أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

شارك على مواقع التواصل


مقدمة
الأم كلمة صغيرة تختصر كل معاني الحياة، بل هي الكيان الذي تقوم عليه الحياة؛ لأن الله تعالى أودع سرَّه العظيم فيها، وجعل جزءًا حيًّا منها ينبض في أحشائها ليخرج إلى النور. ولهذا، تُعتبر الأم مدرسة حقيقية، يستمد منها الأبناء قبسًا مشتعلًا بالأمل والطاقة والتجدد، ليواصلوا مسيرتهم في كل شيء، منذ لحظة الولادة، فما أعظم الأم وما أكبر قدرها. العظيم أن الأم تتحرك تجاه أبنائها بفطرتها الطبيعية، وغريزتها التي أودعها الله تعالى فيها، فهي لا تستطيع أن تتخلى عن واجبها تجاههم حتى لو أرادت ذلك، لأن شيئًا ما من أعماقها يمنعها من ذلك، ولهذا يقولون دائمًا إن حب الأم للأبناء لا يُوازيه أي حب، وعطاؤها لهم لا يُمكن أن يُقارن بأي عطاء، فهو شيء خارق للطبيعة والعادة.
الأم دائمًا تتصرف بغريزتها، فحتى الحيوانات الصغيرة تظل دائمًا ملتصقة بأمها لأنها تعرف أنها بر الأمان، ولأن الأم هي أعظم مخلوق وأكثر الناس أولوية بالرعاية والعناية، فقد جاء تكريمها إلهيًّا خالصًا، وميزها الله سبحانه وتعالى وعظّم قدرها في نفوس أبنائها، كما ربط رضاه برضاها، وبهذا جاءت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي أعلت من شأن الأم، كما أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بالأم أعظم توصية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظيم التعب الذي تقوم به حين تسهر على أبنائها، فهي وحدها من يستشعر بضعفهم وتعبهم، وهي الوحيدة التي تمرض إن شعرت للحظة واحدة أن أحد أبنائها سيمرض، بل إنها تتمنى لو أنها تأخذ كل الحزن والألم عن أبنائها، وتعطيهم فرحًا دائمًا. تتجلى عظمتها في أمور لا يمكن حصرها، إذ إن دورها لا يتوقف عند الحمل الشاق المتعب الذي يحرمها لذة النوم والطعام، وإنما يستمر معها طول العمر، فلا تستطيع أن تشعر بأية معانٍ للفرح إن شعرت بأن حزنًا ما يمس أحد أبنائها، لأنها تريد لهم دومًا أن يكونوا أفضل الناس. الواجب تجاهها يحتاج إلى كثيرٍ من رد الوفاء، فما من أحد أولى بالطاعة منها، وما من أحدٍ أولى بالرعاية والعناية أكثر منها، ولا شيء في الدنيا كلها يُعادل فرحة قلب الأم حين ترى أبناءها وهم ملتفون حولها ويجلسون إلى جانبها ولا يُفارقونها أو يُهملونها، فالإهمال وعدم الرعاية يقتل قلب الأم ويورث الأبناء ذنب العقوق، لذلك جعل الله رضاه مرتبطًا برضاها. مهما كانت الحياة كئيبة وصعبة ومملة، سيظل فيها أمل يتجدد في كل لحظة، بمجرد أن يلمح أحدنا ضحكة أمه في الصباح، أو حتى مجرد أن يسمع صوتها تُنادي عليه، فالأم أعظم النعم وأكثرها قربًا للقلب، والواجب يقتضي ردّ المعروف ولو بكلمة ليفرح قلبها دائمًا.

معاني الأمومة
لا يختلف أحد على أن الأم محبة... ودفء وسلام، ووحدها المحبة تنطق بلغة الأم، عندما نتحدث عن الأمومة، لا بد أن نعترف بأن الموضوع في غاية الدقة والأهمية، نظرًا لما يترتب على الأم من مسئوليات تجاه أولادها. فالأم هي الحاضنة والمربية والمرشدة، وهي المسئولة الأولى عن تربية طفلهـا وتنشئته وتوجيهه ورعايته صحيًا ونفسيـًا وثقافيًا، وعن متابعته حتى يصبـح رجلًا مسئولًا بدوره أمام مجتمعه، أو شابـة ناضجة تملك المعطيات التي تؤهلها أن تكون ربة أسرة وأمًّا صالحة. ومن الطبيعي أن ننظر إلى دور الأم كدور أساسي في حياة الأبناء، فالأم هي التي تعد الطفل للاندماج في برامج الحياة الأسرية والاجتماعية، وهي حجر الزاوية الأساسي الذي ينهض بكل مقومات التربية والتنشئة للأبناء.
ولا شك أنه بقدر وعي الأم ونضجها وأمانتها في تعاملها مع أبنائها، بقدر ما يفوز الأبناء بشخصية سوية، فالرعاية الجيدة والتربية السليمة تخلق الابن الصالح.

اختلاف دور الأم عن الآخرين
الأم ليست كغيرها من الأفراد، لأن الأفراد الآخرين عندما يقدمون لك شيئًا يكونون مترقبين نتيجته. لكن الأم تعطي دون انتظار المقابل أو الشكر أو التقدير، وعندما يفكر أي فرد في أن يرد جزءًا صغيرًا لأمه كما فعلت معه فإنه لا يستطيع، فالأم هى التي سهرت الليالي الطوال لكي يرتاح الأبناء دون أن تأخذ هى الراحة أو تنام، وتتحمل كل أعباء الحياة من أجل الأبناء. ودائمًا نجد أن اهتمامها الأول والأخير متجهًا لهم، ولا تخاف من شيء إلا على أبنائها، وقد قيل إن الجنة تحت أقدام الأمهات، ورغم أن للأب دورًا في الأسرة لكن الأم هى التي تتحمل كل الأعباء وكل الأدوار في حياة الطفل، فالأب قد ينحصر دوره في الإنفاق فقط، لكن باقي المسئوليات تقع على عاتق الأم.

العلاقة بين الأم والطفل
يحتاج الطفل إلى أم تحتضنه بود ومحبة، وتحترم خصوصياته وتواكب احتياجاته حسب مراحل نموه، لأن احترام حقوق الطفل يزيد من تعميق إحساسه بالطمأنينة والرضا. ومهم جدًّا أن تكون الأم صديقة لابنها، تشاركه أحلامه ومشاعره؛ خاصة في المراحل المبكرة من عمره، فالتواصل القوي بين الأم والطفل من أهم العوامل التي يرتكز عليها نمو الطفل السليم، والذي يشكل وقاية ضد العديد من السلوكيات السلبية.
إن العلاقة الحميمة بين الأم والطفل تعزز لديه الثقة بالنفس وتكسبه حصانة وجدانية ومعرفية، وتجعله قادرًا على استغلال طاقاته الذاتية بصورة أفضل. إن وجود الأم الدائم إلى جانب أولادها وتفرّغها للاعتناء بهم وتلبية احتياجاتهم يسهم في تأهيلهم تأهيلًا إيجابيًّا وبنّاءً.
والتوجيه عنصر مطلوب في مجال التنشئة الأسرية، ونحن من خلاله نخاطب ضمير الطفل وأحاسيسه، ونعتمد عليه في تهذيب سلوكه وتدريبه على السمات السلوكية التي تساعده ليكتسب من خلالها النضج الكافي ليدرك ما هو الصواب وما هو الخطأ، خصوصًا في سنوات الطفولة والحداثة، حيث يجب أن نرسم إطارًا محددًا لتصرفات أولادنا يوضِّح لهم الخطوط الحمراء التي لا يحق لهم تجاوزها.
إن أهم خطوة مطلوبة في تربية الأبناء هي أن تكون الأم دافئة، حنونة، مستمعة، وفي الوقت نفسه محاورة ومنطقية، تعرف كيف تمزج بين السلطة والتسامح. فلا يجوز أن تكون قاضية في كل وقت، فلا يمر يوم على الطفل من دون عقاب، ولا يجوز أيضًا أن تكون متساهلة ومتسامحة لدرجة مبالغ فيها. بل نحن نطالب بإشراف الأم باستمرار على نشاطات طفلها وتحركاته، خاصة في مراحل الطفولة المبكرة مع التحلي بالمرونة.
وأفضل الأمهات هي التي تشجّع ابنها على الانطلاق في الاتجاهات الصحيحة، والتي توفِّر له المناخات الغنية بالدفء والطمأنينة، لأن هذا الشعور الآمن يكـسبه حـيوية متدفقة، ويساعد على ضبط مشاعـره وردود فعـله حيال المسائـل المرفـوضة لديه. وشيئًا فشيئًا يبدأ الابن بتصحيح مفاهيمه وترجمة الأمور ترجمة صحيحة، فالطفل لا يتقبَّل نقاط ضعفه إلا إذا تعلَّم كيف يعالج نفسه منها، والأم هي المسئولة عن تصحيح أخطاء الطفل.

أثر حب الأم في نفسية أولادها
يؤكد الطب النفسي الحديث أنه إذا شعر الطفل بالحب من أمه وحنانها وعطفها ودفئها، شعر بالأمان والاطمئنان.
ويقول الدكتور"مايكل فون جراند"، من مصحة ميونيخ للأمراض النفسية للأحداث: "إن حب الأم لأولادها لا يقل عن مفعول الأمصال واللقاحات التي تحميهم من الأمراض العضال، وإذا انعدمت كان المرض. وإذا انعدم في حالات استثنائية كأن يكون هذا بسبب مرض نفسي ألم بالأم مثلًا، تكون نفسية الطفل أقل نضوجًا وأكثر هشاشة وعرضة للإصابة بالأمراض النفسية والانحرافات السلوكية كالسرقة والإدمان والكذب.
فإن العديد من قضايا الأحداث عندما تنظر فيها المحاكم في مختلف أنحاء العالم، يرجع القاضي فيها إلى السجل الأسري لمعرفة مدى تأثير الأم في سلوكيات الحدث الماثل أمام المحكمة. فإذا كانت الأم لا تهتم بكل ما يتعلق به ولا تجسد حبها له في صورة احتضانه وتقبيله وتدليله، فغالبًا ما يكون ما ارتكبه الحدث المذنب نتيجة حرمانه من مظاهر الحب والحنان من قبل أمه. فشعور الأولاد بحب أمهم لهم يقوِّم أخلاقهم ويبعدهم عن الخطايا."
ويؤكد خبراء السلوكيات على أن حب الأم هو سر نجاحهم. يقول الخبير السلوكي النفسي: "بيتر براخ"، من مصحة الأحداث في ألمانيا: "إذا رجعنا لتاريخ الأحداث بصفة خاصة والإجرام بصفة عامة لوجدنا وراء كل جريمة قصة أمومة مفقودة الحب".

كيف نتعامل مع أولادنا؟
لكل مرحلة من مراحل النمو احتياجاتها الخاصة، وعلى الأم أن تكون متفهمة وصبورة ومتعاونة، لأن الأطفال يتأثرون بالمعطيات التي تتوافر لهم خلال مراحل نموهم. وكل إهمال من قبل الأم يجعل الطفل متوترًا وغير قادر على التحكم في انفعالاته، يخاف من كل شيء ويرفض كل شيء، وأحيانًا يتحوَّل إلى طفل خجول أو إلى طفل مشاغب وفوضوي.
للأطفال حاجات ومطالب، وحين تعجز الأم عن تلبيتها يشعر الابن بالإخفاق وعدم القدرة على التكيف في بيئة لا تُشبع كل حاجاته.
التعامل مع الأطفال بين عمر السنتين والست سنوات، يجب أن يتسم بالحذر الشديد، لأن هذه المرحلة غاية في الدقة والحساسية، وتعتبر أهم محطة في حياة الأبناء، باعتبار أن الطفل يتعلَّم فيها القيم الأخلاقية، ويكوِّن مفاهيمه، وينمو خياله وتنضج مشاعره، ويمتلك تفكيرًا قابلًا للاستيعاب والتركيز والتمييز. والجدير ذكره هو أن العاطفة تتغلب على المنطق عند أطفال هذه المرحلة. وفي المقابل، يميل الطفل إلى أن يكون له عالمه الخاص به ليشعر بالاستقلالية، ولهذا الشعور بريق خاص عند الأطفال بين عمر السنتين والست سنوات. إلى ذلك نشير إلى أن الطفل في هذه المرحلة يكون عفويًّا ومتقلّب المزاج، وتبرز عنده العواطف المعقدة: "الإحساس بعقدة النقص والذنب، الغضب والخوف، الحسد والغيرة". وهذه المشاعر هي ردود فعل لا إرادية يجد فيها الطفل متنفسًا له للتعبير عما يختلج في أعماقه من أحاسيس محبطة يكتمها، ويرفضها في وقت واحد.
كيف نساعد الطفل على تخطي تحديات نموّه العاطفي والفكري؟
ولماذا يحتفظ بعض الأطفال بنمط النمو السلوكي الذي تميّز به في طفولته، والبعض الآخر يتحوّل إلى شخص آخر يختلف عمّا كان عليه في طفولته؟
والى أي مدى يؤثر الدور الذي تلعبه الأم في حياة الأطفال؟
إن الأسئلة المطروحة في هذا الإطار لا يمكن حصرها، فالطفولة هي الأرض الخصبة التي من خلالها تبدأ رحلتنا الطويلة مع الحياة رجالًا وأمهات.

لماذا يغضب الطفل؟
كل أم تحلم بطفل مثالي هادئ الطباع ومطيع، لا يخطئ التصرّف، وتشعر بخيبة أمل حين تشعر بأن طفلها خارج إطار الصورة التي رسمتها له، وهنا نذكّر الأم، بأن قدرة الطفل على ضبط عواطفه وسلوكه يكتسبها عن طريق مراقبته للراشدين من حوله، والأم هي النموذج الأول الذي يتخذه الطفل مثالًا له ويقوم بتقليده.
وعندما يجد الطفل أن أمه سريعة الغضب وتفقد السيطرة على أعصابها بسرعة حين لا تكون راضية عن موقف أو تصرّف معيّن، من الطبيعي أن يلجأ الطفل إلى الأسلوب نفسه للتعبير عن رفضه واستيائه. ومن هنا نصرّ على ضرورة إخفاء المشاعر السلبية أمام أولادنا وإظهار المشاعر الإيجابية، لأننا بذلك نساعدهم على ضبط مشاعرهم ونحثهم على التعاون الإيجابي في عمر مبكر.
لا يجوز أن نتوقع من طفلنا أن يكون مثاليًّا، ويجب ألا نيأس منه حين يخطئ، فالأخطاء جزء مهم جدًّا من النمو الشخصي خلال الطفولة، فإذا لم يخطئ الطفل لا يعطينا الفرصة كي نرشده إلى الصواب. وفي المقابل، إن القسوة عليه تؤدي إلى عدم نضوجه وإرباكه. فالطفل الذي نعاقبه ونوبّخه بقسوة وننفجر غضبًا في وجهه حتى لو كان لا يستحق العقاب، يشعر بالحرج والإهانة ويفقد ثقته بحبنا له، وهذا الشعور يجعله يعيش في دوّامة تشحنه بالتوتر والغضب.
والمؤسف حين يشعر الطفل بأنه مغلوب على أمره، وبأننا لا نحمل الحب له، فنحن نعاقبه بقسوة ونلومه باستمرار إذا أخطأ أو لم يخطئ، وتتولد لديه قناعة بأن هناك صفة موجودة في الأطفال الآخرين غير موجودة عنده، فيبدأ البحث عن هذه الميزة المفقودة فيه، وتسرق منه محبة أمه أو أبيه. وقطعًا، حين يشعر الطفل بأن به نقصًا أو عيبًا أساسيًّا، يفقد احترامه لنفسه وثقته بها، وكلما كبر، يستمر في شكوكه التي تجعله يرتاب في محبة الآخرين واحترامهم له، وهذا الظنّ الذي يرافقه يقف كجدار في سبيله لا يتمكن من اجتيازه بسهولة في علاقاته مستقبلًا. وليس هناك أسوأ من أن يحتقر الإنسان نفسه ويراها غير جديرة بالاهتمام. وهنا أيضًا، نجد أن الإحساس بعقدة النقص يسكن في اللاشعور ليتخذ شكلًا جديدًا أساسه الغضب والعنف والتمرد، وبكل أسف، نرى أن صاحب هذه الشخصية يجد متعة كبيرة في تفجير غضبه لسبب أو من غير سبب، ويشعر بمتعة كبيرة في إيذاء الآخرين.
إن تجـاهل مشاعر الطـفل يؤدي إلى شعـوره بالغـضب، أما توفـير الدعـم العاطفي له، بمعنى التأكيد له، بأسـلوب أو بآخر، أننا نـتفهم أسباب غضـبه، واكتـئابه وشعوره بالإحباط، ونحبه ونتقبله مهما فعل، فيدعم معنوياته ويساعده ليكون أكثر هدوءًا وتفهمًا.

الغيرة عند الأطفال
لا بدّ من الاعتراف بأن الغيرة شعور طبيعي وشائع بين الأطفال، فكل طفل يرغب في تأكيد ذاته ويرفض أن ينافسه أحد على حب والديه له، وهو يؤمن إيمانًا عميقًا بأنه ليس من حق أحد أن يشاركه في حب أبويه، ويخاف أن يفقد جزءًا ولو بسيطًا من هذا الحب، والخوف يولّد الشك في نفسه، فيبدأ بالمراقبة والتحليل وقد يتمادى إلى أبعد من ذلك، فيقوم بمنافسة إخوته والدخول في شجارات معهم ليتحقق من حماية أهله له ومحبتهم.
وهذا يدل بوضوح على أن الغيرة لها تأثيرها على الشخصية، ويشير إلى أنها قد تصبح أحيانًا مدمرة لشخصية الأبناء. وعلى كل أم أن تدرك مدى الضرر الذي يقع على الطفل نتيجة لها، فالغيرة شعور نفسي مؤلم. وقد جاء في حديث لأحد الأطباء النفسيين: "من خلال تجربتي الطويلة مع الأطفال أرى أن أغلبية الصغار تظهر عليهم مشاعر مختلطة، مكوّنة من أحاسيس متنافرة هي الغيظ والغيرة والحب تجاه المولود الجديد الذي يُنزلهم عن عرش اهتمام الأسرة ومحبتها...".
عمـومًا، إن الغيرة تنـشأ في كل أسرة، وفي أغلب الأحيان تستاء الأم من مشاكل الغيرة بين أولادها، وتحاول حلّ النزاعات بشتى الطرق والوسائل، فتقوم مثلًا بشراء اللعبة نفسها لكل ولد من أولادها، كي لا يغار أحدهم من الآخر، ولكـن ما يحـصل هـو أنـه بـدلًا مــن أن يفـرح الأطفـال بألعابهم المتشابهة نجد كل واحد منهم يتفحّص بدقة لعبة الآخر لكي يتأكد من أن أمه لا تميّز بينه وبين أخيه وهي تحبه مثله تمامًا ولا تفضله عليه.
بعض الأطفال يعاني إحساسًا طاغيًا بالغيرة، خاصة عندما يكون جوّ الأسرة مساعدًا على تعزيز هذا الشعور المحبط، وهذا الموقف يفرض على كل أم أن تكون عادلة في محبتها لأولادها، لأن عدم مساواة الأم في حبها لهم يولّد الغيرة بينهم، التي تجعلهم في منافسة دائمة.
نحن نعرف أنه لا يوجد حب متساوٍ في هذه الحياة، ولكننا نعرف أيضًا أن حب الأم لأولادها، حب عميق وعادل، وكل أم تحب أولادها بالتساوي، ولكن في كل طفل صفات تجعلنا نحبه تختلف عن صفات أخيه، لذلك ينبغي علينا كأمهات أن نتصرّف بحكمة وحذر مع أولادنا كي لا يشعر أحدهم بأننا نحب أخاه أكثر منه.
فحـين تكافئ الأم أحد أولادها وتشجعه لأنه سلك سلوكًا استحق عليه المكافأة، عليها أن تعامل شقيقه بالأسلوب نفسه ليشعر بأنها تهتم به أيضًا، ولا تفرّق بينهما في المعاملة.
والمطلوب من كل أم أن تبتعد عن أسلوب المقارنة بين أولادها، فالمقارنة الدائمة بين طفل وطفل تخلق الشعور في أعماق أحدهما بأنه مكروه من أمه، فيكره بدوره شقيقه الذي تفضلّه أمه عليه، وتشتعل نار الغيرة في قلبه منه، وهذا يخلق نوعًا من التنافر الدائم بينهما. ومن ناحية أخرى، إن الطفل يرفض تمامًا أن يساويه أحد بطفل آخر سواء أكانت المقارنة في صالحه أم ضدّه، فالطفل يحب أن يجد نفسه محبوبًا من والديه لذاته وليس لأسباب أخرى. وأهم ما يساعد الطفل على اجتياز تجربة الغيرة هو أن نتحدث معه وننافشه بودّ وحب ونتفهم مشاعره وأحاسيسه ونحترم خصوصياته.
إن حكـمة الأم شـرط أساسي في تربـية الأبـناء، فهي إذا عرفـت كيف تهدئ من قلـق طفـلها الغيور ترفع معنوياته وتنقذه من الإحساس بالغيرة من أخيه، وتجعله لا يشعر بالكراهية والعداء نحوه بدلًا من أن تستـقر هذه المشـاعر في نفسه وتؤذيه.
فالحــوار بين الأم والطـفل يؤكد للطـفل أنه محـبوب من الأم، واهتمام الأم بشئون طفلها يمنحه الفرصة للشعور بالطمأنينة والأمان.

أهمية دور الأم
- لولا الأم لكان الوجود كوكبًا منسيًّا يسكنه الجماد، فما أعظم الأمومة وما أضعف الوجود الذي يتسوّل منها الحياة ويملأ سلاله الفارغة من بيادرها الخصبة.
- ملح الحياة هي.. وخميرة الوجود.
- هي الأرق والأجمل، هي الأنقى والأسمى، هي العدل والحكمة، عروس الأزمنة هي وحاضنة الأجيال.
- حبها يفوق كل حب، وجمال نفسها تفوّق على كل جمال، وعطاؤها أنبل من كل عطاء. جميلة هي في كل حالة، إيمانها عميق، تواضعها فريد، ومحبتها سامية.
- للأمومة أبجدية خاصة بها، كأبجدية الإيمان في كتاب صلاة.
- الأم ينبوع مبارك ليس لعمقه نهاية ولا يُدركه جفاف، مياهه أعذب من شهد العسل، وأصفى من دموع الفجر، كل قطرة منه تروي نفوسنا وتبعث فينا الراحة وهدأة البال.
- هي كرمة خضراء تتقلّب فيها الحياة في كل المواسم متحدية قدر الأزمنة والفصول.
- هي الجمال والكمال.. هي الخير والسلام.
- تتألم بصمت وتضحي بصبر وتتصرّف بحكمة.
- هي النغمة الأولى التي تترنّم بها شفاه الطفولة، والقبلة الأولى التي يحتضنها جبين الطفل، والابتسامة الأولى التي تعرفها عيون الأطفال.
- هي الحضن الدافئ الذي نلوذ إليه ليحمينا من القلق والحزن والغربة.
- مشاعر الأمومة كقطرات الندى التي تسكبها أجفان الفجر على وجنات الزهر وأوراق الشجر وسنابل الحقول.

قصص قصيرة عن الأم
الزلزال
بعد أن انتهت الهزة الأرضية العنيفة أسرع رجال الإنقاذ من الشرطة والجيش لإنقاذ الناس الذين وقعوا ضحية لآثار الزلزال، وبينما كان رجال الإنقاذ يبحثون عن ناجين، وجدوا امرأة شابة ميتة وكانت المرأة الميتة تتخذ وضعًا غريبًا، فقد كانت كأنها ساجدة، وكان جسد المرأة الميتة مسحوقًا بشكل كبير فقد تهشم رأسها وظهرها.
ولما وصل رجال الإنقاذ لها بعد أن أزالوا أكوام الأنقاض المتراكم عليها بصعوبة شديدة تبين لهم أن المرأة الميتة كانت تحمي طفلها الصغير الذي يبلغ من العمر 3 أشهر، وأسعف رجال الإنقاذ الرضيع الذي كان ملفوفًا ببطانية.
وكان الرضيع نائمًا حين فحصه الطبيب، وتبين أنه سليم معافى، ووجد الطبيب في بطانية الرضيع هاتفًا محمولًا، ولما فتحه الطبيب وجد أن الأم تركت رسالة تقول فيها أنا ضحيت بحياتي من أجلك يا صغيري، أنا أحبك يا ولدي، تذكر هذا ولا تنسَ هذا أبدًا.



ترك الأم في الصحراء
عاش أحد البدو مع أمه المسنة في الصحراء، وكان هذا البدوي كعادة جميع البدو يتنقل من مكان لآخر، وكانت أمه تعاني مثل باقي كبار السن من أمراض الشيخوخة، وأصبحت الأم تنسي بكثرة أحداثًا وأشياء بالغة الأهمية، وأصبحت لا تريد من ابنها أن يخرج.
وفي يوم من الأيام أتى أصدقاء الابن يريدون أن يخرجوا ويسافروا معه، فقال الابن لزوجته اتركي أمي هنا، وضعي لها الطعام والماء، فكم أتمنى أن تموت، واستعدي لأننا سنرحل ونتركها هنا .
لبَّت الزوجة طلب زوجها، وتركت طعامًا وماء عند والدة زوجها، وتركت معها أيضًا ولدها الصغير، ورحل الرجل وزوجته، ولما وصل الزوج وزوجته إلى بقعة مناسبة للإقامة، وبعد أن ارتاح الزوج طلب الزوج من زوجته أن تعطيه ولدهما الصغير الذي يبلغ من العمر عامًا واحدًا.
قالت له الزوجة إن الطفل عند أمه، فأصيب الرجل بالهلع، وقال لها كيف تركت ابني مع أمي؟، فقالت الزوجة لزوجها وبكل هدوء تركته عند أمك لأنه حين سيكبر سيتركك في الصحراء كما فعلت مع والدتك.
صعق الزوج بكلام زوجته، وأسرع وقفز على ظهر حصانه لكي ينقذ والدته وابنه من الذئاب والسباع، ولما وصل الرجل لمكان أمه وولده، وجد أمه تصارع الذئاب كي تحمي ابنه، وتقول اتركوني واتركوا ولدي الصغير ولا تؤذوه. فقفز الرجل وأنقذ أمه وولده من أنياب الذئاب، وحمل أمه وولده وقبل يدي وقدمي أمه وهو يبكي بحرقة على ما فعل، ورجع بأمه وولده لقبيلته، ومن ذلك اليوم صار أبر الرجال بأمه، وكانت عيناه لا تفارقان أمه، فأصبح يطمئن عليها في كل لحظة، وشكر الرجل زوجته التي أصلحت حاله الأعوج، وذكرته بقيمة أمه والإحسان إليها، فصلة الإنسان بأمه لا تنقطع بانقطاع الحبل السري، وإنما تستمر طوال الحياة.
دعاء أمي لي.. وأنا مريض في اختبارات التخرج
وأنا طالب في السنة النهائية، وفي الاختبارات النهائية، كنا نمتحن يومين في الأسبوع. والحمد لله أنا كنت مذاكر بشكل جيد، وأتذكر أن أول مادة كنت قد ذاكرتها جيدًا لدرجة أنني كنت أقول: "أي سؤال مهما كان أعرف كيف أجاوبه.. فمن أين ستأتي الأسئلة يعني..أنا مذاكر بشكل جيد.. أنا بإذن الله سأنجح بامتياز في هذه المادة (المادة هي: Chemotherapy). وفعلًا ربنا أكرمني وحصلت فيها على تقدير ممتاز. وهذا ليس غرورًا والعياذ بالله، بل هو ثقة بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

غير أن هذا ليس هو الموضوع، فمع نهاية الأسبوع الأول من الامتحانات بدأت أتعب، وشعرت بحرارة وسخونة وقيء ودوخة. وكنت لا أستطيع الجلوس أو القراءة أو المذاكرة. وكان صديقي سيد حامد يأتي ليذاكر معي، ويجلس يقرأ لي مراجعة سريعة، وأنا لا أستطيع أن أرفع رأسي من شدة ما بي.
وقد نصحني زملائي بأن أقدم اعتذارًا مرضيًّا عن تلك المادة، ولكنني رفضت. المهم، في صباح يوم الامتحان وأنا أعاني الأعراض ذاتها، وقبل ما أنزل، كان أبي يقول لي ليس ضروريًّا أن تذهب اليوم، وأنا أصر على الذهاب للامتحان.
المهم، انتابتني حالة من القيء قبل ما أنزل من البيت، ثم توكلت على الله وذهبت إلى الكلية برفقة صديقي سيد حامد، ودخلت لجنة الامتحان.
وسبحان الله.. على ما حدث!! تسلمت كراسة الإجابة وورقة الأسئلة وبدأت أجاوب وأكتب وأكتب ومرت ساعات الامتحان الثلاث، دون أن أشعر بأي ألم أو تعب، ولم أشعر بأي ميل للقيء. الحمد لله جاوبت كويس وكأنني لا أعاني أي شيء.
المهم، رجعت البيت، أبي الله يرحمه هو الذي فتح لي الباب، وأول ما رآني، قال لي: "طمني.. ماذا صنعت؟ قلت له الحمد لله.. جاوبت بشكل جيد، قال لي أبي: الحمد لله.. هذا أنت من وقت ما نزلت وأمك ترتب في البيت وتبكي.. وتدعو لك".
يا لها من دموع غالية.. جعلها الله بردًا وسلامًا وشفاء.. إنها دموع أمي.. ودعاء أمي.. استجاب الله له في الحال.. فصرت سليمًا معافى.
والحمد لله، حصلت في هذه المادة على تقدير "جيد جدًّا"، وحصلت على تقدير عام "جيد جدًّا"، وتم تكليفي معيدًا.. كل ذلك بفضل دعاء أمي.
تخيل– عزيزي القارئ- لو أني رسبت في هذه المادة، أو حصلت فيها على تقدير "مقبول" مثلًا، ما كنت من الخمسة الأوائل، وما كان ليتم تكليفي معيدًا.. وما صرت أستاذًا في الجامعة.. سبحانك ربي!!

رسائل أم إلى أبنائها الأربعة...حب وألم!!
الرساله الأولى...
يا أول فرحة لي بالأمومة التي طالما انتظرتها..
يا من كنت أناجيها وهي ما زالت جنينًا يسكن ويستكن داخلي..
لا تذكرين كم من الأغاني هدهدتك بها لأسلــي وحدتك وأحثك على سرعة قدومك..
وكم من الحب والحنان غذيتك به..
ولا تذكرين كم كنت أتلهف على ضمك وشمك..
كنت أعتبرك "أنا" بصورة مصغرة، لم أكن أعتبرك كائنا آخر أو حتى جزء مني..
أحببت نفسي وبدأت أراعيها لأجلك..
علمتك كيف تحبين.. وكيف يحبكِ البشر..
وحين تعلمتِه.. لم تمنحيني منه شيئًا!
ولم أنتظر منك حين كبرتِ سوى أن تبادليني الحب والإحساس
وتشعريني بالتقدير.. فهل هذا مستحيل؟!
اغفري لي تلعثم قلمي وعجزي عن التعبير عما لكِ هنا.

الرساله الثانية...
يا ثاني فرحة لقلبي..
يا حبًّا شعرته لأول مرة في حياتي الجامدة، الجافة..
لأول مرة أشعر بتيار الإحساس ينساب من قلبي لقلبك، ثم يرتد لقلبي ويكـوِّن "دارة" حب رائعة..
يا من احتويتها بداخلي حتى بعد ولادتها..
لا تذكرين، ولا تعلمين كم كنت أعاني في حزنك وألمك ومرضك..
ولا تعلمين كم تؤلمين قلبي بشراسة ولا تبالين.. ويصفح عنك..
هل تعلمين كم تسعدني رؤيتك حين تمتصين غضبي فيلهج قلبي قبل لساني بالدعاء لكِ..
علمتك أساسيات الخوض في الحياة..
عودتك أن ترتمي بهمك عليَّ ليحمله قلبي عنك..
ولم أنتظر منك حين كبرتِ سوى أن تبادليني الحب والإحساس...
وتشعريني بالتقدير.. فهل هذا مستحيل؟!
اغفري لي تلعثم قلمي وعجزي عن التعبير عما لكِ هنا.

الرساله الثالثة...
يا من أكملت ربحي بالجنة..
يا ثالث كنوزي التي كنت أتباهى بها..
ويا أول بسمة دغدغت قلبي في ثالث يوم من قدومها لحياتي..
يا رائحة أختي الحبيبة التي أشمها كلما ضممتك وقبلتك..
يا كل الأحاسيس الرقيقة... لا تدفني ما بك !
لا تعلمين يا صغيرتي أن مقدمك كان بالخير علينا جميعًا..
وأن وجودك في حياتي كان بمثابة العيش على جزيرة خضراء هادئة..
فرحت بك كما لم أفرح من قبل، وكلما تدرجتِ بعمرك ازدادت فرحتي...
وتصرين على دفنها..
ولم أنتظر منك حين كبرتِ سوى أن تبادليني الحب والإحساس
وتشعريني بالتقدير.. فهل هذا مستحيل؟!
اغفري لي تلعثم قلمي وعجزي عن التعبير عما لكِ هنا

الرسالة الرابعة...
يا صغيري الحبيب..
يا منقذي من الألسن..
يا هبة الله لي بعد صلواتي ومناجاتي والناس نيام...
لا تدري كم سجدت لله شاكرة وأنت في داخلي لفرحتي بقرب قدومك..
كنت أعد الأيام والساعات لأثلج القلب بضمك أيها الحبيب..
أحبك.. ولن تجد قلبًا يحبك مثل قلبي..
وكم حمدت الله أن وهبني إيـّـَاك لتحميني من ألسنة الناس لعدم وجودك..
وكم شكرته بأن أعطاني الولد الذي سيكون سندًا لي بعد الله لي ولأخواته.
ولم أنتظر منك حين كبرت سوى أن تبادلني الحب والإحساس
وتشعرني بالتقدير.. فهل هذا مستحيل؟!
اغفر لي تلعثم قلمي وعجزي عن التعبير عما لك هنا.

رسالتي إليكم جميعًا..
يا أجمل ما وهبني الله في حياتي..
حروفي هذه ما قصدت بها إلا نفض الغبار عن أعينكم وقلوبكم، لتشاهدوا الحقيقة التي غابت عنكم..
من الطبيعي أن كل أم تحب أبناءها بعد ولادتهم..
أما أنا فعشقتكم وأنتم ما زلتم أجنة في رحمي الشفيق عليكم..
كم عانيت وتألمت وسهرت وصبرت لأجلكم..
كم فرحت لفرحكم واعتصر قلبي ألمًا لحزنكم وألمكم..
دائمًا كنت حريصة على أن أعدِل بينكم لأني قد سبق أن جربت ما أخشاه عليكم..
هذه حقيقة كثيرًا ما تجاهلتموها في حدة غضبكم..
كم كنت أحرم نفسي من متع ِلأصبها عليكم وأسعدكم..
حين كنت على شفير الموت.. لم أكن أخشى على نفسي إلا لخوفي أن أترككم في وحدة من بعدي..
طلبت من الجميع وقتها أن يخبروكم برغبتي الوحيدة، وهي..
أن يحب بعضكم بعضًا وتكونوا معًا متحابين، مترابطين..
فهذا كان وما زال غاية أمانيَّ..
ويؤلمني كثيرًا أن أراكم متباعدين..
ويحزّ في قلبي أن أشعر بعدوانية كل منكم للآخر..
ويقتلني تفرقكم وأنتم في بيت واحد يجمعكم..
ألا أستحق منكم أن تحققوا أمنيتي؟
ألا أستحق أن تبادلوني أحاسيسي؟
ألا أستحق منكم الاحترام والتقدير؟
كم كنت أصـبِّـر النفس بكم، ليقيني بأن الله سيعوضني خيرًا (بكم(
وها أنا أنتظر تحقيق يقيني منذ (20) عامًا
قد تجاوز صبري صبر أيوب، وما زلت صابرة!!!
ولكني أسألكم الآن.. كم سيطول صبري؟؟؟!!!
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.