كان ذلك بعد الانتكاسة الاقتصادية العظمى التي ضربت العالم في 2068 حيث أصاب الكساد القطاع الاقتصادي بسبب تراجع الثروة الزراعية و المائية التي كان سببها الرئيسي التلوث القاتل و الاحتباس الحراري، البترول بدأ يجف و ما من حل مؤكد....بطبيعة الحال كان لصراع الدول العظمى الدور الأكبر في تفاقم الكارثة، أجل إنها الحرب العالمية الثالثة، الحرب النووية، الغريب في الأمر أنها لم تكن بتلك المدة الطويلة كسابقاتها، لقد دامت أربعة أسابيع فقط ، لتستطيع هذه الأخيرة إعادة هيكلة الكرة الأرضية برمتها، حيث تراجعت نسبة اليابسة القابلة للاستيطان من حوالي %28 إلى حوالي %13، ومن أهم ما سببته هذه الكارثة كان الانخفاض الرهيب في عدد السكان، حيث لم يتبقى من التسع مليارات نسمة سوى حوالي المليارين فقط ....بعد أسابيع من الذهول بدأ الناس أخيرا في الإدراك أنها نهاية العالم وهنا بدأت الطبيعة الوحشية للإنسان في الظهور حيث طغى الظلم على العدل في عالم صارت الموارد فيه كل شيء و الجريمة في كل مكان بعد أن غاب النظام، بعد أن انتشر الفساد و الحروب الأهلية لسنوات حيث صار الطعام هو العملة الصعبة و الكل يفعل أي شيء لأجله، عندما أصبح التطرف هو الطبيعة الأساسية للبشر و القانون الوحيد هو "البقاء للأقوى".
24 عاما ذلك ما تطلبه الأمر ليتشكل العالم الجديد، لكنه لم يكن بذلك الجمال، فقد عم التلوث كل شيء مما ساهم في القضاء على المزيد من السكان....24 عاما ذلك حين حل ذلك اليوم الذي ظهرت فيه تلك المجموعة في مركبات جد متطورة و ضخمة، بالنظر لحالة العالم آنذاك فإنهم بدوا كالفضائيين....حينها كانوا قد بدأوا في تشييد المصانع و استصلاح الأراضي. من أين يستمدون الطاقة لتشغيل آلاتهم؟ البترول! إنه قليل جدا. الطاقة الشمسية! لم تكن متاحة أو بتلك الفاعلية بسبب الترسبات الغازية التي كادت تحجب الشمس كليا. إذن من أين؟ لقد كانت قادمة من مفاعلات نووية جد متطورة قادرة على توليد طاقة نظيفة بنسبة 99%....لقد كان اسم تلك المجموعة (تكنولايف) لقد كانت تلك ثورتهم، لقد غيروا العالم...
2112 نعم 20 عاما استطاعت فيه (تكنولايف) إعادة البشر إلى سكة التطور من جديد حيث أنشأوا خمس دول كل دولة لها مميزاتها و قوانينها الخاصة :
الدولة الشرقية و تسمى آسيا العظمى؛
الدولة الغربية و تسمى فيرتيليشيا؛
الدولة الشمالية و تسمى كوزاموروز؛
الدولة الجنوبية و تسمى سوارتمين؛
و الدولة الوسطى يرمز لها ب SCP و تسمى سينترال بارك .
الدول المتميزة بالثروة المائية و المحروقات كانت آسيا العظمى و كوزاموروز بينما أغلب الثروة الزراعية تركت ل فيرتيليشيا، بينما اشتهرت سوارتمين بقوتها و مواردها الصناعية. في حين تبقى دولة الوسط سينترال بارك هي المنطقة الأصغر مساحة و الوحيدة التي لا يعلم العامة عنها أي شيء...
بطبيعة الحال و كأي حضارة بشرية يوجد قانون، و يوجد خارجين عن القانون لذلك قامت تكنولايف بتشكيل قوات خاصة لحفظ الأمن تسمى القلنسوات، و التي تنقسم إلى فئات حسب طبيعة عملهم، وهم القلنسوات البيضاء، الحمراء، الزرقاء، الخضراء، و السوداء، و أهمهم البيضاء حيث يكونون الأعلى سلطة و يمثلون الجيش و الكيان العسكري، و الذين بدورهم ينقسمون لعدة رتب أعلاهم هم الجنرالات الملقبون بالنجوم، و نوابهم من الألوية (جمع لواء). لكل دولة من الدول الأربعة الأولى أربعة جنرالات و عشرون لواء موزعين بالتساوي، حيث يقومون بتطبيق وحفظ النظام بما يسمح لهم القانون...لكن هناك منصب آخر ينافس الجنرال في السلطة حيث يكون أقل منه في الرتبة لكنه أعلى منه في الصلاحيات، و أصحاب هذا المنصب يسمون العمال الأحرار حيث يقفون فوق القانون في منطقتهم ويمكنهم الوصول لأي معلومة و الدخول لأي مكان بحرية ماعدا دولة سينترال بارك التي تعتبر درجة أخرى من السرية، حيث لكل دولة من هذه الأربع دول خمسة عمال أحرار، و كل عامل يرمز له بحيوان، و تبقى هويته و معلوماته خاصة و فائقة السرية، وأغلبهم يستخدمون هويات مزيفة للاختلاط بالمجتمع.
2120 لقد ازدهرت الدول و صارت الحياة أسهل وأصبحت تكنولايف تمثل النظام و الحكومة. لم تواجه الحكومة أي مشاكل كبيرة في الأعوام الأخيرة سوى مع بعض العصابات المتمردة ،خصوصا قراصنة العقرب التي تسيطر حاليا على جزء معتبر في بعض مقاطعات الدولة الشرقية (آسيا العظمى) والدولة الجنوبية (سوارتمين). حيث تظل قيادات هذه المنظمة غير معرفة إلى الآن سوى رمزيا.
شارل ماركوس 27 سنة، أشقر الشعر مائل للبني، قمحي البشرة ، طول 178سم، يتناول الحلويات بكثرة رغم أنه لا يحبها كثيرا، يفضل ارتداء الملابس الكلاسيكية، و يلتزم ارتداء الأسود كل أربعاء، و يعمل كسائق أجرة كوظيفة ثانوية.
يسكن (ماركوس) ببيت متواضع بعيدا عن التجمعات السكانية الكثيفة في المقاطعة 91 بإقليم (ميدندورف) لدولة فيرتيليشيا [حيث توجد مئة مقاطعة مقسمة على عشرين إقليم ضمن الأربع دول (كوزاموروز، آسيا العظمى، سوارتمين، فيرتيليشيا) بالترتيب وكل إقليم يحوي عدة مدن].
ينام (ماركوس) أربع ساعات في اليوم تقريبا كل يوم. بعد نهوضه على الساعة الخامسة صباحا 5:00 يقوم بالتمرن و الجري في صالة تدريبه الخاصة بمنزله، ثم يأخذ حماما سريعا. بعد إنهاء إفطاره يقوم بغسل الأواني و التنظيف، وكل ذلك في غضون ساعتين فقط [نعم إنه شخص عجول]. بعد الاسترخاء قليلا على أريكته يقوم بالمطالعة لحوالي النصف ساعة، أغلب ما يقرأه تكون من الجرائد و قصص الرعب. و عند حوالي الساعة 7:45 يخرج من المنزل صوب سيارته نحو العمل بعد التأكد من إغلاق كل منافذ بيته جيدا [إنه شخص حذر].
إنه الآن يقود سيارته مارا بمختلف مدن المقاطعة كسائق أجرة عادي بابتسامة غريبة على وجهه يقابل بها الزبائن [إنه شخص غير اجتماعي].
هاهي ذي الشمس بدأت تغيب، وإذا بساعة (ماركوس) ترن معلنة أنها 19:00، لينهي بذلك مناوبته.
يتجه الآن إلى أحد المطاعم الشعبية المعروفة في مدينة (هاندل) بإقليم (ميدندورف).
يترجل ماركوس من سيارته و يتجه نحو مطعم صغير، وها هو ذا يدخل و يلقي التحية على صاحبة المطعم اللطيفة (مايا) صاحبة الأربع و عشرين عاما فقط. صحيح أن المطعم يبدو قديما بعض الشيء لكن الطعام به جيد أو على الأقل هذا ما يخبرها به (ماركوس).
بعد أن تلقى (ماركوس) طلبه المتمثل في العجة و المثلجات بنكهة الفراولة يشرع في الأكل، وإذا برجل أسود ضخم قوي البنية يدخل المطعم و يتجه نحو طاولة (ماركوس) ، وها هو الآن جالس مقابله.
تأتي (مايا) لتأخذ طلبه ، فيسألها بلطف ان كان هذا المطعم يقدم النبيذ. حيث تجيبه (مايا) بالإيجاب.
فيطلب بذلك منها كأسا من أفضل ما لديهم من النبيذ، حيث تستغرب (مايا) و تستفسره عن إن كان متأكدا من طلبه، فالكأس الواحدة من أفخر نبيذ لدى مايا يكلف حوالي 7000 دوت كوين. [بالمناسبة فنظام العمولة الآن قائم على العملة المطبوعة و الرقمية المعروفة بدوت كوين (dot coin)، و التي بالطبع لا يمكن نسخها و لا يمكن لأي كان إنتاجها].
لذا تخبر (مايا) الرجل الضخم بأن الكأس فقط من هذا النبيذ يساوي 7200 دوت كوين. حيث أن هذا الثمن كاف لشراء سيارة. لكن رغم ذلك يصر الرجل على طلبه و يطلب منها بلطف أن تحضر له النبيذ.
تذهب مايا بسرعة إلى المخزن لتحضر النبيذ و تقدمه للزبون[يبدو أنها ستفتحها لأول مرة] ، و بعد تقديم (مايا) للنبيذ بطريقة أنيقة تليق بسعره، قام الرجل بالدفع مقدما 50000 دوت كوين عن طريق محفظته الالكترونية مقابل الكأس ثم شكرها على طريقة التقديم. لم تستوعب (مايا ) ما حدث لكنها شكرته مع ذلك وعادت إلى عملها.
فجأة يقوم (ماركوس) بالضغط على جهاز غريب بجيبه ثم يتكلم إلى الرجل الواقف أمامه بينما كان يتلذذ بذلك النبيذ: "أنا لم أتلقى منك أي رسالة عن مكان اللقاء هذه المرة، لم ظهرت فجأة أيها القرش؟".
يجيب الرجل المدعو بالقرش: "لقد شعرت بالملل لذا قررت مفاجأتك".
يرد عليه (ماركوس): "لا شك أنك تعلم أنني الآن في مهمة للبحث عن مقر عصابة (العين الوحيدة)، التي تلقيت معلومات عنها بأنهم يفكرون للانضمام لقراصنة العقرب. وهذا يعني أنه ليس لدي الوقت لمهمة أخرى".
(القرش): "حسبما أذكر فأنت معنا منذ عام أليس كذلك ،لذا دعني أسألك هل التقينا يوما دون ميعاد مسبق؟".
(ماركوس): "لا، لم يحدث ذلك أبدا".
يرسل (القرش) ملفا مشفرا لماركوس ويخبره بأن يقرأ ان أراد أن يفهم. يتلقى (ماركوس) الملف و يفتحه، وإذا به يتفاجأ ثم يبتسم ابتسامة خبيثة.
(القرش): "تبا! ألم يخبرك أحد أنك لا تجيد الابتسام".
(ماركوس): "إذن فقد ظهر أخيرا. ومن بين كل البلدان فقد أتى هنا إلى (فيرتيليشيا).هذه المرة لن يفلت مني".
يرد عليه (القرش): "انسى أمر العين الوحيدة مؤقتا، لديك أربعة أيام كحد أقصى أو سأسرق سمكتك.
يجيبه (ماركوس) بكثير من الثقة: "هذا أكثر من كافي".
ينهي (القرش) نبيذه، يمسح فمه بالمنديل ثم يقف ليخاطب (ماركوس) مرة أخيرة: "نصيحة أخيرة، لا تفقد رباطة جأشك و تفشل في المهمة، فالفشل ممنوع في مجالنا أيها (الغراب)".
يبتسم (القرش) ابتسامة خافتة ليستدير و يرحل مودعا (ماركوس) بيده.
يخفي بعدها (الغراب) الملف ليستكمل وجبته. وها هو يتجه نحو (مايا) بعد انتهائه ليدفع لها بسخاء، و يخبرها بأن الطعام كان جيدا.
يرتدي الغراب معطفه ويهم بالخروج إلى سيارته. عند وصوله لمكان ركنها يقوم بالضغط على أحد أزرار مفاتيح السيارة لتتحول سيارة الأجرة العادية تلك إلى سيارة سوداء فخمة وجد متطورة، ليركب ماركوس بعد ذلك سيارته الفارهة و يغادر ليبدأ البحث عن أدلة تقوده لهدفه الجديد.
في المقر الرئيسي لقوات القلنسوات البيضاء التابعة للمقاطعة رقم 89 و المسؤولة عن اقليم (ميدندورف). أحد الألوية للقوات الخاصة (جيمي برنس) [و هو أحدث النواب وأصغرهم سنا في المقر التابع لميدندورف ، ذو 23 عاما] يقوم بالجري في الرواق متجها إلى مكتب الجنرال (مايكل سترونغ) البالغ من العمر 36 عام. يطرق الباب ثم يدخل، ليسأله القائد (مايكل): "لم تتعرق يا جيمي؟ هل كنت تركض أو ما شابه؟".
يجيبه اللواء (جيمي) بكل حزم: "أيها القائد إنه العامل الحر المدعو بالقرش، إنه في قاعة الاجتماعات الرئيسية وهو يطلب حضورك".
يفكر الجنرال في نفسه: "ما السبب الذي جاء به إلى هنا، و الآن تحديدا؟".
ينظر إلى اللواء (جيمي) و يخبره بأنه بإمكانه الانصراف، و أنه سوف يتوجه إليه الآن.
"حاضر سيدي". يجيب اللواء باحترام ثم ينصرف.
بعد انصراف اللواء، يحمل القائد (سترونغ) نفسه متوجها نحو قاعة الاجتماعات.
يجلس (القرش) منتظرا وهو يأكل بعض المكسرات متأملا اللوحات الجديدة التي وضعت بالقاعة [إنه شخص مولع بالفن]، و بينما هو كذلك إذا بشخص ذو هيبة و وقار يدخل القاعة، إنه الجنرال (سترونغ).
يحييه (القرش) قائلا: "لقد مرت فترة يا (سترونغ)".
يقوم الجنرال باستخدام وسامه الإلكتروني لتفعيل نظام الغرفة المغلقة [و هو نظام متطور لعزل الصوت و منع التجسس].
ثم يرد على القرش: "لقد أخبرتك العديد من المرات، هنا عليك الالتزام بالألقاب الرسمية و الرتب. نادني بالجنرال أو (النجم)، يا (جاكسون)".
يتبادل كلاهما بعد ذلك الضحكات، ويتصافحان، ثم يجلس (الجنرال) بجانب (القرش) ناظرا إليه.
يتحدث (القرش): "كيف حالك أيها الصديق القديم".
يجيبه (الجنرال): "لقد أنهكتني الأعمال المكتبية. فأنا لم أعمل في الميدان منذ مدة طويلة. على عكسك بالطبع، فكما يبدو فإنك تحافظ على لياقتك".
يضحك (القرش) قليلا ثم يرد: "إنك تحرجني فأنا أحاول خسارة بعض الوزن هذه الأيام".
يتبادل الاثنان الضحكات قليلا، ثم يسأل (الجنرال) بجدية: "إذن، ما الذي أتى بك يا (جاكسون)".
يجيب القرش (جاكسون): "لا بد أنك علمت أن الهدف ذو الرتبة A قد ظهر. [حيث تقسم الأهداف الخطيرة الخارجة عن القانون إلى خمسة درجات حسب قوتها و خطورتها على الحكومة بنفوذها أو معلوماتها، و تتفاوت بالترتيب: SS-S-A-B-C ]".
يجيبه (الجنرال): "أجل ، فلقد أوكلت مهمة القبض عليه للغراب".
يرد عليه (القرش): "أجل، لكنني أخشى أن يفشل بالمهمة".
يستغرب (الجنرال): "لكنك اطالما تحدثت معي عن مدى مهارته و براعته!".
يرد (القرش): "إن الأمر ليس وكأنني لا أثق بمهاراته، فكما تعلم، فإنه يحتل حاليا المرتبة الثالثة و الثلاثين في نظام التقييم الممنهج".
(الجنرال): "همم! لقد ظننت أنك لا تعترف بنظام التقييم أبدا".
(القرش): "أنا لم أقل يوما بأنه لا يمكن أخذه بعين الاعتبار، لكنني لا أعترف به كنظام مطلق لتقييم فاعليتنا على أساسه".
يرد (الجنرال) بضحكة خفيفة: "هههه! هل لا زلت متضايقا من ترتيبك إلى الآن؟".
يجيب (القرش): "لا! هل لا زلت تظن ذلك حقا؟".
ثم يضيف قائلا: "لنعد لموضوعنا، وكما قلت سابقا فأنا لا أشكك بقدراته بل العكس تماما، لكني أخشى أن يفشل بسبب مسألة قديمة".
يستغرب (الجنرال): "مسألة قديمة! هل يمكنك أن تشرح لي".
و بعد ساعة من النقاش و الحديث بين الطرفين، قام (القرش) بشرح ما حدث بين (الغراب) و الهدف الذي يسعون خلفه و توضيح المشكلة للجنرال (سترونغ).
بعد أن استوعب هذا الأخير ما سمعه، يوجه نظره نحو القرش بوجه جدي قائلا: "إذن فالمقصود بفشله في المهمة يعني احتمالية قتله للهدف بدل التحفظ عليه حيا".
"نعم بالضبط. لذا فأنا أريدك أن ترسل بعض القوات للتعامل مع الأمر. ويفضل أن تختارهم بعناية. و أرجو أن تبقي الأمر سريا قدر الإمكان". القرش.
"أنا لا أحب التدخل في المناطق الأخرى لكنني سأفعل ما في وسعي". الجنرال مجيبا.
ينهض الاثنان من مقعديهما وهما يحدقان ببعضهما، ثم يفتتح (القرش) الحديث أولا: "إذن إلى المرة القادمة التي نلتقي فيها أيها الصديق القديم".
يودعه (الجنرال) قائلا: "نعم إلى المرة القادمة أيها الرفيق".
بعد رحيل (القرش) يقوم الجنرال (سترونغ) باستدعاء الألوية المتاحين ليبدأ في التحضير للخطوة القادمة و تنفيذ ما طلب منه.