MariamAhmedBekhit

شارك على مواقع التواصل

في مصر
تجمعت الأسرة في الليل يتناولون عشاءهم أمام التلفاز ولكن عقل كل واحد منهم في وادٍ غير ذلك الفيلم المعروض على التلفاز، كعادة التخيلات الغريبة يشاهدون فيلم «المركب» وهم يراقبون الأب الذي نهض واستلقى على الأريكة أمام التلفاز يعبث في هاتفه، نظر «سمير» لوالدته بينما «تقى» أحضرت هاتفها وبدأت تتصفح ال Facebook الخاص بها ثم صرخت فجأة:
- يقولون أن هُناك حوادث في الجزيرة التي سافر إليها «محمد» وأصحابه.
نظرت لها الأم شذرًا بينما ضحك الأب بتهكم فهو حتى لم يكُن يعلم أن ابنه سافر إلى تلك الجزيرة البعيدة مرة أخرى، وكزها «سمير» وهو يقول:
- إنهم لم يسافروا إلى هناك!
- كيف؟ «ايجه» نشرت صورة لهم في الصباح على ذلك السلم..
لم تكمل جملتها عندما وجدت والدها بدأ يستشيط غضبًا ويلقي بهاتفه على الطاولة فسقط طبق الطعام من أمام والدتهم التي قالت:
- لم يخبرني عن وجهتهم.. أنا أقسم لك.
ضحك متهكمًا ثم صرخ بهم:
- فليفعل كل شخص ما يحلو له أنا لن أتدخل في شيء، ولكن عقب عودته ليبحث عن مكان آخر وينسى أن له عائلة!
*****
أتعلم ما الأسوأ من الوحدة في نطاق الأصدقاء، أن تكون وحيدًا في وسط عائلتك، لا تستطيع أن تخبرهم بيومك ولا بما حدث معك، أن تتحدث عما يريدونه فقط وأن تحقق كل ما يريدونه دون أن تعبر بوابة الحلم الذي اخترته في السابعة.. أن يظل كل شيء خراب لأنك لا ترغب في أن تكون عاقًا!
لذلك نخلق لأنفسنا عالم آخر سواء كان في الهاتف أو في الجلوس بالخارج، يصبح المنزل فندقًا نقيم به في الليل وبمجرد أن يأتي الصباح يخرج كل شخص إلى وادٍ جديد.. ذهب كل منهم في وادي هاتفه يعبث به، «تقى» في حجرتها و«سمير» إلى غرفة أخيه لينام في سريرهم المشترك، اتصل على رقم أخيه لكنه كالعادة لم يجِبه، قرر الاتصال على الثلاثة الباقين ولكن دون جدوى، ظل يهاتف «طارق» حتى أجابه أخيرًا بنبرة متعبة:
- «سمير» لنتحادث في وقت لاحق.. سأهاتفك بعد قليل.
سمع في الخلفية صوت أنثوي يتحدث بالتركية:
- Sen Muhammed'in arkadaşı mısın? şimdi uyandım هل أنت رفيق محمد؟ لقد استيقظ الآن.
هتف «سمير» بنبرة حادة:
- لماذا لا يجِبني أحدكم! لن تغلق الخط، لنتحادث الآن! أين محمد؟
- إنه يسأل عنك باستمرار في غرفته هناك.
قالتها «ايجه» وهي تقترب من «طارق» فأغلق الخط ثم ركض نحو الحجرة ليجده مستيقظًا ولكن جسده موصل بالمحلول، هتف بتساؤل:
- هل أنت بخير؟
- نعم.. أين زينب؟
صمت الاثنان بينما دلف رجل الإنقاذ يقول:
- سلام.. يقولون أن من الممكن أن الأمواج جرفتها إلى مكان آخر.
نظر «محمد» حوله وقد باتت رؤيته مشوشة بعض الشيء، ألم يستطيعوا إيجادها كل هذا الوقت؟ هل تأذت؟ تجمعت الدموع في مقلتيه فأغمضهما وهو يحاول التفكير ولو قليلًا ولكن غزا عقله محادثته في الليل مع «طارق» الذي بدأ ينظر له محاولًا التهوين عليه.. كانت «زينب» دائمًا الشخص المكروه في وسطهم، حتى إذا صادقوا غيرها وتجمعوا في مكان ما تصبح الجلسة باردة بينما هي تقلب كل حديث ليصبح عنها فقط.
كانت غرفة المستشفى بها أكثر من فراش ومتجمع بها عدد لا بأس به من المرضى موصل في أوردتهم محاليل وأسرهم تلتف حول الفراش، خرجت «ايجه» من الغرفة لتذهب إلى الحمام وهي تشعر بالاختناق، بينما جلس «طارق» بجوار صاحبه على الفراش، هتف أولًا:
- لم يكُن خطأنا.. «ايجه» قطعت حزام لوحها!
- ولكننا من صممنا الخروج للتزلج على الرغم من علمنا بوجود دوامات ومد وجزر!!
دلفت «ايجه» حينها إليهم بينما هو ينهي حديثه ثم قالت:
- هل جميعنا تشاركنا في أذيتها؟ لماذا أخذناها برفقتنا إذًا؟
******


أمام الكوخ
«المشكلة هي أن يكون المرء دائمًا ينادي (نفسي نفسي) وينتظر من الناس أن يصرخوا باسمه في كل مرة يحتاج فيها لشيء!»
وقفت أمام الكوخ لا حول لها ولا قوة، تنظر إلى الرماد المتناثر من الأوعية بغير وعي، اختفى كل شيء ولم يتبقَ إلا المزيد من الأتربة! ظلت تنظر للمكان بضيق ثم دلفت فوجدت الحقيبة والكتاب أمامها، أمسكت بالكتاب تقلبه بين كفيها ثم أغمضت عينيها وفتحت صفحته الأولى.. وجدت كتابة الفصل الأول!
الفصل الأول
الرحلة الفردية صعبة على الرغم من أنها رحلتك في القبر، ولكن في الدنيا الأمر مختلفًا، تسير مئات الأميال بمفردك على الرغم من وجود المئات يسيرون في الطريق نفسه، اخترت أن تسير بمفردك فتحمل العناء الذي ستحصل عليه في دنياك!
بمجرد عبورك بوابة (أرض الغول) لا يوجد ما يسمى وحدة، الوحدة تعني أنك لن تستطيع فعل أي شيء، لا أن تتحرك خطوة في اتجاه طريق العودة ولا أن تفعل شيئًا بنفسك، بما فيه تنظيف كوخك الذي حصلت عليه، حتى ذلك المعاون الذي وُهِب لك سيغادرك بمجرد أن تخبره أنك لا تحتاجه.. في الصفحة التالية خريطة حية ترشدك إلى الأماكن التي ترغب في الذهاب إليها.
******
نظرت إلى الصفحة التالية فوجدت أسهم تدل على الحركة، خرجت أولًا لتبحث عن مكان بيع المياه لتنظف ذلك الكوخ، فوجدت رجلًا يجلس على الأرض ومعه أوعية فارغة، لا يقوى على الحركة، ناداها بصوت خافت فنظرت له بتدقيق، يرتدي ملابس شبه رثة وجسده هزيل، شعره أبيض وجفونه وكأنها سقطت على وجنتيه النحيلتين، اتجهت صوبه وهي تقول:
- هل من الممكن أن تعيرني وعاء؟
هز رأسه وهو يقول:
- بالطبع ولكنني أحتاج المساعدة، أرغب في ملء هذه الزجاجات من الساقي في آخر الطريق لكنني أعجز عن السير بمفردي.
احتارت لكنها تذكرت سطور الكتاب عن أن الرحلة ليست فردية فقررت مرافقته إلى نهاية الطريق، سألته وهي تنظر إلى الكتاب في يدها:
- وهل تعلم مكان الساقي؟
- أليست معكِ تلك الخريطة لتدلنا؟ لا تقلقي لن نسير لمدة طويلة.
رافقها العجوز في سيرها متأنيًا بينما هي تتطلع للطريق، كلما ساروا أكثر كلما بدأت الأرض حولهم تنبت خضرة ويظهر ضوء خافت.. فكما تعلم هذا المكان دائمًا ليل!
جلس العجوز مرة أخرى ولكن هذه المرة على الخضرة وهو يمسك قدمه اليمنى، ظلت تسير لكنها توقفت فجأة وعادت بنظرها للخلف، بدأ الارتباك يظهر على وجهها صوت يقول (استمري في طريقك) وآخر يخبرها أن تعود (الرحلة ليست فردية) فحسمت أمرها وركضت نحو العجوز مرة أخرى فقال:
- اجلسي نستريح من عناء الطريق.. سِرنا لمدة طويلة.
جلست أمامه تنظر لملابسه الذي تصبح أسوأ في كل لحظة تمر، ثم قالت بتساؤل:
- لماذا ملابسك تتلاصق بها الأتربة سريعًا على الرغم من أن ملابسي نظيفة؟
كان فستانها الأبيض ناصع البياض على عكس ملابسه التي تحولت للون بني فاتح من أثر الأتربة، ابتسم العجوز ثم أشار إلى نفسه وهو يقول:
- أعتقد أنها نهاية الرحلة.. لننهض مرة أخرى.
- لم تسترِح!
باتت ابتسامته وكأنها من خلف دموعه لكنه بدأ سيره وهي بجواره تنظر للخريطة التي يظهر عليها نقاط تشير إلى مكان بيع المياه، بدأ العجوز حديثه يقول:
- سأعلمك ما علمني إياه «الأعمش» لعلكِ تقابلينه ذات مرة.. هذه ليلتك الأولى؟
كانت ملتزمة للصمت تسمعه بينما تسير فقال:
- إذا ضللتِ طريقك قفي مكانك واطلبي من الكتاب أن يرشدك الطريق للعودة، فإما أن يخبرك بالطريق إلى الكوخ الخاص بك وأن يدلك على طريقٍ آخر ينقلك لمرحلة أخرى.
وجدت نفسها فجأة أمام كوخ صغير مطل على بحيرة فقالت باستهزاء مستنكرة:
- أتتحدثون عن المعاونة والرحلة الفردية ونحن سِرنا كل هذا الطريق من أجل بحيرة!
- لا يستطيع أحد الاقتراب من الماء غير صاحب الكوخ فلا تؤذي نفسك.
هزت رأسها وهي تقول:
- أنا خرجت من المياه قبل مدة وأرشدني «سليم» إلى الكوخ.
خرجت فتاة من الكوخ تنظر لهم وفي يدها أوانٍ مملوءة، رحبت بالعجوز ثم أعطتهم له وهي تقول بابتسامة مشرقة:
- عودة حميدة.
أخذت هي الأواني الخاصة بالعجوز بينما يتحدث ثم اقتربت من البحيرة لتملأها لكنها سقطت في المياه لأنها لم تستطع رفعهم عنها.. شعرت بأن شيء ما يسحبها لأسفل وانتهى بها الأمر فاقدة للوعي مرة أخرى!

في المكتبة
حال كل مكتبة، المكان صامت للغاية.
كان جالسًا أمام العجوز بينما يرتب الكتب كل واحدٍ في مكانه، استعجب من أنه دائمًا يرتب الكتب على الرغم من أن لا أحد يزور المكتبة في الأساس! سمع صوت باب المكتبة ينفتح ودلفت فتاة الكوخ ومعها شاب هزيل، جلس الشاب أمام العجوز على كرسي المكتبة بينما هي همست بشيء فانصدم العجوز ثم اتجه نحو الشاب ومعه حقيبة فجعله يتجرع الزجاجات التي بها كلها.
- أليس شرب كل هذه الزجاجات خطر؟
قالها «سليم» وهو ينهض من مكانه بينما هتف العجوز:
- أنا الحكيم هُنا، لا تنسَ ذلك.
جلست الفتاة أمامهم وقد كان فستانها باهت اللون فقال العجوز:
- ألم تتجاوزي مرحلة الخطر تلك؟
- لربما أعود مع قمر العجوز قريبًا.. أصبحت ملابسه رثة وجسده هزيل.
ظل «سليم» يشاهدهم بعدم فهم بينما نظر لملابسه والتي تبدو له ناصعة البياض، لماذا أصحاب الملابس الرثة يغادرون؟ نهض من مكانه ثم اتجه إلى رف كتب الجغرافيا يتطلع إليها حتى وجد كتاب «أين نحن؟ -الواقع المرير+» موضوع في مكانه، أمسك به وهو يعقد حاجبيه، هو يعلم أن طالما هذا الكتاب برفقة شخص فلا يوجد منه نسخة أخرى، التفت يقول للعجوز بتساؤل:
- كيف عاد هذا الكتاب إلى هُنا؟
نهضت الفتاة هي الأخرى تقترب منه ثم قالت وهي تنظر إلى الغلاف:
- انظر إلى البلل هنا.. من الواضح أنه عاد لأن تلك الفتاة الشمطاء لم تخرج!
في نفس الوقت بينما هو على وشك الحديث، دلف صاحبه يصرخ:
- الأمواج تعالت وأغرقت عدة أكواخ من بينها كوخ الوافدة!
- ساعدها قمر العجوز في الوصول إلى المياه لكنها قررت أن تملأ من البحيرة بمفردها وذلك كان العقاب لها ولمن غادروا دون مساعدتها من قبل.. أي أبله يأتي إلى هُنا ويرفض أن يساعد شخصًا غريبًا، أي أبله يرفض المساعدة بوجه عام؟ في نهاية الفصل الأول كتب «سالم» أن كلما خاض الفرد رحلته بمفرده يؤذي غيره بسبب الأنانية المفرطة... نحن هُنا لنعمر.
قاطعها «سليم» ثم قال:
- ولكن ينبغي علينا أن نبحث عنها.. لعلنا نكون نحن المعمرون!
أنهى جملته ثم خرج برفقة صاحبه يأخذا قاربهما إلى البحيرة التي أنشأتها الأمواج الجديدة، وصلوا فوجدوا معظم الأكواخ نصفها في الماء والنصف الآخر يظهر من فوق كأنه كوخًا عائمًا، وصل إلى أكثر الأكواخ قذارة ثم أوقف القارب ودلف فوجدها نائمة على الأرضية وملابسها قد مُزِقت، جسدها به ندوب صغيرة والحقائب وكل شيء على الأرض.. وعلى الرغم من كل هذه المياه إلا أنها لا تشعر بها تدخل في أذنيها أو تتحرك من فوقها، رفعها «سليم» نحو الأريكة ثم أمر صاحبه أن يحضر له حقيبة من القارب ويغادر بعدها، أمسك بزجاجات الحقيبة يفرغها في فمها عنوة حتى فتحت عينيها تقول:
- أنا هُنا مرة أخرى؟
أنهت جملتها ثم أجهشت في بكاء مرير فهي سئمت ما يحدث وهذا المكان، ترغب في العودة إلى عائلتها مرة أخرى ولكنها لا تعلم ماذا تفعل.
3 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.