MariamAhmedBekhit

شارك على مواقع التواصل

(٣)
في الحديقة
«من الأفضل أن يأتي كل شيء كما كُتِب لنا.»
الشعور بأن ثقل يجثم فوق صدرك -على الرغم من عدم وجوده- هو أسوأ شعور قد يتمكن منك، كان الاختناق هو رفيقها لمدة، تشعر بأن أنفاسها تُسحب وكأنها تموت، حتى تلك الغيمة التي ظهرت أمام عينيها فجأة جعلتها تشعر بأن كل شيء سينتهي الآن وأن روحها ستفارقها.. شعرت بأن هاتفها يُسحب وأن هناك شيئًا على كتفها، كانت حقيبة من الجلد الأسود لها ملمس كجلد الثعابين.. فتحتها ثم ضربت يدها بها وأخرجت زجاجة صغيرة تجرعتها في مرة واحدة وهي تشعر بأن الرؤية توضح شيء فشيء.
- هل أنتِ بخير؟
كان الصوت يصل وكأنها في قاع بحرٍ وبدأت الرؤية تتشوش مرة أخرى، أخرجت زجاجة أخرى ثم تجرعتها بينما هو نظر حوله حتى وجد كوخ له درجتين في الخارج، أمسك بذراعها يسير معها في اتجاهه، كان باللون الأبيض ودرجتين باللون الأحمر يتقدمونه، حوله زهور وأشجار شبه نادرة، ذُهل من أنه يرى أشياء جديدة لأول مرة منذ وجوده في تلك الأرض.. جلست على الدرجة الثانية وغفت بينما هو ظل ينظر حوله متأملًا.
******
- «سليم»؟ لماذا تجلس هنا؟
قالتها إحدى السيدات التي خرجت من الكوخ فالتفت ليجيبها لكنه لم يجِدها بجانبه، اختفت وكأن الأرض انشقت وابتلعتها.. نهض ليبحث على أمل أن تكون تحركت في المكان لكنه لم يجِد أي شخص سوى هذه السيدة أمامه، كانت عجوز سمينة تسير بخطوات بطيئة.. ظلت تبحث معه ولكن كل شيءٍ دون جدوى.


قبل يومين على الجزيرة
«لكل لعبة قوانين يضعها صاحبها وفي حالة غيابه يكون القائد، هذه المرة لم تكُن اللعبة مجرد حجر نرد وأجسام دائرية تتحرك.»
ما يميز رحلات السفر هو تلك الحفلة التي تُقام في الليل، كان تنظيمها هادئ، فقط طاولة حولها أفرع الزينة وأصناف الطعام، في الجانب بعض الأشخاص يقيمون حفلة شواء فكان سكان المنازل المطلة على الشاطئ كلهم مجمعون، البعض يتمايلون مع الإيقاع الصاخب والبعض الآخر يجلسون أمام المدفأة ينتظرون انتهاء الطعام.. كان هذا هو الحال في تلك الحفلة التي أقامها الأصدقاء حفلة شبابية برفقة بعض الجيران، كان الجو هادئًا لدرجة كبيرة بداخل الصالون المقامة به، صوت تلاطم الأمواج الخفيف مع الموسيقى الصاخبة التي وضعتها «ايجه» في المذياع الخارجي ورائحة الطعام تتخلل أنوفهم.. كانت الزينة معلقة على هيئة شرائط ملونة فقط وقد قرروا الاحتفال بعيد مولد «زينب» لأول مرة منذ مدة.
هل سألت نفسك قط ما الأجمل من أن تظل أنفك في وجهك على أن تدخلها في شئون غيرك؟ الجواب هذه المرة ألا يثير الناس فضولك.. إن تظل بمفردك تواجه حياتك وتترك كل شخص ليبقى هو بطل حياته الخاصة.
اعتادت الجلوس بمفردها فقررت الهروب للخارج بينما كان الجميع يرص الطعام في أطباقهم الخاصة خرجت هي إلى الشاطئ، وقفت أمام الصخور الصغيرة المتراصة على الرمال تنظر لها ثم بدأت تلتقطها وتلقيها لتحدث دوامات في الماء، صوت الارتطام يريحها.. قاطع ذلك الهدوء صوت من الخلف يقول:
- ألن تخبريني ما يؤرقك؟
نظرت لذلك الشاب الذي أتى، لا زالت تراه ذلك الطفل الذي صادفها في الطريق للمدرسة وضرب المتنمرين الذين اعتادوا السخرية منها، كانت دائمًا طفلة وحيدة حتى وهي برفقة عائلتها، انتهى بها الأمر وهي برفقة «طارق» وأصحابه.
- ليس هناك ما يؤرقني.. فقط أفكر في الديار، أريد العو..
- وهل عاد أهله؟
قاطعها دون أن تكمل جملتها، الجميع يعلم أنها ترغب في العودة إلى منزل عائلتها لكن طاقتها فنيت وهي تبحث عنهم، حجة أن (إذا عادت الأماكن فمن يعيد لنا الرفاق؟)، أخبرت أصدقائها أن عائلتها سافرت بينما هم غادروها هي ووالدتها في صغرها لتبقى بمفردها تمامًا، ليس هناك من يهتم لأمرها كما تعتقد.
أعين حادة تتابعهم من الداخل، مرارة أن يقع المرء في حب شخص وهو يعلم أنه لن يبادله ذلك، ربما لأن الحب الأول كذبة.. كانت «ايجه» تعلم أن طارق يساندها لأنه واقعًا في حبها منذ أن كانا في المدرسة، شخصية مكافحة استطاعت الحصول على كل ما تريد بمفردها، حاولت هي بكل استطاعتها تفريقهم ولكن في كل مرة جواب «زينب» يكون أن طارق صديقها فقط وتلك هي المشكلة.
*****
على الجزيرة
«غالبًا ما يقودنا الخوف من شر لشر أسوأ.» - لقائلها -
الأصخب من صوت المعازف في ليلة الحفل هو صوت السكون المخيف عند وقوع المصيبة.. فتظل أفكارك تحادثك بأن القادم سيئ!
أول ما فعلته (ايجه) كان الصراخ وهي تخرج للشاطئ مرة أخرى، لم تكلف نفسها عناء القفز في الماء خاصة بعد أن قفز (محمد) أولًا، فضلت البقاء برفقة «طارق» لترى ما سيفعله عندما يجد من يحب في مشكلة، استنجدت برجل الإنقاذ الواقف على السلم قائلة:
- Arkadaşlarım suya düştü سقط أصدقائي في الماء
قفز الرجل بينما الصديقان كلًا منهم ينظر للآخر بصدمة، كل منهم لديه سبب غير الآخر، كانت خطتها بسيطة لكنها قد تكون آذت صديقتها الآن، وعلى الرغم من مرور نصف الساعة لم يخرج حتى محمد عن المياه!
احتل الرعب نظراتهم من أن مكروهًا حدث، كان الموضوع من بدايته مخطط له لأجل المرح وتلقينها درسًا، أن تركب الأمواج معهم وأن ينقطع رابط قدميها فتسقط في الماء ومن ثم تتظاهر «ايجه» بالحزن عليها.. كانت ترغب في أن تلقنها درسًا أن «طارق» يحبها فقط لأنها تعتمد على ذاتها.. لم تكُن (زينب) من أولئك الذين يطلبون مساعدة غيرهم، دائمًا تفعل كل شيءٍ بنفسها مهما بلغت صعوبته.
- وجدنا الشاب.
اقترب (طارق) منهم ليسعفه محاولًا إخراج الماء من رئتيه، بينما دخل رجل الإنقاذ مرة أخرى ليبحث عنها في المياه.
8 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.