my3sam

شارك على مواقع التواصل

وقفت عند باب الصالة، مترددة قبل أن تتحرك.
أمّها كانت تجلس على الأريكة، يديها متشابكتان في حجرها، وكأنها تفكر في شيء جمعته بصعوبة طوال الليل.

لم تكن الأمّ من النوع الذي يفتح الأحاديث بسهولة…
كانت دائمًا الحصن الصامت في البيت، الثابتة التي لا تنكسر ولا تبوح.
لكن اليوم، بشيء لا تعرفه، كانت مختلفة قليلًا… نظرتها أكثر نعومة، وقلقها واضح رغم محاولاتها إخفاءه.

اقتربت البنت وجلست بهدوء، تنتظر أن تتكلم أمها أولًا.

بعد لحظات، قالت الأمّ وهي تنظر إلى يدي ابنتها:
"انتي كويسة؟"

كانت جملة بسيطة… لكنها سقطت عليها بثقل.
كم مرة تمنّت أن تسمعها؟
كم مرة بكت في صمت وهي تتمنى فقط سؤالًا واحدًا بهذا الشكل؟

ابتلعت ريقها وقالت:
"آه… كويسة."

رفعت الأمّ رأسها ونظرت مباشرة في عينيها.
"لا… مش كويسة."

تجمدت الكلمات في حلقها.
لم تعرف ما الذي يُفترض أن تقوله… ولا كيف عرفَت أمها الحقيقة من بين كل شيء أخفته عنها.

تنهدت الأمّ وقالت بصوت منخفض:
"أنا عارفة إن اللي حصل مش سهل. بس اللي ليّ عايزاكي تعرفيه… إنك مش لوحدِك."

انقبض قلبها.
هذه أول مرة تشعر فيها أن أمها لا تعطي نصيحة… بل تمد يدًا.

لكنها لم تستطع الإمساك بها.
الصوت القديم، صوت الذكريات، كان يضغط على صدرها.

قالت بهدوء متوتر:
"ماما… أنا بس محتاجة وقت."

هزّت الأمّ رأسها تفهّمًا، ثم قالت:
"ماشي… بس إوعي تضغطي على نفسك. وإوعي ترمي نفسك في حاجة علشان تنسي حاجة تانية."

كانت الكلمات موجّهة بدقة… كأن الأم تعرف أكثر مما تُظهر.
كأنها ترى الشرخ الذي تظن ابنتها أنها تخفيه جيدًا.

لم تستطع الرد.
لم تستطع الاعتراف.
فقط نظرت إلى الأرض.

وبدون موعد، عاد هاتفها يهتزّ داخل جيبها.
أغمضت عينيها لثانية—ثانية واحدة فقط—لكنها كانت كافية كي تعرف أن الرسالة ليست من أحدٍ آخر.

أمّها لاحظت الارتباك.
ولوهلة قصيرة، لوهلة خاطفة، بدا على وجهها شيء يشبه الفهم… وربما الحذر أيضًا.

قالت الأمّ:
"لو الحاجة دي هتوجعك تاني… اقفلي بابها قبل ما تتفتح."

رفعت البنت رأسها بتفاجؤ.
"إنتي… فاهمة إيه؟"

أجابت الأمّ بصوت ثابت:
"فاهمة إن في حد من الماضي رجع.
وفاهمة إنك مش جاهزة."

تسارعت أنفاسها قليلًا…
فالأمّ كانت دائمًا تحزر، دائمًا تراقب، دائمًا تلاحظ… لكن لم تعترف يومًا بهذا القدر من الوضوح.

قبل أن تُكمل الأم، نهضت الابنة بسرعة:
"ماما… أنا محتاجة أخلو بنفسي شوية."

لم تنتظر ردها.
مشت نحو غرفتها بخطوات مُسرعة، كأنها تهرب من سؤال كان سيسقط دفاعاتها كلها.

دخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها.
أسندت ظهرها إليه، وأخرجت الهاتف.
رسالة جديدة.

"أنا عارف إنك شوفتي مكالمتي… لو تقدري، ردّي."

ارتعش قلبها.
أحست بصوت خافت في صدرها يقول:
"ليه رجعت دلوقتي؟"
"بعد ما خلّيتني أبني حياتي من غيرك…"
"بعد ما نسيت… أو حاولت أنسى."

جلست على السرير، ممسكة الهاتف بين أصابعها.
وفي اللحظة التي كانت على وشك فيها أن تحذف الرسالة…
ظهر إشعار آخر.

"أنا محتاج أكلمِك… بس دقايق. مش أكتر."

سقطت يدها على السرير.
وعادت الذكرى الأولى…
ذكرى لمست قلبها قبل أن تلمس عقلها.
ذكرى لم تحتمل مقاومتها.

كانت تلك اللحظة الصغيرة…
بداية العودة إلى كل ما حاولت تركه خلفها


"تعليق بسيط منكم يشجعني أكمل ♥"
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.