لكل موقفا مر علينا ترك آثار واضحة في صندوق الذكريات؛ صندوق لا يعترف بقانون الزمان والمكان، حُرا طليقا في سماء الآهات والأوجاع؛ فكل الذكريات المارة من تحت قلوبنا وكل الأحداث العابرة من فوق عقولنا؛ جعلت منا هشاشة هشة تتمايل يمينا ويسارا مع رياح الأزمان!
الأمر أشبه بمائدة بها كافة أنواع الطعام؛ فالاختلاف هنا نوعاً من أنواع المشاركة فالكل جائع والكل بائع؛ بائع لشريط الذكريات؛ الكل هنا تحت طاولة واحدة رغم اختلاف أصنافها إلا وأن المعالق واحدة؛ والغدر الأكبر من كل هذا مذبحة أشد فتكا من مذبحة القلعة.
الإنسان يشعر بالشك والغدر إذا شعر بابتسامة مزيفة من قبل الآخرين؛ يشعر بالغضب والعنفوان؛ إذا أُهمل من قبل الآخرين؛ كل شعورا يولد بداخلنا ليس شعور الآخرين من حولنا؛ بل هذا الشعور التي تشعر به أنت، ليس هناك من يجعلك غاضباً، عصبياً، سليط اللسان، كاذباً، ماكرا، خادعا، متبرجا،
أنت فقط لا لوم على بشر فكل اللوم على مَن اتخذ مِن البشر شماعة يعلق عليها شعورا مسؤولا عنه، شعوراً أنت فقط من تجهضه وأنت فقط من تخرجه إلى النور.
تحرر من قيودا جعلت منك بيوتاً دون سقف؛ حرر نفسك من كل شيء دع العالم يجري كيفما يشاء؛ ولا تلاحقه، عليك أن تُنهي حياتك وأنت راض عنها، لا رضاء للناس، شعورك السلبي ما هي إلا انتقادات من الآخرين، وماذا تفيد الآخرين إذا كان الهدف تدمير!
فلا تكون بمن يريد النجاة وبيده اللجام، أو ربما المسجون وبيده مفتاح الهروب، كلما سنحت لكل فرصة للتحلق أهرب بعيدا، ودع الناس للناس، وكُن أنت صاحب النسناس؛ أعتقد أن المعاملة والجلوس مع الحيوانات أكثر راحة من الجلوس مع البشر!
لذلك دعنا نقول إن الطفل في أيامه الأولى تتكون لديه طبائع تظل راسخة معه حتى يموت، فإذا كانت البيئة من حوله مزدهرة بالحب والعطاء كبر على هذا الشعور بين الناس؛ وإذا كانت مليئة بالأحزان والمشدات وعدم الأمان؛ سيكبر على هذا الشعور؛ فكلما كانت البذرة صالحة كلما كانت الزهرة أكثر نقاء والعكس صحيح؛ فلا مقارنة بين ملمس الورد وملمس الصبار؛ كُنا مصيرها كان وكان محلها كُنا، وكلاهما وجهان لعملة واحدة تدعى " أنت "
فلكل فعل رد فعل وربما هذا أطول فعل لرد فعل يُرد طيلة العمر
يمر علينا العمر ويزداد معه ذاك الضمير المستتر في خفاء ودهاء، نفتعل المشاكل والأزمات والكل يتهم الآخر وكأنها مُحاكمة إنسانية دون دفاع، أظن بل أقسم بأننا أكثر من ارتكبنا جرائم في حق أنفسنا قبل الآخرين، لم نؤذي أحد سوى أنفسنا، لا اتهام ولا لوم سوى لوم واتهام أرواحنا " أسأل روحك، أسأل قلبك، أسأل عقلك؛ بأي حق تتهم الآخرين وأنت صاحب التهمة، الأمر أشبه بمن قتل القتيل وسار في موكب دفنه "
وبعد كل هذا عليك أن تعلم الآتي: - صندوق الحياة، صندوق الذكريات، صندوق الألم، صندوق العلاقات..... أنت كل هذا دون أن تدري فالأمر كلهُ؛ كُنا وكان.
***