hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

وهكذا انتهى الظهور الأول والأخير للملاك في المجتمع نهايةً مخزية، وعاد مع الكاهن إلى
المنزل يبدو عليهما الإحباط والكآبة وهما يسيران بملابسهما السوداء تحت أشعة الشمس
الساطعة. تألم الملاك من أعماقه لألم الكاهن الذي مضىرث الهيئة ينطق بعباراتٍ مبعثرةٍ
لا يفهمون، » : محملة بالندم والتخوفتارةً، وبتوضيحات عن قواعد اللباقة تارةً، وأخذ يردد
«. لا بد أنهم جميعًا في غضبٍ عارم، لا أعرف ماذا أقول لهم، هذا كله مُربِك جدٍّا ومحير جدٍّا
ولما وصلا إلى بوابة المنزل التي لفت جمال ديليا وهي واقفة عندها انتباه الملاك للمرة الأولى،
وجدا هوروكس،شرطي القرية في انتظارهما يحمل في يده لفةً صغيرة من السلك الشائك.
«. طاب مساؤك سيدي » : قال هوروكس
«؟ هل يمكنني محادثتك لدقيقة سيدي » : وأضاف بنبرة غير مفهومة
وواصل الملاك مسيره نحو المنزل متفكرًا، وصادفديليا في «. بكل تأكيد » : قال الكاهن
منطقة الاستقبال فتفحصها عن كثب يحاول التعرف على الاختلافات بين الخدم وسيدات
المجتمع.
معذرة سيدي، هناك متاعب في الأفق بشأن ذلك المعاق الذي يمكث » : قال هوروكس
«. هنا معك
«!؟ يا للهول! ما الخطب » : قال الكاهن
السيد جون جوتش، إنه غاضب للغاية، كلامه … رأيت أن عليَّ إخبارك » : رد هوروكس
«. سيدي. إنه مُصرٌّعلى التقدم بشكوى بسبب ذلك السلك الشائك سيدي، مُصرٌّ
الزيارة المدهشة
«. السيد جون جوتش؟ سلك شائك؟ لا أفهم » : قال الكاهن
طلب مني أن أعرف من الفاعل، وبالطبع اضطررت إلى أداء واجبي » : رد هوروكس
«. يا سيدي، ولو كان مزعجًا
«. أي سلك شائك؟ وأي واجب؟ لا أفهمك يا هوروكس » : قال الكاهن
يؤسفني القول إنه لا جدوى من إنكار الأدلة سيدي، فقد أجريت » : قال هوروكس
ثم بدأ الشرطي يقص على الكاهن واقعةً صادمةً جديدة بطلها الملاك «. تحرياتٍ دقيقة
الزائر.
لكننا لسنا مضطرين لسرد القصة ولا الاعتراف الذي سيعقبها بالتفصيل (من جانبي
أعتبر إطالة الحوار من أشد الأمور رتابة). غاية القول أن ما جرى جعل الكاهن يغير فكرته
عن تلك الشخصية الملائكية، وأعطاه لمحة عن السخط الملائكي؛ ففي زقاق وارف الظلال
تنتثر في أرجائه بقع منضوء تركتها أشعة الشمسالتي تسلَّلت من ثنايا أشجاره، ويحفُّه
من الجانبين سياجان شجريان ينتشرفيهما زهر العسل ونبات البيقة، كانت فتاةٌ صغيرة
تجمع الورود غافلةً عن السلك الشائك الذي يعزل صاحب الحيثية السيد جون جوتش عن
الرعاع وأسافل العامة. وفجأة جُرحت يدها، فأطلقَتصرخةً مريرة، سمعها الملاك فعطف
عليها وهُرع لمساعدتها وتهدئة روعها، وسألها عمَّا جرى، فأخبرته بين دموعها، ثم أحسَّ
بشيءٍ جديد لم يعهده من قبلُ؛ الغضب. فانهال على السلك الشائك بضراوة يقطعه ويتلفه.
لم يكن وراء تصرُّفه ذلك رغبةٌ في إلحاق الأذى بشخصالسيد جون جوتش، بل ظن ذلك
السلك الشائك نباتًا ضارٍّا قبيحًا امتد بين النباتات الأخرى كالآفة. وعندما فسرالملاك الأمر
للكاهن فيما بعدُ تكوَّنت لديه صورة يقف فيها الملاك وحده وتظهر حوله مظاهر الدمار
الذي أحدثه وهو يرتعش مندهشًا من القوة المفاجئة التي انبعثت من داخله فجعلته يعيث
في السلك الشائك تقطيعًا وتخريبًا، ويهوله منظر الدم القرمزي المنسال على أصابعه.
عندماشرح الكاهن للملاك طبيعة السلك الشائك وأنه مصنوع لغرضٍمحدَّد قال له
هذا أكثر فظاعة، لو كنت قد رأيت الرجل الذي وضع ذلك الشيء القاسيالسخيف » : الملاك
هناك ليؤذي به الأطفال الصغار، لَحاولتُ إلحاق الألم به على الأغلب، لم أشعر بما شعرت
«. به حينها من قبلُ، لقد لوَّثتْنيشرور هذا العالم وانطبعت عليَّ
الأدهى أن يحدوَ الحُمق بكم معشر البشر إلى الاجتماع لسنِّ قانون يسمح » : وواصل
لرجل منكم بشيءٍشرير كهذا، أعلم أنك ستقول إن هذا ما يتعين أن يكون الأمر عليه لسبب
«؟ لا علم لي به، لكن هذا يزيدني غضبًا، لماذا لا ترون الأفعال في صورتها المجردة

هذا ما جرى، وعلم به الكاهن تدريجيٍّا؛ أخبره هوروكس بخطوطه العريضة أولًا، ثم
أضفى الملاك إلى الحكاية لونًا ومشاعر، حدث ذلك في اليوم السابق ليوم الحفل الموسيقي
في منزل سيدرمورتون.
«؟ هل أخبرت السيد جون بالفاعل؟ وهل أنت متأكد مما أخبرتني به » : سأل الكاهن
متأكد تمامًا يا سيدي، لا مجال للشك، لقد كان ذلك الفتى الذي يمكث » : رد هوروكس
عندك يا سيدي، لم أخبر السيد جون بعدُ، لكن عليَّ إخباره هذا المساء، ولا أقصد الإساءة
«… لك سيدي، أتمنى أن تعرف ذلك، كنت أؤدي واجبي، كما أن
«؟ إنه واجبك بالتأكيد، وماذا سيفعل السيد جون » : قاطعه الكاهن بسرعة
إنه غاضب على الفاعل بشدة، بعد أن دمر ممتلكاته بهذا الشكل » : رد هوروكس
«. وأفسد ترتيباته على نحو أشعره بالإهانة
وبعد توقفٍ مؤقت، تحرك هوروكس، ووقف الكاهن ينظر إلى الأرض بدون انفعال
ظاهر وقد أصبحت رابطة عنقه على مؤخرة رقبته تقريبًا خلافًا لعادته.
«. رأيت أن أخبرك يا سيدي » : قال هوروكس
ثم حكَّ مؤخرة رأسه وقال متلعثمًا: «. مفهوم، شكرًا لك هوروكس » : قال الكاهن
«؟ ربما، أعتقد أن أفضلشيء هو … أمتأكد أنت أن السيد آنجيل هو الفاعل »
«. ما كان لشيرلوك هولمز نفسه أن يكون أكثر تيقنًا » : رد هوروكس
«. عليَّ إذن أن أرسل رسالة للسيد جون » : قال الكاهن

كان حديث الكاهن على مائدة العشاء تلك الليلة — بعد أن روى الملاك القصة من وجهة
نظره — مليئًا بتفسيرات لأمورٍ كئيبة، وتكرر فيه ذكر أشياء من قبيل السجون والجنون.
لم يعد يمكننا الآن أن نكشف حقيقتك لأحد، كما أن الأمر مستحيل، لا » : قال الكاهن
أعرف ماذا يمكنني أن أقول، أعتقد أنه يتعين علينا مواجهة الظروف الراهنة، لقد أسُقط
في يدي، وعقلي مشتَّت بين عالمين. لو كان عالمك الملائكي مجرد حلم، أو كان عالمي هذا
هو الحلم، أو أمكنني أن أصدق أحد الحلمَين أو كليهما، لزال سبب حيرتي وشقائي، لكنَّ
أمامي ملاكًا حقيقيٍّا، واستدعاء حقيقيٍّا مقدمًا بحقِّه، ولا أعرف كيف لعقلي أن يتقبَّل ذلك،
«… عليَّ أن أتحدَّث إلى جوتش، لكنه لن يفهم، لن يفهم أحد

يؤسفني أن أسُبِّب لك هذه المتاعب الشديدة بتنافري المزعج مع هذا » : قال الملاك
«. العالم
لستَ أنت المشكلة، رأيي أنك أضفتَ إلى حياتي شيئًا فريدًا وجميلًا. » : قال الكاهن
لست أنت المشكلة، بل أنا نفسي، ليتني أملك إيمانًا كافيًا بأي العالمين، ليت إيماني بهذا
العالم راسخ تمامًا فأعتبرك مجرد ظاهرة استثنائية مثل كرامب، لكني لست مثله، يتأرجح
«. إيماني بين عالم الأرضوعالم الملائكة، فتارة هنا، وتارة هناك
لا بد أن جوتش سيكون بغيضًا كعادته، وما حدث يضعني تحت رحمته، » : ثم قال
وهو مثال على سوء الخلق، أعرف ذلك عنه. يعاقر الخمر ويقامر ويفعل ما هو أسوأ من
ذلك، ومع هذا فهو معارضلسحب اعتراف الدولة بالكنيسة، لا بد للمرء أن يعطي لقيصر
«. ما لقيصر
عاد الكاهن بعد ذلك إلى الاستغراق في التفكير فيما حدث تلك الظهيرة وقال عدة
«. إن لوجودك معنًى كبيرًا » : مرات
ذهب الملاك إلى غرفته متحيرًا شديد الاكتئاب؛ فقد كان عبوس العالم في وجه طباعه
الملائكية يزداد قبحًا يومًا بعد يوم، ولاحظ كيف كان تأثير ما حدث من متاعب على الكاهن،
بيد أن خياله لم يَهْدِه إلى وسيلةٍ لتجنبها، كان كلشيء غريبًا وغير منطقي. ها هي القرية
تلفظه منها مجددًا بعدما طُرد منها رجمًا في المرة الأولى.
وجد الكمان على السرير حيث تركه قبل العشاء، فأخذه وطفق يواسينفسه بالعزف
عليه، إلا أن معزوفته هذه المرة لم ترسم صورةً ساحرة لأرضالملائكة، وبدأت قسوة هذا
العالم تتسرب إلى روحه. مر أسبوع لم يعرف فيه إلا الألم والنبذ والريبة والكُره، وبدأت
بذرة الثورة تنبت في قلبه. عزف لحنًا ناعمًا ورقيقًا مثل ألحان أرض الملائكة، لكنه هذه
المرة كان محملًا بالأسى والكدِّ البشريَّيْن، ثم تصاعد اللحن على ظهر نغمة من التحدي،
وسرعان ما هوى إلى قاع الحزن، سمع الكاهن هذا كله، فتحوَّلت كل منغصاته إلى مزيجٍ
واحد من الكآبة، كآبة تختلف تمامًا عن الحزن بصورته الخام، وفي هذه الأثناء كان شخصٌ
آخر غير الكاهن يستمع لعزف الملاك، شخصلم يخطر ببال الكاهن أو الملاك
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.