إدحرج واجري يا رمان.. وتعالى على حجري.. يا رمان.. أنا حجري حنين يا رمان.. ياخدك ويميل يا رمان.. خدناها خدناها.. خدناها بالسيف الماضي.. وأبوها ماكنش راضي.. وعشانها بيعنا الأراضي الحلوة اللي كسبناها، خدناها خدناها..
رقص.. وطبل، وزغاريد تنطلق من أفواه البنات والنساء، في بيت محمد إمام المكتظ بالمعازيم.. جاءوا يهنئون «عز» ومحمد على زواج ابنتهما.. العروس الطفلة التي بالكاد أنهت الـ12 عامًا.. الفرحة تعم الدار.
شخص واحد لم يكن سعيدًا.. عقله مشغول ومهموم.. وخائف على ابنته، ومستقبلها وحياتها الجديدة.. شارد الذهن والتفكير.. يرد تحية المهنئين والمعازيم ويصافح الجميع بشكل آلي، غائب في مكانٍ آخر في زمن آخر.. يخشى على ابنته البريئة أن تحيا حياة كئيبة باردة مع زوج لا يقدرها ولا يحترمها، ولا يتقي الله فيها، وهي النسمة ذات القلب الحنون، والوجه القمري المستدير في تمامه.. يعلم أنَّ ابنته ليست كالبنات لا تعرف اللوع، ولا تعرف الكذب أو النفاق، فهي قطرة من قطرات الندى، صافية نقية خالية من الشوائب العالقة في نفوس البشر.. أخذ الأب يحدث نفسه في صمتٍ بكلمات وأسئلة حائرة: «شعلان» هل ستكون على قدر المسئولية.. على قدر الأمانة.. أم ستكون نسخة من أبيك «عبدالمغنى» مزواج، يلهث وراء شهواته وغرائزه.. وتكون سببًا في جرح فؤادي؟.. آآآه يا ابنتي الحبيبة، أريد أن أصرخ وأقول: لا.. فقلبي مقبوض، وعقلي مشتت لولا المعازيم.
من أقصى زاوية في الحجرة المجاورة، ترمق وتراقب عين «عز» زوجها، وهي ترتدى عباءة قطيفة سمراء اللون، واقفة مع النساء تحدثهنّ، ويحدثنها، والفرحة ليس لها حد في صدرها.. ثم تركتهنّ واتجهت نحو زوجها كالسهم، أمسكته من كم جلبابه الأبيض وقالت له: مالك يا راجل.. وقف تايه ليه.. عمال تكلم نفسك. لم يرد عليها، ظل في صمته كأنه لا يسمعها في تجاهل متعمد وفجأة قال لها «مشوحًا بيده»: إيه يا «عز».. اتكلمت مش عاجب.. سكت مش عاجب.. أتحزم وأرقص يعني علشان تتبسطي.. ممكن تسبيني في حالي «قالها في غضب مكتوم. ردَّت «عز» قائلة: افرح يا محمد النهاردة فرح «نور».. ثم اقتربت منه أكثر كادت أن تلتصق به وقالت: النهاردة عيد يا محمد.. «قالتها في دلال». تركت عز محمد وعادت إلى مكانها وسط النساء تصفق بيديها وتزغرد.. وترقص مع من يرقصن من البنات «معبرة عن فرحتها». وقفت «نور» وسط البنات وهنَّ يرقصن من حولها في دائرة مستديرة بوجها الصبوح، وعودها الجميل الملفوف كأميرة من أميرات ألف ليلة وليلة، تبتسم فرحة في خجلٍ وكسوفٍ.. فهي ما زالت طفلة، وعيها لا يساعدها في فهم ما يدور من حولها، كل ما تعرفه أنَّ اليوم يوم فرحها، وأنها ستتزوج مثل كل البنات اللاتي يأتي عليهنّ يوم ويتزوجنّ، واليوم يومها وأتى دورها في الزواج.. عريسها ليس غريبًا عنها.. فهو ابن خالتها «شعلان».. تعرفه جيدًا، فهو الذى تربى في بيت أبيها.. أكل مما يأكلون.. وشرب مما يشربون.. ويعامله أبوها معاملة طيبة، كابن من أبنائه. البنات يضحكن من حولها.. يغمزنها، ويقرصنها بأيديهنَّ الناعمة في جسدها اللين الطري كقطعة من الملبن، في دلع وهزار.. ونور تبادلهنّ الضحكات.. وخداها، كالتفاح الأمريكاني يزداد احمرارًا وتوهجًا من شدة الخجل.. حتى جاء عريسها وأخذها من يديها إلى عالمٍ آخر إلى حياة أخرى لا يعلمها إلا الله.