كان ذلك حين بدت المدينة مختلفة عن أي وقت قد سبق، كانت خالية، موحشة، وكانت دامية بذلك القدر الذي تستطيع معه تمييز الأحمر من فوق كل الأسطح، فظهرت قبيحة كابن عرس يتجمل بالروث، ومن فوقها كانت أطنان من النسور تجوب السماء ولم يتوقفوا منذ الغسق فحجبوا كرة هيدروجين عملاقة وراء سواد أجنحتهم، بينما اصطف ألف غراب -ينعبون أكثر من مجرد نعيب- فوق مائتي غصن لشجرة كافور واحدة، غير مباليين على الإطلاق بما ضرب أو بما سيضرب، ثم هاجت الزوبعة؛ فأتت على سكون الشارع رقم 4 بأكمله، لم تكن في حاجة سوى إلى نفخه واحدة لتُجبر الكافورة على التفريط في يابسة، ثم راحت تمخر بها الفضاء تشرقها وتغربها مستسلمة في رحلة لم تدم طويلا، في جو متقلب كهذا عادة ما تتوقف الرحلات توقفا أو أكثر، فمع سكون جديد أطلق الهواء اليابسة فسقطت فوق السطح اللامع للسيارة التي تربض على بعد خطوات من جذع الفاقدة، ثم سُرْعَانَ ما عادت الرياح فحملتها إلى لا مُسْتَقَرًّا آخر، ونعب أسود الجناح ورده الآخرون فتضاعف النعيب وشق في جسد السكون شقق نصالا ساخنا في قالب من الزبد حتى بلغ منام السيد الراقد في الأسفل، وأنبه ذلك الغريب المار على بعد أقدام فبدل من وجهته، وبحركة آلية... أتبع الصوت مُتقدما ببطء آلة حرث صدئة.