Horof

شارك على مواقع التواصل

وصلتُ لعملي في اليوم التالي، وكما توقعت وجدت سارة كعادتها في الإصرار وعدم النسيان خاصة ما يتعلق بي وكأن أمي أوصتها عليّ أو كأنها أم لي من بعد أمّ.
- ماذا وراءك يا عصام؟ بطريقتها الساخرة التي لا تخلو من الاستفزاز.
- علاقة وانتهت يا سارة.
- نظرت لي ملياً..أليس أنطوني ابن خالتك الذي تعاهدت أمك وخالتك أن يكون زوجك وأن مَن يجمعهم الله لا يفرقهم البشر؟ أليس هو الأنسب لكِ دينيًا وطائفيًا؟ أليس هو الذي يعاملك بكل لطافةٍ واهتمامٍ يحسدك عليه كلُ مَن كان يراكما معا ً؟
- تنهدتُ، وقد سرحت بخاطري في تلك العلاقة الخطرة التي أرهقتني وشوهت الكثير من غرفاتِ قلبي، وجعلتها مبعثرةً، لا تقوى على الإقبال على الحياة، فضلًا عن أن أعيشها بأريحية وسلام نفسي.. لا يغرنك يا سارة ما كان يظهره من لطفٍ ومبالغةٍ في المعاملة الراقية، كنتُ في كل مرةٍ يتجاوزُ فيها في حقي، ويتعمد تهميشي والتقليل مني، كنت ألتمسُ له الأعذارَ..كم كنتُ بلهاء عندما يعود معتذرًا، ويجلسُ عند قدمي يبكي كالأطفال، ويعترف بذنبه وتجاوزه الذي لا يليقُ.. لكِ أن تتصوري كم كنت ساذجة حين كان يخدعني وينطلي عليّ الزيف والخداع! ثم إذا بي أمسحُ بيدي على شعره وأجففُ دموعه وأضمه إلى صدري بحنان أمّ تعودت أن تغفر وتتجاوز كي يهدأ ويطمئن.
- كعادتها في كل مرة تراني قد تأثرتُ حزنًا وكربًا، تسارع لتفجير قنابل الضحك التي لا تعدمها.. قالت: مخالفة شرعية يا حلوتي...كيف تسمحين له بهذا الحضن غير الشرعيّ؟ وماذا عن دقات قلبيكما عندما تداخلت الأذرع وتعانقت العيون؟
- صحتُ فيها ولم أستطع أن أمثلَ دور الجدية هذه المرة، فهي ماهرةٌ جدًا في إضحاكي وإخراجي من أحزاني..إن لم تنتهي عن هذه العبثية، فلن أحكي لك مجددًا.
- اندفعت نحوي وعانقتني..ها أنا أخطأتُ في حقك، أفلا تحتويني كما كنتِ تحتوي هذا الأحمق الذي لم يُقّدر قيمة الجوهرة التي وهبتها له السماء!
- لم أستطع منع دمعة ٍحائرةٍ كانت تؤرقني، كم انتظرت التخلص منها، وكأنها غيمةٌ ملعونة ٌ تأبي أن تروي الأرضَ بمطرِ السماء....لطافته كانت مزيفة يا سارة، لديه تضخمٌ غيرُ مسبوقٍ في حب الأنا، والسخرية من الآخرين، لا يرى إلا مصلحته والتفاخر بمكتسباته أمام الناس، دعيني أخبرك عن أمرٍ مضحكٍ ويدعو للسخرية.
- قاطعتني...لستُ وحدي مَن يجيدُ فن الإضحاك يا جاسمين.
- في كثيرٍ من الأوقات يا سارة عندما كنتُ أسافر إلى بيروت، كان يتعمد أن يجعلَ الأوقاتِ التي تنتظرها كل خطيبة من خطيبها كي يُسمعها كلامَ الغزلِ والحبِ، كان يتعمد أن نجلسَ في مقاهي بعينها في الحمرا أو الروشة.
- قاطعتني سارة، لعلها أماكن أكثر رومانسية، أو أنها قادرتين على إلهامه بكلمات الحب والغرام.
- لم أتمالك نفسي من الضحك والسخرية.. كنتُ في كل مرةٍ أذهب معه لتلك الأماكن أتفاجأ بوجود أصدقائه الذين يشاركوننا جلستنا وحديثنا إن جاز وقلنا: إنه حديث.
- ماذا تقصدين يا جاسمين؟
- كان أنطوني يتباهى بين أصحابه بأني خطيبته، وكأنّه يُخرجُ لهم لسانه أنه نجح في التغرير بحمقاء مثلي، جميلة وعصرية ورصيدها في خبرات العلاقات الإنسانية صفر.
- لم أفهمك.. لعله يتفاخر بأنه يمتلك نجمةً سماويةً، أو هديةً قلما يجيد بها الزمان.
- ها أنتِ أمسكتِ طرفَ الخيطِ..يمتلكني، لم أكن عنده سوى إكسسوارات يُكمّلُ بها حياته..أتدرين يا صديقتي أني من ضمن ما هالني أنه كان دائمًا يبالغُ في إنجازاته ومواهبه، وإذا تحدثَ عن علاقاته في العمل، عادة ما يميل إلى الكذب وكل ما يرويه هو مدى روعته فيه، ومساهمته في إنجاز الأشياء غير المسبوقة، أي أنه النجم اللامع في جميع الأحوال وكافة الأمور، لم يكن ليقبل النقد بأية صورة من الصور.
- هذه شخصية نرجسية بامتياز يا جاسمين.
- نعم هذا ما أدركته لاحقًا، فهو من النوع الذي يحتاج إلى شخصيةٍ تافهةٍ تتبعه وكأنها خُلقت لتكون يدين لا تتقنان سوى الانبطاح له والتصفيق الحاد والمستمر دون توقف، وإغراقه بطوفانٍ عارمٍ من عباراتِ الثناءِ والشكر ِالدائمِ، والشعورِ بالثناء والامتنان له حتى على أتفه الأمور، وذلك لإرضاء ذاته وغروره المتواصل.
- وهل تعلمتِ من التجربة يا جاسمين؟
- ابتسمتُ ابتسامةً باهتةً يضمدها التعافي..ما دمتُ أحكي لكِ الآن، فاعلمي أني أكملتُ مراحل الشفاء، وتجاوزت نفقه المظلم.. تعلمتُ الخلاصَ من العلاقات السامة؛ تلك التي كانت تنتشي بالتقليلِ مني أو إحداثِ ثقوبٍ من السلبية والخيبات في سفينة إبحاري نحو التفوق والنجاح، أو حين تستميتُ كي ترفعَ أعلامَ الفشلِ الكئيبةِ على ساريةِ صروحِ نجاحاتي في الحياة.
- كعادتها الهزلية، يا واش يا واش، حكيم روحاني حضرتك!
- لا أنكر أنها تنجحُ في كلِ مرةٍ في إخراجي من أحلك أوقات حزني بطريقة هزلية لا يجاريها فيها أحد.
- قالت: دعيني أتفقُ معكِ يا جاسمين..لا أخفيكِ أني تعلمتُ منكِ الكثيرَ؛ تعلمتُ ألا بطولة في مواجهةِ الكائناتِ السامةِ، بل الحكمة في الابتعاد، فمجاملة الأفاعي جريمة.
- نظرتُ إليها نظرةً حانية في محاولة لإنهاء هذه الحديث الذي يُقلّبُ عليّ أوجاعًا، والتي أتحاشى ذكرها، فأجبتها متسائلة: ما الذي يعجبك في شخصيتي يا سارة رغم أني أقسو عليكِ كثيرًا؟
- ضحكت ضحكةً ماكرةً..سأخبرك يا قمر الليالي، أراكِ رمزًا للعطاءِ، وكأنكِ تملكين كل شيء، تملكين الجمال وينقصك الحظ، تملكين الجاذبية وينقصك التقدير الذي بكِ يليق، تملكين الذكاء وكان ينقصك الجراءة.
- ابتسمتُ قائلةً: كان ينقصني!
- نعم يا جسامين كانت تنقصك، لكنك الآن تعلمتِ من تجربتك المريرة، دعيني أكمل ولا تقاطعيني.
- أومأتُ برأسي معتذرة.
- تعطين الأمان لمن حولك رغم احتياجك الشديد له، إحساسك قوي ومرهف إلى أبعد حدٍ ممكنٍ، ولكن للأسف تتجنبين البوح بمكنونات نفسك الأبية خشية أن تخسري من حولك، تتألمين من داخلك، ومظهرك مغاير في صورة ابتسامة ساحرة، امرأة قوية تسكنها طفلة غاية في البراءة، أنتِ نموذج صارخ للمرأة المتمردة الملتزمة، تمنحين الاهتمام، في حين أنكِ في أشد الحاجة إليه، تملكين جبروتٍ لو سمحتِ بخروجه لاهتز العالم طوعًا لك ِ، لكنكِ لا تحبين أن تكوني قاسية.
- قاطعتها، أنتِ تكذبين يا سارة.
- ابتسمت، هذه علامة أخرى من علامات شخصيتك، فأنتِ تستطيعين اكتشاف الكذب بسهولةٍ مطلقةٍ، لكنك تفضلين الصمت..دعيني أخبرك أنكِ تثقين في كلامي وتعلمين أني لا أكذب.
- لا أحبُ الكذبَ يا سارة، فهو في رأيي رأس كل خطيئة.
- عطاؤك عطاء من لا يخشى الفقر، لا تنتمين لهذا العالم المرائيّ، تحتاجين فارس أحلام بمواصفات خاصة جدًا جدًا، يشبهك ويستكمل بك ضلعه المنقوص.
- من أين لكِ بهذا التحليل الذي يخفى عني الكثير منه؟
- ضحكت ضحكةَ الواثقِ بعلمه..هذه ببساطة يا جاسمين صفات أنثى الحوت.
- نظرتُ إليها متعجبةً من قولها....هل تؤمنين بهذه الخرافات يا سارة؟
- يجب أن تفرقي بين أمرين يا جاسمين، قراءة الأبراج، والاعتقاد في أنها تنفع وتضر، وبين القراءة في صفات الأبراج.
- وما الفرق يا فيلسوف عصرك؟
- بدأتِ تتأثرين بي وتسخرين مني.
- مَن عاشر القوم يا سارة.
- القراءة في صفات الأبراج جائزة شرعًا، لأنها ليست تدخلًا في قوانين الله ولا خصائص الناس، فهي تُعلِم الشخص بعض الصفات التي وضعها الله في الناس..بالمناسبة قبل أن أنسى، ما برج أنطوني؟
- العقرب، ولكن لماذا؟
- سأثبتُ لكِ صدق كلامي، أنطوني من النوع الذي لديه غيرة مرضية مميتة، تتملكه الغيرة الشديدة من الآخرين في بعض الأحيان، أو الغيرة على شركائه من الآخرين، يعاني من مرض حب التملك.
- قاطعتها، هذه ليست بجديدة فقد أخبرتك بها.
- تابعت قائلةً: أصحاب هذا البُرج يا جاسمين لا يقبلون مُشاركة الأشخاص في حياتهم مع أحد آخر أبداً ويحيطون حياتهم بهالة ساذجة من الكتمان والغموض، ولا يكشفون الكثير عن أنفسهم للآخرين؛ وذلك لتأمين الحماية لأنفُسهم ولحياتهم الخاصة، يعانون من مرض حب السيطرة ومتلازمة التحكُّم في الآخرين، وأن يكونوا في موقع السُلطة، ولا يسمحوا لأحدٍ مهما كان في التحكّم بهم أبداً.
- لم أستطع إخفاء إعجابي الشديد بتحليلها الدقيق لشخصية أنطوني، يبدو أني بدأت أصدق نبوءاتك أيتها العرافة البصيرة.
- ليكن، ولكن عليك أن تعترفي بمهاراتي في تحليل الشخصيات وقراءتهم من خلال صفات أبراجهم ولغة الجسد التي تفضح خباياهم..هل تأخر اليوم في الحضور؟
- مَن تقصدين؟
- العاشق الولهان يا جاسمين.
- لا داعي للتلاعب بالكلمات يا سارة، أفصحي عن قصدك.
- علاء الدين وحبيبته ياسمين.
- تقصدين عنيزة!
- صمتت برهةً، ثم قالت: متى تزورك صديقتك هند؟
- لماذا؟
- أليست دراستها في علم الأنثروبولوجيا، ولديها معلومات وافية عن الفلكلور والقصص الشعبي والأساطير؟
- بلى، لكن لماذا؟
- ستعلمين في وقتها.
- عموماً موعدها غداً، رغم أني لا أحب هذه الطريقة في إدارة الحديث يا سارة.
- لا تتعجلي يا أنثى الحوت الحالمة.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.