فاطمة ناعوت، اسمٌ غرائبي، وكأنه مخصوص من أجل صاحبته، يليق بشاعرة على قدِّ ظمأ صاحبته، التي خطّفتها الغربة سنوات، ولفها الأسى سنوات، لكنها استطاعت خلال سنوات جد قليلة أن تختصر قرابة عقدين من الزمان، تأخرت خلالهما عن التجاور مع أبناء جيلها الشعري، غير أن هذين العقدين الذين مرّا عليها في صمت شعري ظاهري، استغلتهما في صخب ثقافي، عبّأ وجدانها ووعيها وذاكرتها بكثير من المعطيات المعرفية هنا وهنا وهنا، حتى إذا ما أزاحت عن كاهلها فوضى الانشغالات الحياتية المترادفة، وقررت الهبوط للشارع الشعري، توكّأتْ على رصيدها من جغرافية الفرح، وتاريخية الحزن، وارتدت نظارتيها اللتين استعارتهما من أندادها الافتراضيين الذين التقتهم في جلدتيْ كتاب أصفر هنا، وكتاب أزرق هناك، وفاجأتنا بصوت شعري ناضجٍ، حنون، ذي نكهة دخانية الأشواق، وطعم له لذعة التمر المحمص على مهل .
نعم
ولدت فاطمة ناعوت كبيرة، وكأنها لم تغب عن رفاقها الشعريين سنة أو شهرا أو يوما، جرت خلفهم، ولحقتهم، وحاذتهم، ومشت معهم، وشهد لها الكثيرون بسرعة الخُطا وموسقة الإيقاع، كنا نقول لها : يا فاطمة، خذي نَفَسَكِ بعض الشيء، واشربي قليلا من الماء البارد، وجففي عرقك الهاطل، فأنت أنثى جميلة، هدّئي من روعك، وربّي فرحك الصغير، كما يليق بامرأة على حوافّ الأربعين، كانت تشعر بعقديها اللذين فاتاها أكثر مما تشعر بوقتها الحوّام على أطراف أصابعها، وكانت تكتب، وكأنها تأخذ حصتها المنقوصة من سنِيِّها الروّاغة، وتغترفُ بكلتا يديها، لا لتشرب، ولكن لتسقينا، لتقول لنا، ذوقوا – أيها العاطشون، مائي معتقا، وجربوا شخبطة أقلامي، وشاهدوا صحابتي .
كتبت فاطمة ناعوت، كتبت شعرا ثبّت قدميها في متن الخارطة القصيدية، وترجمت إبداعات كمّلت بها نقصانا بيّنا في مكتبتنا العربية، لكنها بالإضافة لهذا وذلك، ثبّتت لها عدة زوايا صحفية ثابتة في صحف مصرية وعربية، تملأها كل أسبوع بمداخلات تقف على حواف الشعر، وتهبط من ضفاف النثر وتعبق المكان كله بالأريج. وأنا أحب الكتابات النثرية التي يكتبها الشعراء، ربما أكثر من شعرهم، دائما يأسرني ما يكتبه نثرا نزار قباني ومحمود درويش ومحمد الماغوط ومحمد عفيفي مطر وعبد المنعم رمضان، أضفت لهم مؤخرا سهير المصادفة، وفاطمة ناعوت .
عزيزي القاريء:
إن كنت لا تصدقني، فاقرأ هذا الكتاب.
السمّاح عبد الله