أهدي هذا الفصل لمتجر بوكسأوفواندر بمدينة نيويورك، أقدم وأضخم متجر كتب
« تور بوكس » أطفال في مانهاتن. يقع على بُعد بضعة مربعات سكنية من مكاتب
أنسل خلسة دائمًا لزيارة ،« تور بوكس » في مبنى فلاتيرن. وكل مرة أذهب فيها إلى
بوكس أوف واندر للاطلاع على ما يزخر به من كتب أطفال جديدة وقديمة ونادرة.
ولا يكف متجر ،« آليس في بلاد العجائب » أعشق جمع الإصدارات النادرة لقصة
بوكس أوف واندر عن إبهاري بإصدار محدود جميل لهذه القصة. ينظم المتجر
كذلك عددًا هائلًا من الفعاليات للأطفال، ويتمتع بواحد من أكثر الأجواء جاذبية
مقارنةً بأي متجر آخر للكتب دخلته.
قاداني إلى الخارج حتى وصلنا إلى ناصية الشارع حيث وقفت سيارة شرطة لا تحمل
أية علامات، لكن لم يصعب على أحد في ذلك الحي اكتشاف أنها كانت سيارة شرطة؛
كبيرة الآن بعد أن وصل « كراون فيكتوريا » فالشرطة وحدها هي التي تقود سيارات
سعر جالون البنزين إلى سبعة دولارات، كما أن رجال الشرطة وحدهم هم الذين يمكنهم
الانتظارصفٍّا ثانيًا في منتصفشارع فان نيسدون أن تَسحب سياراتهم قُطعان سيارات
السحب الضارية الخاصة بالمرور، التي تجوب الأرجاء وتقوم على تطبيق قواعد الانتظار
غير المفهومة بسان فرانسيسكو، وجمع الغرامات لإطلاقسراح سيارتك بعد سحبها.
امتخط الرجل الذي كان المخاط الجافعلى أنفه. جلست في المقعد الخلفي برفقته. أما
زميله، فجلسفي المقعد الأمامي، وأخذ يكتب بإصبع واحد على كمبيوتر محمول قديم مُجدَّد
الأخ الأصغر
الشخصية الكرتونية التي من العصرالحجري — — « فريد فلينستون » بدا كما لو كان
أول مالك له.
لا نريد سوى أن نطرح » : فحصالرجل ذو المخاط بطاقة هويتي بعناية ثانيةً، وقال
«. عليك بعضالأسئلة الروتينية
كان من الواضح أنهماشرطيان، لكن لن يضر «؟ هل يمكنني رؤية شارتيكما » : قلت
أن أجعلهما يعلمان أنني أعرف حقوقي.
لوَّح ذو المخاط بشارته أمامي سريعًا، فلم أستطع أن ألقي نظرة جيدة عليها، لكن
زميله ذا البثرة الذي جلسفي المقعد الأمامي أتاح لي رؤية شارته جيدًا. رأيت رقم قسمهما،
وتذكرت رقم الشارة المكون من أربعة أرقام. كان سهلًا: ١٣٣٧ ؛ إذ يستخدمه قراصنة
.« الصفوة » أي ما يعني ؛« لييت » الكمبيوتر لكتابة
اتسم كلاهما بالأدب الشديد، ولم يحاول أيٌّ منهما إرهابي مثلما فعل ضباط وزارة
الأمن الوطني عندما كنت رهن الاعتقال.
«؟ هل أنا رهن الاعتقال »
«. أنت رهن الاعتقال لمدة قصيرة للغاية لضمان أمنك والأمن العام » : قال ذو المخاط
ناول رخصة القيادة الخاصة بي لصاحب البثرة، الذي نقل ما بها ببطء على
الكمبيوتر. رأيته يخطئ في الكتابة، وكدت أصحح له، لكنني رأيت بعد ذلك أنه من
الأفضل أن أظل صامتًا.
«؟ هل منشيء تود إخباري به يا ماركوس؟ هل ينادونك مارك »
كان ذو المخاط — على ما يبدو — رجلًا لطيفًا، «. يمكنك مناداتي ماركوس » : فأجبته
فيما عدا بالطبع اختطافه لي لأدخل سيارته.
«؟ هل هناك أيشيء تود إخباري به يا ماركوس »
«؟ مثل ماذا؟ هل أنا رهن الاعتقال »
«؟ لست رهن الاعتقال الآن، هل تود أن تكون كذلك » : فقال ذو المخاط
«. كلا » : فأجبته
الخاصة بك « فاست باس » حسنًا، نحن نراقبك منذ مغادرتك محطة بارت، وبطاقة »
«. تشير إلى أنك قد ركبت القطار لعدة أماكن غريبة في العديد من الأوقات غير المعتادة
على الإطلاق. لقد « إكسنت » أشعرتني كلماته بالارتياح؛ فلم يتعلق الأمر إذن بشبكة
كانوا يراقبون استخدامي لمترو الأنفاق، وأرادوا أن يعرفوا سبب اتسامه بالغرابة مؤخرًا.
يا له من غباء مطبق!
إذن، فأنتم تتبعون جميع من يخرج من محطات بارت ولديه تاريخ رحلات غريب؟ »
«. لا بد أنكم مشغولون حقٍّا
ليس الجميع يا ماركوس. يصلنا تنبيه عندما يخرج أي شخص له تاريخ رحلات »
غير معتاد، ويساعدنا ذلك في تقييم ما إذا كنا بحاجة للتحقيق في الأمر أم لا. وفي حالتك،
«. جئنا إليك لرغبتنا في معرفة سبب امتلاك فتى ذكي مثلك تاريخ رحلات عجيبًا كهذا
هكذا، وبعد أن اختفى شبح دخول السجن الذي كان يلوح أمامي، ازداد غضبي. لا
« مساعدتهم » يحق لهؤلاء الناس التجسس عليَّ … يا إلهي! محطة بارت ليس من حقها
؟« نمط رحلاتي غير المعتاد » في ذلك. أين أبلغت بطاقة مرور مترو الأنفاق خاصتي عن
«. أعتقد أنني أرغب في أن يتم اعتقالي الآن » : قلت لهما
رجع الرجل ذو المخاط بظهره إلى الخلف، ونظر إليَّ رافعًا أحد حاجبيه.
«؟ حقٍّا؟ وما التهمة »
«؟ حسنًا، أنت تعني أن ركوب المواصلات العامة على نحو غير معتاد ليس جريمة »
أغمضذو البثرة عينيه، وفركهما بإبهاميه.
انظر يا ماركوس، نحن نؤيدك فيما » : تنهد ذو المخاط على نحو مصطنع، وقال
تقول. إننا نستخدم هذا النظام للقبضعلى المجرمين والإرهابيين وتجار المخدرات. لعلك
وسيلة جيدة للتنقل في أرجاء المدينة « فاست باس » أنت نفسك تاجر مخدرات، وبطاقة
«. دون التعرف على هويتك
ما الخطأ في أن أكون مجهول الهوية؟ لقد استفاد من ذلك الرئيس توماس »
«؟ جيفرسن. وبالمناسبة، هل أنا رهن الاعتقال
«. لنأخذه إلى المنزل، ونتحدث مع والديه » : قال ذو البثرة
أعتقد أن هذه فكرة رائعة، فأنا موقن أنَّ والديَّ يتوقان لمعرفة أين تُنفَق أموال » : قلت
«… الضرائب التي يدفعانها
تماديت في حديثي. كان ذو المخاط يحاول الوصول إلى مقبض الباب، لكنه استدار
لماذا لا تخرس الآن ولا يزال ذلك خيارًا » . نحوي، وقد برزت في وجهه أوردته الخافقة
أمامك؟ بعد كل ما حدث في الأسبوعين الماضيين، لن يضرك كثيرًا التعاون معنا. أتعلم،
لعله ينبغي أن نقبض عليك. يمكن أن تقضييومًا أو اثنين في السجن بينما يبحث عنك
«؟ محاميك. والكثير يمكن أن يحدث في ذلك الوقت … الكثير. ما رأيك
لم أنطق. أصابني الدوار والغضب، وصرت مخبولًا فزعًا.
وكرهت نفسي للمرة الثانية لنطقي بها. ،« أنا آسف » : تمكنت أخيرًا من قول
انتقل ذو المخاط إلى المقعد الأمامي، وأدار ذو البثرة السيارة منطلقًا في شارع ٢٤
ثم إلى حي بتريرو هيل. لقد عرفا عنواني من بطاقة هويتي.
فتحت أمي الباب عندما دقَّا الجرس، مع إبقاء السلسلة مغلقة. ألقت نظرة خاطفة
«؟ ماركوس؟! من هذان الرجلان » : من ورائه، فرأتني وقالت
وأظهر شارته لها، مع السماح لها بإلقاء نظرة جيدة ،« شرطة » : أجاب ذو المخاط
«؟ هل يمكننا الدخول » . عليها دون أن يستلهاسريعًا على النحو الذي فعله معي
أغلقت أمي الباب، وفتحت السلسلة، وسمحت لهما بالدخول. قاداني للداخل، ورمقت
أمي ثلاثتنا بإحدى نظراتها التي أعرفها.
«؟ ماذا يحدث »
أردنا أن نطرح على ابنك بعضالأسئلة الروتينية بشأن » : أشار ذو المخاط إليَّ، وقال
«. تحركاته، لكنه رفضالرد عليها، ورأينا أنه من الأفضل إحضاره إلى هنا
جاءت لهجة والدتي حادة. أحسنتِ يا والدتي العجوز! «؟ هل هو رهن الاعتقال »
«؟ هل أنتِ مواطنة أمريكية يا سيدتي » : قال ذو البثرة
بالطبع! هل أنا رهن » : رمقته بنظرة يملؤها الغضب، وقالت بلهجة جنوبية قوية
«؟ الاعتقال
تبادل الشرطيان النظر أحدهما للآخر.
يبدو أننا بدأنا بداية سيئة. لقد توصلنا إلى أن ابنك » : بادر ذو البثرة الحديث قائلًا
يستخدم المواصلات العامة على نحو غير معتاد، وذلك في إطار برنامج جديد وقائي لتنفيذ
القانون، وعندما نحدد أشخاصًا لهم نمط رحلات غير معتاد، أو يتشابه مع شخصمثير
«. للشبهات، نواصل التحقيق في الأمر
«؟ انتظر! كيف علمتم بكيفية استخدام ابني للمواصلات العامة » : قالت أمي
«. فهي تتعقب الرحلات ؛« فاست باس » بطاقة » : أجابها قائلًا
وطيُّ والدتي لذراعيها «. فهمت » : فقالت والدتي وهي تطوي ذراعيها على صدرها
على صدرها علامة سيئة. كان الأمر سيئًا بالفعل لعدم تقديمها الشاي لهما — عند
والدتي، كان هذا يعني عدم ترحيبها بهما — لكن طيها لذراعيها كان معناه أن الأمر
سينتهي نهاية سيئة لهما. في تلك اللحظة، أردت الذهاب لشراء باقة كبيرة من الورود لها.
«. رفضماركوس إخبارنا بسبب تحركاته على هذا النحو »
«؟ هل تعنيان أنكما تعتقدان أن ابني إرهابي بسبب نهجه في ركوب المواصلات »
ليس الإرهابيون وحدهم من نقبض عليهم باتباع هذه الطريقة، » : قال ذو البثرة
هناك أيضًا تجار المخدرات وشباب العصابات، بل وسارقو المتاجر ممن هم بالقدر الكافي
«. من الذكاء لارتكاب جرائمهم في حي مختلف في كل مرة
«؟ أتعتقدان أن ابني تاجر مخدرات »
فصفَّقت والدتي أمامه لإسكاته. «… ليس هذا ما نقوله » : شرع ذو البثرة في الحديث
«. ماركوس، ناولني رجاءً حقيبة الظهر خاصتك »
ففعلت.
فتحت والدتي الحقيبة، وفتشتها، بعد أن أدارت ظهرها لنا.
أيها الشرطيان، أستطيع أن أؤكد لكما الآن أنه ما من مخدرات أو متفجرات أو أية »
حُليٍّ رخيصة مسروقة في حقيبة ابني. أعتقد بذلك أننا نكون قد انتهينا مما نحن بصدده.
«. أريد الاطلاع على رقمَيْ شارتيكما قبل أن تغادرا، من فضلكما
يقاضي الاتحاد الأمريكي للحريات » : رمقها ذو المخاط بنظرة استهزاء، وقال لها
المدنية ثلاثمائة شرطي من جهاز شرطة سان فرانسيسكو يا سيدتي؛ ومن ثَمَّ، عليكِ
«. انتظار دورك
أعدت لي أمي كوبًا من الشاي، ووبختني لتناولي العشاء رغم علمي بإعدادها الفلافل.
حضروالدي إلى المنزل بينما كنا لا نزال على المائدة، وتناوبتُ مع أمي إخباره بما حدث.
هزَّ والدي رأسه.
كان لا يزال يرتديالسترة الزرقاء والسروال «. إنهما يؤديان عملهما فحسب يا ليليان »
الكاكي الذين اعتاد ارتداءهما أثناء عمله كمستشار في وادي السيليكون. استطرد حديثه
«. لم يعد العالم كما كان الأسبوع الماضي » : قائلًا
درو، هذا سخف! ابنك ليس إرهابيٍّا، » . أنزلت والدتي كوب الشاي الذي كانت تشربه
«. واستخدامه لجهاز النقل العام ليس سببًا لاستجواب الشرطة له
هذا ما نفعله دومًا في العمل، فهكذا يمكن استخدام » : خلع والدي سترته، وقال
الكمبيوتر للوصول إلى كافة الأخطاء والحالات الشاذة والنتائج. نطلب من الكمبيوتر
إنشاء ملف تعريفي لسجل عادي في قاعدة البيانات، ثم نطلب منه الكشف عن السجلات
الموجودة في قاعدة البيانات البعيدة تمامًا عما هو عادي. إنه جزء مما يعرف بتحليل
«… بايزي، الذي يُستخدم منذ فترة طويلة. ودونه لا يمكننا تصفية البريد العشوائي
إذن، فما تقوله هو أن الشرطة يجب أن تفعل بنا مثلما تفعل أداة تصفية » : سألته
«؟ البريد العشوائي
لم يغضب والدي قط عند جدالي معه، لكن الليلة بدا توتره في تزايد. رغم ذلك، لم
أستطع المقاومة؛ فوالدي يناصرالشرطة!
ما أقوله هو أنه من المنطقي تمامًا أن تجري الشرطة تحقيقاتها بأن تبدأ بالتنقيب »
في البيانات، ثم جمع المعلومات حيث يتدخل العنصرالبشري للتوصل إلى سبب الخروج
عن المعتاد. ولا أرى أن جهاز الكمبيوتر يجب أن يخبر الشرطة بمن تعتقله، وإنما يساعدها
«. فحسب في تفتيش كوم القش بحثًا عن إبرة
لكن بحصولهم على كل هذا الكم من البيانات من نظام النقل، فإنهم يخلقون » : قلت
كوم القش. إنه كم هائل من البيانات، وما من شيء يستحق البحث عنه فيه، من وجهة
«. نظر الشرطة. إنه مضيعة تامة للوقت
أتفهم عدم رضاك عما تسبب فيه هذا النظام من إزعاج لك يا ماركوس، لكنك من »
بين كل الناس عليك أن تقدر خطورة الموقف. ما منضرر وقع، أليس كذلك؟ بل إنهما
«. أوصلاك إلى المنزل أيضًا
فكرت في أنهما هدداني بالسجن، لكنني لم أجد داعيًا لذكر ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، فإنك لم تخبرنا بعدُ أين ذهبت ليصبح لك هذا النمط غير المعتاد »
«. من التحركات
أخرستني هذه الكلمات.
هل » . كثيرًا ما كان يقول ذلك «. أعتقد أنك تثق في حُكمي، ولذلك لم تتجسس عليَّ »
«؟ تريدني حقٍّا أن أفسر كل رحلة قمت بها
كنت قد ثبَّتُّ جهاز .« الإكس بوكس » ما إن وصلتُ إلى غرفتي حتى التقطتُ جهاز
البروجيكتور بالسقف ليلقي بإضاءته على الحائط فوق سريري (لزم عليَّ إنزال اللوحة
الجدارية الرائعة لإعلان موسيقى البانك روك، الذي أزلته من على أعمدة خطوط الهاتف
وألصقته على ألواح كبيرة من الورق الأبيض).
وشاهدته وهو يظهر على الشاشة. كنت سأرسل ،« إكسبوكس » قمت بتشغيل جهاز
بريدًا إلكترونيٍّا إلى فان وخولو لأخبرهما بشأن شجاري مع الشرطيين، لكن ما إن وضعت
أصابعي على لوحة المفاتيح حتى تراجعت.
تسلل إلى داخلي شعور يشبه ما شعرت به عندما أدركت أنهم حوَّلوا جهاز
القديم المسكين الخاص بي إلى خائن. وهذه المرة كان شعورًا بأن شبكة « سالمجندي »
العزيزة قد تشي بموقع كل من يستخدمها لوزارة الأمن الوطني. « إكس نت »
نطلب من الكمبيوتر إنشاء ملفتعريفي » : والسبب في ذلك الشعور هو ما قاله والدي
لسجل عادي في قاعدة البيانات، ثم نطلب منه الكشف عن السجلات الموجودة في قاعدة
«. البيانات البعيدة تمامًا عما هو عادي
مؤمَّنة لأن مستخدميها لا يتصلون مباشرةً بالإنترنت، وإنما « إكس نت » كانت شبكة
كانوا يتنقلون من جهاز إكس بوكس لآخر حتى يعثروا على جهاز متصل بالإنترنت، ثم
يُدخِلوا ما لديهم كبيانات مُشفَّرة غير قابلة لفكِّ شفرتها. ولا يمكن لأحد أن يحدد حزم
بيانات الإنترنت التي تمثل شبكة إكس نت، والأخرى التي لا تمثل سوى اتصالاتصريحة
للعمليات المصرفية أو التجارة الإلكترونية أو غير ذلك من الاتصالات المشفَّرة. فلا يمكن
التوصل إلى من يربط شبكة إكس نت بعضها ببعض، ناهيك عمَّن يستخدمها.
التي تحدث عنها أبي؟ سبق لي التلاعب بهذه « الإحصائيات البايزية » لكن ماذا عن
التحليلات من قبل. حاولت أنا وداريل في إحدى المرات إنشاء أداة تصفية بريد عشوائي
أفضل خاصة بنا، وعند تصفية البريد العشوائي تحتاج للعمليات الإحصائية البايزية.
توماس بايزي رياضي بريطاني عاش في القرن الثامن عشر، لم يُعِره أحد اهتمامًا إلا
بعد نحو مائتي عام من وفاته، وذلك عندما أدرك علماء الكمبيوتر أن أسلوبه في تحليل
الكميات الهائلة من البيانات إحصائيٍّا يمكن أن يكون له فائدة مذهلة مع تلال المعلومات
التي نعاصرها الآن.
إليك بعض المعلومات حول كيفية عمل الإحصائيات البايزية. لنفترض أن لديك
مجموعة من رسائل البريد العشوائي، تأخذ كل كلمة في هذه الرسائل وتحصي عدد
ويوضح احتمالية ،« المدرج الإحصائي لتكرار الكلمات » مرات ظهورها. يُعرَف هذا باسم
أن تكون أية مجموعة من الكلمات بريدًا عشوائيٍّا. والآن، فلتأخذ كمٍّا هائلًا من البريد
الإلكتروني غير العشوائي، وتكرر ما فعلته من قبل.
انتظر حتى تصلك رسالة بريد إلكتروني جديدة، وأحصِالكلمات التي تظهر فيها.
استخدم بعد ذلك المدرج الإحصائي لتكرار الكلمات في الرسالة المُرشَّحة لحساب احتمالية
وإذا اتضح أنها بريد ،« البريد غير العشوائي » أو « البريد العشوائي » انتمائها لمجموعة
وفقًا لذلك. هناك العديد من « للبريد العشوائي » عشوائي، فقم بتعديل المدرج الإحصائي
الطرق لتحسين هذه التقنية، مثل البحث عن الكلمات في أزواج، مع التخلصمن البيانات
القديمة، لكن هذا هو جوهر عملها. إنها إحدى تلك الأفكار البسيطة الرائعة التي تبدو
واضحة بعد سماعك عنها.
ولها العديد من التطبيقات؛ فيمكنك أن تطلب من الكمبيوتر أن يحصي الخطوط
أم « قطة » في إحدى الصور، وترى ما إذا كانت أشبه بمدرج إحصائي تكراري لخطوط
ويمكن أن تكشف عن مواد إباحية، أو احتيال مصرفي، أو رسائل عدائية في منتدى .« كلب »
إلكتروني أو ما شابه … كلها أشياء مفيدة بالطبع.
فإذا كنت تتجسس على الإنترنت ؛« إكس نت » وهذا أمر سيئ فيما يتعلق بشبكة
بالكامل — وهذا بالطبع ما تفعله وزارة الأمن الوطني — فلا يمكنك تحديد من يمرر
من خلال النظر في محتويات هذه الحزم، وذلك بفضل التشفير. « إكس نت » حزم بيانات
ما بإمكانك فعله حقٍّا هو معرفة من يرسل أكبر نسبة معلومات مشفرة مقارنة
بالآخرين؛ فجلسة العمل على الإنترنت للمتصفح العادي يكون على الأرجح ٩٥ بالمائة منها
نصٍّا غير مشفر، و ٥ بالمائة نصٍّا مُشفَّرًا؛ ومن ثَمَّ، إذا كان ٩٥ بالمائة مما يرسل به شخص
ما نصٍّا مُشفَّرًا، فقد تُرسِل شرطيين في نفس معرفة الشرطيين ذي المخاط وذي البثرة
بالكمبيوتر لسؤالهما عما إذا كان مستخدم شبكة إكسنت تاجر مخدرات أو إرهابيٍّا أم لا.
يحدث ذلك دومًا في الصين. يتوصل أحد المعارضين الأذكياء إلى فكرة بشأن الالتفاف
في الصين، وهو الجدار المستخدَم للرقابة على اتصالات « جدار الحماية العظيم » حول
الإنترنت في الدولة بأكملها، من خلال استخدام اتصال مُشفَّر بجهاز كمبيوتر في دولة
أخرى. ولا يستطيع الحزب الشيوعي هناك تحديد ما يتصفحه المعارض على الإنترنت؛
فربما يكون موادَّ إباحية، أو إرشادات لصنع القنابل، أو رسائل جنسية من صديقته في
الفلبين، أو موادَّ سياسية، أو أخبارًا جيدة عن العِلمولوجيا. ليس عليهم أن يعرفوا، كل
ما عليهم معرفته هو أن نسبة الاستخدام المشفَّر للشبكة من هذا الشاب أكثر بكثير من
جيرانه، عندئذٍ يرسلونه إلى أحد معسكرات العمل القسريِّ ليكون عبرة للآخرين عندما
يرون ما يحدث لمن يظنون أنفسهم أذكياء.
خاضعة « إكس نت » حتى ذلك الحين، كنت على استعداد للمراهنة على أن شبكة
لرقابة وزارة الأمن الوطني، لكن هذا الحال لن يدوم للأبد. وبعد الليلة، لم أكن متأكدًا من
أنني أفضل حالًا من أي معارضصيني. إنني أعرِّضكل من يقومون بالدخول على تلك
الشبكة للخطر؛ فالقانون لا يأْبَه بما إذا كنت ترتكب جرمًا حقٍّا، ورجاله على استعداد
لوضعك تحت الِمجهر لمجرد أنك تتبع نمطًا سلوكيٍّا غريبًا إحصائيٍّا. وما كان بيدي إيقاف
صارت كيانًا مستقلٍّا. ،« إكس نت » ذلك؛ فبعد تشغيل شبكة
عزمت على إصلاح ذلك بطريقة أخرى.
تمنيت التحدث مع خولو في هذا الشأن. كان خولو يعمل لدى إحدى شركات توفير
والتي قد وظفته وهو في سن الثانية عشرة؛ ،« بيجسبلين نت » خدمات الإنترنت تحمل اسم
ففاقت معرفته بالإنترنت ما أعرفه بكثير. وإذا كان هناك من يعرف كيف نظل بعيدًا عن
السجن، فسيكون هو.
لحسن الحظ، خططت أنا وفان وخولو للالتقاء لشرب القهوة الليلة التالية في مكاننا
المفضل في حي ميشن بعد الدوام المدرسي. كان ذلك — رسميٍّا — موعد الاجتماع الأسبوعي
بيد أنه مع إلغاء اللعبة وغياب داريل، لم يتعدَّ الأمر ،« هاراجوكو فان مادنس » لفريق
كونه تجمعًا أسبوعيٍّا للبكاء، تصحبه نحو ست مكالمات هاتفية ورسائل فورية يوميٍّا من
كان من الأفضل أن نجد شيئًا آخر نتحدث «؟ هل أنت بخير؟ هل حدث ذلك بالفعل » : قبيل
عنه.
«؟ لقد فقدت صوابك. هل أنت مجنون كليةً، أم ماذا » : قالت فانيسا
جاءت فان بزي مدرسة الفتيات الذي كانت ترتديه؛ وذلك لأنه كان من الصعب
عليها أن تقطع الطريق الطويل للعودة إلى منزلها في حافلة المدرسة التي تسير بها أعلى
جسر سان ماتيو ثم تعود إلى المدينة. لقد كرهت الظهور في أماكن عامة بزي المدرسة
المؤلَّف من تنورة بثنيات، وسترة، « سيلور مون » الأشبه بزي بطلة قصصالمانجا المصورة
وجوارب تصل للركبتين. وقد كانت في حالة مزاجية سيئة منذ وصولها إلى المقهى الذي
كان يعج بطلاب موسيقى الإيمو الجذابين الأكبر منها سنٍّا، الذين أطلقوا ضحكات خافتة
وأنظارهم مثبتة على القهوة التي يشربونها عند دخولها المقهى.
بدأ الغضب يتملكني أنا أيضًا. لم تعد «؟ ماذا تريدينني أن أفعل يا فان » : سألتُها
المدرسة تُحتمَل الآن بعد إلغاء اللعبة وغياب داريل. وطوال اليوم أثناء الحصصالمدرسية،
كنت أعزي نفسيبالتفكير في التقائي بفريقي … أو بالأصح مَن تبقى منه. أما الآن، فنحن
نتشاجر.
وقف حينها شعر رأسي من الهلع. كنا «. أريدك أن تتوقف عن المجازفة يا مايكي »
نستخدم، بالطبع، دومًا أسماء الفريق في اجتماعاتنا، لكن الآن وبعد أن صار اسمي
أفزعني سماعه على الملأ في مكان عام. ،« إكس نت » مرتبطًا أيضًا باستخدامي لشبكة
«. لا تستخدمي هذا الاسم على الملأ ثانيةً » : رددت بحدة
هذا بالضبط ما أتحدث عنه. قد يكون مآلك السجن لما » : فهزت فان رأسها، وقالت
تفعله يا ماركوس، ولا يقتصر ذلك عليك وحدك، بل العديد من الناس، بعد ما حدث
«… لداريل
أدار طلبة موسيقى الإيمو مقاعدهم للنظر إلينا، «! أفعل ذلك من أجل داريل »
أفعل ذلك لأن البديل هو السماح لهم بالإفلات بكل » : فخفضت صوتي، واستطردت
«. ما فعلوه
«. هل تعتقد أن بإمكانك إيقافهم؟ لقد فقدت صوابك. إنهم الحكومة »
«. ولا تزال هذه بلادنا. لا يزال من حقنا فعل ذلك » : فأجبت
آسفة، » : بدت فان وقد أوشكت على البكاء. التقطتْ نفسين عميقين ونهضت، ثم قالت
لا يمكنني فعل ذلك، لا يمكنني مشاهدتك وأنت تفعل ذلك. إنه أشبه بمشاهدة تحطم
سيارة بالتصوير البطيء. ستدمر نفسك، وحبي لك يمنعني من مشاهدة ذلك وهو
«. يحدث
مالت عليَّ، عانقتني بشدة، وطبعت قبلة قوية على وجنتي اقتربت فيها من فمي،
اشتعلت النار في فمي باقتراب شفتيها منه. قبَّلتْ «. اعتنِ بنفسك يا ماركوس » : ثم قالت
خولو أيضًا، لكن على وجنته مباشرةً، ثم غادرت.
حدقت أنا وخولو كلٌّ منا في الآخر بعد رحيلها.
«! اللعنة » : وضعت يديَّ على وجهي، وأخيرًا قلت
سيكون الحال على » : ربَّت خولو على ظهري، وطلب لي كوبًا آخر من القهوة، وقال
«. ما يرام
نصف عائلة فان تعيش في كوريا «. اعتقدت أن فان — دون كل الناس — ستتفهم »
الشمالية، ولم ينسَ والداها قط العدد الكبير من ذويهم الذين يعيشون في ظل حكم
ديكتاتور خَبِل، ولا يملكون الهروب إلى أمريكا مثلما فعلا هما.
لعل ذلك ما أفزعها؛ فهي تعلم مدى الخطورة التي يمكن » : هزَّ خولو كتفيه، وقال
«. أن يصل إليها الأمر
علمت ما كان يتحدث عنه؛ زُجَّ باثنين من أعمام فان في السجن، ولم يظهرا ثانيةً
مطلقًا.
«. نعم، أعلم » : فقلت
«؟ لماذا لم تكن على شبكة إكس نت ليلة أمس »
شعرت بالامتنان لتغيير الموضوع.شرحت له الموضوع بالكامل، بما في ذلك التحليل
البايزي وخوفي من عدم تمكننا من استخدام شبكة إكس نت كما اعتدنا دون التعرض
للاعتقال. استمع إليَّ باهتمام.
أفهم ما تقوله. المشكلة أنه لو تضمن اتصال الإنترنت لشخص ما قدرًا كبيرًا من »
التشفير، فسيُعَد غريبًا. وفي حال عدم استخدام التشفير، يصير من اليسير على الأشرار
«. التجسس عليك
نعم، حاولت طوال اليوم الوصول لحل. ربما يمكننا إبطاء الاتصال، ونشره على »
«… عدد أكبر من حسابات الأفراد
لن يفيد ذلك. لإبطاء الاتصال بالقدر الكافي للاختفاء وسط البيانات » : فأجابني
«. المتداخلة، سيكون عليك في الأساس إيقاف تشغيل الشبكة، الأمر الذي لا يُعَد اختيارًا
«؟ أنت على حق، لكن ماذا بأيدينا فعله غير ذلك » : قلت له
«؟« عادي » ماذا إذا غيرنا تعريف كلمة »
خولو للعمل معها وهو في سن الثانية عشرة؛ فعندما « بيجسبلين » لهذا عينتشركة
تكون أمامه مشكلة لها حلَّان سيئان، يتوصل إلى حل ثالث مختلفتمامًا قائم على استبعاد
«. استمر، هاتِ ما عندك » : كافة افتراضاتك. أومأت برأسيبقوة، وقلت له
ماذا إذا كان مستخدم الإنترنت العادي بسان فرانسيسكو ينطوي استخدامه العادي »
للإنترنت على قدر أكبر من التشفير؟ إذا تمكنا من تغيير التوزيع بحيث تكون نسبة
مثل « إكس نت » النص غير المشفر إلى النص المُشفَّر متعادلة، فسيبدو مستخدمو شبكة
«. المستخدمين العاديين
لكن كيف نفعل ذلك؟ لا يأبه الناس كثيرًا بشأن خصوصيتهم بقيامهم بتصفح »
الإنترنت من خلال رابط مُشفَّر، ولا يرون أهمية في أن يعلم المتجسِّسون ما يبحثون عنه
«. على جوجل
نعم، لكن صفحات الإنترنت تمثل نسبة صغيرة من استخدام البيانات. وإذا جعلنا »
الناسينزلون دومًا بضعة ملفات مُشفَّرة ضخمة يوميٍّا، فسيبلغ النصالمُشفَّر الآلاف من
«. صفحات الإنترنت
«. تتحدث عن شبكة مستقلة » : قلت له
«. لقد فهمت ما أقصده » : فأجابني
واحدة من أكثر شركات توفير « بيجسبلين نت » الشبكة المستقلة هي ما جعل شركة
خدماتالإنترنت المستقلة نجاحًا في العالم. عندما بدأتكبرىشركاتالتسجيلاتالموسيقية
في مقاضاة عملائها لتنزيل المقاطع الموسيقية الخاصة بها، أصاب الذعر الكثير منشركات
التسجيلات الموسيقية المستقلة ومن يتعاملون معها من فنانين. فكيف تجني الشركات
المال بمقاضاة عملائها؟
إلى الإجابة عن هذا السؤال؛ فعقدت اتفاقًا مع « بيجسبلين » توصلت مؤسِّسَة شركة
« بيجسبلين » أي فنان يرغب في التعاون مع معجبيه بدلًا من محاربتهم: إذا أعطيتشركة
تصريحًا لتوزيع موسيقاك على عملائها، فسوف تمنحك نسبة من رسوم الاشتراك حسب
مدى شعبية موسيقاك. إن المشكلة الكبرى للفنان المستقل ليست القرصنة، وإنما عدم
الشهرة؛ بمعنى ألا يهتم أحد بما فيه الكفاية بألحانك لسرقتها.
ونجحت الفكرة؛ إذ وقَّعت المئات من شركات إنتاج الموسيقى والفنانين مع شركة
وكلما زادت الموسيقى بالموقع، زاد عدد المعجبين الذين يحصلون على خدمة .« بيجسبلين »
وزاد مقدار المال الذي يحصل عليه الفنانون. وفي خلال ،« بيجسبلين » الإنترنت منشركة
عام، حصدت الشركة مائة ألف عميل جديد، وصار لديها الآن مليون عميل؛ أي أكثر من
نصف عملاء الاتصالات واسعة النطاق في المدينة.
عملت على تطوير كود الشبكة المستقلة لشهور الآن. كُتِبت البرامج » : قال خولو
الأصلية على نحوسريع وسيئ للغاية، ويمكن جعلها أكثر كفاءة بقليل من العمل، لكنني
لم أجد الوقت فحسب. تمثلت إحدى أهم المهام في تشفير الاتصالات؛ لأن ترودي تفضل
كانت فيما سبق أسطورة البانك روك .« بيجسبلين » ترودي دو هي مؤسِّسةشركة «. ذلك
وكان ،« سبيدهورز » في سان فرانسيسكو، المغنية الرئيسية في الفرقة النسوية الفوضوية
لديها ولع بشأن الخصوصية. كان بوسعي تصديق أنها تشفر ما تقدمه من خدمات
موسيقية بناءً على مبادئ عامة.
«؟ هل سيكون ذلك صعبًا؟ أعني كم سيستغرق من الوقت »
حسنًا، يتوفر قدر هائل من الأكواد المشفَّرة مجانًا على الإنترنت، » : أجاب خولو
وفعل مثلما فعل عند محاولته حل مشكلة كود معقد:شرد بذهنه، ونقر براحتيه «. بالطبع
على الطاولة، فانسكبت بعض القهوة في صحن الفنجان. شعرت برغبة في الضحك. قد
يكون كلشيء مدمرًا ومخيفًا، لكن خولو سيكتب ذلك الكود.
«؟ هل بوسعي المساعدة »
«؟ ماذا؟ أتعتقد أنني غير قادر على تدبر الأمر » : نظر إليَّ، وقال
«؟ ماذا »
أعني أنك أنهيت العمل على شبكة إكس نت بالكامل دون أن تخبرني … دون أن »
«. تتحدث معي. اعتقدت أنك لم تحتج إلى مساعدتي في هذا الأمر
بدا خولو حانقًا حقٍّا الآن. كان من الجلي «؟ ماذا » : أخرستني كلماته، وكررت قولي
«… خولو » . أن ذلك يعتمل في صدره منذ فترة طويلة
نظر نحوي، وتمكنت من رؤية غضبه الشديد. كيف لم أنتبه لذلك؟ يا إلهي! أكون
انظر يا صديقي، ليسهذا بالأمر المهم — كان يقصد » : مغفلًا حقٍّا في بعضالأحيان. قال
بشكل واضح أنه مهم للغاية — كل ما هنالك أنك لم تطلب المساعدة قط. إنني أكره وزارة
«. الأمن الوطني، وداريل كان صديقي أيضًا. كان بإمكاني حقٍّا المساعدة في ذلك
اسمع يا خولو، كان ذلك غباءً مني » : شعرت بخجل شديد من نفسي، وقلت له
لم أتمكن «… حقٍّا. لقد نفذت الأمر في الثانية صباحًا تقريبًا. كنت خبلًا حينها. إنني
من التفسير. نعم، لقد كان على حق، وهذه هي المشكلة. كانت الثانية صباحًا، لكن كان
بإمكاني مع ذلك التحدث معه في الأمر في اليوم التالي أو الذي يليه. لم أفعل لأنني كنت
أعلم ما كان سيقوله، كان سيقول إنه عمل محفوفبالمخاطر، وإنني بحاجة لإعادة النظر
فيه. طالما تمكن خولو من تحويل ما يراودني من أفكار في الثانيةصباحًا إلى كود حقيقي،
لكن ما كان يتوصل إليه كان دائمًا مختلفًا بعضالشيء عما كنت أتوصل إليه. لقد أردت
المشروع لنفسي، وتملكتني شخصية مايكي تمامًا.
آسف، إنني آسف حقٍّا، فأنت معك كل الحق. لقد فزعت فقط، وكان » : قلت أخيرًا
«. تصرفي أحمق. إنني بحاجة لمساعدتك حقٍّا، ولا يمكنني تنفيذ هذا العمل بدونك
«؟ هل تعني ما تقوله »
بالطبع أعنيه. فأنت أفضل مصمم أكواد رأيته. إنك لعبقري حقٍّا يا خولو، »
«. وسيشرفني أن تعينني في ذلك
إنه فقط … أنت تعلم. إنك القائد، وفان الشخص » : أخذ ينقر بأصابعه أكثر، ثم قال
الذكي، وداريل كان … نائبك، من ينظم كل شيء ويراقب التفاصيل. أما البرمجة، فهذه
«. كانت مهمتي؛ لذا، شعرت كما لو أنك تقول إنك لست بحاجة إليَّ
يا إلهي! يا لي من أحمق! إنك أكثر من أعرفهم كفاءة — يا خولو — في فعل ذلك. »
«… إنني حقٍّا، حقٍّا
حسنًا، لا بأس. كفى، إنني أصدقك. وضعنا الآن يُرثَى له؛ لذا يمكنك بالطبع »
المساعدة، وربما يمكننا أن ندفع لك أيضًا مقابل خدماتك؛ فلدي ميزانيةصغيرة للمبرمِجين
«. المتعاقِدين من الخارج
لم يدفع لي أحد المال مقابل تصميم الأكواد من قبل. «؟ حقٍّا »
ابتسم ابتسامة عريضة، «. بالتأكيد، فأنت على الأرجح بالكفاءة التي تؤهلك لذلك »
ولكمني في كتفي. يتسم خولو بطبع هادئ في أغلب الأحيان؛ ولذلك أفزعني كثيرًا ما حدث
بيننا منذ قليل.
دفعت ثمن القهوة، وغادرنا المقهى. اتصلت بوالديَّ، وأعلَمتهما بما كنت أفعله.
أصرَّت والدة خولو على إعداد الشطائر لنا. حبسنا أنفسنا في غرفته مع جهاز الكمبيوتر
الخاصبه وكود الشبكة المستقلة، وبدأنا واحدةً من أعظم عمليات البرمجة في التاريخ. ما
إن خلدت أسرة خولو للنوم في الحادية عشرة والنصف تقريبًا حتى تمكنَّا من اختطاف
ماكينة القهوة إلى غرفته، وأخذنا نرتشف من مخزون البن السحري.
إذا لم تسبق لك برمجة كمبيوتر، يجدر بك أن تفعل، ما من شيء يضاهيها في
العالم أجمع. عندما تبرمج كمبيوتر، فإنه ينفذ ما تمليه عليه بالضبط. إنه أشبه بتصميم
ماكينة؛ أيٍّا كانت؛ سواء أكانت سيارة، أو صنبورًا، أو مفصل باب، وذلك باستخدام
العمليات الرياضية والإرشادات. إن الأمر مذهل حقٍّا؛ ويمكن أن يملأ قلبك بالرهبة.
الكمبيوتر أكثر الأجهزة التي قد تستخدمها تعقيدًا على الإطلاق؛ فهو مؤلَّف من
البلايين من أجهزة الترانزيستور متناهية الصِّغر التي يمكن تهيئتها لتشغيل أي برنامج
قد تتخيله، لكن عندما تجلس أمام لوحة المفاتيح، وتكتب سطرًا من الكود، تنفذ هذه
الأجهزة ما تمليه عليها.
معظمنا لن يتسنى له مطلقًا صناعة سيارة، أو نظام طيران، أو تصميم مبنى أو
تخطيط مدينة.
فهذه ماكينات أو أشياء معقدة، وتقع خارج نطاق قدرتي وقدرتك، لكن الكمبيوتر
أكثر تعقيدًا بكثير، ومع ذلك يرقصعلى أي نغمة تعزفها. يمكنك تعلم كتابة كود بسيط
في فترة وجيزة. لتبدأ بلغة مثل بايثون، وهي اللغة التي كُتِبت لمنح غير المبرمجين وسيلة
أيسر لجعل الكمبيوتر يلبي رغباتهم. عليك فعل ذلك، وإن كنت لن تمارس البرمجة إلا
ليوم واحد فقط، أو لفترة وجيزة من الوقت. يمكن لأجهزة الكمبيوتر أن تتحكم فيك، أو
تخفف من عبء عملك؛ لكنك إذا أردت التحكم في أجهزتك، فعليك أن تتعلم كتابة الأكواد.
أسفرت تلك الليلة عن كتابتنا الكثير من الأكواد