صباح شتوي متكامل .. بقايا قوس قزح يرشف من عين الشمس .. علَّها تمنحه نصيبا من الدفء .. تمتزج دندنة الأمطار ببقايا حروف رقراقة على شفتاي "يُسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات" .. تتمايل من ناحية ثم تموج وتعلو فأسكبها، ها هي قهوتي بالبندق جاهزة لتكمل صباحي البنفسجي.
أصحبها إلى شرفة طالةً على سفح الهرم، وفي طريقنا تقابلنا مؤنستي (المرآة) تجاور شعاع الشمس. أقابلها، ابتسم كعادتي، وألقي التحايا. عجيبة!! وحدها تثني على عينيَّ ولمعتهما التي لا تنطفيء. أشاغبها وأتمايل فتعكس الضوء على خيوط فضية تزين جانبي رأسي، لجين يزيد الخمرية إشراقًا.
أقُصُّ على قهوتي ذكرى انعكاس الشمس على أول خيوط الوقار، أمازحها عن حمق أيام ولت. ها قد مرت عشر كاملة.
أفزعتني أولاها .. ثم زاحمتها أخريتان .. ثم زادتهم السنون .. وناصرتها الأحداث؛ فنسجوا تاجًا رومانيًا مكللًا بأوراق الغار.
يدهشني كيف صالحتني الأيام مع خيوط شعري الفضية، متى تبادلنا التحايا؟! بل بتُّ أرقبُ يوما بعد يوم غزلها الفضي بسحره الأخَّاذِ. تُرى، لِمَ تستنكر النساء يد الزمن وتشكوه إن هو يومًا صبغ الشعر بالفضة ! وكسى الوجه بآثار ضحكات أيام مضت.
أوليس لهذا النسج الفضي قصة وحكاية، نرويها يوما ما أو يروونها عنا. حينما كانت صفحتي بيضاء طوع يد الزمن، لا خطوط لا قيود لا ندم. هيت لك أولى خطواتي وعثراتي، أولى ضحكاتي وعبراتي. كنا نرقب الأرض وهي تسبح في فلك الشمس، حتى استقمتُ من بعد انحناء.. يا زمان هات ما عندكَ.
وها هي الأرض تسبح في فلك الشمس. عواصف ورياح ومطر .. فرح وقرح وضجر .. خنجر في القلب وآخر في الظهر .. وارتسمت بداية العمر.
ومن جديد الأرض تسبح في فلك الشمس. ينقش الزمان جراحه على جدار خافقي، ويصبغ جدائلي بسنواته، ويهدم مدنًا كانت يوما مصدرا للحياة. وها أنا ذا، أربعينية اكتملت خرائطي.