محمد حسن عبد الجابر

شارك على مواقع التواصل

- 7 -
كانت جميلة على مشارف خوض عاماً جديداً فى حياتها ، كانت مقبلة على عامها الـ واحد و عشرون .. للوهلة الأولى كانت تشعر بأنه سيكون عاماً أفضل و يعزى الفضل فى ذلك لظهور وافداً جديداً فى حياتها و هو محمود .. و توسمت فيه أنه سيرسم أيامها القادمة و سبحت فى خيال تلوينها بألواناً زاهية ..
شيرت جميلة بوست على صفحة الفيس بوك الخاصة بها و كتبت فيه :
" عمرى مش تلاتين و لا أربعين و لا حتى خمسين .. عمرى بيكبر و يصغر مع كل كلمة حنين أو كلمة قسوة تخلى قلبى حزين "
هذه ليست كلماتها و لكنها كلمات للمتميز ( صلاح جاهين ) ..
تنطق بما فى أعماقها ..
لقد قرأ نهاوند شقيق جميلة هذا البوست ، و على الفور أجرى أتصالاً هاتفياً بجميلة ، و تبادلا وصلات من كلمات تضمد جراح الفراق و توحى بالأشتياق و أخبرها أنه يتذكر عيد ميلادها ، فطلبت منه أن يفتح الفيديو كول و بالفعل أنتقلت المحادثة من كتابية على الماسنجر لمرئية ..
عبرت له جميلة عن مدى أفتقادها له و لوجوده فى حياتها ، طلبت منه أن يترك حياته التى بلا هدف و يتولى منصباً أدارياً مرموقاً بمصنع والدهما كما عرض عليه مراراً لا حصر لها ، و لكنه أكد لها عن عدم قبوله للحياة الروتينية و أنه خلق ليكون حراً ، كانت جميلة تعلم أن كلماتها
لن تغير فكر نهاوند و لكنها كانت تأمل ..
أخبرها نهاوند أن هدية عيد ميلادها هو عيد الميلاد ذاته ، فلم تفهم جميلة ماذا كان يقصد .. فأوضح لها أنه ينوى أن يتكفل بحفلة عيد ميلادها كاملة و ستكون فيلته هذا اليوم مجهزة لمراسم عيد الميلاد و كل ما عليها هى محاولاتها المستميتة لأقناع الجزيرى بهذا الأمر و أن تذكره أنه يستضيف فى فيلته أرقى الحفلات .. هكذا كان يلقنها نهاوند كيف تحاور فى الحديث مع الجزيرى لأقناعه ..
ثم بادرت جميلة و أخبرت نهاوند أن هناك ضيفاً جديداً فى حياتها .. لاحظت جميلة جفاف تعابير وجه شقيقها ..
هى تعلم مدى غيرته عليها فأبتسمت و سألته : ماذا بك ؟
فقال لها مازحاً بوجهاً جامداً : ضيف خفيف و لا تقيل ؟
كانت هذه الجملة متفق عليها بينهما منذ أن تقدم العديد لخطبتها .. فكان يسألها نهاوند و كانت فى كل مرة تجيبه : ضيف خفيف .. بما يعنى أنه يأتى للتقدم لخطبتها و هى ترفضه فيرحل دون أن تطول الزيارة .. و على نفس المنوال تم منح كل العرسان الذين تقدموا سالفاً لقب ( ضيف خفيف ) ..
أجابته جميلة و قالت له : أنها مبالغة أن أمنحه لقب ضيف .. لأن هذه خطوة معقدة و لم نصل لها بعد حتى الأن .. و لكن أظن أننا على مشارفها .. و لكنها إذا تمت فأظن أنه سيكون ضيف ثقيل ..
سألها نهاوند فى لهفة :
و ما أسم هذا الضيف الذى لم يفوز بهذا اللقب حتى الأن ؟!
قالت له جميلة و قد تملكتها أنتعاشة : محمود ..
دخل الجزيرى فجأة على جميلة و لم يسمع غير أسم محمود
و لم يرى غير جميلة و هى تغلق هاتفها فى عجلة ..
**************************
صناعة الإنجاز لا يتطلب أحد عقول العباقرة أو
قوة خارقة لأحد عتاة الأرض لتحقيقه ..
فقط يحتاج لعقل يعمل و قوة داخلية لا يصيبها الوهن ..
كما أن السعادة تكمن فى القدرة على أفادة الناس و أعانتهم على قضاء حوائجهم مما يساهم فى صناعة الأنجاز ..
محمود كان يمتلك عقلاً أقرب للدينامو و أرادة مصفحة لا تصيبها الطلقات الكلامية للمحبطين ، و يسعى دوماً لأن يكون ذا جدوى لمن حوله ، هو لم يتحول فى الفترة ما بين أنشائه لـ ( موطن الفاشلين ) و فترة قيادته لمراكز صيانة المدينة .. هو فقط نفض الغبار من عقله و قلبه
فتمكن من أستعادة نفسه مرة أخرى ..
فالألماس لا يلمع دون أحتكاك ..
هكذا تكون خصائص الطبيعة و محمود جزءاً منها ..
لقد أصدر الجزيرى بعد عودة محمود من المنحة اليابانية قراراً بتكليف محمود بتدريب زملائه على أساسيات صناعة الروبوت كما تعلم هو فى اليابان .. و تكليفاً أخر و هو الأنتهاء من صناعة أول روبوت بأياد مصرية فى ( مدينتنا ) ..
و حدد له فترة زمنية لأتمام هذه المهمة و ألزمه بها ..
لقد كان محمود يمتلك قوة مزدوجة داخلية تدفعه للنجاح فى هذه المهمة ..
الأولى : و هى أثبات ذاته لنفسه أنه يستطيع ..
الثانية : أن يستحق أعجاب جميلة به و يدعمه ، و أن يتمكن من كسب ثقة الجزيرى .. محاولاً التقرب منه بأتقانه لعمله فيصبح ضلعاً أساسياً
فى الهيكل التنظيمى للعمل فى ( مدينتنا ) ..
مر محمود بكم صعوبات جمة فى بدايات محاولاته لتصنيع الروبوت ، لكن إحقاقاً للحق ما كان من طلب لمحمود سيساهم فى أنجاز المهمة إلا و كان الجزيرى قد نجح فى توفيره له .. لم يكن على محمود غير
أنجاز المهمة كما ينبغى أن تكون ..
محمود كان يعمل تحت ضغوط غير عادية .. أحتمالية الفشل فى مهمته كانت معدومة لأنه لن يخسر مكانته الوظيفية فحسب بل سيخسر أيضاً أحترام جميلة و سيفقد ثقة الجزيرى و ستتهشم بذلك أول درجة فى سلم الوصول له ..
أعتكف محمود على العمل منفرداً فى مشروعه .. لم يعود لمنزله منذ ثلاثة أيام و لم يقابل أحداً تقريباً فى العمل لهذه المدة .. أنعزل محمود تماماً و أغلق على نفسه أحد مراكز الصيانة و لم يفتح إلا مرات معدودات
لتناول الطعام أو لتصريفه ..
ثلاثة أيام يكاد يكون فيها العمل متواصلاً بعد أن
وصل للمحطة النهائية فى مشروعه ..
ثلاثة أيام بعدها يتحدد مصير محمود و مستقبل المدينة .. خرج محمود من خلوته و كأنه من الأسرى .. لم يكن فى مظهر يليق
بمقابلة الجزيرى لكنه طلب ذلك و أصر عليه ..
أرسل له الجزيرى سيارة خاصة لتقله من ( مول المستقبل ) إلى مصنع
عسل ( مدينتنا ) ..
دخل محمود على الجزيرى و لو لم يكن الأخير يعرفه جيداً لظن أنه متسول أقتحم عليه مكتبه لطلب المساعدة ..
أبدى الجزيرى أندهاشه لمظهر محمود لكن أدهشه محمود أكثر بل أبهره عندما أخبره أنه نجح فى صناعة روبوت و بأمكانيات مزودة
أكثر من الروبوتات اليابانية !
و أضاف له بكل ثقة : أمنحنى شهراً واحداً و سيكون لديك فريقاً جاهزاً لتنفيذ العدد المطلوب من الروبوتات لبدء مرحلة التصدير !!
**********************
قال العرب قديماً : لكل امرئ من اسمه نصيب ..
هذه الفرضية كان يصعب تصديقها لكن أتت دراسة حديثة و أثبتت صحتها .. و جاء طايع ليؤكدها ..
لم يتمرد طايع على مدار حياته على شغل أى وظيفة توفر له أمكانيات المعيشة طالما كانت الوظيفة تدر عليه دخل حلال ..
حتى لو كانت الوظيفة تتطلب جهداً أضافياً أو صبراً كافياً ، مادامت حلالاً و تتفق مع الأصول و العرف فلا مانع منها حتى تظهر الأفضل فينتقل إليها ..
لم يتكبر الحاج طايع على شغل وظيفة قد وفرها له ولده مادامت تتفق مع مبادئه .. بل وجد طايع فى هذه الوظيفة أنه فى مكانه الصحيح و أن الوظيفة مناسبة له وتليق به .. لم يبخل طايع بتطويع خبراته السابقة فى مجال المحاسبة لأستغلالها فى وظيفته فى هذا المشروع العملاق بالمدينة ..
كان الحاج طايع يبذل قصارى جهده فى العمل و كأنه
شاب طموح فى مقتبل عمره يعافر لإثبات ذاته ..
طايع لم يكن يريد أثبات ذاته فهو فعل ذلك منذ سنوات طويلة عندما كان شاباً ، طايع كان ينوى أثبات أنه جدير بهذه الوظيفة
و ليس الأمر مجرد مجاملة لولده محمود ..
نجح طايع لحد كبير فى تحقيق و ترسيخ ما كان يخطط له ، أثبت كفائته و بدأ ينقل خبراته فى صورة مساعدة للمحاسبين الشباب الذين يعملون تحت أدارته ..
كان المرتب مجزى حقآ و هذا كان وقود الحماس و التفانى فى العمل .. بالإضافة إلى صرف كرتونة مليئة بخيرات أرض ( مدينتنا ) من :
خيار و بصل و فلفل و بطيخ و شمام ..
بالطبع لم تفوت الحاجة زكية مثل هذه الفرصة ، فسلطة العادة كانت تحركها مما دفعها للتواصل مع أحدى معارفها و فعلت معها
ما كانت تفعله مع زوجة المعلم أبو كرش سالفاً !
لكن هذه المرة كانت الحاجة زكية تقوم بتبديل السلع الأستراتيجية التى تحصل عليها من خلال زوجها طايع بمنتجات فلاحى مثل سمن بلدى و بيض بلدى و لبن رايب مع هذه السيدة الجديدة ..
وصل محمود لمنزله فى الوقت الذى كانت تتم فيه عملية المقايضة ..
ألقى السلام عليهما و مال على أذن الحاجة زكية و همس لها :
هو المعلم أبو كرش متجوز أتنين ولا أيه ؟؟
فرفعت الحاجة زكية رأسها فى غرور و قالت له مازحة بعد أن أشارت إليه ليقرب أذنه منها : أمك سيدة أعمال و ليها علاقات كتير .. شوفلى بس فرصة زى اللى جبتها لأبوك و أتفرج على المشاريع ..
أبتسم محمود و قال لها : لما يقرروا تعيين مجلس وزراء لـ ( مدينتنا ) هبادر بتسجيل أسمك علشان تكونى وزيرة لـ وزارة التجارة و الصناعة ..
*************************
الجزيرى رجل يمتاز بالصلابة و قوة الشخصية ، وقد ذاع صيته أنه رجلاً لا يُهزم بعد أستغنائه عن عمال مصنعه دون أن
يبالى بـ تعطيل عجلة الإنتاج بالمصنع لفترة من الزمن ..
لكن ما من بشر على وجه الأرض إلا و كانت له نقطة ضعف !
جميلة هى هذه النقطة الهشة لدى الجزيرى ..
هى تعلم ذلك و هذا ما إدمى قلبه بالحزن ..
خرج الجزيرى من غرفة جميلة و قد كان على يقين أنها تتحدث مع محمود محادثة فيديو كول .. خرج ولم ينبس ببنت شفة و قد تلعثم لسان جميلة لتصحيح الأمر مما زاد الأمر سوءاً ..
لم تلحق به جميلة لظروفها الصحية و لكنها أستجمعت قواها و تمكنت من الجلوس على مقعدها المتحرك و توجهت خلفه لكنه كان قد سبقها ..
خرجت جميلة من الفيلا قاصدة حديقتها و بالفعل وجدت والدها يجلس فى حالة يرثى لها .. أستقرت بمقعدها فى المكان الخالى من المقعد الرابع للطقم الراتان .. تجاهلها الجزيرى عن عمد فلم تتحمل جميلة هذه القسوة المستجدة و دمعت عيناها ..
أخبرته فى أسى أنها لم تعتاد منه مثل هذه القسوة .. أخبرها بصوتاً حاد
أنها خذلته ، أقسمت له أنها لم تفعل !
أكد لها ظنونه بعد أن أصبح لها أسراراً لأول مرة و جزء فى حياتها تخفيه عنه ، أخبرها أن تعمد زيارتها لـ ( مول المستقبل ) لم يكن بلا هدف و ذكرها بفزعها عند معرفتها خبر سفر محمود و ينتهى المطاف بأن تفتحى له فيديو كول !!
سألها الجزيرى و هو مصاب بالصدمة : من أنتى ؟؟
دمعت عيناها و أقسمت له أنها لم ولن تخذله أبداً .. أقسمت أنها من المستحيل أن تفتح لمحمود الكاميرا و هى بثياب منزلية خفيفة .. أخبرته أنه لم يكن محمود .. أنه نهاوند ..
رغم التوضيح الذى قامت به جميلة لكنه لم يغير تعابير وجه الجزيرى للأفضل بل أصابته ضبابية قاتمة !!
قال بصوتاً مبحوح : نهاوند !
أنفرجت أساريرها قليلاً و قد أستشعرت أن والدها بدأ ينتبه لكلماتها و أستطردت .. نعم أنه نهاوند كان مهتماً لأن يكون
أول من يهنئنى بعيد ميلادى ..
و فتحت المحادثة على الهاتف و هى تشير لتوقيت الكلمات المكتوبة و كان ينظر بطرفة عين و لمح صدق كلامها ..
طلبت منه جميلة و هى تترجاه أن يسمح لنهاوند أن يحتفل معها بعيد ميلادها أخبرته كم تتوق لذلك ..
أستاء الجزيرى و أعلن رفضه و وبخها لأنها تدرك مدى صرامة قراراته .. أخبرته لأنها تدرك ذلك و تقدر رغبته فلديها أقتراح ..
نظر إليها الجزيرى نظرة مخيفة و قال لها : أصبحتى تخططين كثيراً يا جميلة !
قالت له فى أستعطاف : كل هذا المجهود من أجل أرضائك و التلائم مع رغباتك ..
نظر إليها فى أعجاب و قال : أقذفى بالمفاجأة يا جميلة ..
ذكرت جميلة والدها أن نهاوند يستقبل حفلات راقية متنوعة فى فيلته و ألحت عليه أن يقبل أستضافة نهاوند لحفلة عيد ميلادها فى فيلته أحتراماً لرغبته بمنع نهاوند من دخول الفيلا ، و تلبية لرغبتها الملحة
فى الأحتفال بعيد ميلادها فى وجود نهاوند ..
ثار الجزيرى و رفض و لكن لم تيأس جميلة من إلحاحها عليه حتى هدأ و أكتشف أن لا مانع من ذلك لأرضاء جميلة و كسب ثقتها و أحتوائها فى هذا التوقيت الذى يزخر بالتغيرات ..
قال لها بصوتاً حنون : أرجو أن تكون موافقتى سببا لأكتمال سعادتك ..
قالت له جميلة و قد أصابتها قشعريرة فرحة : بالطبع فحضرتك السبب الرئيسى فى هذه السعادة .. لكن هناك طلب صغير و هو الأخير ..
عقد الجزيرى حاجبيه و قال : ماذا بعد ؟؟
قالت جميلة على أستحياء و ناظريها متجهين للأسفل :
هل تسمح لى بأن أدعو محمود لحفلة عيد الميلاد ؟
قال الجزيرى فى هياج : لقد جننتى يا جميلة !!

******************
فى أخر محادثة هاتفية بين جميلة و محمود كانت جميلة غاضبة و ثائرة على محمود لظنها أن محمود لهث وراء هدفه دون الأخذ فى الإعتبار لما هو بينهما .. هذه الكيمياء التى لم يتجرأ أحدهما بالبوح بها للآخر !
لكن بعد توضيح الأمور تم أكتشافهم أن ماحدث كان
بالونة أختبار متعددة الأغراض ..
فمنها تأكد الجزيرى من وجود علاقة تشغل أبنته و أيضاً محاولة الخلاص من محمود ظناً منه أن المسألة ستكون بهذه السهولة ..
أخبرته جميلة بعد رحيل سوء التفاهم بينهما ، أنها لا تأمن غيرة والدها عليها و لا تستطيع أن تجزم بما يدور فى ذهنه !
فى أحدث محادثة هاتفية بين محمود و جميلة .. أخبرته جميلة أنه مدعو على حفلة عيد ميلادها بفيلا نهاوند بعد صعوبة بالغة
فى أستخراج هذا التصريح من الجزيرى !
******************
تجربة الماظة فى أدخال جانب جديد من الرفاهية فى ( مدينتنا ) كانت مغامرة و لكن لم تكن الفكرة وليدة اللحظة بل خضعت الفكرة للتخطيط برأس الماظة منذ بداية تأسيس المدينة ..
الماظة كان مُغرم بفكر رجل الأعمال العبقرى إيلون ماسك .. هذا الرجل له شركات خاضت مشواراً طويلاً فى مجال الصواريخ و الفضاء و ما شابه .. و شركة تيسلا هى واحدة من هذه الشركات العملاقة التى يمتلكها ..
لو صنفت التكنولوجيا كـ لعبة .. فـ إيلون ماسك قد وصل لأخر مراحلها و ينتظر التحديثات الجديدة لخوضها إن لم يصنع هو هذه التحديثات !
بدأ تداول سيارة ( تيسلا ٣ ) الكهربائية فى الجانب الشرقى .. و أول من قاموا بتجربتها هم الشباب الأثرياء أبناء رجال أعمال المدينة .. وجدوا فيها رفاهية بالغة مقارنة بالسيارات التى تعمل بالبنزين أو بالغاز الطبيعى بالأضافة إلى أنها تضاهى السيارات الـ سبورت فى السرعة و السيارات الحديثة الأخرى فى اللون و الشكل و لكنها تتميز عنهم لأنها تنفرد بلمسة مستقبلية فى عالم السيارات ..
عند أستخدام كارت تشغيل السيارة و دخولها تجدها من الداخل بسيطة للغاية .. ليس بها أى أزرار تخص تشغيل أى من رفاهيات السيارة أو أساسياتها !
ليس بها غير شاشة بجانب عجلة القيادة يتم التحكم من خلالها فى كل شئ يخص السيارة .. هذه السيارة الكهربائية بمثابة التطوير المستقبلى للسيارات ، فالسيارة يتم التحكم فيها بالكامل باللمس .. سيارة تاتش ..
كما حدث فى عالم الهواتف عندما تطورت و أنتقلت من
مرحلة الأزرار لمرحلة التاتش ..
لذلك نجحت التجربة فى ( مدينتنا ) ، لا سيما أن معظم من تعامل مع السيارة هم من شريحة الشباب ..
لاقت السيارة أعجابهم أيضاً لأنها مزودة بالذكاء الأصطناعى .. السيارة لديها أمكانية القيادة الذاتية و أيضاً ركن السيارة ذاتياً مما زاد من أنبهارهم تجاهها ..
عند فتح شاشة التحكم بالسيارة و بعد ضبط القيادة الذاتية .. وفرت السيارة أمكانية فتح الإنترنت و بإمكان السائق أن يدخل على المنصات الإلكترونية مثل نتفليكس و ماشابه و يتابع ما يرغب فيه ، حتى لا يشعر بالملل
أثناء عملية القيادة الذاتية للسيارة !
عند قيادة شباب المدينة لهذه السيارات الكهربائية يشعرون و كأنهم
يقضون وقتاً ممتعاً فى أحدى ألعاب الملاهى ..
كما أن من يمتلك أحدى هذه السيارات كان يستعرض أمام صديقه الذى يمتلك سيارة بنزين و ذلك كان يحدث عند مدخل الجراج .. فصاحب السيارة الكهربائية يستطيع من خلال أبلكيشن على هاتفه أن يطلب السيارة فتخرج ذاتياً من الجراج و تصل إلى مكان صاحبها حيث يقف ينتظرها !!
هذه التكنولوجيا المعقدة المدمجة مع الرفاهية تجعل من هذه السيارة الكهربائية مكوك أرضى يشعرك و كأنك تحلق فى الفضاء ..
***********************
أنشغل نهاوند بتجهيزات الفيلا لجعلها على أهبة الأستعداد لأستقبال حفلة عيد ميلاد شقيقته جميلة .. أهتم نهاوند بتنسيق الورود و الشموع لتملأ الفيلا ، حتى الأركان و الزوايا لم تخلو من هذا التنسيق .. تم تعليق البالونات زاهية الألوان بطرق جذابة و مميزة مما يعطي شعوراً كاملاً بالبهجة ..
تم تغطية المقاعد و الطاولات بأغطية شبه حريرية تتناسق
ألوانها مع الجو العام لعيد الميلاد ..
تناثرت شاشات العرض هنا و هناك و هى مثبتة على حوامل تلفيزيون مزودة بعجل لسهولة حركتها و نقلها ..
لم ينس نهاوند الأتفاق على تقديم فقرة الساحر المثيرة و بعض فقرات أعياد الميلاد بدافع التسلية ..
أصر نهاوند على التفاوض مع بعض المطربين المفضلين لجميلة للحضور و أحياء حفلة عيد ميلادها ..
أصبحت فيلا نهاوند جاهزة و مستعدة لهذا اليوم الذى ينتظره نهاوند بفارغ الصبر للقاء شقيقته و محاولة منه للتقرب من والده لعله
يحسن معاملته على الأقل فى مثل هذا اليوم ..
أفصح الجزيرى لجميلة عن عدم رغبته فى الذهاب لحفلة عيد ميلادها و أنه سيعوضها بحفلة صغيرة خاصة بهما فى فيلتهما عند عودتها .. صعقت جميلة من أقتراح والدها و رفضت رفضاً قاطعاً و أخبرته أنها لن تحتفل بدونه مهما حدث ..
فى اليوم المنتظر .. كان الجميع يستعد للذهاب لحفلة عيد الميلاد ..
الجميع كان متحمساً عدا الجزيرى ..
كان نهاوند يقف فى أستقبال الضيوف و الترحيب بهم .. كان يرحب بهم بحفاوة لمعرفته بهم و معرفتهم به بحكم أن معظم المدعويين من عائلة جميلة
و التى ينتمى إليها نهاوند ..
و أخيراً أقتربت اللحظة المضطربة و حضر الجزيرى برفقة أبنته جميلة
و كان اللقاء و المواجهة بين نهاوند و الجزيرى ..
بمجرد أقتراب الجزيرى و جميلة من الممر الذى يقف نهاوند فى بدايته .. حتى سبق نهاوند و فاجأ الجزيرى و مد له يده لمصافحته فأضطر الجزيرى لمصافحته فقبل نهاوند يده ، لم يتوقع الجزيرى رد فعل نهاوند .. ثم عانق نهاوند شقيقته جميلة و قبلها و عبر عن مدى سعادته بهما ..
بدأت الحفلة و بدأ الجميع فى الأحتفال و الأنسجام مع أنغام الموسيقى و أغانى أعياد الميلاد و الأجواء المبهجة التى نجح نهاوند
فى توفيرها و تسخيرها لنشر السعادة بين المدعويين ..
جميلة كانت حقاً فى غاية السعادة بهذه الأجواء و بوجود نهاوند و موافقة الجزيرى على حضوره لعيد ميلادها .. لم ينقص فرحة جميلة غير تأخر محمود عن المجئ ، بدأ التوتر يتسلل لجميلة ويظهر على تعابير وجهها فأجريت اتصالاً هاتفياً به فأخبرها أنه عند مدخل الفيلا ..
فتبدلت حالتها و أكتملت فرحتها و دخل محمود و أستقبله نهاوند برفقة جميلة و كانت معهما لوسى صديقة نهاوند التى لم تفارقه ، و التى كانت معه فى سيارته عند التصادم مع سيارة الماظة ..
محمود لم يعمل من قبل فى إدارة المخابرات ليتمكن من التحكم فى مشاعره .. ما يخفيه و ما يظهره و أيضاً لم يخوض تجربة التمثيل لينجح فى مثل هذا الأمر !
بعد أن قام محمود بمصافحة نهاوند و رحب به الأخير بناء على تقديم جميلة له و العكس ، و بعد أن تراقص قلب محمود فرحاً برؤية جميلة و لم ينجح فى إخفاء هذه الفرحة .. أخترقت لوسى هذه اللحظات المؤثرة و نظرت لمحمود و قالت له : كيف أحوالك يا محمود ؟؟
أتجهت نظرات نهاوند و جميلة لـ لوسى ثم أنتقلت لمحمود ثم صمت الجميع و تحدثت جميلة : واضح أن بينكما سابق معرفة ..
فبادرت لوسى فى الأجابة : نعم .. كنا أصدقاء فى الجامعة و ...
فقطع محمود الحديث و أكمله بمعرفته : و لكنها رسبت فى الإمتحانات و مكثت فى نفس السنة الدراسية لسنوات ، بينما نجحت أنا
و تخرجت و أنخرطت فى متاهة الحياة ..
ثم دس محمود يداه فى جيبه و أخرج منها فلاشة و قدمها لجميلة قائلاً :
كل سنة و أنتى طيبة ..
سألته جميلة ما هذه الفلاشة ؟
فأجابها محمود : بعد عرض محتواها على واحدة من هذه الشاشات ستصلك هدية عيد الميلاد .. و كان يشير لواحدة من حوامل الشاشات المنتشرة فى المكان ..
تقابل محمود مع الجزيرى فقدم له التحية و الإمتنان لموافقته على دعوته لعيد ميلاد جميلة فرحب به الجزيرى و عرض عليه الجلوس ..
أندمج الجميع مع أجواء الحفلة و بدأت الفقرات الترفيهية التى جهز لها نهاوند بأحترافية .. كان الجميع سعيداً لكن كانت جميلة تخبئ سؤالاً بداخلها لمحمود و هو كان يلاحظ ذلك .. ما أن قام الجزيرى لأجراء محادثة هاتفية هامة حتى قذفت جميلة بسؤالها لمحمود : ماذا كان بينك و بين هذه الفتاة اللعوب ؟!
أبتسم محمود و أخبرها بسعادته لسؤالها لأن هذا يعنى الغيرة .. فأنقبضت ملامحها فبادر محمود و قال لها : كانت قصة حب فاشلة و لم تصل لأى مراحل رسمية بسبب أنها لعوب كما ذكرتى .. هى فتاة تصلح للحب أو للصداقة أو التسلية .. لكنها لا تصلح بتاتاً للزواج فأنتهت العلاقة من جذورها ..
على الجانب الأخر كان نهاوند يجرى تحقيقاً مع لوسى كان واضحاً أنه
يستفسر منها عن مدى علاقتها بمحمود ..
عاد الجزيرى على مقعده ثم جاء نهاوند للمنضدة التى تجلس عليها جميلة و الجزيرى و سأل جميلة : هل أنتى مستعدة لعرض هدية محمود ؟
فمدت جميلة يديها و أخرجت الفلاشة و أعطتها لنهاوند و الذى قام بدوره و عرضها على واحدة من هذه الشاشات ..
خفتت أضواء الحفلة و كانت أضاءة الشاشات هى التى تنير الأجواء بعد أن ربط نهاوند الشاشات ببعضهما ليظهر العرض فى كل أركان الحفلة ..
بدأ العرض و ظهر فوتوسيشن يضم صوراً عديدة لجميلة و هى فى مراحل عمرية مختلفة مع والدتها المتوفية ، لم تكن المفاجأة فى روعة العرض تدريجياً لمراحل عمر جميلة مع والدتها و قد سجلت هذه الصور فى وقتها لحظات ممتعة باتت ذكريات من المستحيل أن تنساها جميلة .. لكن المفاجأة كانت تصدح موسيقى مع عرض الصور قام محمود بتركيبها مع صوت حقيقى لوالدة جميلة !
كان الفيديو مؤثراً لدرجة أبهرت نهاوند و أيضاً الجزيرى و دفع جميلة لأن تزرف دموع الفرح من عينيها ..
ألتفتت جميلة لمحمود و عبرت عن فرحتها العارمة بهذا الفيديو المتألق الذى أخترق فؤادها و سكنه .. و سألته كيف عرفت صوت والدتى .. كيف فعلتها ؟!!
قال لها فى أقتضاب : فولدر الصور الذى طلبت منك إرساله كان به ملف تالف من وجهة نظرك .. لكنه كان ملف صوت يحتاج لتغيير الصيغة ليعمل .. عندما غيرت صيغته كانت المحصلة النهائية هذا الفيديو ..
بدأ نهاوند يدرك أن محمود ليس شخصاً تافها أو عادياً .. محمود تمكن من جذب تركيز نهاوند معه منذ بداية التعارف و معرفته بـ لوسى ثم فيديو رائع كان له واقع السحر على جميلة و لم ينكر نهاوند أعجابه الشخصى بالفيديو ..
ربط الجزيرى الأحداث الجارية بالماضية مع متابعة
حالة جميلة و مراقبة ردود أفعالها أثر أفعال محمود ..
و عليه طلب الجزيرى الأنفراد بمحمود لرغبته فى الحديث معه ..
كان القلق يكسو وجه جميلة بينما تعمد محمود جاهداً أن لا يظهر أى توتر يشعر به و أبدى محمود موافقته على طلب الجزيرى و أنتقلا الأثنان
لمكان هادئ بحديقة الفيلا و أستقرا فيه ..
نظر الجزيرى فى صمت لمحمود ثم سأله : ماذا ترغب من جميلة ؟!!
فرد محمود بتلقائية : لا شئ .. كل ما أعرفه أننى أحبها بصدق ..
حب لا يشوبه أى رغبة مخفية أو أى مصلحة تلتصق به ..
ضحك الجزيرى فى سخرية كـ رد فعل على كلمات محمود و قال له :
هل تعلم فارق السن بينكما ؟ تقريباً حوالى تسع سنوات !
هل تعلم الفارق الإجتماعى بينكما ؟
هل تعلم الفارق المادى بينكما ؟
دعنا من هذا كله .. هل ستتحمل للنهاية الظروف الصحية لجميلة و تأثيرها فى ممارسة كل شئون الحياة الزوجية دون أن تتقفف أو تشعر بالملل يوماً ؟
تجمدت تعابير وجه محمود و كأنه تقدم فى العمر لسنوات فى هذه الدقائق التى مرت عليه .. بدأ محمود يشعر أن المستحيل مادة ملموسة و قد أستشعر ملمسه بعد الأسئلة التى وجهها له الجزيرى ..
نظر له الجزيرى طويلاً فى صمت و هو يراقبه .. ثم نطق الجزيرى و قال له :
سأوافق على أرتباطك بجميلة فى حال تحقيق شيئاً واحداً !
أنفرجت أسارير محمود و شعر بأنتفاضة داخلية
و كأن روحه ردت به فما زال هناك أمل ..
نظر للجزيرى و هو يتوق لسماع الشرط الذى على أستعداد لتنفيذه
مهما كانت الصعوبات و تحول محمود لأذن صاغية ..
قال له الجزيرى بعد أن رمقه بنظرات صارمة :
مهر جميلة هو أن تسلمنى براءة أختراع لأختراع يساهم فى
حل مشكلة دولية أو على الاقل يغير مجرى الحياة فى ( مدينتنا ) ..
أن نجحت فى ذلك فستصبح ثرى و عبقرى ..
و تستحق وقتها الإرتباط بجميلة و الفوز بها ..


**************************
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.