MariamAhmedBekhit

شارك على مواقع التواصل

(١)
يبدأ الصباح في مصر من صوت قناة المجد للقرآن الكريم والجملة المعتادة «قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار» لتفتح يومًا جديدًا في إحدى المنازل القديمة، كان المنزل بسيط تغزوه رائحة المخبوزات، البهو به تلفاز صغير يُذاع منه القرآن، وطاولة مستديرة يحفها أربعة كراسٍ وأريكة في الجانب الأيسر، كذلك عُلِقت صور للعائلة بداية من أصغر طفل بها وحتى الجد، من بينهم صورة تجمع بين شابين وفتاة صغيرة.. خرج العجوز ليجلس في مكانه المعتاد وعلى وجهه ملامح متجهمة بينما زوجته تضع الطعام على الطاولة وهي تتابع النداء على أبنائها.. هتف الرجل بغضب:
- كرر ابنك فعلته بالخروج مرة أخرى مع أولئك الساذجين!
نظرت له ثم استغفرت ربها عندما خرج شاب يمسك في يده حقيبة ظهر كبيرة ومجموعة أوراق وضعها على الأريكة ثم جلس وهو يقول:
- اتركه قليلًا يا والدي... لعله يعلم أنهم ليسوا خيرة الأصدقاء.
بدأت الأم توزع الطعام لكل شخص في الطبق الخاص به وهي تنادي على ابنتها الصغرى والتي خرجت راكضة وفي يدها هاتفها الخلوي تتحدث فيه قائلة:
- أبي لماذا سمحت ل(محمد) بالسفر معهم ولم تسمح لي؟
أنهت جملتها متذمرة عاقدة ذراعيها فهي لا تخرج ولا تتحرك من المنزل إلا للدراسة ولكن الفُسحة تكون برفقة العائلة أو على الأقل أخويها... نهض والدها بغضب يستغفر ربه:
- كنت أعلم جيدًا أن الأمر لا علاقة له بالخروج بعد أن أخذ كل هذه الأموال! أتظنينني مغفل؟
حاول الجميع تهدئة الأب وجلسوا ليتناولوا الفطور في صمت تام بين نظرات الأم الغاضبة من ابنتها ونظرات الابن الآخر الغير مبالية بأي شيء يحدث... بعد أن انتهوا بدأ يخرج كل شخص في طريقه لما يشغل وقته.
ذهب الأب (زاهر) لعمله يجر أذيال الخيبة، لم يستطع أن يوفر الحياة التي تمناها قبل ولادة ابنته، ولا يشعر أبناؤه بالوضع المتأزم هذا... وصل إلى المكتب الذي يعمل به كـ محاسب بسيط ليفكر في الحجة الذي سيخبرها للمدير كي يعطيه سلفة من أجل السفر، كل عام يخبر ابنته بأنهم سيسافرون هذه الإجازة لرحلة صيفية رائعة وينتهي بهم الحال في المنزل قانتين لهذا الوضع بينما ابنه يعمل في شركة أصدقائه وينهي أمواله على الرحلات السخيفة هذه.
ثانٍ من خرج من المنزل كان الابن (سمير) وبرفقته الأخت الصغرى(تقى)، فهي الآن في العام الأخير من التعليم قبل الجامعي وتتمنى لو أنها تصبح طبيبة للفقراء لتسافر حول العالم كجارتها التي تكون كل أسبوع في دولة مختلفة وتحكي لها قصة كل بلدة في المساء... بعد أن أوصلها إلى مكان الدرس الخاص بها انتقل إلى جامعته فهو في العام الثاني من كلية الهندسة، كان يتمنى أن يصبح مهندسًا في مجال البرمجة مثلما ذرع والده في عقله لكنه تأزم في العام الأول وبات يخاف ألا يحقق ما في نفس والده وبالفعل حقق شيئًا لكنه حقق ما خافه والتحق بقسم لم يكن يريده ولم يكن يتطلع لدراسته على الرغم من متعته بات يظن أن كل شيء أسود على الرغم من عدم وجوده!
ظلت الأم في المنزل تُعِد الطعام وتنتظر عودة العائلة، أحضرت الهاتف تتصل على (محمد) لتخبره أن يعود ولكن الخط لا يعمل، اتصلت على (ايجه) التي أجابت بعد دقائق قائلة:
- من المتصل؟
- أنا والدة (محمد) هل هو معكم؟
شعرت بأصوات همهمة من حولها ثم استمعت لصوت رجل يتحدث بلغة غير مفهومة و(ايجه) لا تجيبها بأي شيئا، ظلت تتحدث وتناديها حتى قالت (ايجه) بصوت مختنق:
- لقد غطس في الماء ليبحث عن (زينب)!
انغلق الخط بعدها وبدت الأم لا تفهم شيء، من الذي اختفى ومعه (زينب)؟ أتلك هي الفتاة التي يبغضها بسبب تصرفاتها المتعجرفة؟ حاولت الاتصال بالبقية ولكن دون أي رد.. اتصلت على هاتف (زينب) وتعالى صوت الرنين، ظلت تنتظر إجابة حتى استمعت لصوت يقول:
- أمي... هل هذه أنت؟
مرت ساعة وهي تستمع لصوت عبر الهاتف ولكنه لا يجيب أسئلتها، استمعت لصوت الباب ينفتح ودلف (سمير) وفي يده مجموعة أوراق، استمع للصوت ثم قال يتساءل:
- أليست هذه هي (زينب)؟
أخذ منها الهاتف ثم بدأ يتحدث فيه وتابع الصوت الحديث:
- أنا سأذهب للعطلة برفقة أصدقائي الآن... آه وضعت لكِ الطعام في الفرن الصغير، ووضعت الملابس النظيفة على الأريكة السوداء... اضغطي على الزر الأحمر وسيصبح الطعام ساخنًا خلال خمس دقائق.
أغلق (سمير) الخط ثم نظر لأمه بعدم فهم، فتح هاتفه ثم بدأ يبحث عن حساب (زينب) على الإنترنت، تأكد من شكوكه ثم قال:
- هذه تسجيلات قديمة.. كيف نسمعها عبر الهاتف الآن؟
******


في مكان صخري استيقظت من غفوتها وهي تشعر بألم يجتاح جسدها بأكمله، حاولت أن تفتح عينيها أكثر من مرة لتعتاد الضوء ولكنها اكتشفت أن السماء من حولها مظلمة لا يضيئها سوى نجوم صغيرة تلمع... اعتدلت تنظر للمكان من حولها فكان عبارة عن صخور ورمال وبقعة صغيرة بها مياه زرقاء اللون بها مجموعة أسماك ملونة تجذب الأنظار... نهضت من مكانها ثم بدأت تستكشف في حالة وجود شيء آخر في ذلك المكان الغريب.
سارت قليلًا حتى وجدت كوخ صغير في مكان منعزل وهي تنظر لملابسها الخاصة بالسباحة، دلفت للكوخ المكون من أربعة جدران خشبية وعلى الحائط موضوع صور لرجل يرتدي قميص أبيض وبنطال أسود يربطه بالقميص حمالات رفيعة والصورة مقصوصة، في أحد الأطراف يوجد أريكة صغيرة وطاولة وتلفاز حجمه صغير جدًا استنكرته... في الجانب الآخر خزانة دائرية بها مجموعة ملابس غريبة من ضمنها فستان أبيض فارتدته سريعًا ثم وقفت تنظر لنفسها في المرآة الموضوعة بعرض الحائط الرابع، كان الفستان مطرز من العنق بخرز ذهبي وفي الأكمام أساور ذهبية بها خطوط سوداء، كادت أن تخرج فوجدت الرجل يدلف إلى الكوخ وهو يقول:
- ثناء.. هل عُدتي؟
تحركت بعيدًا بينما هو يقترب منها وهو يقول:
- لن أفعلها مجددًا ولكن لا ترحلي.
ظل يهذي بكلمات غير مفهومة ثم اقترب من المرآة وضغط على الحائط انقلبت لفراش وثير مكون من ريش أبيض، استلقى فوقه بينما هي خرجت وجلست أمام بقعة المياه تتأمل الأسماك وتنتظر الصباح ولكنها غفت في مكانها لتستيقظ على صوت الرجل وهو ممسك ب عصاة خشبية يقول:
- من أنتِ؟
انتبهت للعصاة فنهضت سريعًا لتتعثر في الفستان الطويل وتسقط مرة أخرى ولكن هذه المرة في البركة، ضيق الرجل عينيه ثم مد لها العصاة يقول:
- انهضي.. من الواضح أنكِ غريبة عن هنا! من أين أخذتي هذه الملابس؟
- هل أنا نمت لمدة يوم كامل؟ كيف لم أشعر بضوء الشمس!
أجابها وهي تتحدث:
- لم تنامي ليوم كامل.. نحن في الصباح بالفعل، لا توجد نجوم في السماء فقط انظري في الأرض والطريق سيدلك إلى المكان الذي تريدين الذهاب إليه.
نظرت له بعدم فهم بينما هو تركها ودلف للمنزل مرة أخرى وأغلق الباب خلفه لتستمع لصوت صرخات في الداخل واختفى الكوخ بعدها تحت الأرض لم يبقى منه إلا عود خشبي دائري مرسوم فوقه زهور صغيرة بيضاء.
قررت أن تتجول في المكان فاكتشفت أن هاتفها مُعلق في عنقها مثلما اعتادت أن تفعل في كل مرة تذهب فيها إلى البحر... (زينب) تمتلك معتقدات سخيفة: مثلًا أنها إذا سُحِبت في دوامة ستنتقل لمكان آخر وحينها ستستطيع أن تتصل بوالدها عن طريق الهاتف لتخبره بمكانها... لم تكُن تشعُر بثقل الهاتف على صدرها، ظلت تسير حتى تألمت قدمها فجلست على صخرة كبيرة وهي تقول:
- يا الله ساعدني.. انقطع كل شيء في الهاتف.. فقط سينير لي الطريق ولكن أين الطريق!
فجأة تفتحت أضواء صغيرة على الأرض وانبسطت على مسافة كبيرة ليصلها بمكان مليء بالأكواخ الكبيرة. نهضت لتسير وهي تتأمل المكان وتنظر للأضواء الصغيرة فوجدت مكان مكتوب فوقه -مكتبة- دلفت إليها مسرعة فوجدت عجوز بشعر رمادي يجلس خلف مكتب صغير وفي يده كتاب اسمه "مدخل إلى حياة الأرض" غلافه باللون الأزرق ويعتليه نجوم صفراء، تطلعت للمكان فقال الرجل:
- عن أي كتاب تبحثين؟
- أين نحن؟
لم يفهم الرجل أنه مجرد سؤال عن مكان وجودهم الحقيقي، نهض ثم وقف في رف كتب الجغرافيا وأخرج لها كتاب اسمه (أين نحن؟ -الواقع المرير-) أخذت منه الكتاب فكان عبارة عن خمسمئة صفحة، الغلاف يعتليه اسم الكاتب (سالم الغول)... قالت بعدم فهم:
- أنا كنت أسألك عن أي بلد هذه.. هاتفي لا يعمل الآن.
خلع العجوز نظارته ثم وضعها أمامه على المكتب وهو يقول:
- من الواضح أنكِ غريبة عن هنا.. لم أكُن أعلم أنه مجرد سؤال ولكن هذا الكتاب سيخبرك كل شيء تريدين معرفته عن الأرض، ولكن انتبهي.. يجب أن تحرصي ألا تتحدثي كثيرًا من الآن فصاعدًا، كثير الكلام هنا قليل الحيلة.
أشار لها باتجاه باب مفتوح فتحركت نحوها، كانت غرفة صغيرة بها كرسي وطاولة مزخرفين باللون الذهبي، الطاولة باللون الأبيض بينما الكرسي لونه أزرق لون السماء ومع إضاءة خافتة بيضاء كان الجو يناسب الجلوس للقراءة... جلست ثم فتحت الكتاب فوجدته عبارة عن مجموعة صفحات بيضاء فقط، عقدت حاجبيها ثم عادت للفهرس فوجدت فيه كلمات كثيرة متداخلة فبدأت تفقد أعصابها وهي تلقي بالكتاب أرضًا فسمعت صوت اهتزاز قوي، نهضت ثم أمسكت الكتاب فوجدت صفحة الفهرس ظهرت منظمة في سطور كل سطر يحكي عن شيء محدد بينما بقية الصفحات بيضاء وكأن الكتاب إصدار اليوم.
******
7 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.