مرحبا بك فى ثاني قصة فى طريقنا ولكن قبل أن أقص عليك قصتي قرِّب منك علبة من المناديل الورقية وأخفض ضوء غرفتك فالاحداث تتطلب ضغط دم منضبط وأعصاب هادئة لان ما ستقرؤه سيوترك بلا شك فهيا بنا وتهيئ لرحلتنا.
بطل قصتنا هو أحمد ذو جسم رياضى شيئاً ما ويبلغ من الوسامة مقدار ليس بالقليل عيناه تميل لزرقة السماء تقريباً وشعره البني زاد من وسامته ورونق مظهره،أحمد دكتور متخصص في جراحات المخ والاعصاب والأطباء الذين يتخصصون فى نوعية كهذه من الطب لهم صفات خاصة منها الذكاء والحنكة فى التصرف فمهنته فى غاية الصعوبة فلو تلف عضو من أعضاء الجسم أثناء جراحة معينة ربما يعيش صاحبه لكن المخ وهو ميزان الجسم فالأمر هنا مختلف يا عزيزي .
أحمد يعمل بمستشفى الإستثماري لأحد رجال الأعمال وهو رئيس قسم المخ والاعصاب وبلغ من الشهره فى بلده مالم يبلغه غيره من الاطباء لتميزه فى مجاله، كان مُحاط بمميزات لم يتحصل عليها غيره وتميز بها وربما كانت له شخصيته التى أحبها الجميع فهناك عند باب المشفى يدخل بوسامته المعهودة وابتسامة تزين وجهه ُيسلم على هذا ويناقش ذاك ويتفقد حال تلك.
تفقد غرف المرضى غرفة غرفة كعادته حتى وصل لتلك الغرفة التى تحمل رقم عشرين واعتاد أن يمكث عندها بعض الوقت فقد كان ساكنها ليس كأي مريض أخذ من أحمد جل وقته وإهتمامه لقد كان مقربا اليه ولا يمل مجالسته، إنه العم سيد صاحب الستين ربيعاً وربيعا وربما تسائلتُ من هو سيد هذا الذي أعطاه وقته وإهتمامه؟!
العم سيد صديق توفيق والد الطبيب أحمد وقد وصاه عليه قبل وفاته ومنذ ذلك الوقت وهو يرعاه رعاية كاملة حتى عند مرضه نقله الى المكان الذى يعمل به حتى يرعاه رعاية كاملة وللاسف حالة سيد متأخرة جدا وأصبح أمر رحيله مسألة وقت لكن الطبيب أحمد لم يُرد اخباره بذلك أبدا ربما خوفاً على صحته النفسية أو براً بصداقة كانت بينه وبين أبيه، دخل عليه تبادلا الابتسامات المعهودة تساقطت نظرات الرضا بين كلاهما تحركت الألسنة وكأنها حفظت ما ستقوله .
"عم سيد كيف حالك يا بطل؟"كم كان يتهلل وجهه مع كل مرة يدخل أحمد عليه حتى أنه كان يشعر بخطواته فى كل مرة
"اهلا بحبيبي وابن حبيبي أنا بخير يا ولدى وانت كيف حالك؟"
"بخير يا عم،أراك تحسنت وعدت صبيا يا رجل يبدو أننا سنزوجك قريبا "كان يريد مُمزاحته كما تعود
"يا ولد كفاك مزاحا الى متى يا أحمد ستهتم بعمك سيد؟! لقد بذلت جهدا كبيرا لاجلىي،عليك أن توفر مالك لشئ أخر فى حياتك فلم تعد للحياة طعم يا ولدي فلا تتعب نفسك مع جسد ميت "
"عم سيد أريد أنْ أسالك سؤالاً وجاوبني عليه لو أن أبي مازال حيا ويجلس مكانك هل كان سيقول لي ما تقوله الان ؟ساجيبك يا عم أنا بالطبع لا لاني ابنه وهذا واجب لا فضل مني عليه وأنت يا عم سيد أيضا أبي فلا تعد كلماتك هذه ثانية ،ساترك الآن ولكن لن أتخلى عنك مادامت روحي بين أضلعي "أحمد الذي كان يتحدث يبدو أنه تأثر بكلماته أو ربما تذكر والده فقام يحتضن عمه سيد ويقبل يديه ودموعه سالت دون إذن منه.
"حفظك الله يا بني ووفقك فى عملك وحفظ لك اهلك وأولادك "
"سلمت يا عم ،اعتني بنفسك جيدا أيها العجوز ،السلام عليكم "
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته في رعاية الله يا بني"
خرج أحمد من غرفة عمه سيد قاصدا غرفة الاطباء ليأخذ قسطا من الراحة ولم يكد يكمل طريقه ليسمع صوت أزعجه حتى أنه جعله يغيير وجهة طريقه،يبدو أن مزاجه لم يكن مستعدا لأي عمل مرهق من أي نوع حتى لو تعلق هذا بحياة إنسان .
"علي جميع أطباء المخ والأعصاب التوجه الى باب الطوارئ للضرورة القصوى،على جميع الاطباء المخ والاعصاب......."ويبدو أنه يكن يريد أي شئ يعكر صفو مزاجه فقد علمته تلك المستشفى الاستثماري أن يفكر فى نفسه قبل كل شئ .
خلع معطفه وتركه فى أحد الغرف وإتجه الى مكتبه ليغلق الباب وهاتفه معه دون أن يبرر لنفسه لماذا يفعل هذا؟ ،وهل من الطبيعي أن يتخاذل طبيب ورئيس قسم عن عمله الى هذا الحد؟! فقط كل ما فعله هذا اليوم أنه رحل فى صمت دون أن يخبر أحد.
فى اليوم التالي علم أن حادثا مروريا وقع ونقل على إثره جرحى كانت إصاباتهم بالغة حتى أن أحدهم مات لأنه كان يحتاج تدخلا جراحي والطبيب الذى من المفترض أن يقوم به لم يكن موجودا ولم يتمكن أحد من الوصول الى مكانه إنه أحمد نفسه!.
عاتب نفسه قليلا ثم تجاهل الأمر كأن شيئا لم يكن ،باشر عمله بقية النهار بصورة طبيعيه وتوجه الي غرفة الاطباء للاستراحة قبل المغادرة من المشفى،أحمد منذ تعينه وصديقه المقرب هو على وقد كان ذو شخصية فكاهية،وجد فيه مالم يجده فى غيره فى من اصدقائه ومنذ ذلك الوقت وهما صديقان مقربان،فى تمام الثالثة عصراً أنهى على عمله ذاك الطبيب بقسم الباطنة وقد أبلى بلاءاً حسناً فى عمله ذاك اليوم وتوجه الى أحمد لكى يتمازحا قليلا ويجلسا معا كعادتهما..
"احمد راضي طبيب الجراحات المعقدة تُرى لما يجلس هكذا وفيما يفكر يا ترى؟"نظر اليه احمد دون أن يكلمه فقد كان عقله مشغول بأمر اخر واكتفى بابتسامته الخفيفة ونظرات تُوحى بإنشغال تفكيره بأمر ما.
"احمد احدثك يا هذا ماذا بك يا رجل؟"استنكر على رد فعل أحمد ولكنه شعر أن أمر جلل يحدث معه ولكن ما هو ؟
"لا شئ يا على ماذا تريد؟! "رد أوحى بجديته مما جعل على يتخلى عن مزاحه قليلا لكن على ذاك الطبيب المشاكس حتى جديته كانت أقرب للمزاح كعادته.
"كل ما اردته أن أطمئن على طبيبنا العاشق"
"كفاك مزاحا يا هذا" تغير وجه
"ماذا بك يارجل قل لصديقك ولن يخيب ظنك إن شاء الله"
"مسكننا الذى نقيم فيه يا صديقى قديم وأريد أن أنتقل لمكان أرقى من هذا المكان الضيق اريد أن اشترى للاولاد شقة جديدة و ليس لدي ما يكفي من المال لذلك الامر"
"أهذا كل ما يشغلك يا رجل؟"ضحك على من قول صديقه ليكمل حديثه بعدها موضحا سر ضحكته حتى لا يفهمها احمد سخرية
"يا صديقى لا تحمل هم المال فلدى مبلغ من المال يكفى لغرضك واكثر وسنشترى أفضل شقة لك ماذا قلت"
"لا يا على لن آخذ هذا المال فأنت مدخره لزواجك"
"انا وانت شخص واحد يا صديقى ودعك.من كل هذا وانهض فزوجتك وأولادك بانتظارك"فزع احمد من مكانه بمجرد أن سمع كلمة صديقه وكأن ماساً كهربائياً قد أصابه فقد تذكر أن اليوم سيخرج هو وزوجته واولاده معا
"الي اللقاء يا على لقد أخرتنى يا هذا "قالها وهو يلملم بعض ما تبقى من أغراضه وقبل أن يفتح الباب نظر لعلى وناداه فجأة
"على!"
"ماذا بك هل غيرت رأيك"ضحك أحمد
"لا يا رجل إنما أردت أن اقول لك امرا مهم"نظر على مستفهما الامر
"وما ذاك يا رجل؟!"
"أنك أخ وصديق لن يعوض وصدق من قال اختر الصديق قبل الطريق لذلك أنت أفضلهم يا رجل"تعانقا وربت على على كتف احمد
"هيا يا رجل ستتأخر"ليطير أحمد طيرا بعدها لقد حان موعد الترويح عن نفسه وعن اسرته ولا مكان للعمل الان
احمد متزوج وعنده ثلاثة أولاد ؛خالد وأشرف ومحمد،قرر أن يأخذ أولاده الثلاثة وزوجته لزيارة حديقة الحيوان بالمدينة،وصل منزله استقبلته زوجته استقبال الفاتحين كعادتها ابتسامة عريضة وكلمات ترحيب ساعدته فى خلع ملابسه وفجأة نسيت تسأله سبب تأخره
"أحمد اشتقنا اليك يا هذا أكل هذا تأخير؟!"
"اعذريني زوجتى فقد كان لدى عمل مرهق جدا للغاية"
"لا عليك يا غال أأجهز لك الطعام.أم تسترح قليلا؟"
"أبي نريد أن نخرج من هذا السجن ،نريد أن نشم بعض الهواء الطلق ونختلط بأناس غيرنا كفانا من هذه الجدران التى حفظناها".
كانت تلك كلمات خالد قبل أن تقاطعه أمه بصوت شديد للهجة
"خالد كفاك ابوك متعب ويريد ان يستريح "تبسم أحمد وهو يحدث خالد متجاهلا زوجته يغيظها كنوع.من المزاح بينهما.
"خالد قم وغير ثيابك انتم الثلاثة سنخرج وسنذهب الى مكان تحبه يا بطل ولا تبالى بكلمات تلك المرأة "ت
" حديقة الحيوان؟"خالد مستفهما من ابيه هل هو المكان أم غيره
"نعم يا بطل" تعالت اصواتهم كصوت من ينتظر العيد فضحكت زوجته وهي تنظر له يعيناها لا تدري أتلومه أم تعانقه علي جمال روحه وحنانه .
"أحمد هيا يا رجل سنتأخر"زوجته وكأنها هى من اقترحت من لهفتها على الخروج
"إنى قادم أم خالد أما كنت قد ترفضين خروجنا "
"هيا يا رجل هيااااااا" صوتها تعالى وكأنها تغني فى الاوبرا
كان أحمد يلبس أحسن الثياب كأنه عريس فى ليلة زفافه اكمل لبسه وتجهيزه بينما كان الجمع ينتظره بلهفة
،إستقل الخمسة السيارة وتوجهوا الي حيث أرادوا ولكنها فرحة لم تكتمل فبينما على طريقهم إختل توازن السيارة لتنقلب عدة مرات ،حادث أليم ومفجع خرج منه أحمد لم يصب إلا بجرح في يده بسيط لكن للاسف توفيت حبيبة زوجته في الحادث لتتساقط دمعاته حسرة علي تلك الروح التي رافقته حياته دون أن تكل ،لم تكن حبيبة هي اخر المفقودين فقد إلتحق بها ابنها الاوسط أشرف ليدفنهم أحمد في قبر واحد.
كان مشهدا أشبه بالخيال وفاجعة كادت تفقده عقله ،لكن الامر لم ينتهي فابناه في العناية المركزة التي ظل أحمد بجانب بابها لم يفارقها حتى جاء اليوم التالي ليخرج عليه الطبيب بخبر وفاة إبنه الاصغر خالد فيتلقاه بصبر وجلد وسكينة "إنا لله وإنا اليه راجعون".
كانت تلك أخر جمله قالها قبل أن يغيب عن الوعي ،ليفيق بعدها وقد علم أن خالد قد دُفن ،دُفن قبل أن يودعه كعادته قبل أن يخرج لكنه هذه المره ذهب ولن يعود ،سالت دمعاته صامتة ليقطعها صوت الطبيب
"نريد جراحا للمخ فالولد حالته خطيره"
هرول الي الطبيب يلح عليه أن يدخله لينقذ أخر خيط له في هذه الحياة رفض ولكن في النهاية وافق لما رآه من حالته،جهزت غرفة العمليات وتجهز أحمد لإجراء عملية لكنها مختلفة هذه المرة فالمريض هو فلذة كبده وأحمد تركيزه يكاد يكون منعمدا والعملية غاية في الصعوبة.
دخل علي ابنه ليراه في مشهد لا يتمني أب أن يرى ابنه عليه أبدا ،بدأ عمليته ويتمني أن يأخذ الله من أنفاسه ليعطيها لابنه ،مرت دقايق صعبة وهو يحاول إنقاذ ولده لكن واأسفاه فقد سبقه القدر وقضى اللمر فقد رحلت الروح الي بارئها ليسمع صوت صفارة يعرفها جيدا قادة من جهاز بجانبه ليعلن له أن ابنه قد مات نعم مات ،خلع قفازاته وخرج من الغرفة ليجلس علي كرسي أمام الباب وحسرة أكلت أحشاؤه.
رفع يداه الي السماء ودموعه تسبقهما لينطق بكلمات مفعمة بالصبر والرضا بقضاء الله
"رضيت يا ربي وفوضت الامر اليك،لتكن مشيئتك ،ربي ارحمهم برحمتك وأعني علي مصابي ربي أرزقني صبرا كصبر أيوب".
،فجعت كلماته تلك الممرضة التي كانت تحاول أن تواسيه لتفاجئ بأنه هو من يواسي نفسه،كان جاسيا على ركبتيه بينما كان على يهرول اليه من أخر الممر فلم يعلم بالامر الا اليوم جاء والموع تسبقه الما على من ماتوا وحزنا على صديقه
"أحمد!"ودموع تُسابق لسانه وكاد أن يسقط من هرولته
"على"كأن احمد رأى منجده وكمن رأى الماء بعد عطش
"أرأيت يا على لقد ودعونى كلهم يا صديقي ودعونى دون رجعة ذهب خالد واشرف ومحمد وزوجتي يا على اااااااه لما تركونى؟"
أخذه فى حضنه على ولا يدرى كيف يواسيه فالامر صعب للغاية والمشاهد لا يمكن تصديقها
"أحمد كفاك دموع إنه ابتلاء علينا الرضا بقضاء الله يا أخى تماسك قليلا وارضى بما قسمه الله لك"كانت دموعه تتساقط دون توقف وكأنها لا تنوى التوقف عيناه احمرت من البكاء والحزن ويداه بهما اثر رعشة كمن اصابه تيار هواء بارد نظر لصديقه كمن يسترجع موقف من ذاكرته
"لقد طلبت منك المال كى أشترى لهم شقه ومسكن جديد لم يخطر ببالي يوما أننى سأحتاجهم لشراء مقبرة تحويهم جميعا كيف حدث هذا يا على؟رجاءا قل لى أن الامر كله مجرد مزحة وأنهم أحياء"
بكى على من كلماته ودموعه سبقت لسانه، ظل يواسيه دون جدوى تحدث اليه وقد تغير صوته من البكاء والحزن عليهم وعلى صديقه
"أحمد لقد عهدتك مؤمنا لما كل هذا يا صديقى اللهاختار هذا وعلينا أن نرضى بما كتبه الله علينا"
"رضيت بما حكمت يارب انت الذى أعطيت وانت الذى اخذت،هذا عقاب ولكنه شديد يارب لم أكن أتوقع أن يأتى بهذه السرعه "
حينها علامات استفهام علت وجه علي ،تمنى أن يسأل ليفهم ما يقصده لكنه اكتفى بمواساته لصديقه ،نظر اليه أحمد بوجه شاحب ودموع أغرقته
"نعم يا على هذا عقاب لذنب اقترفته بالامس وتقصير دفعت ثمنه زوجتي واولادي ،لم أهتم لأمر مصاب فقد حياته لأته لم يجد طبيبا يدخل عليه غرفة العمليات ،ذاك الطبيب هو أنا ؛أنا كنت سببا فى موته فأراني الله موت أولادي وزوجتي واحدا تلو الاخر"
يقال في بعض الأمثال الجزاء من جنس العمل لكن هناك جزاء يكون صعب في تحمله