'الأمتنان هو أروع العواطف البشرية ، وكلما كنت تُعرب عنامتن إنك لما لديك، كلما زادت احتمالية امتلاكك المزيد. ' - زيغزيغلر
هل الأمتنان هو الشكر ؟
الأمتنان هو استشعار الشكر و ممارسته بوعي
و الأمتنان في معاجم اللغة هو الاعتراف بالجميل و هو عكس الجحود.
و يمكن اعتبار الأمتنان هو الإنتباه و التقدير حتى للأشياء الصغيرة التي ألفنا وجودها و بتنا لا نشعر به، تقدير كل شيء كائن بالفعل أو حتى سيكون ، ليس لأنك تحتاجه و لكن لأنك تحبه.
أي أنه حالة من الانسجام و الرضا من القلب عن ما تملكه.
لماذا يعد الأمتنان سحرًا ؟
ذلك لما لهذه الممارسة اليومية من قدرة على تحويل حياتك إلى حياة مباركة مزدهرة يكثر بها كل جميل …
و كيف يتم ذلك ؟
كما تحدثنا في المقدمة عن برمجة العقل اللاواعي التي اكتسبناها منذ بداية أن خلقنا في رحم أمهاتنا و حتى هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذه السطور ، العقل اللاواعي هو الذي يتح بالشكل الأكبر في سلوكنا و طريقة التفكير التي نتبناها و من ثم يؤثر ذلك على نوعية مشاعرنا و الذي بدوره يخلق الأحداث من حولنا.
فلنبسط الامر قليلا …
دعني أخبرك بأحد أهم القوانين الكونية ، و التي سنسرد لها فصل كامل في هذا الكتاب ، الا و هو قانون التركيز (( ما تركز عليه يزداد و يتضاعف)) فاذا كان تركيزك على شعورك بالضجر او النقص او الحاجة فانت بذلك تعطي الموافقة و السماح للطاقة الكونية بخلق المزيد من المصاعب و الاحداث التي تؤكد لك ما تركز عليه .. و على العكس بالتأكيد فإذا كان تركيزك على النعم التي تملكها و السعة و الوفرة في الموارد من حولك فانها ستزداد بشكل سحري
لذلك اسميته سحرا ..
و يقول الله عز و جل في كتابه الكريم
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} سورة إبراهيم
أي أن الله يعدنا ووعده الحق الذي لا يحيد ، يعدنا الزيادة ، زيادة من كل شيء و أي شيء نستشعر قيمة وجوده في حياتنا و نمتن لله لأنه رزقنا إياه .
و في نفس الآية شبه الله عدم الشكر على النعمة و كأنه كفرٌ بها يستحق العقاب و هو زوالها او العذاب بها او السلب بعد العطاء ، و نفس المعنى تحمله الآية الكريمة في سورة الانسان
{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }
و السبيل هنا هو حرية الاختيار ، فأنت يا عبد الله من يختار إما ان تكون عبدا شاكرا لله فيرضى عنك و يجزيك عن شكرك بكثرة الخير و النعم و الأحداث التي تجلب لك الخير و السعادة ، وإما ان تكون عبدا لا يشعر بوجود النعم أو يألف وجودها و لا يشكر بل ويكفر بها حتى يستحق زوالها.
(إن اختياراتنا تحدد لنا دائما الطريقة التي نعيش بها حياتنا ) – لويز هاي
فلتختار النعيم و الوفرة و كثرة الخير فتركيزك على الخير يعظمه ، عش تجربتك الخاصة كما تحب ان تكون و استمتع برحلتك الجميلة و املائها بسحر الامتنان.
(ان الأمتنان للأشياء مهما صغرت سيجلب البهجة إلى قلوبنا ويجعلنا نحب الناس والحياة.) - مهدي الموسوي
و لكن كيف أمارس الأمتنان حقا و أكون عبدا شكورا ؟
يقول الله عز و جل في كتابه الكريم
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا }
أي أن عليك العمل لآداء الشكر و لا يكفي فقط أن تشكر الله و تمتن لفضله بالقول ، فالتكامل بين القول و العمل هو المطلوب و المرغوب .
وهناك قصة الرجل الذي جاء إلى أبي حازم:
أتى رجل إلى أبي حازم حتى يسأله عن شكر العينين، فقال له: “إن رأيت بهما خيرًا أعلنته، وإن رأيت بهما شرًا سترته”، فقال فما شكر الأذنين؟، قال له: “إن سمعت بهما خيرًا وعيته، أما إذاسمعت بهما شرًا دفعته”، قال: فما شكر اليدين؟، قال: “لا تأخذبهما ماليس لهما، ولا تمنع حقًا لله هو فيهما”
فهذا هو الشكر و الأمتنان عملا..
و ما أكثر ما ذكره الله و رسوله في هذا الشأن ؛
يقول الله تعالى في سورة البقرة: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون }
و في سورة البقرة أيضا :
{يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون }
و في سورة إبراهيم: {وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها }
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“التحدُّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكرالقليل لا يشكر الكثير، ومن لا
يشكر الناس لا يشكرالله”.
و حديث آخر للنبي عليه الصلاة والسلام: “إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأَكْلَة فيحمده عليها، أو يشرب الشَّربة فيحمده عليها”
و مما قد يطفي مزيدا من القوة و السحر لممارستك للأمتنان و يجعله قوة مغناطيسية تجذب لك الأحداث و الأشخاص السعيدة و تجعل المشاعر السلبية المرهقة كالخوف أو الشعور بالذنب أو الحزن تختفي من حياتك
هو أنه يساعدك بشكل رائع على التفكير الإيجابي و مساعدة نفسك على إيجاد الخير و الجمال و التركيز عليهما في كل حدث و في كل موقف و في كل شخص أيضا .
فذلك من شأنه أن يدفعك دفعا لطيفا لتجلي المزيد من مساحة التسامح و التغافل في حياتك ، فتجد نفسك تمتن لمقابلة من أذوك في رحلة حياتك فقد ساعدوك لتكن شخصا أفضل وأقوى ، و تمتن لخصومك فقد قدموا لك درسًا هاماً فيما تحتاج أن تطوره في نفسك و تمتن لكل محنة مررت بها و تكتشف إنها منحة من الله و هدية قُدمت لك في شكل محنة أو ألم أو معاناة في فترة للتعلم والتطور و الارتقاء. فتنظر لكل ذلك بعين الرضا و الحب و ليس بعين النقص و التذمر .
و جدير بالذكر أن العالم و الباحث النفسي الشهير ديڤيد هاوكينز صاحب مقياس هاوكينز للوعي و الذي قسم فيه مراحل الوعي لدى الإنسان بمقياس من 1 الى 100
حيث لكل نوعية من المشاعر التردد الخاص بها الذي تصدره من الشخص إلى الكون و الذي بدوره كما ذكرنا من قبل يجذب لك المثيل مما تركز عليه بالفعل و تعيره اهتمامك الشديد أو حتى رفضك الشديد ، و يعد الأمتنان من أعلى المشاعر ترددا في قوتها و قوة جذبها حيث أن مقياسها 600 و ذلك يجعلك بالفعل، إذا حافظت على حالة الأمتنان، و كأنك مغناطيس للمزيد من النعم و العطايا و المدد الإلهي .
و الآن هيا بنا نتعلم نموذج عملي قابل للتطبيق يوميا و آداة بسيطة تساعدك أن تكون يوميا في حالة امتنان ……. إليك الخطوات:
-أول ما تبدأ به يومك في أول لحظة تفتح بها عينيك لتحيا يومك الجديد الذي وهبك الله فيه الحياة من جديد أن تقول الحمد لله ، استشعر تلك النعمة العظيمة باستقبالك يوم جديد مليئ بالفرص و الاحتمالات الجميلة ، و لهذا جاء دعاء الاستيقاظ من النوم في الإسلام ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتتا و إليه النشور)
-ثانيا أن يكون لك دفترًا خاصًا بالإمتنان،إذهب واشتريه واختاره بالشكل الذي تحبه و تفضله، و سيكون ذاك الدفتر هو صديقك الجديد الذي يساعدك و يأخذ بيدك لتحيا حياة النعيم و تحصل على ما تريد و تتمنى .
اكتب يوميا في دفترك 10 أشياء تستشعر قيمة وجودها في حياتك و يومك و تقدرها و لتكن أمتنانك لاستقبال يوم جديد مليئ بالفرص العظيمة و العطايا الإلهية ، أمتنانك لنعمة الصحة و عافية الجسد و معافاته من الأمراض ، حتى على نعمة قضاء حاجتك بدون أي تعب للتخلص من الفضلات و السموم التي كانت بداخل جسدك فحتى تلك النعمة خصصت السنة النبوية الشريفة لها دعاءً خاص بها( الحمد لله الذي عافانا مما آذانا ) فبقاء تلك السموم في جسدك قد يقضي على حياتك !
و لك أن تتخيل أنه باستطاعتك أن تُفعل مزيدا من السحر بالامتنان لما تتمناه و تحلم بالعيش فيه و كأنه حدث بالفعل !
و ذلك ليقينك بوعد الله أنه إذا شكرت فلك الزيادة
فاذا شكرت الله على نعم موجودة بالفعل فذلك يؤدي لزيادة وبركة هذه النعم و حفظها من الزوال، و أما زيادة ما لم يحدث حقيقةً ، فهي تحقيقها و حدوثها و التمتع بوجودها و تجليها في حياتك .
ممارستك للأمتنان تفتح لك أبواب الحكمة و المعرفة و إدراك النعيم، أنظر إلى قول الله تعالى في سورة لقمان : { وَلَقَدْ اٰتَيْنَا لُقْمٰنَ الْحِكْمَةَ اَنِ اشْكُرْ لِلّٰهِ ۗوَمَنْ يَّشْكُرْ فَاِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهٖۚ وَمَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ حَمِيْدٌ } ، فالآية تربط بين إدراكك للحكمة و بين شكرك على النعم .
و ليكن الأمتنان بصيغة المضارع ، و إليك المثال :
أنا ممتن لاستقبال المزيد و المزيد من الهدايا و المفاجآت السعيدة بكل يسر و حب اليوم .
أنا ممتنة لاستقبال المزيد و المزيد من الحب و الدعم و الاسهامات و العلاقات الداعمة لي اليوم
أنا ممتن لهذا الكون الجميل الفسيح المليء بالجمال و الخير الذي سخره الله لي و اسهم أن أكون أنا الخير و الجمال فيه.
و هكذا قد تحدثنا سويا عن عصاك السحرية التي تغير بها عالمك، فقط كل ما عليك..
ثق ، استشعر، ركز، اكتب ثم اسقبل وشاهد السحر بعينيك !
و كن من القلة الشاكرة و لا تكن من الكثرة الغافلة، و نسأل الله أن نكون منهم.
{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} (النمل ٧٣)
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَالْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } (البقرة ٢٤٣ )
نية اليوم ……أنوي أن أختار العيش في حالة امتنان و أن أستشعر بقلبي كل نعمة أنعم بالعيش بها و أن أمتن لكل نعم الله التي تغمرني و حتى التي في طريقها إليََّ . فأنا من يملك العصا السحرية و أنا من يقرر أن يُفعلها .