هذا الكتاب الذى بين يديك عزيزي القارئ، لم يكتب وفق خطة مسبقة، ولم يرد فى ذهني فى يوم من الأيام أن هذه المقالات التى كتبتها، وسبق نشرها فى الصحف والمجلات سوف تجمعها دفتي كتاب، فقد أتيحت لىّ الفرصة أن أكتب بانتظام فى باب "وجوه وملامح" بجريدة القاهرة أثناء رئاسة تحرير كاتبنا الكبير صلاح عيسي " فتابعت عن كثب – من يرحلون من أدبائنا وفنانينا الكبار والشباب – وكتبت عنهم وعن رحيلهم المفجع، وعن علاقتي بهؤلاء المبدعين الذين أثروا حياتنا الأدبية والفنية بأعمالهم الإبداعية التى ستظل شاهدة على عصر مضي ما دامت الحياة فمن أبدع "ومن كتب لم يمت".
كنت حريصاً فى تناولي لهذه الشخصيات الإبداعية التى يحتويها الكتاب أن تكون شخصيات أدبية وفنية رفيعة المستوى ومحببة إلى قلبي.. وممن أثروا فى تكويني الأدبي والثقافي.
فالمبدعون الكبار الذين لم أعاصرهم ولكن قرأت إبداعاتهم وشاهدت فنهم، كتبت فى ذكرى رحيلهم عن المساحة الدافئة بين إبداعهم وبين وجداني، وكم تعلمت على كتبهم واستمتعت بفنهم الراقي.
أما المبدعون الذين عاصرتهم وكان يربطني بهم علاقة صداقة ومحبة، كان رحيلهم مفجع ومؤلم لىّ فجاءت الكتابة أكثر صدقاً وحميمية حيث رصدت تحولات العلاقة بيني وبينهم.. وتأثير إبداعاتهم علىّ وعلى أبناء جيلي من الكتاب والشعراء.
كما كتبت عن أصدقائي من الكتاب والشعراء أبناء جيلي الذين اختطفهم الموت وهم لازالوا فى عز عطائهم الإبداعي وفى ريعان شبابهم.. فكتبت عن أحلامنا المشتركة التى لم تتحقق ومشاريعنا الإبداعية التى لم تكتمل .. وعن وشائج المحبة التى كانت تربطني بهم.. وذكريات الندوات والمؤتمرات التى كانت تجمعنا فى شتي ربوع مصر، إنني كلما تذكرتها أشعر بغصة فى حلقي لأن من شاركوني هذه الذكريات قد رحلوا وتركوني أعتصر ألم الفراق.. وتبقي الذكريات فى ركن عزيز من القلب نستدعيها كلما مرت ذكرى هؤلاء الأصدقاء أو امتدت يدي على أرفف مكتبتي لأقرأ لأحدهم كتاباً أو ديوانا من الشعر.
وقد كتبت أيضا عن كتاب وشعراء وفنانين لازالوا على قيد الحياة – أمد الله فى عمرهم – وجميعهم لهم أدوار حقيقية فى حياتي وتربطني بهم علاقة شبه أبوية وصداقة حقيقية، تعلمت من إبداعاتهم، ومن سلوكهم فى الحياة ولازلت أتعلم منهم.
إن هذا الكتاب الحافل بتلك الشخصيات المبدعة فى الأدب والفن ما هو إلا إضاءة جادة على إبداعات هؤلاء الكبار ومسيرة حياتهم الحافلة بالنجاحات فهم الذين أعطوا لحياتنا معنى وقيمة.. وستظل إبداعاتهم منارة يهتدي بها الأجيال الطالعة.
عبده الزرّاع