---
مرّت الأيام، ورغم قرار "روح" بالابتعاد، كانت تشعر أحيانًا وكأنّ طيفه لا يزال يمرّ في زوايا حياتها. غير أنّ يقينًا جديدًا كان قد استقرّ في قلبها. كانت قد عزمت ألّا تعود إلى ما مضى، أن تترك الماضي بكل تفاصيله، وتُغلق الباب خلفه دون رجعة.
وفي أحد الأيام، فوجئت برسالة من سليم. كلماتها بسيطة، لكنها بعثت شيئًا دفينًا من الذاكرة، شيئًا ظنّت أنّها قد دفنته إلى الأبد:
"روح، أفتقدك. أظنّني أفهمك الآن أكثر من ذي قبل. تغيّرت كثيرًا. أرجوكِ، أودّ أن أراك."
قرأت الرسالة مرارًا. الكلمة تُحرك شيئًا ما في صدرها، لكنّ الذكرى كانت أقوى. تذكّرت الألم، وتذكّرت اللحظة التي قرّرت فيها أن تضع الله أوّلًا في حياتها. لم يعد هناك مجال للعودة، فالمكان الذي كانت فيه قلبها لم يعد يسعه.
"ما الذي تغيّر يا سليم؟" همست لنفسها، "ماذا عساك تقول الآن بعد أن انكسر كل شيء؟"
كانت الأسئلة تتوالى في رأسها، لكن القرار كان قد نضج في قلبها. قرار تجاوز مرحلة، وترك ماضٍ لم يُعد لها.
"لا... لن أعود. سليم لم يكن الرجل الذي تمنيته. وأنا اليوم لست الفتاة التي كنتها. الله أولى بقلبي."
كان في صوتها حزمٌ لم تعهده من قبل. لم يكن القرار سهلًا، لكنّه كان واضحًا. قلبها لم يعد مستعدًا أن يُمنح لمن لا يصونه.
رنّ هاتفها مجددًا. رسالة أخرى:
"روح، أعترف أنّي أخطأت، لكني تغيّرت. أريد أن أبدأ من جديد."
لكن "روح" لم تتردّد. كانت الإجابة ممهورة بالإيمان هذه المرة، لا بالحب وحده:
"لقد غفرت، لكن لا يمكنني العودة. هذه المرة، أنا من يحمي قلبي."
سال الدمع من عينيها، لا ضعفًا، بل وداعًا. كانت دموع الوداع الأخير، دموع الوعي المتأخّر، واليقين المتأصل.
"سليم، أعطيتك قلبي يومًا، لكنني اليوم أختار أن أحتفظ به لنفسي، لله، للسلام الذي أبحث عنه."
أغلقت هاتفها، وتنفّست بعمق. شعرت بشيء جديد، شيء لم يكن حزنًا... بل كان سلامًا.
ومع مرور الأيام، أدركت "روح" أنّها بدأت تتغيّر. لم يعد الحزن يثقلها، ولم تعد تلتفت إلى الوراء. كانت تمشي نحو النور، بثقة امرأة تابت، واختارت الله أولًا.
وفي لحظة تأمّل، تذكّرت تلك الأيام التي كانت تعتقد فيها أنّ سليم هو كلّ الحياة. لكن قلبها الآن كان يهتف:
"الله هو كلّ قلبي، هو من يستحقني، وهو من سيهديني لما فيه خيرٌ لي."
لقد فهمت أخيرًا أن التضحية من أجل حبّ هشّ، كانت خُسارة... لكن التوبة كانت مكسبًا عظيمًا.
فتحت صفحة جديدة، صفحة لا يحملها اسم أحد، سوى اسم الله. صفحة بيضاء تبدأ منها من جديد، تمحو بها آثار حبٍّ قديم، وتكتب سطورًا بحبرٍ من رضا، وتوقّعها بكلمة:
"يا رب، خذ بيدي إليك."
---