---
الفصل الأول: الرسالة
(1)
كانت عضلاته تؤلمه. هذا كان شعور "كيان" المفضل. الألم يعني أنه ما زال على قيد الحياة، ما زال قادراً على الدفع بجسده إلى أقصى حدوده. في نادي "القوة الذهبية" الخاص به، تحت الأضواء الباهتة قبيل الفجر، لم يكن سوى صوت أنفاسه الثقيلة وصوت الحديد وهو يصطدم. كان هذا عالمه الآمن. هنا، يسيطر على كل شيء.
بينما كان يضع الأثقال في مكانها، خلف ظهره مباشرة، سمع ذلك الصوت الخافت جداً. صوت لا يسمعه سوى من تدرب عليه. صوت مظروف ورقي ينزلق على سطح أملس.
التفت.
لم يكن هناك أحد. فقط المظروف الأبيض الموضوع بمهارة على منضدة الاستقبال. على المظروف، لم يكن هناك اسم. مجرد رمز مرسوم بقلم جاف رفيع: هلال يخترقه سهم.
توقف قلب "كيان" لثانية. هذا الرمز. رمز وحدة "النسر" في جهاز الاستخبارات. وحدته القديمة. الرمز الذي أقسم على ألا يراه مرة أخرى بعد أن ترك ذلك العالم للأبد.
(2)
"يارا" كانت تشعر بأنها ملكة العالم. عرضها التقديمي لتصميم "المتحف المائي" الجديد في الغردقة قد نجح بشكل مبهر. مديرو الشركة هتفوا لها، وزملاؤها صافحوها بحرارة غيورة. كانت كل خططها تسير على ما يرام.
بخطوات خفيفة، خرجت من المبنى الزجاجي الفاخر في القاهرة الجديدة متجهة إلى سيارتها. رفعت هاتفها لتهدي والدتها في الإسكندرية.
"ماما، نجح...".
لم تكمل الجملة.
صدمة معدنية هائلة قذفت بها إلى الأمام. سيارة دفع رباعي داكنة اللون صدمت سيارتها من الخلف بعنف. صدمة أخرى، هذه المرة من الجانب، حاصرت سيارتها بينها وبين الرصيف.
لم تكن حادثة. كانت عملية.
(3)
فتح "كيان" المظروف بيد لا ترتعش. بداخله لم تكن هناك رسالة مطولة. فقط صورة واسم.
الصورة: لفتاة شابة بشعر بني غزير وابتسامة واثقة تملأ وجهها. تبدو ذكية، ناجحة، لا تعلم شيئاً عن العواصف التي تستهدفها.
الاسم: يارا سليم.
تحت الصورة، كُتب بخط رفيع جداً: "المعلومات في التصميم. أنقذها قبل أن يصلوا إليها."
أنقذها؟ من مَن؟ ولماذا؟ وأي تصميم؟
أسئلة اندفعت في رأسه مثل الرصاص. لكنه لم يكن لديه رفاهية الوقت للإجابة عليها. غريزته التي كُسرت وعُلّبت على مدار سنوات في الجهاز، صحت فجأة. كانت تنذره. الآن. يجب أن تتحرك الآن.
اقتنع "كيان" بحقيقة واحدة: من أرسل الرسالة يعرف أنه لن يستطيع رفضها. يعرف أن شرف "النسر" القديم لا يزال ينبض في داخله.
أمسك هاتفه، لكنه لم يتصل برقم الطوارئ. بدلاً من ذلك، ضغط على زر اتصال سريع. دق الجرس مرة واحدة فقط.
"سمع"، قال صوت خشن من الطرف الآخر.
"أحتاج موقعاً. الآن"، قال "كيان" وعيناه مثبتتان على صورة "يارا". أعطى رقم لوحة سيارتها الذي استنتجه من معلومات أولية في المظروف.
ثم، بينما كان ينتظر الرد، سحب من خزانة مقفلة صندوقاً معدنيًا صغيراً. داخله، لم يكن هناك سوى سلاحين: مسدس كاوتش صامت، وساعة يد عادية. ارتدى الساعة، وأخفى المسدس في ظهر بنطاله الرياضي. "كيان" العميل السري عاد إلى الحياة في غضون دقائق.
(4)
كانت "يارا" تحاول فتح باب السيارة المشطوش، يداها ترتعشان. رأت باب السيارة الدفع الرباعي يفتح، وثلاثة رجال بأجساد ضخمة يخرجون، نظراتهم باردة ومحددة.
"إطلعي معانا بسهولة، يا آنسة"، قال أحدهم بصوت أجش.
هزت رأسها رافضة، مشاعر الذعر والغضب تتقاتل في داخلها. من هؤلاء؟ وماذا يريدون منها؟ هي مهندسة معمارية، ليس لديها ما تخفيه.
قبل أن يتمكن الرجل من إخراجها قسراً، سمعوا جميعاً صوت محرك سيارة يصرخ من بعيد. سيارة دفع رباعي بيضاء قديمة، كانت تتقدم نحوهم بسرعة مخيفة.
في اللحظة الأخيرة، انحرفت السيارة البيضاء بعنف، لتصطدم بالدفع الرباعي الداكنة بشكل جانبي، مبتعدة إياها عن سيارة "يارا".
الصوت كان مدوياً.
من باب السائق في السيارة البيضاء، قفز "كيان". لم يكن يبدو كبطل. كان يرتدي بنطالاً رياضياً وقميصاً قديماً. لكن طريقته في الحركة، ثقته، ونظراته التي تمسح بالرجال الثلاثة في لمحة واحدة... كلها أخفت من ينظر إليه بأن هذا الرجل مختلف.
"إنت مين؟ إبتعد عن هنا!"، صاح الرجل الأجش.
لم يرد "كيان". تحرك.
كانت الحركات سريعة، فعالة، وقاتلة. ضربة على رقبة الأول أطاحته. مسكة معصم للثاني كسرت توازنه ودفعته تجاه السيارة. الثالث حاول الوصول لسلاح، لكن ركلة من "كيان" منعته، تلتها لكمة قوية على وجهه أسقطته.
في أقل من عشر ثوان، كان الرجال الثلاثة على الأرض.
نظر "كيان" إلى "يارا" للمرة الأولى. عيناها واسعتان من الرعب والذهول. وجهها الشاحب الجميل يظهر في ضوء مصابيح الشارع.
"يارا سليم؟" سأل، صوته هادئ لكنه يحمل سلطة لا تقبل الجدال.
هزت رأسها، غير قادرة على الكلام.
"إذا كنتِ تريدين البقاء على قيد الحياة، فأنتِ معي الآن."
أمسك بذراعها برفق لكن بحزم، وقادها بعيداً عن حطام السيارات، تاركاً وراءه أسئلة أكثر من الإجابات، وماضياً ظن أنه دفنه إلى الأبد.
<<<<<<><<<<<>>>>>><<<<<<>>>>>>><<<<>>
الفصل الثاني
(1)
كانت "يارا" تجري بجانبه، أنفاسها تتقطع من الرعب والمجهود. لم تستطع مقاومة النظر إلى الرجل الغامض الذي يسحبها في شوارع القاهرة الجانبية. رائحة عطره الخفيفة تختلط برائحة العرق والخوف. كانت تسمع صفارات الإنذار تتصاعد في الخلفية.
"لمن نهرَب؟ ماذا تريد مني؟" حاولت أن تسحب ذراعها من يده.
أوقفها فجأة في ظل ممر ضيق بين مبنين. عيناه الذهبيتان تحدقان فيها بتركيز شديد. "اسمعيني جيداً. الرجال الذين حاولوا اختطافك ليسوا لصوصاً عاديين. وسيعودون، أو سيرسلون غيرهم. إذا أردتِ أن تعيشي، اتبعي تعليماتي دون نقاش. الآن، هل لديكِ مكان آمن بعيد عن شقتك وعن عملك؟ مكان لا يتوقعه أحد؟"
"يارا" شعرت بالدوار. كل شيء كان يسير بشكل مثالي قبل ساعة. والآن، هي مع رجل غريب يتصرف كأنه بطل في فيلم أكشن. لكن شيئاً ما في صوته، في حزمته، جعلها تثق به رغم نفسها.
"جدتي... في منزلها القديم في المعادي. لم يعد أحد يسكن هناك منذ وفاتها."
"مثالي. العنوان؟"
أعطته العنوان بينما كان يخرج هاتفاً burner بسيطاً ويرسله في رسالة نصية.
(2)
في سيارة أجرة قديمة، كانا يجلسان في صمت ثقيل. "يارا" تحدق من النافذة بينما تمر المدينة بسرعة. "كيان" كان يراقب الطريق بعينين لا تهدآن، يتحقق من المرايا باستمرار.
"من أنت؟" سألت أخيراً، صوتها يكاد يكون همسة.
"شخص يحاول إنقاذ حياتك."
"هذا ليس اسماً."
التفت إليها للمرة الأولى منذ أن ركبا. "اسمي كيان. وهذا كل ما تحتاجين لمعرفته الآن."
"كيان..." رددت الاسم كما لو كانت تختبره. "وكيف تعرف أن حياتي في خطر؟ ومن قال أنني أريد إنقاذها بهذه الطريقة؟"
ابتسم "كيان" ابتسامة مريرة. "الخيار لم يعد بين يديك، يارا. عندما يرسلون رجالاً بهذا المستوى من الاحتراف، فهذا يعني أنكِ تمثلين تهديداً كبيراً لشخص ما. وسيفعلون أي شيء لإزالة هذا التهديد."
(3)
منزل الجدة كان مظلماً ومترباً، لكنه كان يبدو آمناً. بينما كانت "يارا" تشعل ضوءاً خافتاً في الصالون القديم، لاحظ "كيان" صورة على الحائط: "يارا" طفلة بجانب رجل وسيم يبدو وكأنه والدها.
"والدك... ماذا كان يعمل؟" سأل "كيان" وهو يشير إلى الصورة.
"كان مهندساً معمارياً مثلي. توفي قبل خمس سنوات في حادث سيارة."
"حادث سيارة..." همس "كيان" وكأن الكلمة تذكره بشيء.
فجأة، سمعا صوت محرك سيارة يتوقف أمام المنزل. نظر "كيان" من خلال ستارة النافذة ورأى سيارتين سوداوين. رجال بأزياء سوداء يخرجون منهم، هذه المرة بأعداد أكبر وأسلحة مرئية.
"كيف عرفوا أننا هنا؟" صاحت "يارا" مذعورة.
لم يكن لدى "كيان" وقت للتفكير. أمسك بيدها وسحبها إلى المطبخ. "هناك مخرج خلفي من هنا. ركضي ولا تلتفتي."
لكن عندما فتح الباب الخلفي، وجدوا ثلاثة رجال آخرين ينتظرونهم. لقد حاصروا المنزل بالكامل.
(4)
سحب "كيان" "يارا" إلى الداخل مرة أخرى وأغلق الباب. "إلى الطابق العلوي، الآن!"
بينما كانا يصعدان الدرج بسرعة، سمعا أصوات الأبواب تُكسر في الطابق السفلي.
في غرفة النوم العلوية، أغلق "كيان" الباب ودعك بقطعة أثاث ثقيلة أمامه. ثم توجه إلى النافذة. كانوا في الطابق الثاني، والسقوط محفوف بالمخاطر.
"لا أستطيع!" قالت "يارا" وهي ترتجف.
"كيان" أمسك بيديها. نظر في عينيها العميقتين. "ستستطيعين. ثقي بي."
في تلك اللحظة، بينما كانت أصوات الرجال تقترب من الباب، سمعا صوتاً جديداً من الخارج. صفارات إنذار شرطة. الكثير منها.
نظر "كيان" من النافذة ورأى سيارات الشرطة تملأ الشارع. الرجال بالسو بدأوا في التراجع والهرب.
من الذي أبلغ الشرطة؟ تساءل "كيان" في نفسه. هل كان هذا إنقاذاً... أم تدخلاً آخر؟
(5)
بينما كانت "يارا" تتنفس الصعداء، شعر "كيان" بأن الخطر لم ينته بعد. شخص ما كان يلعب معهم. شخص ما كان يراقب كل تحركاتهم.
"لا نستطيع البقاء مع الشرطة"، همس في أذنها. "يجب أن نذهب الآن، بينما الفوضى لا تزال قائمة."
"إلى أين؟" سألت "يارا" وعيناها تعكسان الخوف والإرهاق.
"إلى مكان لا يخطر على بال أحد. إلى ماضيك أنتِ."
نظرت إليه محتارة.
"تصميمك للمتحف المائي... أين توجد النسخ الأصلية للتصاميم؟"
"في الاستوديو، لكن..."
"لا. ليس هناك. في مكان خاص. مكان ورثتيه عن والدك."
فجأة، تذكرت "يارا". الصندوق الحديدي القديم الذي تركه لها والدها. كانت دائماً تظن أنه يحتوي على ذكريات عائلية قديمة.
"في الخزنة... في منزلي."
ابتسم "كيان" للمرة الأولى. "مثالي. هم سيتوقعون أن نهرب بعيداً، لا أن نعود إلى مكان الجريمة."
لكن بينما كانا يهربان من النافذة الخلفية بعيداً عن أعين الشرطة، تساءلت "يارا" في صمت: كيف عرف هذا الرجل الغريب عن صندوق والدها؟ وما السر الذي تخفيه تلك التصاميم الذي يجعل حياتها في خطر؟
<<<<<<<<<<<<<<>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
الفصل الثالث
(1)
كان الظلام يُخيم على شارع "يارا" في الزمالك. من بعيد، لا تزال أنوار سيارات الشرطة الوامضة تُنير المكان حول شقتها. لكن "كيان" يعرف أن العدو الحقيقي لا يرتزي زي الشرطة.
"مستحيل!" همست "يارا" وهي تتشبث بذراعه في الظل. "كيف سندخل والشقة محاطة؟"
"كيان" لم يجب. عيناه كانتا تراقبان نافذة في الطابق الثالث. "شقتك هناك، أليس كذلك؟"
"نعم، لكن..."
قبل أن تكمل، أخرج هاتف الـ burner وأرسل رسالة نصية قصيرة: "الآن".
وبعد لحظات، انفجر ضوء قوي في الطابق الأرضي من المبنى. انفجار صغير لكنه كافٍ لتحويل انتباه everyone. صراخ، هرج... الفخ الذي نصبوه لنا تحوّل إلى فخ لهم.
"هذه فرصتنا"، قال "كيان" وهو يسحبها نحو المدخل الخلفي الذي يعرفه جيداً من خططه الاستخباراتية السابقة.
(2)
داخل الشقة، كانت الفوضى تعمّ المكان. أثاث مقلوب، أدراج مفتوحة... لقد قاموا بالبحث عن شيء ما.
"الصندوق!" همست "يارا" وهي تركض نحو غرفة نومها.
لكن "كيان" أمسك بيدها. "انتظري. إذا كنتِ مكانهم، أين ستضعين الفخ؟"
نظرت إليه محتارة، ثم أدركت. تقدمت بحذر نحو خزانة الملابس، لكن "كيان" أوقفها مرة أخرى. أشار إلى سلك رفيع يمتد عبر الأرضية.
"متفجرات"، قال بهدوء. "إذا فتحتِ الخزانة، ستنفجر الشقة."
"يارا" وضعت يدها على فمها المفتوح من الرعب. "إذن كيف...؟"
ابتسم "كيان" ذلك الابتسام الغامض. "هم يتوقعون أننا سنأتي من الباب." ثم نظر إلى السقف. "لكن هناك دائماً طريقة أخرى."
(3)
من خلال فتحة التهوية في السقف، زحفا مثل قطتين في الظلام. كان جسد "كيان" يلامس جسدها في المساحة الضيقة، وتستطيع أن تسمع دقات قلبه المنتظمة. هذا الرجل كان آلة.
عندما وصلوا فوق الخزانة، فتح "كيان" الشبكة بهدوء ونزل بدقة القط. ثم مدّ يده لمساعدتها.
الصندوق الحديدي كان هناك. قديم، متآكل، لكنه صلب.
"مفتاحكِ"، قال "كيان".
"يارا" كانت ترتجف بينما تبحث في جيبها عن المفتاح الصغير الذي لم تفصله أبداً. وبينما كانت تحاول إدخاله في القفل، سمعا صوت خطى في المدخل.
"انظري، إنهم هنا!" صوت غليظ يقول.
"كيان" أخرج مسدسه الصامت. "افتحيه بسرعة. أنا سأؤخرهم."
(4)
بينما كان "كيان" يطلق النار باتجاه المدخل لإبطاء تقدمهم، كانت يدا "يارا" ترتجفان وهي تحاول فتح القفل القديم. أخيراً... طق!
داخل الصندوق، لم تكن مجرد أوراق قديمة. كان هناك حاسوب لوحي صغير، ونسخة ورقية من التصميم، ورسالة بخط والدها:
"يا ابنتي العزيزة، إذا كنتِ تقرئين هذا، فأنا لم أعد بينكم. التصميم الذي بين يديكِ ليس مجرد متحف، بل هو مفتاح شبكة اتصالات سرية تمر تحت البحر الأحمر. هم يريدونها، ولن يتوقفوا عند شيء..."
فجأة، سمعت صوت انفجار صغير. التفتت لترى "كيان" يسقط على ركبته، دماء تسيل من كتفه.
"كيان!" صرخت.
"خذي الحاسوب وهربِي!" قال وهو يضغط على جرحه. "استخدمي الممر السري!"
"أي ممر سري؟"
أشار إلى خلفها. "خلف المرآة. اضغطي على الجانب الأيسر."
وبينما كانت تبحث عن الممر، سمعت صوت "كيان" وهو يهمس: "آسف... لم أخبركِ كل الحقيقة."
(5)
عندما ضغطت على الجانب الأيسر من المرآة، انزلق جزء من الحائط للخلف، كاشفاً عن ممر مظلم. التفتت لترى "كيان" يحاول النهوض، بينما الرجال يتقدمون نحوه.
"لا أستطيع تركك!" صرخت.
"يجب أن تفعلي!" قال وهو يطلق النار مرة أخرى. "أنا أعرف كيف أتعامل معهم. اذهبي!"
في عينيه، رأت شيئاً لم تره من قبل. لم يكن مجرد التزام بالمهمة... كان اهتماماً حقيقياً.
قبل أن تختفي في الممر، ألقيت نظرة أخيرة عليه. "لا تموت!"
وابتسم لها ذلك الابتسام المرير. "هذا ليس في خطتي."
(6)
في الظلام البارد للممر السري، كانت "يارا" تركض وهي تحمل الحاسوب اللوحي. دموعها تختلط بالعرق. لماذا كان والدها متورطاً في هذا؟ ولماذا خفي "كيان" الحقيقة عنها؟
وفجأة، تذكرت شيئاً. صورة قديمة لوالدها مع شاب... شاب يشبه "كيان" لكنه أصغر سناً.
كان "كيان" يعرف والدها!
والآن، وهي وحيدة في الظلام، مع سر قد يكلفها حياتها، ومع رجل جرحى قد يكون مات من أجل حمايتها... أدركت أن عالمها لن يعود كما كان أبداً.
<<<<<<<<<<<<<<>>>>>>>>>>>>>>>>
الفصل الرابع
(1)
الممر كان مظلماً وبارداً، برطمانات حفظ الطعام تتراص على الرفوف الصدئة. كان يبدو أن والدها قد جهز هذا المكان منذ زمن بعيد، متوقعاً هذا اليوم. "يارا" تتقدم بحذر، حاسوب والدها اللوحي مضغوط بين ذراعيها ككنز ثمين.
سمعت من بعيد أصوات طلقات نارية متفرقة، ثم صمت مطبق. قلبها توقف. هل قتلوا "كيان"؟ رغم كل شيء، رغم كذبه عليها، لم ترد له الأذى.
وصلت إلى نهاية الممر، باب حديدي صغير يقود إلى ما يبدو أنه قبو مهجور. هناك، تحت ضوء هاتفها الخافت، فتحت الحاسوب اللوحي.
كلمة المرور؟
جربت كل التواريخ المهمة: تاريخ ميلادها، تاريخ زواج والديها، دون جدوى. ثم تذكرت شيئاً. التاريخ الذي رسمته والدها على الرسمة التي علقت على ثلاجة منزل الطفولة: "الأول من سبتمبر".
نفس التاريخ الموجود على ساعة "كيان" الخاصة.
(2)
الشاشة انفتحت، وظهرت خريطة تفاعلية لشبكة اتصالات سرية تحت البحر الأحمر. لكن ما جعلها تتجمد لم يكن التكنولوجيا المتطورة، بل كانت الملفات المسماة: "مشروع شهاب".
داخل أحد الملفات، صورة لوالدها وهو أصغر سناً، بجانبه رجل يشبه "كيان" إلى حد مريب، لكن بعينين أكثر براءة. وتحت الصورة: "الفريق: د. سليم (مهندس) - كيان (حماية)".
كان "كيان" يعمل مع والدها! كان جاسوساً يحميه!
وفجأة، سمعت صوتاً خلفها: "لم أخبركِ لأنني لم أستطع تحمل إيذائكِ أكثر."
التفتت لترى "كيان" واقفاً عند مدخل القبو، يده على كتفه الملطخ بالدماء، يتكئ على الحائط. "والدكِ... كان مثل الأب لي."
(3)
في ضوء الهاتف الخافت، بينما كانت "يارا" تضمد جرح "كيان" بقطع من ملابسها، حكت له القصة:
"بعد وفاة والدكِ في ذلك 'الحادث'، تركت الجهاز. أقسمت أن أحميكِ من بعيد، دون أن تعرفي قط. لكن عندما علمت أن 'النسر' يبحث عن التصاميم، وعرفوا هويتكِ... لم أستطع البقاء مكتوف الأيدي."
"لماذا؟ لماذا يريدون التصاميم؟"
"لأن والدكِ بنى 'باباً خلفياً' في النظام. طريقة لتعطيل الشبكة إذا سيطر عليها الإرهابيون. هم يريدون إزالته لاستخدام الشبكة في أعمالهم."
سكتت "يارا" لحظة، ثم سألت بالسؤال الذي كان يؤلمها: "هل كنتِ تحميني فقط لأنها مهمتك؟"
نظر "كيان" في عينيها، وفي تلك اللحظة، سقطت الأقنعة. "في البداية، نعم. لكن الآن..." لم يكمل، لكن عينيه قالتا كل شيء.
(4)
انفجار هز المبنى من الأعلى. لقد وجدوهم.
"لا بد من الهرب من مصر"، قال "كيان" وهو ينهض بصعوبة. "لديهم أيدي في كل مكان."
"إلى أين؟"
"إلى حيث بدأ كل شيء. إلى الأقصر. هناك محطة رئيسية للشبكة تحت المعابد. إذا استطعنا الوصول إليها، يمكننا تدمير النظام قبل أن يسيطروا عليه."
لكن "كيان" كان يعرف الحقيقة المريرة: أن في الجهة خائناً. شخصاً يعرف كل تحركاتهم. كيف else عرفوا أنهم في شقة "يارا"؟ كيف عرفوا عن المنزل القديم؟
شخص ما داخل "النسر" نفسه كان يعمل ضدهم.
(5)
بينما كانا يهربان من القبو إلى شوارع القاهرة الفارغة، أمسكت "يارا" بيد "كيان".
"أنا لا أهرب معكِ فقط لأنكِ تحميني"، قالت بعينين تلمعان بالإصرار. "أنا أهرب معكِ لأنني أريد أن أفهم ماضي والدي. ولأنني... أريد أن أعرف الحقيقة عنك."
في تلك اللحظة، تحت سماء القاهرة المرصعة بالنجوم، وهما مختبئان في ظل عالم يطاردهما، شعر "كيان" بشيء لم يشعر به منذ سنوات: الأمل.
لكن الأمل كان خطيراً في عالمهم. والأخطر من ذلك كان السر الذي لم يخبره بها بعد: أن والدها لم يمت في حادث، بل تم اغتياله. وأن القاتل كان بينهم الآن، يطاردهم في الظلام.
<<<<<<><<<<<>>>>><<<>>>>>>>>>>>
الفصل الخامس
(1)
كان القطار الليلي إلى الأقصر يبدو آمناً، لكن "كيان" كان يعرف أن الأعداء يمكن أن يكونوا في أي مكان. وهو جالس بجانب "يارا" في المقصورة المظلمة، كان يشعر بثقل السر الذي لم يخبرها به بعد.
"هناك شيء يجب أن تعرفيه"، بدأ بصوت منخفض.
"يارا" نظرت إليه، عيناها تعكسان وهج الأضواء الخارجية المارة. "ماذا أيضاً؟"
"والدك... لم يمت في حادث سيارة."
جمدت في مكانها. "ماذا تقول؟"
"تم اغتياله. وأنا أعرف القاتل." صوت "كيان" كان يحمل ألماً قديماً. "كان زميلنا في الفريق. شخص وثقنا به جميعاً."
(2)
ذكريات الماضي - قبل 5 سنوات
"كيان" الشاب يقف في الظلال، يشهد اجتماعاً سرياً بين والد "يارا" والرجل الذي كانوا يطلقون عليه "الصقر". كان "الصقر" هو المسؤول المباشر عن فريق "النسر".
"لا يمكننا تسليم النظام بالكامل"، يقول والد "يارا" بحزم. "يجب أن نبقي على باب الأمان."
"الصقر" يبتسم ابتسامة باردة. "أنت تفتقر إلى الرؤية، يا صديقي. هذه التقنية ستجعلنا الأقوى في المنطقة."
في تلك الليلة، شاهد "كيان" من بعيد بينما كانت سيارة والد "يارا" تنحرف عن الطريق وتنقلب. لكنه رأى أيضاً ظلاً يبتعد من مكان الحادث. ظل يحمل الندبة نفسها التي على وجه "الصقر".
(3)
"لماذا لم تفعل أي شيء؟" همست "يارا" وهي تحاول أن تمسك دموعها.
"كانت كلمتي ضد كلمة أحد كبار الضباط. ولم يكن لدي أي دليل." أمسك "كيان" بيدها. "لكنني أقسمت أن أحميك. هذه كانت طريقي لتصحيح الخطأ."
في تلك اللحظة، لم تعد "يارا" ترى "كيان" كمجرد حارس غامض، بل كرجل ظل يعيش مع ذنب وألم لسنوات. رجل ضحى بكل شيء من أجل وعد قطعه على نفسه.
(4)
فجأة، توقف القطار فجأة في منتصف الطريق الصحراوي. الأضواء انطفأت.
"هم هنا"، همس "كيان" وهو يمسك مسدسه.
سمعا أصوات أقدام تقترب في الممر. ثم صوت مألوف:
"كيان، يا صديقي القديم. ألم تعلم أن القطارات لها عيون وآذان؟"
إنه "الصقر". كان صوته يقطر سماً كما كان قبل خمس سنوات.
"خذي هذا"، همس "كيان" في أذن "يارا" وهو يمرر لها فلاش ميموري. "كل المعلومات هناك. اهربي من النافذة عندما أبدأ الحديث معه."
"لا تتركني مرة أخرى"، التمست به.
نظر إليها نظرة طويلة، كما لو كان يختم صورتها في ذاكرته. "هذه المرة، سأنهي ما بدأته منذ خمس سنوات."
(5)
بينما كان "كيان" يفتح باب المقصورة لمواجهة عدوه القديم، كانت "يارا" تفتح النافذة بهدوء. لكن قبل أن تهرب، التقطت شيئاً من حقيبتها - قلم تصميمها الحاد.
"الصقر" وقف في الممر محاطاً برجاله. "أخيراً نلتقي again، يا كيان. لطالما انتظرت هذه اللحظة."
"القتل لم يكن كافياً لك؟" قال "كيان" وهو يتقدم للأمام.
"بالعكس"، ضحك "الصقر". "كان مجرد بداية. والآن سأنهي ما بدأته مع والد الفتاة، ومعك..."
قبل أن يكمل، ظهرت "يارا" فجأة من خلف "كيان"، وعيناهما تلمعان بالغضب.
"أنت قتلت والدي"، قالت بصوت هادئ لكنه قطعي.
ابتسم "الصقر" بازدراء. "وما الذي ستفعلينه حيال ذلك، يا عزيزتي؟"
بحركة سريعة، رفعت "يارا" القلم وكشفت عن زر صغير. "والدي علمني دائماً أن يكون لدي خطة بديلة."
ضغطت على الزر، وانفجرت الأضواء في القطار بشكل مبهر، بينما بدأ نظام الإنذار بالصافرات. لقد قامت بتفعيل نظام الطوارئ الذي صممته خصيصاً لقطارات سكك حديد مصر كجزء من مشروع تخرجها.
في ذهول الجميع، استغل "كيان" و"يارا" اللحظة للهرب
عبر النافذة إلى الصحراء المظلمة.
(6)
وهما يجران في الرمال تحت النجوم، توقف "كيان فجأة وأمسك بيدها.
"لقد كنتِ مذهلة"، قال وهو يتنفس بصعوبة.
"لقد علمني والدي أن التصميم الجيد ليس مجرد جمال، بل وظيفة أيضاً"، أجابت بابتسامة ماكرة.
في البعد، سمعا أصوات مروحيات تقترب. "الصقر" لم يكن لينسحب بهذه السهولة.
"الأقصر لا تزال على بعد 50 كيلومتراً"، قال "كيان" وهو ينظر إلى الأفق. "وسيكون علينا السير على الأقدام."
"يارا" أمسكت بيده بقوة. "طالما نمشي معاً."
وفي عينيها، رأى "كيان" شيئاً لم يره منذ سنوات: القوة التي تدفعه للاستمرار، والأمل الذي يجعل المعركة تستحق.
لكن المعركة الحقيقية كانت لا تزال تنتظرهم في معابد الأقصر، حيث سيواجهون ليس فقط "الصقر"، ولكن أيضاً الحقيقة الكاملة عن مشروع "شهاب"، والسر الذي قد يغير علاقتهم إلى الأبد.
<<<<<<<<<<<<<<>>>>>>>>>>>>>٧
الفصل السادس
(1)
كانت الشمس تشرق على صحراء الأقصر عندما وصلا أخيراً إلى حافة المدينة. وكان "كيان" قد أصيب بالجفاف، وجرح كتفه يتلوث. وقفت "يارا" أمامه، وجهها مصمم تحت أشعة الشمس الحارقة.
"لن تستطيع المواصلة هكذا"، قالت وهي تمزق جزءاً من تنورتها لتعصب جرحه من جديد.
"لا يوجد خيار آخر"، همس "كيان" بصوت أجش. "المحطة الرئيسية تحت معبد حتشبسوت. يجب أن نصل إليها قبل أن يفعلوا."
نظرت "يارا" إلى الأفق حيث تلوح المعابد في الضباب الحارقي. ثم نظرت إلى "كيان" - هذا الرجل الذي ضحى بكل شيء من أجلها. كانت تعرف أن هناك سراً آخر لم يخبرها به.
"لماذا تخفي عني الحقيقة الكاملة عن والدك؟" سألته فجأة.
تجلت الصدمة في عيني "كيان". "ماذا تعنين؟"
(2)
أخرجت "يارا" الهاتف الذي التقطته من القطار. "وجدت هذا في مقصورتك. به رسائل بينك وبين شخص ما... تتحدثون فيها عن 'تصفية الحساب العائلي'."
سقط "كيان" على ركبتيه، ليس فقط من الإرهاق بل من ثقل الحقيقة. "أبي... كان شريك والدك. وهو أيضاً مات في ذلك الحادث."
الصورة أصبحت واضحة الآن. والد "كيان" ووالد "يارا" كانا شريكين في تصميم النظام. وكلاهما تم اغتيالهما.
"الصقر لم يقتل والدك فقط"، продолжаت "يارا" وهي تقترب منه. "بل قتل والدك أيضاً. وكل هذه السنوات وأنت تبحث عن الانتقام."
(3)
في تلك اللحظة، ظهرت حولهم سيارات الدفع الرباعي من جميع الجهات. "الصقر" نزل من إحداها، يصفق ببطء.
"أحساس درامي رائع"، قال ساخراً. "اتضح أنكم تتشاركون نفس المصير المأساوي."
وقف "كيان" ببطء، عيناه تحملان ناراً جديدة. "لم يكن انتقاماً فقط... كان عدالة."
"والآن"، قال "الصقر" وهو يرفع مسدسه، "سننهي هذه المهزلة. النظام تحت المعبد ينتظرنا."
(4)
الممر تحت معبد حتشبسوت كان مذهلاً - تقنية حديثة مخبأة داخل آثار قديمة. وأمامهم، امتدت قاعة التحكم المركزية للنظام.
"هنا"، قال "الصقر" وهو يدفعهما للأمام، "سيولد عالم جديد. وعليكم مشاهدة لحظة انتصاري."
لكن بينما كان "الصقر" منهمكاً في تشغيل النظام، تبادل "كيان" و"يارا" نظرة. كانت خطة قد أعداها أثناء سيرهما في الصحراء.
"المفتاح ليس في تدمير النظام"، همست "يارا" وهي تتجه نحو لوحة التحكم. "بل في إعادة برمجته."
"لا!" صاح "الصقر" عندما رأى ما تفعله.
لكن "كيان" وقف في وجهه. "لقد حان وقت الحساب، يا قاتل."
(5)
بدأت المواجهة الأخيرة بين الرجلين بينما كانت "يارا" تعمل بسرعة على إدخال الأوامر الجديدة. كل ضربة كانت تحمل سنوات من الألم والخسارة.
"أنتم لا تفهمون!" صاح "الصقر" بينما كان يقاتل. "هذا النظام سيجلب القوة لمصر!"
"لا"، رد "كيان" بينما كان يوجه ضربة قاضية. "القوة الحقيقية هي في حماية الأبرياء، لا في السيطرة عليهم."
سقط "الصقر" على الأرض، بينما كانت إنذارات النظام تضيء باللون الأخضر. لقد نجحت "يارا" في إعادة البرمجة.
(6)
بينما كانا واقفين في ضوء الشاشات الخضراء، تنفسا الصعداء لأول مرة. لكن نظرت "يارا" إلى "كيان" كانت تحمل سؤالاً أخيراً.
"الآن بعد أن انتهى كل شيء... من ستكون، يا كيان؟"
التفت إليها، وعيناه تعكسان الرحلة التي قطعاها معاً. "سأكون الشخص الذي دفعته لأن تكوني... إذا سمحتِ لي."
أمسكت بيده، وكأنها تجيب دون كلمات. لكن في الزاوية، لاحظت "يارا" شيئاً - ضوءاً أحمر لا يزال وامضاً. النظام لم يكن آمناً تماماً بعد.
والخطر القادم لم يكن من "الصقر" أو رجاله... بل من شيء أخطر بكثير.
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<