hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

في حديقة سيدرمورتون كان يوجد منزل سيدرمورتون الذي كانت السيدة هامرجالو
العجوز تعيش فيه، وتطَّلع على كل كبيرة وصغيرة في القرية، عجوزٌ محببة ذات عنقٍ
طويل، في وجهها بعض الحمرة، تنفجر بغضباتٍ مفاجئة أحيانًا، ترى أن علاجاتٍ ثلاثة
أو ،« الجن » تكفي للتغلُّب على كل ما قد يحل بمن ترعاهم من متاعب؛ زجاجة من مشروب
بطانيتان مما تبرع به بعض الخيِّرون، أو تركيب قطعةٍ جديدة من تيجان الأسنان. يبعد
المنزل عن سيدرمورتون ميلًا ونصف الميل، وتمتلك السيدة هامرجالو كل القرية تقريبًا،
ما عدا جزءًا طرفيٍّا في الجنوب يملكه السيد جون جوتش، وتحكمه هي حكمًا مطلقًا، حكمًا
مستحسنًا في هذه الأيام التي تعاني فيها الحكومة الانقسام. تأمر بالزيجات أو تمنعها،
وتطرد الأشخاص غير المرغوب فيهم من القرية بطريقةٍ بسيطة هي رفع قيمة إيجار
مساكنهم، وتسرِّح العمال، وتلزم المهرطقين بارتياد الكنيسة، أجبرت سوزان دانجيت التي
أرادت أن تسمي رضيعتها يوفيميا بأن تسميها اسمًا مسيحيٍّا هو ماري-آن بدلًا من ذلك،
بروتستانتيةٌ مخلصة، تمتعضمن تناقصشعر الكاهن على نحو يجعله يبدو كالرهبان.
وهي عضوة في مجلسالقرية، يكابد الأعضاء الآخرون مشقة في تسلُّق التل وعبور المستنقع
للوصول إليها، (ولما كان سمعها ضعيفًا) وقد باتوا يضطرون إلى إلقاء خطابات المجلس
في مذياعٍ بدلًا من أن يكون الحديث على المنصة بدونه. لا تهتم بالسياسة، ولكنها كانت
حتى العام الماضيمعاديةًشرسة لجلادستون، تقوم على خدمتها خادمات بدلًا من الأجُراء
الرجال، بسبب هوكلي، سمسار البورصة الأمريكي، ومعاونيه الأربعة المتربصين.
الزيارة المدهشة
يصل افتتان أهل القرية بها إلى حدٍّ يُمَكِّنُها من فرض سطوتها عليهم. إذا أقسمتَ
بالرب في حانة كات آند كورنوكوبيا فلن يوليك أحد ممن يسمعونك اهتمامًا كبيرًا، أما إن
أقسمتَ بالسيدة هامرجالو لَهالهم ذلك وأرهبهم لدرجةٍ قد تجعلهم يطردونك من المكان.
إذا نزلت بسيدرمورتون فإنها ترسل في طلب بيسيفلامب مديرة مكتب البريد، وتسمع منها
كل كبيرة وصغيرة عن الأحداث والأحوال، ثم ترسل في طلب السيدة فينش حائكة الفساتين
وتسألها، ثم تضاهي أقوالها بأقوال بيسي فلامب. وفي بعض الأحيان تطلب الكاهن، وفي
أحيانٍ أخرى تطلب السيدة ميندام، رغم أنها تزدريها، حتى إنها لترسل في طلب كرامب
نفسه أحيانًا، لتضاهي أقوالهم جميعًا وتصل إلى الخبر اليقين. كاد حصاناها المطهمان
يدهسان الملاك وهو يسير عائدًا إلى القرية.
التفتت السيدة هامرجالو حاملة أمام عينيها النظارة ذات الإطار المطلي بالذهب التي
هذا » : تحملها دائمًا على عصاصغيرة بيدَيها الهزيلتَين المرتعشتَين ونظرت إلى الملاك وقالت
هو الغريب إذن! معتوه بالفعل! لكن وجهه جميل هذا المسكين، يؤسفني أن فاتتني رؤيته
«. عن قرب
ومضت في طريقها إلى منزل الكاهن على أي حال، وطالبت بإطلاعها على الأمر كله
بالتفصيل؛ إذ كان تضارب روايات السيدة فلامب، والسيدة فينش، والسيدة ميندام وكرامب
عن الأمر قد حيَّرها كثيرًا. حاول الكاهن جاهدًا ألَّا يغفل تفصيلة وهو يخبرها بحقيقة ما
حدث متحدثًا في بوقها لتتمكن من سماعه. حاول الكاهن في كلامه أن يتلطف في ذكر
الجناحَين والرداء ذي اللون الزعفراني. بيد أنه شعر بأن الحالة ميئوس منها، فأسمى
الملاك بالسيد آنجيل، وتحدث عن طيورٍ شبيهة بطائر الرفراف. لاحظت العجوز ارتباكه،
وظل رأسها الغريب يتحرك إلى الأمام والخلف، ظل ممسكًا بالبوق لا يجد ما يقول أحيانًا،
وأخذت تضيق عينيها وتحدق فيه أحيانًا أخرى دون أن تفهم التفسيرات التي يتفوَّه بها،
وظلت بين الفينة والأخرى تُصدر أصواتًا تدل على المتابعة والفهم، فتبين له من ذلك أنها
قد فهمت بعضًا مما قال.
وكانت «؟ طلبتَ منه البقاء معك على نحوٍ دائم، أليس كذلك » : قالت السيدة هامرجالو
فكرةٌ عظيمة قد بدأت تتبلورسريعًا في عقلها.
«. بلى، ربما بدون أن أقصد ذلك » : رد الكاهن
«؟ وأنت لا تعرف من أين أتى » : سألته
«! لا علم لديَّ على الإطلاق » : رد الكاهن

«؟ ولا تعرف من أبوه بالطبع » : سألت السيدة هامرجالو بلهجةٍ غامضة
«. كلا » : رد الكاهن
أبقت السيدة هامرجالو النظارة على عينَيها، ووكزته بين ضلوعه ببوقها فجأة على
نحو ذي دلالة.
«! سيدة هامرجالو » : فهم الكاهن الإشارة فصاح مندهشًا
وأطلقت ضحكةً غريبة ثم «. هذا ما أظن، ولا تعتقد أني ألومك يا سيد هيليار » : قالت
العالم هو العالم، والرجال هم الرجال، وذلك الفتى معاق، أليسكذلك؟ وفي حالة » : واصلت
أمه متوفاة على ما أفترض، ،« الحرف القرمزي » حداد كما لاحظت، الأمر يذكرني برواية
«. لستُ امرأةً ضيقة الأفق، وأحترمك لاحتفاظك به، أحترمك حقٍّا
«! لكن، يا سيدة هامرجالو » : قال الكاهن
لا تفسد الأمر بالإنكار، الأمر واضح وضوح الشمس لأي امرأة من هذا » : قاطعته
العالم. السيدة ميندام تلك! تسليني بشكوكها وأفكارها الغريبة! وهي أيضًا زوجة الخوري،
«. لكن أتمنى ألَّا يكون الأمر قد حدث بعد ترسيمك كاهنًا
«! سيدة هامرجالو، أنا أحتجُّ، يا للهول » : رد الكاهن
سيد هيليار، بل أنا من أحتجُّ، أعرف الحقيقة، أيشيء قد تقوله لن يزعزعني » : قالت
«. عن رأيي قيد أنملة، لم يدُر بخَلَدي يومًا أنك تخفي أسرارًا
«! هذا اتهام لا أقبله » : رد الكاهن
سنساعده معًا يا سيد هيليار، يمكنك الاعتماد » : قالت السيدة هامرجالو بتلطُّفٍ ظاهر
«. عليَّ، القصة رومانسية للغاية
«! لكن يا سيدة هامرجالو، يجب أن أقول ما لديَّ » : قال الكاهن
أمسكت ببوق الأذن بحزم وهزَّت رأسها رافضة الاستماع.
«؟ سمعت أن لديه موهوبةً فذة في الموسيقى، صحيح أيها الكاهن » : ثم قالت
«… أقسم لك بأغلظ الأيمان أن » : قال الكاهن
«… هذا ما ظننت، أما عن إعاقته » : ردت
«… الفكرة التي تكونت لديكِ في غاية ال » : قاطعها
«… إذا كانت موهبته حقٍّا كما وصفت لي جيهورام، ف » : فقاطعته بدورها
«… هذه تهمة لا أساس لها؛ تلك التي توجهينها لرجل في مثل » : قال الكاهن
(لا أعول على سداد رأيها بالطبع!)

«؟ فكري في وضعي، ألا أستحق أي توقير » : واصل الكاهن
«. قد نتمكن من مساعدته في مسعاه الفني » : في حين واصلت
«(! أَوَلمْ … (تبًا! لا جدوى » : قال الكاهن
أقترح يا عزيزي الكاهن أن نمنحه الفرصة لإظهار موهبته، كنتُ أفكر » : قالت السيدة
في الأمر في طريقي إلى هنا، وقررت أن أدعو عددًا صغيرًا من أصحاب الذوق الرفيع يوم
الثلاثاء القادم، ولتجعله يُحضركمانه، حسنًا؟ وإذا جرى ذلك على ما يُرام، فسأحاول أن
«. أعرفه على من يمكنهم إعطاءه دفعةً قوية
«… لكن، يا سيدة هامرجالو » : قال
ولم تزل ممسكة ببوقها أمامها بحزم، «! لا أريد أن أسمع كلمةً أخرى » : فقاطعته
عليَّ ألَّا أترك ذينك الحصانَين طويلًا، يستاء كاتلر كثيرًا » : وقابضة على نظارتها، ثم قالت
«. عندما أتركهما لوقتٍ طويل؛ فالمسكين يملُّ من الانتظار، إلا إذا كان هناك حانة بالجوار
وانطلقت نحو الباب.
ولم يكن قد سبق له أن استخدم الكلمة منذ ترسيمه، «! اللعنة » : خاطب الكاهن نفسه
ويظهر مدى الاضطراب الذي أحدثَتْه زيارة الملاك في نفسه.
وقف تحت الشرفة يشاهد العربة تبتعد، في حين شعر أن عالمه ينهار فوق رأسه،
هل عاش حياة الفضيلة والزهد لثلاثين عامًا بلا طائل؟ يا لَغرابة هذه الأشياء التي ظنَّه
أولئك القوم قادرًا عليها! وقف يحدِّق في حقل الذرة الأخضرالممتد أمامه، ثم نقل نظره إلى
القرية من ورائه. بدا كل شيء حقيقيٍّا بالفعل، برغم أنه شك في ذلك لأول مرة في حياته.
عبث بذقنه، ثم التفت وصعد مبطئًا إلى غرفة الملابس، وجلس لوقتٍ طويل يحدق في رداء
أعرف والده؟! إنه خالد، كان يرفرف بجناحَيْه في جنته » : من نسيجٍ أصفر ويخاطب نفسه
«. عندما كان أسلافي من فصيلة الجرابيات، ليته كان هنا الآن
نهضالكاهن وبدأ يتحسَّس الرداء.
ثم خرج وظل يحدق من «!؟ تُرى كيف يحصلون على هذه الأشياء » : أخذ يتساءل
أفترضأن كل شيء هناك رائع، حتى شروق الشمس وغروبها، وأفترض » : النافذة ويقول
أن أحدًا لا يصرُّعلى أي اعتقاد إصرارًا أعمى، ولكن لا بد أن المرء يعتاد الأشياء كلها فلا
يدهشه شيء، ربما كان ذلك عيبًا. أشعر كأن غشاوة قد زالت عن عيني فجأة، وأن حالةً
«. شديدة من انعدام اليقين داهمتني، لم أشعر بمثل هذا الاضطراب منذ مراهقتي
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.