اجتمعت العائلة حول مائدة العشاء و كان يبدو على الأم التوتر الشديد لدرجة أنها فقدت شهيتها فسألها الأب بعد أن لاحظ ذلك قائلا: "ما بكي يا وسيلة؟ لا تبدين بخير بالكاد لمست طعامك..."
"ماذا يمكنني أن أقول يا صالح، غدا يوم الإعلان عن نتائج اختبار البكالوريا و أنا قلقة على فتياتي."
"كيف تقلقين و فتياتك يأكلن و يضحكن كما لو أن شيئا لن يحدث؟"
التفتت الأم إلى بيان التي كانت تعيد ملئ طبقها و جيهان التي كانت تضايق سامي و كلتاهما كانتا تضحكان بسعادة فتنهدت و قالت: "كنت أتوقع ذلك من جيهان لكن بيان أيضا؟! كيف يمكنها أن تكون هادئة هكذا؟"
"استرخي قليلا، بماذا سينفعك كل هذا التوتر؟"
"أعلم و لكنني فقط لا أستطيع التوقف عن القلق."
"لا تقلقي، إن شاء الله سيسير كل شيء بخير و سنفرح ببيان و جيهان غدا."
"إن شاء الله."
بعد الانتهاء من العشاء اتجهت جيهان إلى غرفة بيان التي كانت تستعمل هاتفها، دخلت و أقفلت الباب ثم قالت لها بحماس: "إذًا...؟"
احتارت بيان ثم ردت عليها قائلة: "إذًا ماذا؟"
"هل تعلمتي تعويذات جديدة؟"
"ماذا عنكي؟"
"لقد سألتك أولا!"
"حسنا دعيني أفكر... لقد تحصلت على تعويذة تسمح لي بالتلاعب بالنار."
"ماذا؟! مستحيل!!"
"بلى، كما أخبرتك."
خرجت جيهان من الغرفة بسرعة و اتجهت إلى المطبخ أين أمسكت بولاعة ثم هرولت عائدة إلى الغرفة و مدت ذراعها ممسكة بها ناحية بيان فسألتها: "ما هذا؟"
"ولاعة."
"أنا أعلم أنها ولاعة، أنا أسأل لماذا أحضرتها."
"لكي تريني كيف تتحكمين في النار."
نظرت بيان إلى جيهان لمدة و فكرت لبرهة قبل أن تستلم الولاعة من جيهان: "أنا أحذرك، لم أجرب التعويذة في الواقع بعد لذلك لست متأكدة من النتيجة."
"إذا هل يجدر بنا أن نتجه إلى الشرفة في غرفتي؟"
"حسنا، أعتقد أنها فكرة جيدة."
نهضت بيان من فوق السرير و اتجهت مع جيهان إلى شرفة غرفتها و في طريقهن تأكدت بيان أن جميع من في المنزل نائم قبل دخول الغرفة.
"حسنا يمكنك أن تجربي الآن"، قالت جيهان بعد إغلاقها لباب الشرفة.
نظرت بيان إلى جيهان التي كانت تنتظر بفارغ الصبر لرؤية تلك التعويذة ثم تحسست الولاعة في راحة يدها، كانت قلقة من أن تسوء الأمور لكنها صرفت تلك الفكرة ثم شغلت الولاعة لتظهر شعلة صغيرة أمامها، قامت بإغلاق عينيها و فكرت مليا بما كانت تريد أن تفعله بتلك الشعلة ثم قالت بصوت واضح: "واقع!"
و في تلك اللحظة بالتحديد تضخمت الشعلة في لمح البصر مما جعل كل من بيان و جيهان تجفلان ثم تشكلت تلك النار لتصبح على شكل قلب كبير مشتعل، تفاجأت كل من جيهان و بيان لكن جيهان قد قفزت من مكانها و صرخت في دهشة: "هذا رائع جدا!!! لقد تمكنت من التلاعب بالشعلة الصغيرة في فوهة الولاعة لتجعليها تكبر في الحجم و تصبح على الشكل الذي تريدينه."
"نعم، أنا أعلم."
"أخبريني ما هي التعويذة التي تسمح لكي بفعل هذا."
"لا يمكنني، هل نسيت بما أخبرنا به جزلان حول تشاركنا للتعاويذ."
صمتت جيهان قليلا و قد بدا الاستياء على وجهها لكنها أجابت بيان و قالت: "بأنه لا يمكننا فعل ذلك بحكم أن الكتاب يُقرر التعاويذ التي تكون قوتنا مناسبة لتعلمها و مشاركة إحدانا لتعويذة لم يُظهرها الكتاب للأخرى قد يؤثر سلبا على عملية تعليمنا."
"بالضبط، كما و أنه أخبرنا عن طريقة لاختصار التعاويذ و استعمال الكلمة الأولى فقط حتى لا نقع في تلك المشكلة، لذلك توقفي عن طلب التعويذات التي لم تظهر لكي بعد من عندي."
"و لكن لماذا تحصلين على تعويذات رائعة كهذه بينما كل ما أحصل عليه هو تعويذات مملة و تافهة فقط."
"هل تعلمتي تعويذة جديدة اليوم؟"
"نعم، لكنها ليست بشيء يذكر..."
"هيا أريني."
"حسنا لكن لا تتوقعي الكثير."
قامت جيهان برفع كفة يدها باتجاه بيان ثم قالت بوضوح: "واقع!"
فتعجبت بيان عند رؤيتها للولاعة و هي تتحرك بنفسها لتتجه إلى جيهان التي أمسكت بها في وسط الهواء، صفقت بيان بهدوء و قالت بسعادة: "ما الذي تقصدينه بتعويذات مملة و تافهة؟ يمكنك تحريك الأشياء عن بعد!"
"نعم لكنني جربتها اليوم و يمكنني فقط تحريك الأشياء الصغيرة عن مسافة قريبة."
"أوه..."
"ترين ما أقصد؟ ها أنت هنا تتلاعبين بالنار بكل فخامة بينما أقوم بتحريك الولاعة من يدك إلى يدي."
"لا تقولي هذا، ربما لست مستعدة لتعلم تعاويذ صعبة بعد لربما ستتمكنين من ذلك عما قريب."
"أنا أرجو ذلك..."
لاحظت بيان استياء جيهان فحاولت إلهاءها فقالت لها: "على أي حال، ألا يجدر بكي أن تقلقي حول نتائج البكالوريا التي سيتم الإعلان عنها غدا؟"
"لست قلقة حول هذا."
"نعم لقد نسيت بأنك الأولى في مدرستنا..."
"ليس هذا ما أقصده."
"إذا...؟"
"لا أهتم إذا ما نجحت أو لا فأنا على عكس الجميع لا أهتم بدخول الجامعة."
تفاجئت بيان من كلام جيهان الذي بدا غير منطقي البتة بالنسبة لها، فجميع أحلام بيان مبنية على دخولها الجامعة فسألتها قلقة: "و لما ذلك؟!"
"لا أعلم، أنا فقط لا أشعر بالحماس اتجاه الموضوع، لقد كانت الفكرة في بادئ الأمر مثيرة للحماس لكنها فقدت بريقها بالنسبة لي. الكل يريدون الالتحاق بالجامعة لتحقيق أحلامهم و الحصول على عمل لكن بالنسبة لي..."
"بالنسبة لكي...؟"
"أنا ليس لدي أي أحلام، في الحقيقة لا أعلم ما أريد فعله في المستقبل لقد كنت أدرس لأن ذلك يسعد أبي و أمي أما الآن بعد أن فكرت في الأمر وجدت بأنه من البائس أن أستمر في حياتي لإسعاد الآخرين من حولي دون أن أجد أي شيء أريد فعله، شيء يشعرني بالسعادة أثناء فعله، طريق لن أشعر بالندم عند سلكه..."
استمعت بيان بصمت و انتباه إلى كلام جيهان و فكرت في نفسها: "لم أعلم بأن جيهان تشعر بهذه الطريقة، أعتقد بأن كلتانا لها مشاكلها الخاصة".
استدارت جيهان نحو بيان ثم سألتها: "ماذا عنكي؟ ما هي أحلامك؟ لا أظن بأننا تحدثنا عن هذا من قبل..."
"أريد أن أصبح مترجمة."
"حقا؟ هذا رائع جدا."
"نعم، لطالما استمتعت بتعلم لغة جديدة و إتقانها، لذلك فأول خطوة بالنسبة لي حتى أستطيع تحقيق حلمي هي أن أدخل الجامعة و أن أدرس الترجمة."
ابتسمت جيهان ثم نظرت إلى بيان و قالت: "و الآن بفضل تعويذة الترجمة يمكنك أن تبرعي في ذلك المجال."
استقامت بيان ثم قالت بارتباك: "الأمر لا علاقة له بالتعويذة! لقد كان هذا حلمي قبل كل هذا."
"كل هذا؟"
"تعلمين، قبل موضوع السحر و الصحوة هذا."
ضحكت جيهان بنعومة ثم رفعت نظرها نحو سماء الليل و تنهدت قائلة: "آه كم أنت محظوظة، لقد وجدت حلما خاصا بكي وحدك أما أنا فعلي الاستمرار بالبحث."
"لا يمكننا الجزم، ربما ستجدين حلما تريدين اتباعه في المستقبل القريب."
"نعم، آمل ذلك."
"بالمناسبة، أليس لديك شيء يستهويك أو تستمتعين بالقيام به؟ كهواية أو حرفة مثلا؟"
"لا، لا شيء من هذا القبيل."
صمتت بيان في حيرة، فهي ليس لديها نصيحة أو فكرة تساعد بها أختها، و في تلك اللحظة اتسعت عينا جيهان بعد أن فكرت مليا و قالت: "هناك شيء واحد."
تحمست بيان ثم قالت بلهفة: "و ما هو؟!"
ابتسمت جيهان متهكمة و قالت بغير مبالاة: "السحر..."
اختفى حماس بيان في لحظة ثم قالت بعبوس: "جيهان، كوني جدية."
قهقهة جيهان ثم رفعت بناظرها و قالت: "أليس البدر اليوم جميلا؟"
تنهدت بيان ثم ابتسمت و قالت موافقة: "نعم...انه جميل جدا."
ظلت بيان و جيهان تتأملان البدر المنير في وسط سماء الليل المظلمة التي تزينها النجوم، إلى أن تأخر الوقت و شعرتا بالنعاس فقررتا العودة إلى الداخل و الخلود إلى النوم، فيوم غد يوم كبير و عليهن الاستعداد له.
كانت الساعة الثالثة زوالا و إحدى و خمسون دقيقة، جيهان و بيان جالستان في غرفة المعيشة يحملان هواتفهن ينتظران الإعلان عن النتائج على الساعة الرابعة زوالا و الأم لم تتمكن من الوقوف على ساقيها من شدة الارتعاش فجلست بجانب ابنتيها و هي تسترق النظر إلى هواتفهن لترى ما اذا فُتح الموقع الرسمي للإعلان عن النتائج، كانت الأجواء مليئة بالتوتر و القلق إذ لم يقل أحد أي كلمة طوال مدة الانتظار.
بعد مدة نهضت بيان من على الكنبة و قالت و هي تبتسم ابتسامة عريضة: "بيان بن عيسى ناجحة بمعدل 12.87!!!!!"
قامت الأم من مكانها بسرعة و احتضنت ابنتها بعد أن أطلقت زغرودة عالية تحتفل بها بنجاح ابنتها ثم استدارت إلى جيهان التي قد واجهت بعض المشاكل مع بطئ الأنترنت فجلست بجانبها لمشاركتها اللحظة و سرعان ما استدارت جيهان نحو أمها صارخة و معانقة: "ناجحة!!!! ناجحة بمعدل 17.24!!!!"
لتطلق الأم زغرودة أخرى تعلن بها عن نجاح ابنتيها لكل سكان العمارة لتمتلئ غرفة المعيشة بالزغاريد و الضحكات مغيرة الأجواء المتوترة إلى أجواء احتفالية سعيدة، و بينما الأم تمسك بجيهان و بيان معانقة و مقبلة دون أن تتوقف عن اطلاق الزغاريد يندفع سامي من الباب الأمامي و هو يلهث من صعود الدرج بسرعة و قال: "سمعت الزغاريد من بيتنا فأتيت مسرعا، هل نجحتا؟"
اتجهت له جيهان و ربتت على رأسه بقوة و قالت: "بالطبع نجحنا، هل كنت تظن بأننا سنرسب."
لمعت عينا سامي بفرح ثم عانق جيهان بقوة و اتجه إلى بيان و عانقها هي الأخرى، ثم استدار نحو أمه و قال لها: "إذن كما أخبرتني يا أمي، فلتحضري لنا طبق "الرفيس" احتفالا لنجاحهما!!"
ضحك الجميع ثم قالت له الأم مازحة: "أنت أردت أن تنجح أختاك حتى تأكل فقط، حسنا إذا سأذهب لأعده حالا و أوزعه على جميع جيراننا."
اتجهت الأم نحو المطبخ بهمة و حماس، عندها التفت بيان نحو جيهان لتلاحظ بأنها تحدق شاردة بشاشة هاتفها المعلنة عن نجاحها، رفعت جيهان نظرها لتلاحظ بيان و هي تراقبها لتبتسم ابتسامة خفيفة و تقول: "تهانينا، أنت الآن خطوة أقرب لتحقيق حلمك."
أماءت بيان برأسها موافقة، مع أنها كانت تشعر بالسعادة الشديدة لنجاحها لكنها شعرت بشيء من الأسف اتجاه شقيقتها التي لم يبدو بأن الحماس الذي شعرت به منذ قليل قد دام طويلا، في العادة لصرفت الموضوع و لم تفكر مليا به لكن بعد ما أخبرتها به جيهان ليلة البارحة ظل الموضوع يضايقها لذلك فكرت في طريقة لتسعد جيهان و حينها خطرت لها فكرة، فوضعت يدها على كتف جيهان ثم قالت لها بجدية: "جيهان."
استغربت جيهان من بيان لوهلة ثم سألتها: "ماذا؟"
"أتتذكرين ما أخبرتني به مِن قبل؟"
"ما أخبرتك به؟"
"عَن تعويذة الانتقال..."
اتسعت عينا جيهان في دهشة ثم قالت في لهفة: "أنتِ لا تقصدين...!!!"
"بلى."
"يا إلهي! و لكنك عارضت الموضوع بقوة عندما اقترحته."
"لقد فكرت في الموضوع و أعتقد بأنه يمكننا أن نعطيه فرصة."
"حقا! بيان لا أعرف ماذا أقول لكي."
"لكن بشرط!"
"طبعا! قولي ما عندك."
"أنا من سيختار المكان."