hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

في وقتٍ مبكر من صباح اليوم التالي نزل الملاك إلى القرية. تسلَّق السور وخاضفي زراعات
القصب التي يصل ارتفاعها إلى خصره والتي تحيط بسيدر، كان ذاهبًا إلى خليج باندرام
ليشاهد البحر عن قرب، لو كان الطقسصافيًا لتمكن من رؤيته من مناطقَ أعلى في حديقة
سيدرمورتون. وفجأةصادف كرامب جالسًا يدخن على جذع شجرة (كان من عادة كرامب
أن يخرج إلى الهواء الطلق للتدخين، وأن يأتي على أونصتَين كاملتَين من التبغ في الأسبوع).
«؟ مرحبًا! كيف حال جناحك » : قال كرامب في حيوية
«. جيد جدٍّا، اختفى الألم » : قال الملاك
«؟ أتعرف أنك الآن تتعدى على ممتلكات الغير » : قال كرامب
«!؟ أتعدى » : رد الملاك
«؟ ألا تعرف معنى ذلك » : قال كرامب
«. كلا، لا أعرف » : رد الملاك
عليَّ أن أهنئك، لا أعلم إلى أي مدًى ستواصل الادعاء، لكنك » : قال الدكتور كرامب
بارع فيه حتى الآن، للوهلة الأولى ظننتك مذهونًا، لكنك تواصل تمثيليتك بإتقان، تظاهرك
بالجهل التام بالحقائق الأساسية في الحياة مسلٍّ جدٍّا، تفوتك بعض الأمور بالطبع، ولو
«. كانت قليلة جدٍّا، لكن لا شك أن كلينا يفهم الآخر جيدًا
لم يكن شيرلوك هولمز ليتفوق عليك، أتوق لمعرفة هويتك » : وابتسم للملاك وواصل
«. الحقيقية

يستحيل أن تعرف هويتي » : رد الملاك الابتسامة، ورفع حاجبَيه ومدَّ يدَيه وقال
الحقيقية، عيناك لا تبصران، وأذناك لا تسمعان، وروحك مظلمة، لا تدرك شيئًا مما فيَّ من
«. عجائب، لا جدوى من محاولة إخبارك أني وقعت في عالمك
دعك من هذه القصة رجاءً، لا أريد أن أتطفل إذا كانت » : لوح الدكتور بغليونه وقال
لديك أسباب للتخفي، كل ما أطلبه منك هو أن تفكر في صحة هيليار العقلية؛ فالرجل
«. يصدق هذه القصة بالفعل
هزَّ الملاك جناحَيه الآخذَين في الضمور.
لم تكن تعرفه قبل هذه القصة، تغيَّر كثيرًا، كان فيما مضىمهندمًا » : واصل كرامب
ينعم بالراحة، أما في الأسبوعَين الأخيرَين فقد خفَّ عقله، وبدت في عينَيه نظرةٌ غريبة. وقف
يقدم العظة يوم الأحد الماضيبدون دبوس بذلته، وكانت رابطة عنقه غير محكمة، وأخذ
يؤمن حقٍّا بكل هذا الهراء عن أرضالملائكة، إنه على «. ما لمْ تَرَ عَينٌ، ولَمْ تَسْمَعْ أذُُنٌ » يقرأ
«. شفا الإصابة بحالة الهوس الأحادي
«. أنت لا ترى الأشياء إلا من وجهة نظرك » : قال الملاك
هذا ما على الجميع فعله، على أي حال، أعتقد أنه من المؤسف أن أرى » : رد كرامب
هذا الزميل القديم المسكين في هذه الحالة الشبيهة بالتنويم المغناطيسي، لا بد أنك نوَّمته
مغناطيسيٍّا. لا أعلم من أين أتيت ولا مَن تكون، لكني أحُذِّرك، لن أقف مكتوف الأيدي بعد
«. الآن وأنا أرى ذلك الزميل القديم مادةً للسخرية والتندر
لكنه ليس مادةً لسخرية أحد أو تندره، غاية ما في الأمر أنه بدأ يحلم » : قال الملاك
«. بعالم خارج حدود معرفته
لن أقف مكتوفالأيدي، لست مغفلًا، لستَ سوى مجنون فرَّ من مصحة » : قال كرامب
(وهو ما لا أصدقه)، أو محتالًا، ما من احتمالٍ آخر، أعتقد أني أعرفالقليل عن هذا العالم،
بصرف النظر عن رأيي في عالمك أنت. إن لم تدع هيليار وشأنه فسأبلغ الشرطة، وعندئذٍ إما
أن يكون مصيرك السجن إذا عدلت عن قصتك، أو المصحة العقلية إذا لم تعدل عنها. أقسم
أني سأثبت جنونك غدًا إن اقتضىالأمر لطردك من القرية. ليس الأمر كله في يد الكاهن،
«؟ أتمنى أن يكون كلامي واضحًا، والآن ما قولك فيما سمعت
ثم أخرج الدكتور سكينه في هدوءٍ مفتعل، وأخذ يحفر بنصله في غليونه الذي كان قد
انطفأ خلال ذلك الخطاب الأخير.

وقف الاثنان لحظة بدون أن ينبس أحدهما بكلمة، ونظر الملاك حوله بوجهٍ شاحب،
في حين أخرج الدكتور كتلة من التبغ من غليونه ورماها بعيدًا، ثم أغمد سكينه ووضعه في
جيب الصديري الذي يرتديه. لم يتعمد أن يخرج كلامه بتلك اللهجة الحازمة، ولكنه كان
دائمًا مغرمًا بالخُطب العصماء.
«! لا أريد ذلك » : ثم تذكرشرح الكاهن فقال «!؟ السجن؟! المصحة العقلية » : قال الملاك
واقترب من كرامب وقد اتسعت حدقتاه ومدَّ يديه.
«. كنت أعرف أنك تعرف ماهية هذين المكانَين، على أي حال، اجلس » : قال كرامب
وأشار إلى جذع شجرة بجانبه بإيماءة برأسه.
جلس الملاك مرتعشًا على جذع الشجرة وحدَّق في الطبيب.
أنت رجلٌ غريب، معتقداتك » : كان كرامب يخرج كيسه من جيبه، وقال له الملاك
«. راسخة لا تتزعزع
«. هذا صحيح » : قال كرامب مختالًا
لكن أؤكد لك، أؤكد لك صحة ما أقول، لا أعرف شيئًا، أو على الأقل لا » : قال الملاك
أتذكر شيئًا عن أي شيء كنت أعرفه عن هذا العالم قبل أن أجد نفسي في ظلام تلك الليلة
«. عند مستنقع سيدرفورد
«؟ وأين تعلمتَ لغتنا إذن » : قال كرامب
«. لا أعرف، أصدقك القول، لكن ليس لديَّ أدنى دليل أقنعك به » : قال الملاك
وحقٍّا تعتقد أنك كنت قبل ذلك في جنةٍ » : التفت له كرامب فجأة ونظر في عينيه وقال
«؟ عظيمة خالدًا فيها
«. نعم » : قال الملاك
أصدر كرامب صوتًا ينم عن عدم التصديق، وأشعل غليونه، وجلس يدخن واضعًا
كوعه على ركبته لبعضالوقت، في حين جلس الملاك يراقبه، ثم هدأت تعبيرات وجهه.
ثم عمَّ الصمت مجددًا. «. هذا محتمل » : ثم قال لنفسه
اسمع، هناك شيء يسمى ازدواج الشخصية، أحيانًا ينسى الرجل من هو » : ثم قال
ويعتقد أنه شخصٌ آخر. ثم يترك منزله وأصدقاءه وكل شيء، ويعيش حياةً مزدوجة.
عن حالة مشابهة منذ شهر تقريبًا. كان الرجل إنجليزيٍّا أيمن تارة، « نيتشر » كتبت مجلة
وويلزيٍّا أعسر تارة. وعندما يكون إنجليزيٍّا لا يتمكن من التحدث بالويلزية، وعندما يكون
«. ويلزيٍّا لا يتمكن من التحدث بالإنجليزية

معتقدًا أنه سيتمكن من أن ينعش في ذهن «! الوطن » : التفت إلى الملاك فجأة وقال
أبي، » : الملاك ذكرى قديمة عن شبابه الضائع، ثم واصل محاولته متفوِّهًا بكلمات من قبيل
«؟ لا فائدة؟ علام تضحك » : ثم قال «. بابا، أمي، الأم، الحاكم، الولد، الأم، والدتي
لا شيء، فاجأتني بعض الشيء، هذا ما في الأمر، منذ أسبوع كانت هذه » : قال الملاك
«. الكلمات غريبة عليَّ
ظل كرامب ينظر إلى الملاك شزرًا لدقيقة بعد ذلك.
وجهك مقنع جدٍّا، تكاد تجعلني أصدقك، لا شك أنك لست بمجنونٍ عادي، » : ثم قال
يبدو عقلك متزنًا بالقدر الكافي لولا انفصالك التام عن الماضي. أتمنى أن يتمكن نوردو أو
لومبورسو أو أحد رجال مصحة سولتبيتريير من فحصك. فلا فرصة حقيقية هنا ليتدرب
المرء على التعامل مع الحالات العقلية. في القرية معتوهٌ واحد، وحالته متقدمة جدٍّا، أما
«. باقي أهل القرية فهم عقلاء تمامًا
«. ربما هذا هو تفسير تصرفاتهم » : قال الملاك متفكرًا
فكِّر في وضعك العام هنا، لك تأثيرٌ سيئ على الآخرين » : تجاهل كرامب تعليقه وقال
هنا حقٍّا، فهذه الخيالات مُعْدية. ليست المشكلة في الكاهن فحسب، فثمة رجلٌ يُدعى شاين
بدأ يتأثر بهذه الموجة، مرَّ أسبوع لم يخرج فيه من الماء إلا قليلًا، ويريد أن يتعارك مع
أي شخص ينكر أنك ملاك، وسمعت أيضًا برجل في سيدرفورد أصيب بنوع من الهوس
«… الديني، هذه الأشياء تنتشر، يجب عزل الأفكار الضارة، وقد سمعت بقصة أخرى
لكن ماذا عليَّ أن أفعل؟ بافتراض أني حقٍّا (وبغير قصد) أسببضررًا » : قال الملاك
«. ما
«. يمكنك مغادرة القرية » : قال كرامب
«. عندها سأذهب إلى قريةٍ أخرى » : قال الملاك
هذا لا يعنيني، اذهب إلى حيث تشاء، المهم أن ترحل عن هنا، اترك هؤلاء » : قال كرامب
الثلاثة — أعني الكاهن وشاين والخادمة الصغيرة — الذين أصبحت رءوسهم ممتلئة
«… بأفكارٍ غريبة عن الملائكة
لكن، سأضطر إلى مواجهة عالمكم؟ هذا ما لا أستطيع، وأتركُ ديليا؟ » : قال الملاك
لا أفهم، لا أعرف كيف يمكنني العمل والحصول على الطعام والشراب، لقد بدأت أشعر
«. بالخوف من البشر
«. خيالات وجنون » : قال كرامب وهو يراقبه

لن أستفيد شيئًا من إصراري على إزعاجك، لكن الموقف يستحيل أن » : ثم خاطبه
وهبَّ واقفًا بسرعة. «. يستمر كما هو الآن
طابصباحك يا سيد آنجيل، خلاصة الأمر — وأقولها لك بصفتي المستشار » : وواصل
«. الطبي لهذه الأبرشية — إن لك تأثيرًا ضارٍّا، ولا يمكننا تركك بيننا، لا بد أن ترحل
استدار الدكتور كرامب، وأسرع بين العشب متوجهًا نحو الطريق، وترك الملاك جالسًا
ويحدِّق إلى الأمام محاولًا «! تأثيرٌ ضار » : في وجوم على جذع الشجرة يخاطب نفسه ببطء
فهم معنى ذلك
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.