كنتُ أقف بجانب النافذة أتأمل السماء ليلًا كعادتي، وكان القمر مكتملًا ذاك اليوم، كنتُ أنظر إليه في تأملٍ وإعجاب، كنتُ أشعر بالسكينة والهدوء، وخارجي هادئٌ عكس داخلي، سأعرفكم بنفسي، اسمي لارين، أتممتُ عامي الرابع والعشرين منذ شهرين، أدرس في كلية الطب، منذ صغري وقد كنتُ مهتمة بالبحث عن أسباب الأمراض وكيفية علاجها، لطالما كان هذا الأمر يثير فضولي؛ فعزمتُ على أن أتخصص في هذا المجال، لدي هواياتٌ عديدة:
أحب القراءة والكتابة واكتشاف الثقافات الأخرى وتعلم لغات جديدة، أحب ممارسة الرياضة.
وها أنا قد ذهبتُ لفراشي، و استسلمتُ للنوم، لينال مني بعد كل ذلك العناء، فقد كان اليوم شاقًا للغاية ككل أيامي، من المفترض أن تكون تلك السنة هي سنة التخصص في الجامعة؛ ولكني بدأتُ أشعر بالفشل والضياع، أتمنى أن تكون تلك فترة اللاشغف التي أمر بها دائمًا، وألا تكون تلك هي الحقيقة، يكفي هذا لقد أرهقني عقلي كثيرًا من التفكير، فغفوتُ تاركةً بداخلي الكثير من التساؤلات حول ما وصلتُ إليه، لأستيقظ مع أول خيوط الشمس الذهبية، وككل يومٍ يمر كسابقه، أو أسوأ بقليل، لقد سئمتُ كل هذا، ألا تنتهي مرحلة فقد الشغف واللامبالاة؟! أم أنها كُتبت باسمي؟ لا أعلم! ولكني أود أن أعود كما كنتُ، في كل يومٍ يكون أدائي سيئًا، بدأتُ أتشكك في حلمي قليلًا ليس قليلًا بل كثيرًا، مرت الكثير من الأعوام ولم أحقق شيئًا في دراستي، كانت لدي أحلامٌ كبيرة ولكنها بدأت تنطفئ، بدأ اليأس يتسرب إلى قلبي، لطالما حاربتُ كثيرًا من أجل حلمي، ولكن أهل ستكون تلك النهاية؟! لا يتوقف عقلي عن التفكير أبدًا، أخشى المستقبل، أعترف بهذا، أشعر الآن وكأني ضعيفة ولطالما كنتُ قويةً دائمًا، لطالما كنتُ أخفي ألمي بداخلي، وأظهر للجميع قوةً وكبرياء، لم أعد أستطيع أن أُكمل، ولطالما كان حلمي أن التحق بكلية الطب، ظننتُ حينها أن ذلك هو أصعب شيءٍ ولكنه ما كان إلا البداية
ممللتُ من محاولاتي الفاشلة لمعرفة سببٍ مرض ما، أو محاولةٍ بائسة لاختراع دواءٍ ما، كلها كانت تجارب فاشلة، لم ينجح بها أحدٌ قبلي، كيف ظننتُ أني قد أنجح، أضعتُ عمري منذ طفولتي في البحث والتفكير والتدوين ولكني لم أصل لشيء، ولكن الجانب الجيد في الأمر أنني تعلمتُ الكثير، واكتشفتُ أشياء كثيرة، ولكن دائمًا كنتُ أقف في منتصف الطريق، غير قادرة على إكمال ما بدأته، ولطالما انتهت كل أبحاثي بنفس الطريقة بدون نتائج، وهذا ما كان يحزنني أكثر؛ لو كانت انتهت بوجود نتائج حتى لو لم تكن صحيحة لكان أفضل بكثير
مللتُ من محاولاتي الفاشلة في هذه اليابسة البائسة، ففي الفترةٍ الأخيرة ما عدتُ أفعل شيءٍ؛ فلم أعد أتمرن وتركت ممارسة الرياضة، قل مستوايّ الدراسي كثير مؤخرًا، توقفتْ الأفكار في عقلي، أصبح مجمدًا، حتى ما كنتُ ألجأ إليه أعلن سخطه وغضبه علي، لم أعد أستطيع أن أكتب، عقلي مشتت كثيرًا لم يبقَ لي إلا الكتب ألجأ إليها إلى كلماتها، التي تملأ الفراغ الذي بداخلي، أصبحت اقرأ؛ لأعيش.
أصابني الشعور الدائم بالوحدة، كل شيءٍ من حولي يزول، أتمنى لو بإمكاني أن أنعزل في غرفتي لمدة لا أعرفها، ربما مدى الحياة أو حتى أستعيد قوتي وقدرتي على مواجهة هذا العالم، لم أشعر أني ضعيفة بقدر ما أشعر الآن، أشعر أني أريد البكاء، أريد أن أصرخ بكل ما لدي من قوةٍ، أريد أن أنعزل عن العالم لأبكي دون أن يقاطعني أحد، لقد تحقق قولهم، لقد قالوا لن تصلي إلى مرادك، لن تنالي ما تسعين إليه، إنَّ ما تحاولين من أجله مستحيل، كنت أؤمن بداخلي أنه سيأتي ذلك اليوم الذي وصفوه بالمستحيل، فأنا التي لم تعرف المستحيل يومًا، لقد أفنيتُ عدة سنوات وأنا أحاول أن أصل لشيءٍ عن مرض الأورام وفشلتُ بعد محاولات عديدة، فاتجهت أنظاري في الآوانة الأخيرة بعد كل هذه الخيبات إلى الأوبئة، التي ظهرت منذ زمن بعيد، وبحثتُ في كل حقبةٍ، كيف تتم مواجهتها! جمعتُ بعض المعلومات عن ذلك، وعرفتُ معلوماتٍ كثيرة عن الحروب، وكيف كان للأوبئة دورٌ كبيرٌ فيها، ساعدني هذا قليلًا على تخطي اليأس القابع بداخلي؛ ولكنه أبدًا لم يقضي على حقيقة فشلي، أعلم أن هذه الأشياء تستغرق وقتًا كثيرًا لتجدي ثمارها، ولكني أريد أملًا واحدًا يثبتُ لي العكس، وأني سأحقق ما أطمح إليه يومًا ما، ليتنا نعلم المستقبل، لما لا نعلمه؟! ليتنا نستطيع أن نعرف ما إن كنّا سننجح فقط أو لا! سنصل أم لا! كلمةٌ واحدة فقط كانت كل ما أريده؛ ليعود لي الأمل من جديد، لكن هيهات ذلك؛ فعلينا أن نعيش كل لحظةٍ دون أن نعرف ما سنلقاه غدًا
***