تَتَّكِأُ بمرفقها إلى وسادتها المفضلة قرب شرفة تطل على الشارع المفتوح .. تائهة بلا وجهة .. شاردة في فضاء زمان فات .. تراقب الطيور تارة وحركات المارة أخرى.
صفحة وجهها تعكس حروب وخطوب مرت بها ومرت هي من خلالها .. أوقات بِشْرٍ وأوقات شدة .. خطوط فرحة في محيط العيون .. وخطوط طول بين الحاجبين.
خريطة زمنية رسمها الزمن بحكمته وحفرها بصبر على وجه جدتي.
تمضى الخطوب .. وتنقضي السنون فيستَحِلُّ الزمان أجسادنا ويحيلها لخارطته الخاصة .. مفاتيح خريطته وخطوطه تشير إلى مفارقات تكاد تُذهب العقل.
هنا خذلان وخيبة أمل يوم ودَّعَنا عزيزٌ مفارق .. هنا مَرَّ صديقٌ مؤتمنٌ؛ فأفشى سرا، وها هنا رقد حبيبٌ لم تفارقنا روحه رغم تيه الجسد بين الإحداثيات، حملت بوصلة زمانها بداخلها، لكنها حرفت الاتجاهات وبدلتها، فتارة تشير إلى الماضي، وأخرى تتجه إلى الحاضر، ثم تركب متجهة إلى شطآن الماضي مرة أخرى، بادرته جدته:
- هل تذوقت صينية قرع العسل، تقطر شهدا، أم تراك تنتظر جدك؟!
- لنأكلها سويا، ونصنع له غيرها.
- كان يحبها رحمه الله.