3aberorg

شارك على مواقع التواصل

من الصعب جدًّا أن نجد تعريفًا مُحدَّدًا للحب، ورغم شعورنا به؛ يأبى أن يزيل اللثام عن وجهه ويكشف لنا عن حقيقته، ليظل سرًّا خفيًّا كامنًا في الأعماق، يهز الكيان ويبدد اليأس في النفوس.

فقد اختلف العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء والفلاسفة في تعريف الحب ووصفه، فقد قال عنه الإمام ابن حزم في كتابه الماتع طوق الحمامة أَّنه: «اتصالٌ بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع». ومنهم من عَّرفه أَّنه: «انقياد المحبوب، وإيثاره على مراد الُمِحب، والإقبال على حديثه».

وتحدَّث الفيسلوف «ابن سينا» عن «الحبِّ» في أطروحة خاصَّة، ورأى الحكماء أنَّ «الحبَّ» يجري في كلِّ شيء، وقالوا إنَّ حُبَّ الإنسان للإنسان ظاهرة تتجلَّى فيها تلك الحقيقة الكلية.

وذَكرَ الشعراء والأدباء «الحب» بألفاظ التمجيد والمديح، وذهبوا أبعد من ذلك بترجيح الحبِّ على العقل عند المقارنة بينهما، ويشهد بذلك قسم كبير من أدبنا العربي بصورة خاصة والأدب العالمي بصورة عامة.
وقد اختلف الشرقيون والغربيون في نظرتهم إلى «الحبِّ»، فالغربيون ينظرون إليه في مرحلته النهائية على أنَّه ليس مجرَّد لذَّة أو شهوة، فيعطونه صفات الرقة والعذوبة، إلَّا أنَّهم لم يفصلوه عن قضايا الحياة، بينما بحث الشرقيون عن الحبِّ في أمور أسمى من الشؤون العادية، وقد احترم الإسلام «الحب الصادق» القائم بين زوجين، بل يؤكِّد على ضرورته في المحيط العائلي. كما أنَّه يوصي بتدابير في سبيل تحقيق الاندماج الروحي وتقويته وتعزيزه ووحدة المشاعر بين الزوجين بشكل كبير.

إذ ذكر القرآن الكريم لفظ «الحبِّ» ومشتقاتها «أربعة وثمانين» مرَّة؛ كون المحبة هي أساس الحياة ولولاها لما استمرت الحياة، أما «الحب الزوجي» فهو من أثبت المحبَّات؛ لأن الله منَّ على الزوجين بالمودة والرحمة، ﴿وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ﴾ [الروم: 21]. أي خروج الزوجة عن محل الشهوة فحسب، إلى محل أكبر وأعمق ودائم، بدليل قيام الزوج وبقاء الحب مع كبر السن وتقدم العمر والمرض، والعكس صحيح.

غير أن للإعلام في وقتنا الراهن دورًا مؤثرًا في تغيير هذه المعاني وتشويهها مع الأسف؛ من خلال عرضه قصص الحب الملتهبة والرومانسية المفتعلة التي تعرض عبر الفضائيات وتؤجج المشاعر دون رقيب ولا حسيب، مما ينعكس على العلاقات الزوجية بالسلب والإيذاء.
فتعمد الدراما التلفزيونية إلى تقديم نموذج المرأة المتفلتة من القيم وكيف أنها ضحية لجمود المجتمع وقهره، وتضفي الشرعية على بعض الانحرافات في العلاقة بين المرأة والرجل، كما تحتفي بنموذج المرأة التي تنظر بازدراء إلى الحياة الزوجية والواجبات المنزلية وتربية الأطفال وتكرر مقولة: «إن تلك الحياة نوع من العبودية، وإن المرأة ليست جارية عند الرجل».

كما أدخلت المسلسلات -وفقًا للدراسات- قيمًا تشجع الندية والعناد والتمرد والاهتمام بالماديات والمصالح الخاصة، وقدمت الشكل والسلوك والأفعال والعلاقات العاطفية التي لا تتواءم مع واقع الأسرة العربية، بينما حقيقة الحبِّ تكمن في زوال الأنانية، حيث يصبح المحبوب أعلى وأعزَّ من روح المحب التي لا يتوانى في تقديمها فداءً للمحبوب، وهذا يعني أن يتحرَّر الإنسان المُحِبُّ من قيود الـ «أنا» أو أن تندمج «أناه» في «أنا» المحبوب.
ولكن في واقع كواقعنا الحالي يعرض فيه الحب بابتذال وبأشكال وأنواع حد الغثيان، وشبكات التواصل التي أضاعت الهيبة من التواصل البشري، واستسهلت فيها كلمات الحب على الألسن وجُرِّدت من قيمتها الملزمة التي كانت تساوي عقودًا مكتوبة، وصار القول كاللاقول، والوعد كاللاوعد، فكلاهما له الدرجة نفسها من الخواء واللاوجود.
فالكثير من ضحايا الفراغ العاطفي، ينقادون لخراب بيوتهم لأسباب تافهة، ويتخلون عن مسؤولياتهم بسرعة لأجل لا شيء؛ لأن المسؤولية الزوجية ممكنة التحقيق وبسهولة، كما حددها القرآن الكريم، في ثلاثة أمور للرجل وثلاثة أمور للمرأة، في قوله تعالى: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ﴾ [النساء: 34]

فمسؤولية الرجل:
• القوامة.
• النفقة.
• التربية.

ومسؤولية المرأة:
• أن تحفظ حق زوجها وتطيعه.
• أن تحفظ بيت زوجها وعرضه.
• أن تعتني بالأولاد وتساعد زوجها على تربيتهم التربية الصالحة.
وتتذلل صعوبات هذه المسؤوليات جميعًا، بالحب؛ فالحب هو أعظم قوة في العالم، وعندما نحب نكون في حالة من التواصل مع أكثر احتياجاتنا البشرية تأصلًا بداخلنا، وهو أحد الكنوز الإنسانية لبناء حياة زوجية فاضلة.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.