AlaaTabbal

شارك على مواقع التواصل

أنا الأخرى اكتسبتُ قدرة سحرية بالخضوع للرِّقِّ. وَليُّ نعمتي لطخني بالمَنِي أَلْقَمني المَنِي صَيَّرني مَنِياً.. فعل ما فعله في المستعمرة ليُكافئني، وهبني ابنتي معجزةً لي وحدي. خبأ الذَّكَر في الرَّحم ما ذَلَّه.
طعنتُ خصيتا البِشر بالشَوْكة، ومع كل طعنة يعلو الضحكُ... خافتْ الأم أن تؤذي الرضيعة ورايلي فتوقفتْ حين استحال العضو شِلْواً. لم يتدخل الأب شَهِدَ ما جرى صامتاً، أبدى القليل من الاستياء ووبَّخ كلبة الهافانيز أول حيوان انتمى للأسرة... قبض فير سيز على يدي بحنو، قَبَّلها ثم قَبَّل خدي كما تُقبَّل الزوجة الحبيبة. زايلني الشعور بأنني عَبْدة رخيصة واستخفني السرور. وضعتُ كلوي في المَهْد، أحضرت عُدَّة الحلاقة اليدوية.. صعدت المائدة وأرغمت فير على الصعود فتخدَّش زجاجها وسقطتْ الأواني، سَرَح بي الخيال وأنا أُداعب وأشذب لحيته المهيبة... لم أتوقف عن معابثته بعينيَّ وهو يتحدث عن ثمن معجزته الأخيرة فتضاحك طِيلة حديثه...
يستحيل أن تنسى أولغا ما حصل في ذلك الصباح. وَصَفَ المجرم فاقِد العضو بالتفصيل الممل كيف تدلَّى الذَّكَرُ ببساطة وخِفَّة إلى الأسفل، وكيف اختطفته كثيفة الوبر ورمته في طَبَقي... الحمقاء الغبية اكتشفتْ متأخرة ماهية قدرتها!... القدرة السحرية ما هي إلا حيلة، الحمقاء الغبية لم تهتم أبداً بمعرفة ماهية معجزة آيات الأخيرة!.. كل ما اهتممتُ به هو اندثار العصر الخصيوي...
اختلطَ دَوِيُّ أولغا بزعيق مكبرات الصوت في الخارج: الزموا الهدوء لقد اتخذنا ما يكفي من الاحتياطات، البلاد على أهبة الاستعداد. الرأي العام لن يسمح بالاحتل... الأمم المتح... سيبدأ الإخلاء في الحادي والثلاثين من أكتوبر. تَلا ذلك الإعلان دويتو سلام متشنج من تلحين ستيف أوكي يصيب السامع بالفُواق. ملكة البوب مادونا تنهق، والبيتبول البشري ينبح.

***
خلال الرُقاد عَادت الرؤى فير سيز. لحيته الكَثَّة التي لم يحلقها مذ طالتْ تحترق، شعر ذقنه ينبت من جديد مثلما تنبت أعشاب البُور، الشاربان اللذان حرص دائماً على جَزِّهما يسترسلان حتى صدره... زَكَمَ الشِّياط أنفه ففتحَ عيناه جافلاً، انحدرتْ الدموع تحاول إخماد النار المُضرَمة وترثي حاله. فير سيز مُكمَّمٌ مُقيَّدٌ عاجزٌ عن رد اعتباره وعارٍ.
غلى الدم في عروقه حين تابع النحاسيون إذلاله. خلعَ فيتوريو بنطاله البنفسجي وسرواله الداخلي وقرفص، تغوَّط وبالَ على فير سيز شاعراً باسترخاء لذيذ. عزف قِرد على الأكورديون ألحاناً عذبة وضجتْ المَلْحَمةُ المهجورة برقص غير متقن.
- رقصتم الهيب هوب وليس البولكا يا أعزائي. مسحَ فيتوريو اسْتهُ بمناديل ورقية، ثم سحب الخِرقة المتسخة من حلقِ فير سيز فأوغلَ في الشتم. يا نَجِس! هذه الافتتاحية لا غير. ألقمه المناديل الرطبة منديلاً تِلو المنديل، ثم دهنه بقَذَرِهِ.
أوعز إليهم أن يبدأوا بتنفيذ الشِّقِّ الأول من طقوس العَزَاء، ثم هرول مبتعداً يُمسك البنطال والسروال بيد ويُبعد الذبائح النتنة المعلقة بالأخرى.
أبخرة البخور تتصاعد بقوة من مَجَامِر لا حصر لها، طبول صفيحية تُلهب ضرباً بعصي ثخينة، كُلَّابات وجنازير وسياط حديدية حامية، طُشُوت ماء غالٍ وطُشُوت ماء صاقعٍ... اِستعاذَ فير سيز جِهاراً من المَشاهِد والأبالسة بالله وهو يُبصر بشكل استباقي الفظائع التي سترتكب بحقه. صَوَّتَ المُستضعَف عندما بدأتْ القرود بتعليقه من لوحيِّ كتفيه وسط اللحوم الفاسدة، خار خُواراً مُزلزِلاً خار كما يخور قطيع هائج من الثيران حين انهالت عليه السياط المُحمَّرة. »يَٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ...« توقف التعذيب فجأة فتهللت أساريره المَسْلوخة، بَرَقَتْ قُزَحِيَّتاه وتجلتْ فرحة الانتصار فيهما. مُنِي بهزيمة نَكراء بُعيد قليلٍ، أوقف صوت فيتوريو القرود قُبيل لحظات ليذكِّرهم بأن القصَّ والفَقْء والجَدْع والصَلْم من نصيبه.
الآيات لم تفلح مع آيات هذه المرة، ولذلك التجأ إلى القائدة العامة للجيوش والقوات المسلحة اللاتينية المتحدة. رتَّل الطلاسم والتعاويذ بحرارة ففقد الإحساس بالواقع. ألفى جسماً مشوهاً غريباً عنه أثناء تساقطه، ألفى جسماً جلده منتفخ مَوْشوم بعلامات يبدو أنها سترافقه طويلاً، وحلمة ثديه الأيمن مقصوصة...
بَهِتَ فيتوريو، فير سيز صار ساكناً هادئاً مطمئناً. التعذيب الجسدي الذي تجرعه صيَّره إلى هذه الأحوال.. ربما... أمر قروده بحدة أن يبدأوا بتنفيذ الشِّقِّ الثاني من الطقوس، ثم تناول الحلمة المقصوصة وازدردها على مرأى منه. ناول نحاسيٌ فيتوريو مُسجِّلاً.
- قُلْ: القِردة النحاسيون أسيادي، أتوسل الأوروبيين أن يغفروا ذنوبي.. قُلْ ما قلته لأُبقيك على قيد الحياة.
- لم تحن ساعة وفاتي بعد يا عزيزي.. رب العالمين زارني بعد غياب طويل بعد دَهْر، بعد قُرباني المقدس...
طبطب فيتوريو على المتورم ولفه بعلم قوس قزح عريض.
- لم آمُرُك بقول خرافاتك! تشجنتْ عضلات وجهه، أخذ بخِناقه. قُلْ ما قلته لك.. تذلل لأسيادك... ابكِ يوهان! سنبصق على ابنتك!
- ابنتي؟! الكبيرة أم الصغيرة؟.. ابصقوا على علمكم علم الشواذ!
فقد القِردة رشدهم، أمسك فيتوريو بساطور ليجدع أنف فير سيز. ارتجفوا، زلزلهم هدير دبابات إم ون أبرامز وطائرات لوكهيد إي سي ون هاندرد آند ثرتي.
- يريدون فير سيز فليأخذوه إذن!... فلنفر بجلودنا من هذا المكان!
خبتْ الأصوات إلى أن تلاشت حين خلَّفوا المَلْحَمة. فكت الابنة إسار أبيها وعانقته، خفَّف فير سيز عنها:
- لا يستوي الأعمى والبصير... أرجوك لا تغضبي، وفِّري طاقاتك للخلاص، لا تغضبي أرجوك لقد قلَّدتِ ما يخيفهم ببراعة... أنا سأذيقنَّهم العذاب... الخلاص للمخلص لا خلاص بلا مخلص!
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.