my3sam

شارك على مواقع التواصل

كانت رائحة الفطور تعبق في أرجاء البيت... رائحة خبزٍ طازج ونعناع مغلي، رائحة اعتادت أن تثير في قلبها شيئًا يشبه الحنين.
لكنّها اليوم بدت غريبة... كأنها تأتي من بيتٍ آخر لا تنتمي إليه.

هبطت السلالم بخطوات بطيئة، ولمّا وصلت إلى المطبخ وجدت أمّها تقف أمام الموقد، منشغلة بتقليب البيض كما تفعل كلّ صباح.
لكن المرأة-بعينيها الثابتتين ووجهها الذي لا يشي بالكثير-لم تكن تعرف أن ابنتها تحمل عالمًا كاملًا من الاضطراب تحت هذا الصمت.

التفتت الأمّ دون أن تنظر إليها مباشرة:
"صحّيتي؟"

أومأت فقط.
جلست إلى الطاولة، وأمامها كوب شاي لم يضفِ عليه النعناع أي دفء.

قالت الأمّ، بنبرة معتادة لا تحمل عتابًا ولا مواساة:
"سمعت اللي حصل أمس..."

تجمدت يدها على الكوب.
لم تعرف ما إذا كان هذا اعترافًا ضمنيًا بأن أمها كانت تعلم أنه لا يناسبها... أو اعترافًا بأنها لم تعرف شيئًا على الإطلاق.

انتظرت.
لكن الأم واصلت كلامها ببساطة مؤلمة:
"يمكن ربنا شايل لك الأحسن."

ارتعش شيءٌ بداخلها-شيء يشبه الحاجة إلى البكاء، لكنها لم تبكِ.
لم تكن تبكي أمام أحد... حتى أمها.

قالت بصوت خافت:
"أنا... أنا تعبت يا ماما."

للحظة، رفعت الأمّ رأسها ونظرت إليها نظرة قصيرة، لكنها حقيقية... نظرة جعلتها تشعر بأن كل الليالي التي ظنت أن أمها لا ترى فيها ألمها، لم تكن صحيحة بالكامل.

اقتربت الأمّ قليلًا وسألت بهدوء:
"تعبانة من إيه؟"

وهنا صمتت الفتاة.
ترددت الكلمات على شفتيها: من خطوبتي... من نفسي... منه.
لكنها لم تجرؤ أن تقول أي شيء.

فقط هزّت رأسها، فتنهدت الأمّ وعادت إلى مكانها.

انكمشت الفتاة على نفسها أكثر.
أرادت أن تصرخ:
"أنا مش تعبانة من اللي فات... أنا تعبانة من اللي بيرجع...
اللي بيفضل عايش جوايا حتى وأنا بقول إني نسيته."

لكن الصوت ظل حبيسًا في صدرها.

كانت تعتقد أن الماضي انتهى.
لكن الحقيقة...
أنّ الماضي يعرف كيف ينتظر.

وبينما كانت تغمض عينيها محاولة أن تبتلع طعم المرارة، دوّى هاتفها على الطاولة... اهتزّ اهتزازًا واحدًا قصيرًا، كأنه نبضٌ عاد بعد توقف.

نظرت إلى الشاشة.
اسمٌ لم يظهر...
لكن الرقم؟
رقمٌ حفظته ذاكرتها قبل قلبها.

تجمدت.
الهواء ثقل، والمطبخ ضاق، والوقت توقّف لحظة واحدة فقط... لكنها لحظة غيّرت كل شيء.

هاتفها يرن.
والماضي يطرق الباب.

"تعليق بسيط منكم يشجعني أكمل ♥"
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.