جيهان عندما لاحظت أعين جميع من بالقسم موجهة نحوها و أجابت نافية: "لا شيء يا معلمة."
ألقت الأستاذة بنظرة حادة نحو جيهان و استدارت إلى السبورة لاستكمال الدرس و تمتمت لنفسها: "...لا أستطيع ان أفهم كيف لفتاة شاردة الذهن طوال الوقت أن تكون الأولى من بين أقرانها في مدرستنا..."
لم تلقي جيهان ببال لما قالته المعلمة و أمسكت بقلمها لتكمل كتابة الدرس، بعد مدة رن جرس المدرسة معلنا عن نهاية اليوم الدراسي و بدأ الجميع بوضع أغراضهم في حقائبهم. نهضت المعلمة من مكانها و رفعت صوتها حتى يسمعها كل من في القسم: "الآن، لا تنسوا أن تركزوا على دراساتكم و تراجعوا دروسكم جيدا، عليكم أن تتحصلوا على علامات جيدة لتتمكنوا من دراسة تخصص جيد في الجامعة."
لم تهتم جيهان لما كانت تقوله الأستاذة و خرجت من القسم بسرعة لحظة إنهائها لكلامها، لاحظت المعلمة ذلك و ملامح العبوس بادية على وجهها.
كانت جيهان تسير بخطوات خفيفة عبر الرواق حتى لاحظت شقيقتها و نادت باسمها عاليا من خلال الحشد: "بيان!"
استدارت شقيقتها خلفها و ابتسمت ابتسامة عريضة قبل ان تتوجه نحو جيهان و تمسكها من ذراعها: "بسرعة لقد رأيت أبي أمام بوابة المدرسة ينتظرنا."
كانت بيان شقيقة جيهان التوأم و كانتا متشابهتان في ملامح الوجه عدا عن اختلافات بسيطة، حيث كانت بيان ذات عيون مستديرة بلون بني داكن و شعر مموج أسود طويل يتجاوز خصرها كما أن بشرتها كانت أفتح بقليل من لون بشرة جيهان.
اتسعت عيون جيهان في حماس شديد و بدأت تجر بيان مهرولة نحو بوابة المدرسة أين ينتظرهما والدهما و عند خروجهما إلى الساحة و اقترابهما من البوابة لاحظت جيهان والدها و بدأت تلوح له من بعيد و عندما اقتربت منه وقفت أمامه و أخرجت ورقة من حقيبتها و أرته إياها، أمسك الأب مستغربا بالورقة و سألها عنها فأجابته جيهان بثقة: "إنه فرض الرياضيات، لقد أخبرتني أنك ستأخذنا إلى ذلك المطعم الجديد في المدينة اذا تحصلت على اعلى علامة في القسم. و أنظر! لست فقط الأولى في القسم بل الأولى من بين تلاميذ السنة الثالثة كلهم."
تأمل الأب الورقة و العلامة الكاملة التي عليها ثم ابتسم ابتسامة عريضة قبل أن يربت على رأس جيهان برفق و يقول: "معك حق، و الوعد وعد. سآخذكم جميعا إلى ذلك المطعم في عطلة نهاية الأسبوع."
فأجابته جيهان و البسمة لا تفارق وجنتيها: "لن أدعك تنسى ذلك."
بعد ذلك ركبت كل من جيهان و بيان السيارة مع والدهما و اتجهوا إلى المنزل، فور فتح بيان الباب حتى ارتمى على أحضانها شقيقهم الأصغر سامي الذي يبلغ من العمر ست سنوات و رحب بهما ترحيبا حارا و قال في لهفة: "بيان الحمد لله أنك أتيت لقد اشترت لي أمي لعبة إلكترونية جديدة تعالي فلتلعبي معي!"
ثم ظهرت الأم و تقدمت من المطبخ و وبخت سامي قائلة: "ما هذا يا سامي! فلتدع شقيقتيك ترتاحان فقد وصلتا للتو من المدرسة."
فردَّ سامي متذمرا: "لكنني انتظرتها اليوم بطوله لتلعب معي!"
أجابته بيان مطمئنة: "لا تقلق يا سامي سوف ألعب معك بقدر ما تريد لكن أريد أن أرتاح قليلا قبل ذلك فأنا منهكة من المدرسة، حسنا؟"
رد سامي بعبوس بتفهم و قرر الذهاب للعب مع أصدقائه في الخارج. بينما اتجهت جيهان مباشرة نحو غرفتها و غيرت ملابسها لترتدي ملابس مريحة أكثر ثم تستمر بالجلوس فوق سريرها و الاستماع إلى الموسيقى بينما كانت بيان تساعد أمها في المطبخ بعد أن غيرت ملابسها هي الأخرى، و هكذا حتى أصبح وقت العشاء و اجتمع جميع أفراد العائلة حول مائدة الطعام و بدئوا يتجاذبون أطراف الحديث حتى سئلت الأم عن يوم ابنتيها في المدرسة، كانت بيان تشارك قصصا طريفة و مواقف ممتعة حدثت مع صديقاتها اليوم لكن جيهان ظلت صامتة طوال الوقت حتى سألتها الأم عن يومها فأجابت غير مكترثة: "لقد كان يوما عاديا، لم يحدث شيء يستحق الذكر."
فردت عليها الأم متسائلة: "ألم تحاولي التحدث مع أحد الفتيات في القسم؟"
استمرت جيهان في الرد بنبرة الصوت غير المكترثة نفسها: "جميع من في القسم يتحاشاني لأنهم يظنون أنني متكبرة و أنظر إليهم نظرة استصغار لأنني الأولى في المدرسة."
"و هل تفعلين ذلك؟ هل تنظرين اليهم باستصغار؟"
صمتت جهان لبرهة ثم أجابت بصوت منخفض: "...ربما..."
كانت نظرة القلق بادية على محيا الأم لكن الأب قد صرف الموضوع على أن زملائها في القسم يغارون منها فقط. كان من الواضح أن جيهان لم تكن مرتاحة بالتحدث في هذا الموضوع لذلك حاولت تغيير الموضوع: "و أنت يا سامي كيف كان يومك؟"
لاحظت الأم أن جيهان كانت تحاول تغيير الموضوع لكنها استسلمت للأمر عند رؤية ابنها سامي يسرد ما حصل معه اليوم مع أصدقائه بكل حماس.
بعد انتهاء موعد العشاء كانت جيهان في المطبخ تقوم بغسل الأواني بينما سامي و بيان في غرفة المعيشة يلعبان بلعبة سامي الجديدة و كل من الأب و الأم في هواتفهم النقالة حتى اقترب موعد النوم و عاد الجميع إلى أسرتهم مستعدين للخلود في نوم عميق، كانت جيهان قد ألقت بثقل جسدها كله على السرير منهكة و تمتمت لنفسها: "...أتمنى أن تغيب أحد المعلمات غدا..."
ثم أطفئت نور المصباح قرب سريرها و أغلقت عينيها ببطء شديد...عندما قامت جيهان بفتح عينيها وجدت نفسها في مكان غريب، قد ظنت للوهلة الأولى أنها تحلم فهي تتذكر الخلود للنوم فتقدمت خطوة بعد خطوة محاولة أن تعرف أين هي لكن لم تتمكن من رؤية شيء بسبب الضباب الكثيف، عندها لمحت جيهان في زاوية عينيها ظلا غريبا يتقدم نحوها، قد ترددت جيهان لبرهة ثم قررت الذهاب ناحيته و بينما هي تسير متجهة نحو ذلك الظل الغريب كانت رؤيتها تتضح أكثر فأكثر حتى اقتربت منه و أصبح واضحا تماما لها، كانت جيهان مستغربة مما رأته و قالت متفاجئة: "بيان؟!"
استدارت بيان باتجاهها مستغربة هي الأخرى: "جيهان؟!"
"ما الذي تفعلينه هنا؟!"
"ما الذي تقصدينه؟ أين نحن أصلا؟"
تنهدت جيهان ثم قالت: "لا أعلم، لنحاول أن نجد طريقة لنخرج من هنا أولا."
ردت بيان: "حسنا، أمسكي بيدي و هيا بنا."
أمسكت جيهان بيد بيان و راحتا يتنقلان في المكان، لكنه كان واسعا جدا و شعرتا بأنهما يدوران حول المكان نفسه حتى لاحظتا نورا يشع بخفة من بعيد و اتجهت كلتا الأختين نحو مكان النور و عند اقترابهما منه لاحظتا وجود نور أخر بقربه و قد كان النور يشع بقوة أكبر كلما اقتربتا منه و عند وصولهما إلى مكان النور و جدتا كتابين موضوعان بعناية أمامهما، تقدمت جيهان نحو أحد الكتب و حملته بين يديها، كان الكتاب ذو غلاف جلدي مخملي مزين بزخارف ذهبية فخمة و جذابة و كان عدد صفحات الكتاب كثيرا، أمعنت جيهان النظر في الكتاب و نظرت إلى بيان التي كانت بدورها تحمل الكتاب الآخر في استغراب و سألتها متعجبة: "كتاب؟ لماذا هو هنا؟"
أجابتها بيان: "لا أعلم-"
لم تتمكن بيان من إنهاء جملتها حتى لاحظت كتابات غريبة تظهر على سطح الكتاب فنادت على جيهان في دهشة: "مهلا! هناك شيء ما يحدث للكتاب!"
ردت عليها جيهان مذهولة: "بيان! اسمي مكتوب على سطح الكتاب!"
"ماذا؟"
"لا حقا، انظري."
ألقت بيان نظرة على كتاب جيهان و تأكدت من أن اسم جيهان فد نقش على غلاف الكتاب و استدارت بسرعة لترى الكتاب الذي تحمله لتجد أن اسمها هي الأخرى قد نقش على سطح الكتاب، استغربت بيان مما حصل و بينما هي تتحسس اسمها المنقوش على هذا الكتاب الغريب قامت بفتحه لتجد أن جميع تلك الصحف كانت فارغة تماما و كذلك كتاب جيهان، و بينما كلتاهما فتحتا الكتاب و ظلتا تنظران إلى بعضهما لاحظتا كتابات أخرى تظهر على الصفحات الأولى للكتاب كانت جملتين في كل سطر عندما رأتها جيهان فكرت في نفسها: "هذه ليست كتابات عربية، نمط هذه الكتابات نمط مسماري غريب، كما أشعر أنني رأيتها من قبل لكن أين...؟"
ثم نادت عليها بيان: "جيهان، ما الذي يعنيه هذا؟"
"لا أعلم."
كانت كل من جيهان و بيان مرتبكتين مما حصل و من هذا الكتاب الغريب، و بينما كانت بيان تقلب صحف الكتاب و تتفحصه تأكدت جيهان من حفظ نمط هذه الكتابات الغريبة ثم فجأة بدأ المكان يزداد ظلمة شيئا فشيئا حتى اكتسح الظلام الدامس المكان كليا، قامت جيهان بإغلاق عينيها بشدة من الخوف و عندما فتحتهما وجدت نفسها ملقاة على سريرها و كان الوقت صباحا، استغربت جيهان مما حصل حيث كانت تتذكر تماما ما حصل داخل الحلم، جلست جيهان بتعب على حافة السرير تحاول الاستيقاظ تفكر مليا بالحلم الغريب الذي راودها للتو و بعد مدة قررت عدم الاكتراث للموضوع و صرفته على أنه مجرد أضغاث أحلام و استمرت جيهان بالاتجاه نحو الحمام لتحضير نفسها ليوم دراسي آخر غير مكترثة.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.