محمد حسن عبد الجابر

شارك على مواقع التواصل

- 5 -

( مول المستقبل ) هو أحد أكبر مولات ( مدينتنا ) أن لم يكن أكبرهم  بالفعل و لكنه  أحدثهم  تشييداً ،  هو بالطبع يقع  فى الجانب الشرقى ..                             
  تم الإنتهاء من تشطيب الثلاثة  طوابق الأولى من المول و تسليم المحلات المصنوعة بالكامل من الزجاج السيكوريت
لملاكها أو لمستأجريها على حسب التعاقد ..
أما بالنسبة للثلاث  طوابق المتبقين  لم  يتم الإنتهاء من تشطيبهم بشكل كامل      و تم تأجيل هذه المهمة سالفاً لأكثر من مرة ..
لقد وقع الإختيار من قبل رجال أعمال ( مدينتنا ) على  ( مول المستقبل )                    و بالأحرى تم الأتفاق على تخصيص هذه الطوابق الثلاثة المتبقية  للمهمات المُقبلة ، من إقامة الدورات التدريبية إلى صيانة الروبوتات و ..  إلخ .
بدأت تهيئة المكان  كـ ورش فنية لممارسة الوظيفة الجديدة ..
صيانة الروبوتات ..
تم العمل على قدم وساق لإنجاز تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية فى زمن قياسى .. تم تكريس الوقت و مضاعفة المجهود حتى تم الإنتهاء بالفعل 
من تنفيذ التصميم المعدل لهذه الطوابق بما يتماشى
مع المهمة الجديدة التى يتم تجهيزهم من أجلها ..
******************
تم التواصل  مع المواطنين الذين سجلوا أسماءهم  فى الدورة التدريبية للصيانة  فور الإنتهاء من تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية بالمول ، و تم أخبارهم  بضرورة الحضور فى الموعد الذى تم تحديده لبدء الدورات التدريبية ، هذا بعد الأتفاق مع المدربين اليابانيين و تخصيص فيلا لهم ليقيموا فيها حتى الإنتهاء من المدة المحددة  للدورات  ..
كان عدد هائل من المواطنين قد تقدموا بتسجيل أسماءهم فى الدورة و قد حضروا فعلياً فى اليوم المحدد لبدء الدورة .. تم تقسيمهم و توزيعهم و مع كل مجموعة مدرب متخصص لضمان وصول المعلومة بسهولة و يسر ..
أستغرقت الدورات التدريبية حوالى أسبوعاً حتى أنتهى المدربين اليابانيين من تدريب المواطنين المصريين  نظرياً و عمليا على كيفية إكتشاف العطل الذى يصيب الروبوتات و كيفية التعامل معه  لحل المشكلة ..
يتبقى امراً واحداً و هو الإختبار الذى سيحدد مصير المتدربين لتحديد من منهم جدير بالوظيفة  .. هذا الأختبار تم  وضعه و سيتم الإشراف عليه و تقييمه  من قبل هؤلاء المدربين اليابانيين دون تدخل أى عنصر مصرى  .. و ذلك لضمان شفافية الدورة  و دقة أختيار من سيصلحون حقآ لهذه  الوظيفة ..
*******************
داخل فيلا الجزيرى تجد الرفاهية و الرخاء متجسدان فى كل الأمور الحياتية
بكل ركن فيها .. تشعر بلذة النعيم و مذاق  الراحة
فى غضون خمس دقائق من دخولك مملكة الجزيرى ..
على طاولة الطعام كان يجلس الجزيرى برفقة أبنته جميلة ، كانت تجلس على يمينه و هذا هو مقعدها المفضل على هذه السفرة و التى تمتد مساحتها لأمتار عديدة  و تكسوها قشرة  من  الذهب الخالص  بالكامل , حتى مقاعدها لم تخلو من هذه القشرة الذهبية .. شردت جميلة و ثبت ناظريها على المقعدين المواجهين لها ، على واحداً منهما والذى يقع على يسار الجزيرى أعتادت زوجته - رحمها الله - الجلوس عليه  و المقعد المجاور لها كان يجلس نهاوند ..
لاحظ الجزيرى حالة جميلة و أنتبه الى عيناها
و هى تبدوان زجاجيتان أثر رشح الدموع بها ..
أنزعج و حاول التحكم فى نبرة صوته و هو يخاطبها مازحاً  :
ماذا أصابك يا صغيرتى .. لماذا  هذه الدموع ؟ هل البصل زائد فى السلطة ؟!
أبتسمت جميلة أبتسامة فاترة و قالت بصوت متحشرج و هى تنظر للمقعد الذى على يسار والدها ..  لقد وحشتنى  كثيراً .. حقآ أفتقدها ..
ترحم عليها الجزيرى و قد امتلأ بالحزن و الأسى أثر ذكرها على مسامعه ،                    و دعا لجميلة بالشفاء و العمر المديد ..  فهى الحياة و الأمل الذى يحيا من أجله           و قد مسح براحة يديه على شعرها برفق ..
قالت له جميلة : نهاوند وحشنى جداً.. وحشتنى لمتنا على السفرة و مناكفته ليا .. نفسى يرجع يعيش معانا تانى !
هنا أمتقع وجه الجزيرى و صارت نظراته صارمة و خاطب جميلة بصوتا أجش :
هو أختار حياته الضايعة و أنا أختارت حياتنا من غيره و علشان يدخل هنا تانى لازم  ينضف .. و مش عايز أفتح الموضوع دة تانى يا جميلة .. فهمانى ؟؟
تسلل اليأس لقلب جميلة و تملكه بشأن شقيقها نهاوند و عودته للفيلا ..                    هى تعرف جيداً صرامة قرارات والدها .. حاولت جميلة ترطيب الجو بعد تعكيره  و سألت والدها بخصوص العمل و الأتجاه الجديد الذى يسلكوه بخصوص الروبوتات و الدورات و الوظائف المرتبطة بها ..
رد الجزيرى بأبتسامة مصطنعة و قال لجميلة : تمت الدورة بنجاح و خضع الآلاف للأختبار الذى وضعه المدربين اليابانيين و لم ينجو بسلام من هذا الاختبار إلا حوالى نصف  العدد المتقدم لهذه الدورة  !!
قالت جميلة فى أندهاش : هل كان الأختبار تعجيزياً ؟!
رد الجزيرى فى حماس : بالعكس .. فهناك من تجاوزوا الإختبار فى سهولة كما يوجد  شاب برع فى هذا الأختبار  و تمكن من الحصول على الدرجات النهائية فيه بكل يسر .. أرى فى هذا الشاب مستقبلاً منيراً فى هذا المجال .. أثق فى ذلك ..
سألت جميلة و كلها فضول : ما أسم هذا الشاب ؟!
رد الجزيرى بنفس درجة  الحماس :
أسمه محمود .. على ما أتذكر .. محمود  طايع ..
****************
قرر الجزيرى  رد عزومة فنجان القهوة الكولومبى لصديقه الماظة ، أتصل به هاتفياً و طلب منه المجئ لمكتبه بالمصنع لتناول فنجان القهوة معه
أن كان  وقته يسمح  بذلك ..
لم يتأخر الماظة على صديقه و أستجاب لدعوته و ذهب بالفعل لتناول فنجان القهوة مع الجزيرى فى مكتبه ..
جذب الماظة  أطراف الحديث فيما يخص الدورة التدريبية و مستوى الأشخاص الذين أجتازوا هذه الدورة ولابد من العمل على رفع مستواهم و كفاءاتهم ..              حتى  دخل عليهم عامل البوفيه و هو من العناصر البشرية ، و هم قلائل جداً الباقين فى المصنع .. قدم القهوة لكلاً من الماظة و الجزيرى و بعد أن أنهى طقوس السرفيس أنصرف ، لم يرفع الماظة ناظريه عن فنجان القهوة .. كان الجزيرى يراقبه فى صمت حتى كسر الماظة الصمت بسؤاله : ايه القهوة دى ؟
رد الجزيرى : مالها يا صديقى ؟
رشف الماظة منها و قال : هى لذيذة بس مش فاهمها ! و شاكك فى حاجة كدة !
ضحك الجزيرى و قال له : سيبك من اللى فى دماغك .. المهم المذاق ؟
شحب وجه الماظة و قال له : يعنى اللى فى دماغى صح ؟ دة البن اللى حكيتلى عليه و قولتلى جبته معاك من أمريكا مع آخر سفرية ؟!
مازال الجزيرى مبتسماً أثر أشمئزاز الماظة من فنجان القهوة و قال له :               الفنجان اللى قدامك دة سعره يعدى  الـ ٥٠ دولار أمريكى !!
صعق الماظة و قال دون تعقل : مش دة البن اللى بيعملوه من
فضلات حيوان ( الكوبى لواك ) ؟!!
رد الجزيرى و قد أتسعت الأبتسامة على وجهه :  بالظبط  هو  دة ..
تقلص وجه الماظة و هو يحاول أن يفهم فسأل الجزيرى :  كيف لقهوة أن ُتصنع من فضلات حيوان و أن تصبح أبهظ  قهوة  بالعالم !
قال له الجزيرى : ( الكوبى لواك ) دة اللى هو ( قطط  الزباد ) ..                            بتعيش فى شرق آسيا و بتتغذى  على البن دة طعامها ، علشان كدة                  بيستخدموا فضلاتها لتصنيع أغلى أنواع البن فى العالم !!
و هنروح بعيد ليه أنت مش واخد بالك احنا فين ؟؟
ركز كدة هتلاقى أن فضلات النحل بتتاكل و من أشهى و أفيد الأطعمة !!
ثم رن هاتف الجزيرى فكسر جو  التسامر السائد بينهما ، كان المتصل هو                 منير المنفلوطى .. أستجاب الجزيرى للأتصال لكنه لاحظ من نبرة صوت المنفلوطى  أنه ليس على ما يرام فسأله ماذا أصابك ؟
فرد المنفلوطى بصوتاً مفزوعاً : قصدك ماذا أصاب الروبوتات ..                     الروبوتات  هيست !!
فسأله  الجزيرى مندهشاً : أزاى دة حصل ؟؟
عامة متقلقش بقى عندنا مركز صيانة جاهز للطوارئ ..
رد المنفلوطى بنفس حالة الفزع التى تملكته :
الروبوتات مش بتستجيب للتعليمات  و الشغل بدأ يتعطل !
مازال الجزيرى مندهشاً و قال له :  متقلقش هيتم السيطرة على الوضع ..                   لقد  أصبح  لدينا مراكز صيانة  بها  أمهر المهندسين و الفنيين  ..
أنهى الجزيرى المكالمة و قبل أن يشارك الماظة فى  الحوار أنهالت عليه الأتصالات من رجال أعمال المدينة يشكون نفس المشكلة
من تهييس الروبوتات بمصانعهم  و شركاتهم  !!
هنا أيقن الماظة و الجزيرى أن هناك حلقة مفقودة و غامضة .. و زاد يقينهما عندما دخل عليهما المسئول عن متابعة الروبوتات فى مصنع الجزيرى و كان يقف  كالملسوع و صدره يعلو ويهبط بغير  أنتظام و أخبر الجزيرى أن هناك أمراً غامضاً  قد أصاب عدداً كبيراً من الروبوتات !!
*****************
نشأ مناخ رومانسى بين محمود و جميلة و أخذ ينمو من حولهما حتى تطورت العلاقة بينهما ، كاد  محمود أن يتمكن  من أقناع جميلة أن ترسل له رقم هاتفها ،  لكنها رفضت فى بادئ الأمر  فحاول محمود الأتصال بجميلة عبر الماسنجر مرات عديدة و لكن كانت تتحول  كلها لدى جميلة فى النهاية  إلى مكالمات فائتة ، حتى جاء يوم كانت جميلة على درجة مرتفعة من الأكتئاب فقبلت الأتصال و ردت على محمود عبر الماسنجر و لم يصدق محمود نفسه وقتها  من الفرحة ..
و تطور الأمر فيما بعد ، و نجح محمود فى أن تتحول أتصالاته
من الماسنجر إلى الهاتف ..
و كان لذلك الفضل فى أن تتوطد بينهما العلاقة و أن يتجرأ محمود و يبدى لجميلة رغبته فى مقابلتها ! و أنه يتوق لرؤيتها وجها لوجه !!
أرتبكت جميلة على الفور أثر طلبه المفاجئ ، و بدا ذلك من صوتها عبر الهاتف  و أكدت لمحمود أن هذا مستحيل يحدث و وبخته لأنه نسى أن من أشد العقبات  لإتمام ذلك أنها قعيدة على كرسى  متحرك !
كما أنها مستحيل أن تخرج من الفيلا بمفردها !
قالت له فى المكالمة الهاتفية : هذا جناااان !
رد محمود فى ثقة عالية : لدى خطة لتنفيذ ذلك بسهولة ..
قالت له جميلة بملء فيها : أنت حقاً مجنووووون  !!
***********************
بعد أن ضربت ظاهرة ( جنون الروبوتات ) المدينة و أنتشرت الظاهرة بين الروبوتات المستخدمة فى مصانع و شركات الجانب الشرقى ، تم شحن و إرسال الروبوتات المخبولة إلى (  مول المستقبل ) حيث مراكز الصيانة المستجدة
و أول  أختبار حقيقى لها !
تم أشراف الجزيرى و الماظة و المنفلوطى بأنفسهم على عمليات الصيانة للروبوتات ، كان يتجول  كلاً منهم بمفرده  فى طوابق الصيانة بالمول ..                 يتابعون بأنفسهم محاولات المهندسين البائسة التى  لم تصل لشئ                            حتى  بعد مرور عشر ساعات عمل تكاد تكون متواصلة !!
بدأ يشعر الثلاثة أنهم  تورطوا فى تأسيس  مراكز الصيانة التى كلفتهم مبالغ مالية كبيرة .. يمر الوقت دون جدوى تقريباً مما دعا الجزيرى لأقتراح فكرة التواصل مع الشركة اليابانية لإيجاد  حل سريع حتى لا تتكبد مصانعهم و شركاتهم خسائر فادحة ، كان المنفلوطى مؤيداً للفكرة بينما أضاف الماظة ضرورة مراسلة الشركة اليابانية و أخبارها أن المبالغ التى تحملوها من تجهيزات لإجراء الدورة ذهبت هباءً و أنهم لم ينتفعوا بمجئ الخبراء اليابانيين بل خسروا ما دفعوه لهم أيضاً ..
حالة تخبط و أستياء سيطرت على رجال الأعمال و قد أجتمعوا فى مكتب الإدارة بالمول ، سمعوا طرقات على الباب فكان موظف الأمن ..  دخل ليخبرهم أن هناك أحد المهندسين يود مقابلتهم لأمر بالغ الأهمية !
دخل المهندس و كانت نشوة الإنتصار تكسو وجهه .. كان يقف أمامهم  و كانوا  يفحصوه بنظراتهم ثم سمحوا له بالحديث ..
أخبرهم المهندس  أنه أكتشف سبب العطل الذى أدى لهذه المشكلة .. هنا أعتدل الثلاثة في جلستهم و أنتبهوا  لكلماته ،  سأله الجزيرى فى شغف :
ما هو سبب العطل ؟!!
فاجأهم المهندس أن العطل مفتعل ! و أخبرهم أن هناك من تعمد نقل فيروس مصنع .. هذا الفيروس يظل خاملاً  و ينشط بعد مدة معينة يحددها من صنع هذا الفيروس ، و هذا السبب لما  حدث لهذه الروبوتات ..
جن جنون الماظة و قال له : و من فعل ذلك ؟
أخبره المهندس أنه بعد صعوبة بالغة تمكن من صيد هذا الفيروس الألكترونى                و عند التعامل معه كانت الشفرة المستخدمة به  بلغة معقدة و غير مفهومة ،             بعد البحث عنها أكتشف أنها من حروف  يابانية !
صعقت الصدمة رجال الأعمال الثلاثة و شرد الماظة ثم نظر بحدة للجزيرى و قال له : هل كان رفضنا للعرض اليابانى بتعيين مجموعة من  الخبراء اليابانيين بأجور ثابتة فى مراكز الصيانة لدينا ، له علاقة بما حدث ؟!
رد عليه الجزيرى بعينان شاخصتان : الشعب اليابانى يتميز بأنه شعب منظم                   و مؤدب و خجول .. لكن معروف عن اليابانيين أيضاً                                           أن ليس لديهم سياسة دوبلوماسية أو أقتصادية  واضحة !!
أكد المنفلوطى شكوكهم عندما ذكرهم بطلب  الخبراء اليابانيين بزيارة المصانع                و الشركات بحجة  التشييك على الروبوتات .. كان هذا الطلب بعد أعتذارهم عن إقتراح الشركة اليابانية بتثبيت خبراء يابانيين  لديهم بمراكز الصيانة !
بعد أن أستنتجوا سيناريو لما حدث ، طلب الجزيرى من المهندس الذهاب معه              و مشاهدة الروبوتات المُفيرسة بعد إصلاحها ..
بالفعل أنتقل الأربعة إلى  موقع الحدث و شاهد الثلاثة  بأنفسهم كيف تمكن المهندس المصرى من التفوق على نظيره اليابانى بعد أن حاول الأخير تضليلهم مما جعلهم ينبهرون بهذا المهندس !
سأله الجزيرى عن أسمه فأجاب المهندس :
محمود .. أسمى محمود طايع ..
أبتسم الجزيرى و قال : أتذكر  اسمك .. لقد نجحت فى أجتياز  الدورة بأمتياز ..  أعلم  ذلك ..
شارك الجزيرى الرأى مع  الماظة و المنفلوطى  فى  تنصيبه لمحمود  مديراً لمركز صيانة ( مول المستقبل ) .. فدعم الأثنان  قرار الجزيرى بكل أقتناع ..
***********************
كان الأتجاه الذى سلكه رجال أعمال المدينة لمجابهة أزمة البطالة التى أجتاحت                 ( مدينتنا ) قد أنشطر إلى محورين ..
محور خاص بالصناعة و هو ما يخص الروبوتات و الصيانة و ما شابه ..                      و محور خاص بالزراعة  فى محاولة لأستغلال الأراضى الصحراوية داخل                    ( مدينتنا ) و فى المحيط الخارجى  للمدينة  ..
تم التواصل  من قبل اللجنة المتخصصة لفحص أفكار المشروعات مع  خالد صاحب فكرة مشروع أستصلاح الأراضى الصحراوية و أستثمارها فى زراعة بعض المحاصيل الأساسية و من أهمها القمح ..
تم أخباره بالموافقة على دعم مشروعه و أنه لن يكون مشروعاً خاصاً به بل يخص المدينة بأكملها ,  تم تنصيب خالد على الإشراف العام على المشروع                  و متابعته له  خطوة بخطوة لوضع حجر الأساس لهذا المشروع  العملاق ..
تم تحديد و تخصيص  المساحات التى وقع عليها الإختيار لتنفيذ المشروع عليها.. تم أختيار البذور السليمة بعناية فائقة لأستخدامها فى الزراعة .. تم أيضاً تجهيز الأسمدة  اللازمة لهذه المهمة من
أسمدة نيتروجينية و أسمدة فوسفورية و أسمدة البوتاسيوم ..
كانت الأمور تسير ضمن خطة مُحكمة مدروسة  لضمان نجاح المشروع ..
كانت فكرة معالجة مياه الصرف الصحى لأستخدامها فى الرى تحتاج لمجهود ضخم لأتمامها .. تم  التواصل من  رجال أعمال المدينة مع  وزارة                               (  الموارد المائية و الرى ) لأنشاء محطة معالجة مياه الصرف الصحى ،                 لكنهم فوجئوا بأن أنشاء المحطة سيستغرق حوالى ستة أشهر لأتمامه
و هذه المدة تعتبر قياسية لأنجاز هذا الأمر !
لكنها ليست كذلك بالنسبة للقائمين على المشروع ..
كما أنهم مازالوا فى حاجة لأستيراد المعدات الكهروميكانيكية من الخارج لأستخدامها فى المعالجة الثلاثية و هذا بدوره يستغرق شهوراً طويلة  للحصول على الأعتمادات الفنية التى تحتاج وقتاً طويلاً للفحص من الجهات المسئولة  ..
بدأ عامل الوقت يمثل العاقبة لأتمام نجاح المشروع ناهيك عن الأموال الطائلة التى سيتطلبها تنفيذ هذا المشروع ، لكن كانت العرقلة الأكبر تكمُن فى الوقت المُستغرق لأنهاء أساسيات المشروع ..
************************
كان الجزيرى يشعر بالسلام النفسى و يجد  أيضاً  لذة  فى مجالسة أبنته جميلة ..
كانا يجلسان على طقم راتان مكون من ترابيزة و ثلاثة  مقاعد  فى حديقة الفيلا ، كان مكان المقعد الرابع خالياً تأهباً لملأه بمقعد جميلة المتحرك الذى يعمل بالكهرباء .. أستقرت جميلة بمقعدها و أمامها كان يجلس والدها ..                               كانا يتناولان وجبة الإفطار و كانا يتسامران فطلبت جميلة من والدها الجزيرى طلباً كان قادراً على جعله متفاجئاً ..
جميلة كانت تنفذ خطوات الخطة التى وضعها محمود ..  أخبرت جميلة والدها أنها ترغب فى كسر الملل الذى تعيش فيه و تشاهد الناس و تتعامل معهم ..                     أخبرته أنها ترغب فى الهروب من محبسها النفسى ..
لطالما كان يطلب منها الجزيرى ذلك كى تتحدى أزمتها و تتمكن من أن تخطيها                و لكنها كانت تتملص منه فى كل مرة ، رحب الجزيرى برغبتها و عرض عليها أن يسافران للتنزه فى أوروبا ، لكنها نجحت للمرة الثانية على التوالى
فى  أن تصيبه بالمفاجأة ..
طلبت منه جميلة أن يأخذها فى رحلة أستكشافية لـ ( مول المستقبل )                    و  لمراكز الصيانة بالتحديد بعد أن أخبرها بما حدث للروبوتات ..
لم يجد الجزيرى ما يمنع من موافقته على رغبتها و ايضاً لا تمنع موافقته من أن يبدى لها أندهاشه من تفضيلها ( مول المستقبل ) على السفر لأوروبا  !!
****************
قام  الجزيرى بزيارة مفاجئة لـ ( مول المستقبل ) برفقة جميلة .. كانت الزيارة حقاً مفاجأة لكل العاملين بالمول عدا محمود بالتأكيد ، و الذى كان ينتظر هذه الزيارة على أحر من الجمر .. أعترف محمود أمام نفسه أنه نجح فعلاً فى إدارة حالته النفسية لكنه فشل تماماً فى أدارة حالته العاطفية كما كان ينوى !
حدثت اللحظة المُنتظرة على شوق عميق و وصل الجزيرى مع جميلة                    لمركز الصيانة الذى يعمل به محمود ..
ظهر محمود للجزيرى فقام الأخير بتقديمه لجميلة ..
تلاقت نظراتهما فـ سرت قشعريرة فى جسد محمود و كأنه لمس سلك كهربائى عارى .. كان يبدو من الخارج ثابتاً لكن عيناه كانت تخبر بعكس ذلك تماماً !
بينما جميلة أستشعرت أنها ذاقت إكسير الحياة .. جريت فى عروقها أنتعاشة أشعرتها بأن مازال للحياة مذاق لذيذ ..  لقد باحت عيناها بكل شئ !
كسر الجزيرى اللحظة التاريخية التى يمر بها كلاً من محمود و جميلة عندما سألهما : هل بينكما سابق معرفة  ؟!
هنا أنتفضا  الأثنان و أرتبكا ..  برر محمود ما أصابه و قال  للجزيرى : 
هذا شرف بعيد المنال .. لكن أبنة حضرتك على  وجهها  أعتى آيات الجمال ..   مما أجبرنى على الوقوف ساهماً .. ربنا يحفظها لحضرتك ..

**********************

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.