3aberorg

شارك على مواقع التواصل

ألقيت ذات يوم محاضرة بعنوان «أسرار الحب»، ذكرت فيها قصة رجل تزوج من امرأة جميلة جدًّا وأحبها كثيرًا جدًّا، وجاء وقت انتشر فيه مرض يسبب البثْر في البشرة ويشوه المريض تشوهًا بالغًا، وفي ذات اليوم الذي شعرت به الزوجة الجميلة بأعراض المرض وعلمت أنها مصابة، وأنها ستفقد جمالها؛ كان زوجها كان خارج البيت وفي طريقه للعودة فأصيب بحادث أدى لفقد بصره وأصبح أعمى.

فأكمل الزوجان حياتهما الزوجية، الزوجة تفقد جمالها وتتشوه أكثر فأكثر، والزوج أعمى لا يعلم بالتشوه الذي أفقدها الجمال، وأكملا حياتهما الزوجية أربعين عامًا بنفس درجة الحب والوئام لهما في أول الزواج.

إلى أن جاء يوم توفيت فيه الزوجة، وحزن الزوج حزنًا شديدًا لفراق حبيبته، وحينما انتهى الدفن جاء الوقت ليذهب الجميع إلى منازلهم، قام الزوج وخرج من المكان وحده، فناداه أحدهم: إلى أين أنت ذاهب؟

فقال: إلى بيتي!
فرد الرجل بحزن على حاله: وكيف ستذهب وحدك وأنت لا تبصر؟!
فقال الزوج: أنا أبصر جيدًا! وإنما تظاهرت بالعمى حتى لا أجرح زوجتي، فقد علمت بإصابتها بالمرض، فخشيت أن تحرج من مرضها، فاخترعت قصة الحادث، وتظاهرت بالعمى طوال الأربعين سنة!

وهنا فاجأت الحضور بسؤال مباغت، فقلت لهم: «من منكم يتخيل نفسه هذا الرجل؟ يبذل قصارى جهده كي يحب شريك حياته دون قيد أو شرط!».

فضحك الجميع وقالوا: هذه مثالية.. من يستطيع ذلك؟!

قلت: الحب غير المشروط موجود حَقًّا في كل واحد منا، ويشكل جزءًا من كياننا الداخلي العميق؛ ولكن لا يظهر فجأة، بل يبدأ تَدْرِيجِيًّا بالميل العاطفي ثم الود والقبول وفق أسباب منطقية، ويرتقي مع العشرة الزوجية.

فهو (حبٌّ واقعي)، يقبل العيوب كما يقبل المزايا، ويشيد بنيانه على التكافؤ؛ لأن الحب الرومانسي المجرد يتغير مع الوقت، ويحل محله نوع آخر من الحب أكثر هدوءًا، وشعورًا بالتكافؤ والتآزر، والشبع العاطفي.
ولكن على الزوجين أن لا يسمحا بالجوع العاطفي دون إشباع؛ لأنه يكدِّر الحياة وينغِّص العيش، لذا لا يستوي الأمر دون إشباع عاطفي، وإشباع حسي، بالحواس كالنظر والسمع والذوق واللمس والشمِّ، وإشباع غرائزي، عبر العلاقة الحميمة بين الزوجين، ومناط ذلك كله يعود إلى مناسك وأسرار لا بد من أن يقف عندها المرء كثيرًا للحصول على السعادة القصوى مع شريك الحياة، ومن هذه المناسك:

1. منح شريك الحياة لقبًا للتلطُّف: لقبًا مشحونًا بالعاطفة والحس الرومانسي، فقد أثبتت الدراسات النفسية أن للأسماء والألقاب تأثيرًا على أصحابها، و«اسم الدلع» أو الألقاب الجميلة لا تدخل ضمن التنابز بالألقاب لكونها أسماء محببة للطرفين، ومراد بها التودد المحبة ولها أثرها في تقريب النفوس وإسعادها، وقد كان رسول الله ﷺ يلقب أمنا عائشة، ويناديها: «يا عائش»رواه البخاري.

2. إطعام الزوجين لبعضهما، وهي سنة نبوية منسيَّة مع الأسف، فارقها كثير من الأزواج مع أنها سر خطير من أسرار الحب، والعلاقة الزوجية الناجحة، وحجر عليها حتى أصبحت مظهرًا من مظاهر الترف، وتقليدًا متبعًا في حفلات الزفاف فحسب، بينما رفع اللقمة إلى فم الزوجة ديدن نبوي، وسمة دالة على الرقي والتحضر والحب والتودد بين الزوجين، وهي كذلك عبادة يثاب فاعلها، إذ يقول النبي ﷺ: «وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى فِي امرأتك» رواه البخاري.

3. التزيُّن والتطيُّب، فقد خلق الله -سبحانه وتعالى- الأنثى كائنًا محفوفًا بالجمال، والزينة تتأصل في كينونتها وملازمة لخلقتها كمتلازمة قطر الماء العذب للنهر أو الزهرة للغصن.

فعلى الزوجة أن تسر زوجها بشكلها، بِالتَّعَرُّفِ على الزينة التي يحبها زوجها، فتتحلى بها، وتجود فيها، وعليها أن تعرف ما لا يحبه فتتركه إرضاءً وإسعادًا له، وتتحسَّس كل ما يسره بالمحافظة على النظافة مع إضفاء لمسات بسيطة تسر عينه وتجعله أسير قلبها، تعفه عن النظر لغيرها، فعَنْ أَبِى أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِىِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ في نَفْسِهَا وَمَالِهِ» أخرجه ابن ماجة.
كما أن على الزوج أن يتزين لزوجته حتى يسرها ويعفها بارتداء أفخر الثياب ورش أفخم العطور، ويراعي مشاعرها ورغبتها في أن تراه كما كان أيام الخطبة، وهذا مطلب شرعي أيضًا، كما هو مطلب ذوقي، فقد قال ابن عباس: إني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله يقول: ﴿وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ٢٢٨﴾ [البقرة: 228]

وقد سئلت أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها: «بأي شيء كان يبدأ النبي ﷺ إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك». رواه البخاري. ووصفت تعطيره بأطيب العطور، فقالت: «كنت أطيِّب النبي ﷺ بأطيب ما يجد، حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته» رواه البخاري.

4. التقرب العاطفي من شريك الحياة، ودرء الفجوة وكسر القسوة العاطفية بالمعاملة الرقيقة الحلوة والكلام الرومانسي الصادق، وإعادة جذوة الحب والحنان بينهما وسقي المشاعر لتزهر ربيع المشاعر من جديد.

ولعل أشد ما يحتاجه الزوجان هو سقي جفاف المشاعر بوابل من مطر الحب، وقت الضعف والمرض على وجه الخصوص؛ لأنه مقياس رد الجميل والصبر، ويدل على مدى العلاقة الزوجية المتينة التي تجمع هؤلاء الأزواج مع بعضهم بعضًا في اليسر والعسر وفي السراء والضراء، وينطبق ذلك على الضيف الثقيل الذي تستقبله المرأة شهريًّا، فيسبب لها مزاجًا متعكرًا، وحساسية مبالغًا فيها، وآلامًا جسدية ونفسية، وصعوبة في التحكم في الانفعالات وردود الأفعال.

فينبغي على الزوج أن تتجلى فيه حقائق الرجولة الكاملة، ويفتح ينابيع الرقة والحب، ويحتوي ظرفها الخاص، كما كان الرسول الكريم ﷺ يزيد من الرقة وهو منبع الرقة، ويزيد من العطف والتدليل لزوجاته وقت الحيض قبل أن يتطور الطب ليكشف لغز الحيض.

فعن أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها: «أن النبي ﷺ كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن» رواه البخاري.

وعنها رضي الله عنها أنها قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات، فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدي» صحيح مسلم.
5. صناعة البهجة الزوجية، فالبهجة ليست رفاهية، بل احتياج بشري حتمي لمنح العلاقة الزوجية روح الدوام والاستمرار، فإذا ابتسم شريك الحياة وتمتع بروح الدعابة؛ ستصبح الحياة الزوجية معه مشرقة دومًا، بينما الرتابة والنكد يحولان الحياة إلى جحيم.

وكما هو معلوم أن بعض الخلافات بمثابة ملح الحياة الزوجية، ولا يخلو بيتٌ منها؛ ولكن مع الشريك المرح ستتحول المشاحنات الزوجية إلى طرفة دائمة ومواقف ساخرة، إذ لا يضر الصحة ويصيبها بالأمراض والعلل أكثر من الحُزن والاكتئاب والضغط العصبي المستمر في بيت مشحون بالمشاكل والنزاعات؛ ولكن عندما يعم المرح البيت وتعلو فيه أصوات الضحك، سيتمتع أهله بالصحة والعمر الأطول بعيدًا عن الأمراض العضوية والنفسية، لا سيما في ظل الواقع المتأزم، ووطأة ضغوط الحياة المتزايدة.

فاللعب مع الزوجة، ومجاراتها في ما تحب سنة نبوية تغيب عن كثير من العلاقات الزوجية مع الأسف، فعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع
النبي ﷺ في سفر، قالت: «فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال هذه بتلك السبقة» رواه أبو داود في سننه.
وعنها رضي الله عنها أنها قالت: «والله لقد رأيت رسول الله ﷺ يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب ورسول الله ﷺ يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم من بين أذنه وعاتقه، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف» رواه أحمد في مسنده.

6. جرت العادة في مجتمعاتنا أن ذكر الحب والإفصاح عنه نوع من الضعف، وأن من الكبرياء كتمه وإخفاءه، والصواب على العكس تمامًا؛ فالمصارحة بالحب ستظهر لشريك الحياة كم هو مهمٌّ! مما يدخل السرور إليه من خلال استخدام جمل المدح والإطراء، مثل: «أنا أقدرك حَقًّا» أو «أنا سعيد بوجودك في حياتي»، فاستخدام هذه الكلمات البسيطة قد يُساعد على قطع شوط كبير في العلاقة الزوجية الناجحة.

يحكى أن أحد الأزواج كان يحب زوجته؛ لكنه يجد كلمات الحب صعبة وثقيلة على لسانه، فتم اقتراح أن يستخدم أحمر الشفاه (الروج) للتعبير عن ذلك، حيث يقوم بالكتابة به على المرآة صباحًا وهو ذاهب للعمل، وقتها تكون الزوجة نائمة، وبالفعل قام بهذه الطريقة وعندما استيقظت الزوجة وجدت على المرآة كلمة (أنا أحبك).
ولا يقتصر الإفصاح عن الحب أمام شريك الحياة؛ بل إعلانه أمام الجميع، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي ﷺ بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. فقلت ومن الرجال؟ فقال: أبوها، قلت ثمَّ من؟ قال عمر بن الخطاب فعدَّ رجالًا" رواه البخاري.

وكذلك ينبغي مدحها أمام الجمع، كمثل قوله ﷺ: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» رواه البخاري، وتخصيص الوقت لها: «وكان رسول الله ﷺ إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها» رواه مسلم، ومساعدتها في أعمال البيت، فقد سئلت أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها:
«ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة» رواه البخاري.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.