fatmahmza

Share to Social Media

كانت الثامنة من مساء يوم الخميس آخر يوم بالسنة، حين أعددتُ كوبًا من الكاكاو الدافئ وجلستُ في شغف لقاء بعض الأقارب والأصدقاء والجيران، رتبتُ بيتي وأعددتُ تحية الضيافة وأكملت أناقتي وجلست أشرب الكاكاو أنظر للصور المعلقة على الجدران أشغل نفسي حتى مجيء ميعاد زيارتهم، وقعت عيني على صورة مرسومة بألوان الزيت لي ولزوجي في يوم زفافنا يقابلها صورة لأبنائي يرتدون ملابس تنكرية في حفل مدرسي على يمينها صورة لابنتي ترتدي زي التخرج من الجامعة، حاصلة على تقدير عالٍ، بجانبها صورة لابني وزوجته في إحدى البلاد الأوروبية، هناك في منتصف الجدار صورة كبيرة لآخر تجمع عائلي لنا في نفس الميعاد من السنة بها يضحك الجميع، أنا أجلس في المنتصف وبجانبي زوجي، على اليمين أختي وزوجها التي لا تستطيع النزول من بيتها الآن؛ فهي تعاني من التهابات في الأعصاب دائمًا، تقف بجانبها ابنتها الصغرى، كانت مازالت تدرس، هي الآن تعمل في شركة سياحية كبيرة تأخذ كل وقتها، على يساري ابنتي وبجانبها أحفادي وفي الخلف أخي وأبناؤه وزوجته كم هي جميلة، بجانبهم جارتي سحر جاءت تقضي اليوم معنا فقد كانت تعاني من الوحدة؛ تركها أبناؤها بعد أن هاجروا للخارج، بجانبها ابني الكبير وأطفاله وزوجته التي طُلقت منه بعد أن ترك لها أبناءه منها وسافر مع فتاة غربية، أما أنا فلم أعد أرى أحفادي لا بُدَّ أنهم كبروا الآن، وهذا في أقصى اليمين ماجد ابن جارتي مديحة رحمة الله عليها، شقتها مقابلة لشقتي، عيناه متورمتان من كثرة البكاء يومها جاء يشكي فعلة أخيه معه الذي استولى على الشقة هو وزوجته منذ أن تُوفِّيت والدتهما وطرده منها بعد أن استبدل كالون الباب بآخر جديد ولم يسمح له بالدخول ثانية لكنه يأتي من الحين للآخر كلما اشتاق للمكان يدق الباب على أخيه ويأبى أن يفتح له فيلتفت ليدق علي بابي يجلس معي يحكى ويبكي وهو يستعيد ذكريات أمه معي، أما زوج ابنتي فلم يكن موجودًا بالصورة فهو لم يحضر يومها؛ يملُّ سريعًا ولا يحب التجمعات العائلية، كان ذلك منذ عشر سنوات قبل أن يأخذ ابنتي وأحفادي ويذهب لإحدى الدول العربية بعقد عمل مُغْرٍ.

أما أنا فلم أكن أشتكي من آلام بالعظام مثل الآن، ركبتي ما زالت تؤلمني منذ أن وقعت عليها في الحمام منذ شهور لم أجد لها حلًا ولم يستطع الأطباء مداواتها، لا بُدَّ أنها الشيخوخة فأنا أبلغ من العمر الآن العام الثالث والسبعين، لم أكن كذلك منذ عشر سنوات.

تأخر الوقت ومللت الانتظار ليلتها، كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة ولم يأتِ أحد، مرت ساعتان وأنا أنظر للصور شاردة في الذكريات، زوجي الحبيب كان يحب مشاهدة الأفلام القديمة معي في هذا الوقت قبل النوم، أحب مشاهدتها بالأبيض والأسود حزن كثيرًا عندما علم أنهم يقومون بتلوينها بأدوات التكنولوجيا الحديثة.

كنت مازلت أنتظر الجميع حين شعرت بالبرودة؛ الشتاء أصبح قارس لم يكن كذلك من قبل، عزمت على النهوض وتشغيل المدفأة اشتراها لي أخي هو الآن بمركز مرموق في شركته يأخذ كل وقته أعانه الله.

ولدقائق ذهبت في غفلة استيقظت منها على أصوات متداخلة وضوضاء بالمكان، استعدت اتزاني، فوجئت بالجميع وقد جاءوا، وجدتهم حولي ينظرون إليَّ في قلق، ابديت اندهاشي وتساءلت:

ـ ما هذا! ما كل هذا الجمع حولي؟ يبدو أنني نمت قليلًا، كيف تمكنتم من الدخول دون أن أفتح لكم! هل تركت الباب مفتوحًا؟ ما سبب كل هذا الدخان بالمكان؟

رأيتهم ينظرون لي وعيونهم يملؤها الأسي يرددون بأصوات متداخلة:

ـ جاءنا استدعاء عاجل، من حارس العقار والجيران، الذين شاهدوا ألسنة اللهب تخرج من نافذة شقتك، كسروا الباب ودخلوا ليجدوكِ في غيبوبة على وشك الاختناق جراء دخان الحريق الذي نشب نتيجة سقوط المدفأة على السجادة. من المرجح أن النوم قد غلبك وأنتِ جالسة على المقعد ولم تشعري بالحريق.

ـ لا بأس، يكفي وجودكم حولي الآن، استعدوا لأخذ صورة العام، أرجو منكم الالتفاف والنظر إلى الكاميرا.

كنت في قمة سعادتي أنظر للكاميرا وعلى وجهي ابتسامة عريضة والجميع حولي على وجوههم القلق والتعجب. يقول لي عقلي إنها كانت فكرة رائعة أتوق لتكرارها مرة ثانية، هل أقوم بتحضير كوبٍ من الكاكاو الدافئ لعلِّي أشعر بالسعادة التي شعرت بها حينها؟

***
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.