أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

شارك على مواقع التواصل


الحب في الإسلام
إن محبة الله – تعالى- والالتزام بأوامره والأحكام التي فرضها على عباده مما يقتضيه الإيمان بالله تعالى، ومن لوازم الإيمان أيضًا محبة الرسول محمد- - ومحبة العباد المؤمنين الصادقين، ومحبة الله – تعالى- ورسوله- - تستلزم من العبد محبة الإيمان، والأعمال الصالحة، والعبادات، والطاعات، والقربات، وبغض الكفر والفسوق والعصيان والفجور والمعاصي، فمحبة الله – تعالى- ورسوله- - مقدمة على محبة أي شيء آخر، حيث قال الله – تعالى- في القرآن الكريم: (قُل إِن كانَ آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم وَإِخوانُكُم وَأَزواجُكُم وَعَشيرَتُكُم وَأَموالٌ اقتَرَفتُموها وَتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرضَونَها أَحب إِلَيكُم مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ)، وإضافة إلى أن تقديم محبة الله – تعالى- ورسوله- - من لوازم الإيمان، فهي من علامات شعور العبد بحلاوة الإيمان، أي الشعور بلذة الطاعات والعبادات وتحمل مشاقها ومتاعبها في سبيل نيل الأجر والثواب والمحبة من الله تعالى، فما هو الحب في الإسلام، وما هي درجاته؟

درجات الحب في الإسلام
الحب في الإسلام له دلائل خاصة، فهو من أهم الدوافع والمحركات في سلوكيات وأفعال الفرد، فالمعاني التي يحملها الحب في الدين الإسلامي لا تدل عليها أية شريعة من شرائع الدنيا، ويتمثل الحب بالصدق والشفافية من كلا الطرفين.
ومن صور إظهار الحب: الدعاء للطرف الآخر بالخير والمعروف، وتوجيهه وإرشاده لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة، وإيثاره، والتضحية في سبيل راحته، وكل ذلك ليس من أجل مصلحة من مصالح الدنيا.
ومن أسمى صور الحب: حب الله – تعالى- وحب الرسول- .
والحب في الإسلام يكون على عدة مستويات؛ وهي:

درجة الحب الأعلى
إن أعلى درجة من درجات الحب في الإسلام تتمثل بحب الله – تعالى- وحب الرسول- - وحب الجهاد في سبيل الله تعالى؛ فهي من أرفع المنازل وأسماها وأفضلها مكانة، كما أنها من لوازم دين الإسلام ومن مقتضيات الإيمان بالله تعالى؛ وذلك لنشر دين الإسلام وتبليغه لجميع الناس وإعلاء مكانة ومنزلة الإسلام، والمؤمن يُطبِّق ويتَّبع الأحكام والأوامر الربانية بإخلاص ونية صادقة؛ لأنه يعلم أن الله – تعالى- كامل لا يعتريه أي نقص، كما أنه المالك والخالق للكون وما فيه، ويتصرف فيه كما يشاء وفق حكمته وقدرته، والمسلم يتصرف وفق قدر الله – تعالى- ومشيئته التي يريدها؛ فالله- تعالى- يقدِّر لعباده ما يحقق لهم الخير والسعادة والمصلحة الحسنة، والله- تعالى- يضع الأمور والمقادير في مواضعها المناسبة؛ فالإنسان مهما بلغ من المنزلة والمكانة والعلم تبقى قدرته قاصرة ومحدودة في تدبير شئونه وأموره؛ بسبب تأثره بالعواطف وهوى النفس والمبادئ والبيئات التي يعيش فيها، والإيمان بالله- تعالى- يؤدي إلى الإيمان برسوله محمد- ؛ فالله- تعالى- ميَّز الرسول- - بالأخلاق الحسنة والأفضال العظيمة، ما جعله القدوة الحسنة في امتثال الأوامر والأخلاق، كما أن الله- تعالى- عصمه من الخطأ والزّلل والمعصية، ومن حب الرسول- - إيثاره وتفضيله على النفس كما فعل الكثير من الصحابة- رضي الله عنهم، والمؤمن الحق والصادق يجاهد في سبيل الله تعالى؛ لنصرة دين الإسلام وإخراج الناس من عبادة الأصنام إلى توحيد الله- تعالى- وعدم الإشراك به، ولإكرام المسلمين بالحياة السعيدة العزيزة أو إكرام النفس بالشهادة في سبيل الله تعالى.

درجة الحب الأوسط
تتمثل الدرجة الثانية من درجات الحب في الإسلام بمجموعة العواطف الساكنة في القلب والمشاعر التي تستقر في النفس الإنسانية، وتنبعث من الإنسان لغيره من أبناء جنسه بسبب روابط تربطه بهم، منها: رابطة العقيدة، ورابطة القرابة والنسب، ورابطة الصداقة، فهذه الروابط هي السبب في توثيق المحبة والمودة والرحمة بين أي طرفين، والإسلام اعترف بالعواطف والمشاعر القلبية ومنحها منزلة رفيعة ومكانة عظيمة، وجعلها منزلة ثانية بعد حب الله- تعالى- وحب الرسول- - والجهاد في سبيل الله تعالى، ومحبة الناس بعضهم بعضًا لها أهمية كبيرة تنعكس على الفرد والأسرة والمجتمع، فروى الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله- - أنه قال: (مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مَثلُ الجسدِ؛ إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى).
أهمية الحب الأوسط وآثاره الإيجابية تنعكس على الأفراد والمجتمعات والشعوب بأكملها، ولذلك حرصت الشريعة الإسلامية على تعميق محبة الأفراد بعضهم بعضًا، فحثت على محبة الوالدين للأولاد، ومحبة الأولاد للوالدين، ومحبة الزوجين أحدهما للآخر، ومحبة المسلمين بعضهم بعضًا، ومحبة الناس بعضهم بعضًا انطلاقًا من رابطة الإنسانية، وعمل الإسلام على تحقيق ذلك بعدة طرق؛ منها: تحريم هجر المسلم أخاه المسلم أكثر من ثلاثة أيام، فقال الرسول- : (لا يحلُّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ)، وحرم الإسلام أيضًا البغض، والحسد، والقطيعة، والتدابر بين المسلمين.
درجة الحب الأدنى
وهي أدنى درجات الحب، وتتمثل بعدة أمور؛ منها: محبة الطغاة والأنداد من البشر الذين يعادون الإسلام ولا يوحدون الله تعالى، ومنها الاستمرار في ارتكاب الفواحش والرذائل والمنكرات والخضوع لرغبات النفس والانسياق للشهوات، ومنها أيضًا تقديم محبة الأهل والزوجة والأولاد والأموال على محبة الرسول- - ومحبة الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى، والواجب على المؤمن التخلص من المشاعر والعواطف التي تؤدي به إلى أدنى درجة من درجات الحب في الإسلام باتباع الأوامر والأحكام التي وردت في الشريعة الإسلامية.

الحب عند العرب
اختلف العرب في تحديد درجات الحب، فمنهم من ربط العلاقات الاجتماعية في الحب، وصنَّف درجاته إلى تسع درجات، والبعض الآخر اعتمد اللغة العربية، وصنفوه إلى أربع عشرة درجة، ويجدر بالذكر هنا أن كلمة الحب في اللغة العربية تحمل معاني عديدة، حيث يُمكن اعتبارها كلمة عامة تختصر عدة معانٍ، فقد ذكرت معاجم اللغة أن كلمة حب مأخوذة من كلمة الحبة، وهي التي تشير إلى اسم بذور تنمو في الصحراء، وورد أيضًا أن السبب في تسمية الحب حبًّا؛ لأنه لباب وأصل النباتات، والحب أصل ولباب الحياة، واشتق الحب من كلمة حُباب، وهو الذي يعلو الماء عند المطر الشديد، وهذا يدل على غليان القلب، وكثرة ولعه للقاء المحبوب.

درجات الحب عند العرب
تختلف درجات الحب عند العرب، حيث اعتبرها البعض أربع عشرة (14) درجة، وهي على النحو الآتي:

1- الهوى
يكثر ذكر الهوى في قصائد الحب القديمة والحديثة، وهو أول درجة من درجات الحب، وتدل على ميل المحب إلى شخص آخر.

2- الصبوة
وهي ثاني درجات الحب، وتُعتبر أعمق من درجة الهوى، وفي هذه الدرجة يصل الأمر إلى الغزل المتبادل بين الحبيبين.

3- الشغف
تدل على شغاف القلب، وهو غشاؤه، وتعني عمق مشاعر الحب، ووصولها إلى غشاء القلب.

4- الوجد
يعتبر الوجد إحدى مراحل الحب المتطورة، وتدل على مداومة التفكير في المحبوب، وعدم القدرة على نسيانه.

5- الكلف
هو إحدى درجات الحب، حيث يدل على شدة الولع، وعمق التفكير في المحبوب.

6- العشق
يعتبر من أكثر العبارات المشهورة في الحب، ولكنه إحدى درجات الحب، ويعني الحب الشديد، وعدم المقدرة على التخلي عن الحبيب، وهو حب مُختلط بالشهوة.

7- النجوى:
وهي إحدى درجات الحب التي تكون في حالات البعد والفراق، ويُخالط هذا الحب الحزن؛ لعدم المقدرة على الوصول إلى المحبوب.

8- الشوق
يعد الشوق إحدى درجات الحب المتطورة عند العرب، حيث يتم الإحساس بالشوق للمحبوب بمجرد غيابه، حتى إن كان غيابه للحظات بسيطة.

9- الوصب
ويمثل مشاعر الألم والوجع التي تصيب المحب، وممكن أن تسبب له المرض.

10- الاستكانة
وتعني شعور المحب بالذل والخضوع؛ نتيجة الحب الشديد، حيث لا يستطيع المحب رفض أي أمر للمحبوب.

11- الود
يتم الوصول إليها بعد مرور مدة من الزمن، وهي المرحلة الأساسية في الزواج التي تحقق التوازن بين الأزواج، وتعبِّر هذه الدرجة عن الحب الرقيق.

12- العِشرة
تُماثل هذه الدرجة درجة الود من حيث المبدأ، وتحتاج إلى فترة من الوقت حتّى تتطور، وعادة ما تحصل بعد فترة من الزواج.

13- الوله
إحدى درجات الحب المتقدمة عند العرب، ويُعبر عن غياب السعادة بغياب المحبوب، فالحياة مرتبطة بوجود الحبيب.
14- الهيام
وهي أعلى درجات الحب، ويُقصد منها الوصول لمرحلة الجنون بالحبيب، والحب الخالص الذي لا يمكن احتماله.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.