Grinta

شارك على مواقع التواصل

دخلت غرفة عمتي؛ لأقو م بتنظيفها وترتيب ملابسها بالخزانة، فمنذ وقت وفاتها وأنا أقوم كل أسبوعين بتنظيف الغرفة و
بتغير الشراشف والمفارش كما كانت تُحب عمتي وبعد ما أنتهي؛ أجلس أتحدث إلي صورتها المعلقة على الجدران أعلي التخت الخاص بها ، وأسمع ردودها على حديثي معها؛ فإن صوتها وأسلوب حوارها في قلبي فأنا أحبها كثيراً، وارتبطت بها أكثر وأكثر منذ مكوثها معنا منذ عشر سنوات؛ عندما أتت في منتص ف الليل وهي حاملة ابنتها ليلى الرضيعة، وعمتي في حالة لا يرثي لها فنحن
نسكن في البيت الكبير بيت جدي رحمة الله عليه ، واستقبلها أبي بلهفة فإنها أخته الصغرى، والوحيدة أيضا فنظرت له وأخذت في البكاء الشديد، فلم يتحدث أبي؛ ولكنه حضنها بشدة وأخذ يربت على قلبها بلطف، وعندما هدأت ونحن جميعا أنا وأمي وأخواتي من
حولها أمر الخدم بتنظي ف غرفة عمتي وبالفعل أخذها أبى إلي غرفتها؛ وقال لها استريحي الآن، وغد اً لنا موعد بإذن الله .
كان عمري وقتها عشر سنوات وأخذت ليلي في حضني وأطعمتها بيدي ونامت نوما عميقا،ً وكأنها كانت تشعر بأني سوف أكون مسؤولة عليها في المستقبل ، وبعد صلاة الفجر تسللت إلي غرفة عمتي؛ للاطمئنان عليها لأنها كانت مجهدة جداً من السفر فإنها تمكث مع زوجها بمدينة غير مدينتنا، وعندما اقتربت منها وجدت حرارتها مرتفعة جداً فناديت عمتي عمتي؛ ولم تجب
فنزلت مسرعة إلي غرفة أبي وعندما علم بالأمر صعد سريعا لأعلي وعندما تأكد من حديثي طلب الطبيب المعالج لعائلتنا فإنه يسكن بالقرب من منزلنا ، وعندما قام بالكشف على عمتي، قال كيف تركتمو ها كل هذه الفترة بدو ن الذها ب إلي الطبيب ؟
فإنها مصابة بحمي منذ أكثر من ثلاثة أيام؛ ولم تحصل على العلاج المطلوب.
فقال أبي:
كي ف هذا وزوجها طبيب وعيادته بالقر ب من منزلهم؟ .
فقال الطبيب:
من الضروري الذهاب بها إلي المشفى؛ فإن الحمي تمكنت منها، وأتصل أبي مسرعا بباقي أعمامي وذهبوا بها إلي المشفى ومكثت أسبوع حتي تعافت وبدأت تمارس حياتها الطبيعية، والذي لفت نظر أبي عدم سؤال زوجها عليها كل هذه الفترة؟ وأيضا سفرها بمفردها في هذا الوقت المتأخر!
كلها تساؤلا ت تدور في أعماق أبي
فطلب من أمي أن تنزل عمتي إلي الحديقة الملحقة بالمنزل لأنه يريد التحدث معها
وعندما رآها ابتسم وقال لها أجلسي يا نادية، وطلب من أمي أن تتركهم بمفردهما،
فبعد السؤال عن حالها قال: كيف أتيتي بمفردك في هذا الوقت المتأخر؟ وكيف أتيت و أنت مريضة هكذا ؟
أين زوجك؟
موجود بالعمل
ولماذا لم تخبريه بمرضك؟
أخبرته منذ صباح اليوم ولكنه لم يهتم
كل الذي قاله سوف أصعد لأعطي لك العلاج المناسب ولكن لم يفعل ولم يسأل علي، ولو حتي بالاتصال بالهاتف، وأخذت في البكاء، وهذه ليست المرة الأولي التي يتركني بمفردي في مرضي
(فإنه يُطيب جروح المرضى وهو سبب كل جُرحي)
كيف هذا ولم تشتكي لي يوما؟
لأني لم أريد أن أُسبب لك الضيق بمشاكلي أخي، ومن ناحية أخرى لم أكن أريد أن أهدم منزلي ،
فقال أبي: إن منزلك زوجك من هدمه أختي ، فأنت غارقة في بحر من الإهمال وعدم الإنسانية، وكيف تقضى يومك حبيبتي ؟
بمفردي أنا وأبنتي، وفى يوم أجازته يذهب بمفرده إلي منزل عائلته، وأخذت عمتي في البكاء؛ إلي أن أُغمى عليها؛ فطلبنا
الطبيب فقال: إنها تمر بإكتئاب حاد
وبدأت صحة عمتي في التدهور، ولقد اتصلنا بزوجها كثيراً، وشرحنا له حالتها وإن من المحتمل إذا رأته بجانبها، وشعرت باهتمامه وحبه لها؛ أن تتحسن حالتها
وكل مرة بيُجيب بنعم سأتي إليكم ولم يفعل.
فمر شهرين على هذا الحال؛ إلي أن دخلت عمتي في غيبوبة
من شدة الحزن، ورغم أنها في غيبوبة، إلا إنني كنت أري الدموع تُرقرق بعينها إلي أ ن رحلت عن عالمنا ولم تُكمل سن الثلاثين بعد.
فإن الاهتمام حياة والإهمال موت على قيد الحياة .
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.