LoudJeyne

شارك على مواقع التواصل

استعدت جيهان للذهاب إلى المدرسة كالعادة و غادرت المنزل برفقة بيان صباحا بعد أن ودعتهم الأم من الباب الرئيسي للمنزل، بينما كانت جيهان شاردة الذهن تفكر في ذلك الحلم الغريب طوال الطريق كانت بيان تحاول فتح محادثة مع جيهان إلا أن إجاباتها كانت قصيرة مما جعل بيان تشعر بالإحراج و التوقف عن محاولة التحدث معها، كانت جيهان تحاول نسيان أمر ذلك الحلم طوال اليوم إلا أنها تجد نفسها دائما تعيد التفكير فيه، كانت تلك المرة الأولى التي تستطيع فيها تذكر جميع تفاصيل حلم ما بوضوح شديد، و دون أن تدرك الأمر لاحظت جيهان المعلمة و هي تدخل من باب القسم معلنة عن بدأ وقت الحصة، أخرجت جيهان كتاب و كراس التاريخ و بدأت تركز مع شرح المعلمة.
كان درس اليوم عن الحضارات القديمة و من بينها حضارة بلاد ما بين النهرين و طلبت المعلمة أن يفتح الجميع كتبهم و أن يتأملوا الوثائق المتعلقة بالدرس، فور أن قامت جيهان بفتح كتابها و رؤية الوثائق حتى توقفت لوهلة لأن ما رأته تركها في حيرة. كانت أحد الوثائق عبارة عن نموذج للغة السومرية الشائعة في ذلك الوقت و قد كانت تشبه الكتابات الغريبة التي رأتها في حلمها، قربت جيهان الكتاب منها و أمعنت النظر في تلك الكتابات و تأكدت من أنها نفس نمط الكتابة، شعرت جيهان بحيرة كبيرة و فكرت في نفسها: "كيف يعقل هذا؟! إنها تشبه تماما الكتابات التي رأيتها في الحلم! هل هذه مجرد صدفة؟"
جلست جيهان بصمت تحدق في الكتاب طوال فترة الدرس و ذلك الحلم لا يزال يجوب خاطرها حتى رن جرس الظهيرة و نهض الجميع متجهين إلى المطعم. إلا جيهان، التي قامت بتدوين الكتابات الغريبة التي رأتها في الحلم و قضت فترة الغداء تقوم بمقارنتها مع اللغة السومرية حتى تأكدت من تطابقها، أثار الأمر شعورا بالانزعاج لدى جيهان لكنها استمرت في البحث لأن فضولها نال منها و قررت الذهاب إلى المكتبة بعد انتهاء المدرسة و البحث عن أي كتاب قد يساعدها في ترجمة هذه الجمل.
و بالفعل اتجهت جيهان بعد المدرسة إلى المكتبة و تمكنت من الحصول على كتاب يشرح قواعد اللغة السومرية و طريقة ترجمتها و أخذته معها إلى المنزل فورا لفك شفرة تلك الكلمات، عندما دخلت جيهان من الباب الأمامي اتجهت مباشرة نحو غرفتها و أقفلت الباب حتى لا يزعجها أحد، كانت الأم جالسة مع بيان في غرفة المعيشة و لاحظة جيهان و هي مسرعة نحو غرفتها فسألت بيان قائلة: "أتعلمين ما الخطب مع أختك اليوم؟"
رفعت بيان عينيها عن الهاتف و التفت نحو غرفة جيهان و ردت نافية: "لا أعلم، هي دائما تتصرف بغرابة هكذا."
"أنا قلقة بشأنها، الله أعلم بما يجول داخل عقلها."
صمتت بيان و هي تنظر إلى أمها ثم واصلت استعمال هاتفها، و في هذه الأثناء كانت جيهان جالسة على مكتبها تحاول فك شفرة الكتابات الغريبة حرفا بحرف حتى تمكنت من ترجمة الجملة بأكملها و عندما انتهت ظلت تنظر إلى الترجمة لفترة حيث كانت تقول: "...الغرض الوحيد وراء وجود هذا الكتاب هو خدمة و إطاعة أوامر حامل الصحوة و المساعدة طوال فترة تأسيس الجوهر..."
ارتبكت جيهان من هذه الجملة التي لم تستطع فهم معناها و التي تركتها في حيرة أكبر من الأخرى و شيء من الخوف...كيف لها، فتاة عادية ليس لها أي فكرة و لا تعلم أي شيء عن اللغة السومرية القديمة، أن تحلم بجملة كاملة مكتوبة بتلك اللغة و التي تمكنت من ترجمتها إلى العربية لتصبح مفهومة وواضحة.
و بينما كانت جيهان ضائعة في تفكير عميق سمعت دقا على باب غرفتها و صوت بيان تنادي عليها: "جيهان هل يمكنني أن أدخل؟"
قامت جيهان و خبئت جميع ملاحظاتها و الكتاب الذي فوق المكتب و وضعتهم داخل الدرج و أقفلته ثم نهضت لفتح الباب: "ما الأمر؟"
"كنت أحل واجب الفيزياء و لم أتمكن من فهم هذا السؤال، هل يمكنك أن تساعديني؟ أرجوووكي..."
تنهدت جيهان ثم قالت:
"حسنا هيا أدخلي."
"شكرا جزيلا! جيهان تعلمين بأنني أحبك، صحيح؟"
صرفتها جيهان قائلة:
"نعم نعم ، فقط اجلسي و دعينا ننتهي من الأمر بسرعة لقد اقترب موعد العشاء و أنا أتضور جوعا."
"بالمناسبة لم أرك اليوم في المطعم، أين كنت؟"
"في القسم."
"ماذا؟ لماذا؟"
"كنت مشغولة بفعل شيء ما و لم أتمكن من الذهاب."
"ما هو هذا الشيء الذي أشغلك عن تناول الغداء؟ أهو ما جعلك تختبئين في غرفتك طوال المساء؟"
"هذا ليس من شأنك، أتريدينني أن أساعدك أم لا؟"
"كلا كلا أريد مساعدتك."
بمجرد انتهاء جيهان و بيان من حل الواجب نادت عليهما الأم لتناول العشاء و بعد انتهائهما من تنظيف الطاولة و الأواني اتجهتا مباشرة نحو غرفتيهما للخلود إلى النوم، كانت جيهان تظل تفكر في الحلم الغريب و معنى الجملة الغريب التي كانت مكتوبة بلغة قديمة، و بعد أن أجهدت نفسها في التفكير في الأمر أغمضت عينيها و استعدت للنوم.
استيقظت جيهان في نفس المكان مرة أخرى و هذه المرة كان الكتاب لا يزال في يدها، نظرت من حولها و لم تجد بيان في أي مكان، قامت بفتح الكتاب و لاحظت أن الكتابات المسمارية غير المفهومة بدأت تصطف مع بعضها البعض و تتغير إلى أن تحولت إلى اللغة العربية و ظهرت نفس الجملة مرة أخرى.
"...الغرض الوحيد وراء وجود هذا الكتاب هو خدمة و إطاعة أوامر حامل الصحوة و المساعدة طوال فترة تأسيس الجوهر..."
لم تكن جيهان متأكدة من المعنى وراء هذه الجملة لكنها لاحظت كتابات أخرى بدأت تظهر على الصفحات الأخرى، كانت كتابات عربية تمكنت جيهان من قراءتها و التي كانت تقول: "...واقع لسان، لغة إنسان..."
لم تتمكن جيهان من فهم المعنى وراء هذه الجملة أيضا و ظلت ترددها باستمرار لكن دون جدوى، ثم قامت تتجول حول المكان لعلها تجد ما تفعله فلاحظت طبشورا ملقى على الأرض فقامت بالتقاطه و استكملت تجوالها حتى لاحظت جسما كبيرا من بعيد، هرولت إليه مسرعة و عندما اقتربت وجدت أمامها لوحا كبيرا، استغربت جيهان من وجود هذا اللوح و نظرت إلى الطبشور الذي بيدها و فكرت مليا قبل أن تستعمل ذلك الطبشور و تكتب على اللوح، قامت جيهان بكتابة الجملة التي ظهرت في الكتاب "...واقع لسان، لغة إنسان..." مرات عديدة على اللوح و هي تكرر قولها بصوت عال، انغمست جيهان بشكل غريب في الكتابة على اللوح و قراءة الجملة حتى استفاقت عندما كسر الطبشور و وقع على الأرض، ظلت جيهان تحدق بالطبشور المكسور غير مستوعبة لما حصل و عندما رفعت نظرها إلى اللوح وجدته مليئا بكتابات باللغة السومرية، تجمدت جيهان في مكانها و ابتعدت ثلاث خطوات عن اللوح و أعينها مركزة عليه و فكرت في نفسها: "ما الذي حصل للتو؟! أنا متأكدة من أنني كنت أكتب باللغة العربية، فكيف تحولت إلى السومرية؟! هذا لا معنى له!"
و بينما هي تنظر بتعجب نحو اللوح فجأة شعرت جيهان بالدوار و بدأت الرؤيا من حولها تصبح ضبابية تدريجيا حتى وقعت على الأرض، و عندما فتحت عينيها وجدت نفسها مرمية على أرضية غرفتها، ظلت جيهان تنظر نحو السقف تحاول استيعاب ما حصل لكنها سرعان ما استفاقت و نهضت من الأرض عندما سمعت أمها تنادي عليها: "جيهان! هيا استيقظي و إلا ستتأخرين عن المدرسة!"
اتجهت جيهان نحو الحمام للاستعداد للمدرسة و عندما ذهبت لتناول الفطور لاحظت أن الجميع كان جالسا حول الطاولة ما عدا بيان: "أين بيان؟ ألا تزال نائمة؟"
أجابتها الأم قائلة: "لقد خرجت بالفعل، قالت بأن أحد صديقاتها تنتظرها لكي تذهبا معا، لم تتناول فطورها حتى..."
ظنت جيهان أن هذا تصرف غريب من قبل بيان لكنها لم تفكر مطولا في الأمر و سرعان ما أنهت فطورها و اتجهت نحو المدرسة، هناك مرت بقسم بيان و ألقت نظرة عليه لكنها لم تتمكن من إيجاد بيان و سألت إحدى صديقاتها عن مكانها فأجابت: "بيان لم تأتي بعد..."
فوجئت جيهان من رد الفتاة ثم قالت: "ما الذي تقصدينه؟ ألم تلتقي بكي بيان مبكرا للذهاب معا؟"
"ما هذا الذي تتحدثين عنه؟ لم ألتقي ببيان اليوم بعد."
صدمت جيهان لوهلة مما قالته الفتاة و اتجهت نحو قسمها قلقة على أختها، لم تتمكن من التركيز على الدرس و كانت تفكر في بيان فقط حتى أنها نسيت موضوع الحلم بأكمله و بسبب ذلك بدأت تتخيل سناريوهات سيئة داخل رأسها من شدة القلق لدرجة أنها شعرت بالغثيان و استأذنت المعلمة للذهاب إلى دورة المياه.
و بينما كانت جيهان تسير في الممر مرت مجددا من قسم بيان و ألقت نظرة خاطفة على مقعد بيان لتجدها تجلس فيه و تكتب على كراسها، شعرت جيهان بارتياح شديد عند رؤيتها لشقيقتها بأمان لكنها ظلت متسائلة عن سبب كذبها و خروجها باكرا اليوم و تأخرها عن المدرسة.
بعد أن اطمأنت جيهان على شقيقتها اتجهت إلى دورة المياه و قامت بغسل وجهها في ارتياح، و عندها فقط تذكرت الحلم مجددا فعبس وجهها و جلست تسترجع ما حدث معها في الحلم الثاني ثم نظرت إلى راحة يديها و فكرت في نفسها: "من الصعب التصديق بأنه مجرد حلم، ما زلت أستطيع الشعور بدفتي الكتاب مخملي اللون و المزين بالزخارف الذهبية الجميلة و اسمي المنقوش على سطحه بين يدي و عدد صفحاته العديدة التي جعلته أثقل مما يبدو..."
و بينما كانت جيهان تسترجع شكل الكتاب و تفاصيله إذ و يظهر نفس الكتاب فجأة بين يديها لتجد نفسها تحمله، توقفت جيهان لبرهة قبل أن ترمي به على الأرض و تبتعد عنه، كانت مصدومة و متفاجئة مما حصل لدرجة أن صوتها لم يتمكن من الخروج، ظلت جيهان تنظر إلى الكتاب الملقى على الأرض و الذعر يملئ عينيها لم تتمكن من تصديق ما حصل للتو، أن يظهر كتاب لها من العدم و ليس أي كتاب بل نفس الكتاب الذي كان يظهر في أحلامها مؤخرا.
بعد أن هدأت جيهان قليلا تقدمت ببطء من الكتاب و حاولت فتحه، ظهرت لها في الصفحة الأولى نفس الجملة مكتوبة بالسومرية و تأكدت من أنه نفس الكتاب و قلبت الصفحة لتجد الجملة الجديدة التي ظهرت مؤخرا هي الأخرى مكتوبة بالسومرية لكن الغريب في الموضوع هو أنها تستطيع فهم هذه الكتابات، أو بشكل أكثر دقة، ترجمت هذه الكلمات تلقائيا داخل رأسها، تمتمت جيهان لنفسها قائلة: "لا أعلم ما الذي يحدث هنا أو كيف ظهر هذا الكتاب فجأة أمامي، لكن هناك شيء واحد أنا متأكدة منه، السبب الوحيد وراء ظهور هذا الكتاب هو أنني من قمت باستدعائه..."
قامت جيهان و حملت الكتاب معها و اتجهت به إلى القسم و وضعته في حقيبتها، لم تكن تعلم ما الذي يجدر بها أن تفعل به لكنها قررت أن تخبئه في الوقت الحالي.
عادت جيهان و بيان من المدرسة و بعد مدة حان وقت العشاء، جلست العائلة حول مائدة الطعام و بينما كان الأب و الأم مشغولان بالتحدث بينهما لم تنطق جيهان أو بيان بأي كلمة طوال الوقت، و بعد الانتهاء من العشاء و بينما كانت جيهان متجهة إلى غرفتها لاحظت بيان و هي تركض مسرعة نحو غرفتها، تساءلت عن سبب عجلتها لكنها اتجهت إلى غرفتها هي الأخرى دون أن تسأل، قامت بإخراج الكتاب من حقيبتها و وضعه على المكتب و ظلت تحدق به لبرهة ثم قالت: "إن كان هذا الكتاب قد ظهر حقا لأنني من قمت باستدعائه، إذن لابد من طريقة لجعله يختفي مجددا."
جلست جيهان على كرسي المكتب و ظلت تقلب صفحات الكتاب: "ما الذي كنت أفعله حتى جعل هذا الكتاب يظهر، كل ما فعلته هو أنني كنت أفكر به-"
جفلت جيهان ثم قالت: "مهلا! لقد كنت أفكر في الكتاب مما جعله يظهر أمامي هكذا، لذا إن كنت لأتخيله يختفي من أمامي..."
نظرت جيهان نحو الكتاب بتركيز شديد ثم أغمضت عينيها و بدأت تتخيله يختفي من على سطح المكتب و عندما فتحت عينيها لم تجد له أثرا في الغرفة، فرحة جيهان كثيرا في تلك اللحظة لأنها تمكنت من إخفاء الكتاب لكنها بعد مدة هدأت و تذكرت الموقف الغريب الذي هي فيه، كانت هناك العديد من الأسئلة تجوب خاطرها: "ما هو هذا الكتاب؟ من أين أتى؟ هل حقا أنا من قمت باستدعائه؟ ماذا عن الحلم؟ ما هي طبيعته؟ و هل حقا هو مجرد حلم؟..."
و هذه الأسئلة كانت تزيد من قلق جيهان فقط، و في تلك اللحظة قررت جيهان بأنها تريد الحصول على إجابات و تريد الحصول عليها الآن لذلك قد قامت بإطفاء نور الغرفة و القفز إلى السرير مستعدة للذهاب إلى النوم لأنها كانت تعلم أنه ان كان ذلك حلم ليس مجرد حلم فهو المكان الوحيد الذي يمكنها من الحصول على إجابات لأسئلتها، و هكذا أغمضت جيهان عينيها على أمل الأفضل.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.