hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

ما من شك أن عددًا ضخمًا من السفن التي لجأت إلى المرافئ الفرنسية عند الإنذار
الأول قد عبرت النهر ليلًا آمنة. بالطبع كان بإمكاني أن أهاجمَها، ولكنني لا أريد المجازفة،
وهناك دائمًا مجازفة أمامَ الغواصات في الليل. لكن أحدهم أخطأ في تقدير الزمن، وها هي
سفينة، تقف بمحاذاة واردن بوينت تمامًا، وقد كشفها لنا ضوء النهار. في لحظة واحدة
كنا نتعقبها. كانت قريبة؛ لأنها كانت سريعة، وتستطيع قطع ميلين في مقابل كل ميل
نقطعه؛ ولكننا وصلنا إليها وهي تَنطلق بجوارنا. رأتنا في آخر لحظة لأنني هاجمتها وأنا
فوق الماء؛ لأننا لولا ذلك لما وصلنا لها بسرعتنا. مالت السفينة مُبتعدةً ولم يُصبها الطوربيد
الأول، ولكن الثاني أصابها بالكامل. يا للسماء، يا لها منضربة! بدا أن مؤخرة السفينة
بالكامل قد طارت لأعلى. تراجعتُ للخلف وراقبتُها وهي تغرق. غرِقتْ في سبع دقائق،
مخلِّفة صواريها ومداخنها فوق سطح الماء، ومجموعةٌ من ركابها يتعلقون بها. كان
اسمها فرجينيا وتتبع شركة بيبي لاين — حمولتها اثنا عشر ألف طن — وكانت محملة
كنظيرتها بموادَّ غذائية من الشرق. كان سطح البحر بالكامل مغطٍّى بالحبوب الطافية.

ستُضطر إنجلترا إلى شدِّ الحزام على بطنها إذا استمر » : وبينما نراقب المشهد، قال فورنال
«. هذا
في تلك اللحظة بالذات حدث أسوأ خطر يمكن أن يحدق بنا. كم أرتجف الآن عندما
أفكر كيف كان من الممكن أن تُوأدَ رحلتُنا المجيدة في مستهلِّها. كنت قد فتحتُ باب برج
القيادة الخاص بي وأنا أراقب السفينة فيرجينيا مع فورنال بالقرب مني، حينما سمعنا
صوت ارتطام فظيع في الماء بجوارنا، وتناثر الماء حتى إنه غمر كلينا. نظرنا لأعلى، ولك أن
تتخيل مشاعرنا عندما رأينا طائرة تحلِّق فوق رءوسنا كالصقر على بُعد مِئات قليلة من
الأقدام. جعلها كاتم الصوتصامتة تمامًا، ولولا أن قُنبلتها سقطت في البحر لما كنا سنعرف
قَطُّ ما دَمَّرنا. كانت تحلِّق فوقنا دائريٍّا على أمل أن تُلقيَ قُنبلة ثانية، ولكننا انطلقنا بأقصى
سرعة ممكنة للأمام، وأنزلنا الدفة، واختفينا في جانب موجة كبيرة. أبقيتُ مؤشرالانحراف
في اتجاه الهبوط إلى أن جعلتُ بيننا وبين الطائرة خمسين قدمًا من الماء؛ لأنني كنتُ أعرف
العمق الذي يستطيعون رؤيته تحت سطح الماء. إلا أنناسرعان ما أفقدناها أثرَنا، وعندما
صعدنا إلى السطح بالقرب من مارجيت لم يكن هناك أثر لها، إلا إذا كانت واحدة من
طائرات عديدة كنا نَراها تحوم فوق خليج هيرن.
لم يكن ثمة سفينة في عُرضالبحر، بخلافبعضالسفن السواحلية الصغيرة وبعض
البواخر ذات حمولة آلاف قليلة من الأطنان، والتي لم تكن لتلفت انتباهي. لساعات عديدة
بقِيتُ مغمورًا تحت سطح الماء دون أن يَظهر شيء في الأفق. ثم واتتني فكرة مُلهمة. لقد
أرُسِلَت الأوامر باللاسلكي لكل السفن التي تحمل موادَّ غذائية لتبقى في المياه الفرنسية،
وتتسلَّل عابرة بعد حلول الظلام. كنت متيقنًا من ذلك، كما لو كانت الرسائل مسجَّلة على
جهاز استقبالنا. حسنًا، إذا كانت السفن هناك، فيجب أن أكونَ أنا أيضًا هناك. أفرغتُ
الخزانات وطفَوْت، فلم يكن هناك أيُّ أثر لأي بارجة بالجوار. كان لديهم نظام بارع لإبلاغ
الإشارات من الشاطئ، ومع ذلك، قبل أن أصل إلى نورث فورلاند أتت ثلاث مدمِّرات تشق
عُباب الماء من ورائي، وكلُّ واحدة منها آتية من اتجاه مختلف. كانت فرصتها في الإمساك
بي كفرصة ثلاثة كلاب صغيرة للإمساك بدولفين. ولإظهار شجاعتي — أعلم أن هذا كان
خطأً فادحًا — انتظرتُ إلى أن أصبحتْ جميعُها في مرمَى النيران. ثم غصْتُ في الماء ولم يَرَ
أحدُنا الآخر مرة أخرى.
كان الساحل، كما سبَق أن قلت، ساحلًا رمليٍّا ضحْلًا، ومِلاحة الغواصة شديدة
الصعوبة. كان أسوأ حادث يمكن أن يقعَ لمركَبة هو أن تُدفن مقدمتها في كتلة رملية

وتحتجز فيها. مثل هذا الحادث كان يُمكن أن يكون نهاية غواصتنا، رغم أن ما تتميَّز
به الغواصة من أسطوانات تنفس ومصابيح كهربية كان من الممكن أن ييسِّر لنا عملية
الخروج في غرفة الحبس الهوائي والسير إلى الشاطئ عبر قاع المحيط. ومع ذلك، يُمكنني
أن أقول إنني تمكنت بفضل خرائطنا الممتازة من أن ألتزم الإبحار في القناة؛ ومن ثم أن
أصل إلى المضيق المفتوح. وهناك صعدنا في منتصف النهار تقريبًا، ولكننا رصدنا طائرة
مائية على مسافة ليست ببعيدة؛ لذا غطسنا مرة أخرى لنصف ساعة. وعندماصعدنا للمرة
الثانية، كان كلشيء هادئًا حولَنا، والساحل الإنجليزي يُغطِّي الأفق الغربي بأكمله. ظللنا
خارج جودوينز في أعماق القناة إلى أن رأينا خطٍّا من النقاط السوداء أمامنا، والذي كنتُ
أعرف أنه شريط زوارق الطوربيد المزروع في الطريق من دوفر إلى كاليه. عندما أصبحنا
على بعد ميلين غُصنا، وصعدنا مرة أخرى على بعد سبعة أميال في اتجاه الجنوب الغربي،
دون أن يَحلم أحدهم أننا كنا على بُعدِ ثلاثين قدمًا من زوارقهم.
عندما صعدنا، كان ثمة سفينة بخارية كبيرة تَحمل علم ألمانيا على بُعد حوالَيْ نصف
ميل منا. كانت السفينة لويد ألتونا الألمانية الشمالية، المبحرة من نيويورك إلى بريمن. رفعتُ
بدن الغواصة بالكامل ونكَّستُ العلم احترامًا لها. كان من اللطيف رؤية اندهاش ركابها
مما كانوا يعتبرونه بالضرورة جرأةً غير عادية من قِبَلنا؛ لوجودنا في هذه المياه الخاضعة
للسيطرة الإنجليزية. لوَّحوا لنا بحماس ومودَّة، ونكَّسوا علمهم ذا الألوان الثلاثة تحيَّة لنا،
وهم يشقُّون عُباب البحر بجوارنا. ثم وقفتُ لدى الساحل الفرنسي.
كان الوضع كما توقعتُه تمامًا. كانت توجد ثلاث سفن بخارية بريطانية كبيرة
راسية في مرفأ بولوني الخارجي. كانت السفن تحمل اسم سيزار وكينج أوف ذا إيست
وباثفايندر، وكلها بحمولة أكثر من عشرة آلاف طن. أعتقد أنها كانت تظنُّ أنها آمنة في
المياه الفرنسية، ولكن ما بالي أنا وحدود الثلاثة أميال والقانون الدولي! كانت وجهة نظر
حكومتي أن إنجلترا محاصِرة، والمواد الغذائية محظورة، ولا بد من تدمير المَركبات الحاملة
لها. يستطيع المُحامون الجدال بهذا الشأن فيما بعد. أما أنا فمَهمَّتي هي تجويع العدو
بأي طريقةٍ كانت. وفي غضون ساعة كانت السفن الثلاث تحت الأمواج وأيوتا منطلقة في
اتجاه ساحل بيكاردي؛ بحثًا عن المزيد من الضحايا. كانت القناة مُغطاةً بزوارق الطوربيد
الإنجليزية التي تطنُّ وتلفُّ كسحابة من الذباب. لا أعلم كيف يتسنَّى لها أن تُؤذيَني، إلا
إذا صعدتُ بالمصادفة تحت أحدها. أما الأخطر فكانت الطائرات التي ما بَرِحت تحوم هنا
وهناك.

نظرًا لهدوء المياه، اضطررتُ عدة مرات للهبوط لعمقٍ يصل إلى مِائة قدم كي أتأكد من
أنني خارج نطاق رؤيتها. بعد أن فجرتُ السفن الثلاث في بولوني رأيتُ طائرتين تَطيران
فوق القناة، وعرفتُ أنهما قد تُدمِّران أيَّ غواصة تظهر في الأفق. كان ثمة سفينة بخارية
بيضاء ضخمة جدٍّا مُستقرة قُبالة هافر، ولكنها انطلقت غربًا قبل أن أتمكنَ من الوصول
إليها. أتوقع أن ستيفان أو واحدًا من القادة الآخرين سوف يستطيع اقتناصها قريبًا. لكن
هذه الطائرات الْجَهنَّمية أفسدتْ مُتعتنا في ذلك اليوم. لم أرَ أيَّ باخرة أخرى، بخلاف
زوارق الطوربيد اللانهائية، إلا أنني عزَّيت نفسي بفكرة عدم وجود أيِّ موادَّ غذائية تمر
من خلالي في طريقها إلى لندن. فقبل كل شيء، كان هذا هو الهدف الرئيسي من وجودي.
وإذا استطعتُ تحقيق هذا الهدف دون إطلاق أيِّ طوربيد، فهذا أفضل. حتى الآن أطلقتُ
عشَرة طوربيدات وأغرقتُ تسع سفن بخارية؛ ومن ثم فأنا لم أضيِّع أسلحتي هباءً. في هذه
الليلة، رجعتُ إلى ساحل كِنت ورقدتُ في القاع في المياه الضحلة بالقرب من دانجنيس.
كنا جميعًا جاهزين ومُستعدِّين عند بزوغ أول شعاع من ضوء النهار؛ لأنني كنتُ
أتوقع اصطياد بعض السفن التي حاولتِ اجتياز نهر التيمز في الظلال وأساءتْ تقدير
الزمن. كما توقعتُ، كانت هناك سفينة بخارية عملاقة تَقترب من القناة، وترفع العلم
الأمريكي. كان العلم الذي ترفعه غير ذي أهمية بالنسبة لي، ما دامت متورطةً في توصيل
موادَّ محظورة للجزُر البريطانية. لم تكن ثمة زوارق طوربيد في تلك اللحظة؛ لذا انطلقتُ
على السطح، وأطلقتُ قذيفة مرَّت أمام مقدمتها. بدا لي أنها تَنوي الاستمرار؛ لذا أطلقتُ
أخرى فوق خط الماء على مَيْسرتها. عندئذ توقفَّتْ، وشرع رجل يتَّقِد غضبًا في التلويح من
فوق الجسر. انطلقتُ بأيوتا بمحاذاته تقريبًا.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.